تتصدر عقوبة الإعدام العقوبات الأصلیة ، نظرا لطبیعتھا و نوع الحق الذي تمسھ باعتبارھا عقوبة بدنیة بمقتضاھا ینفذ الموت في شخص محكوم علیه به من الدولة، وتنفیذ ھذا الحكم لا یجوز لأي فرد من الأفراد مباشرتھ، وإنما تعین الدولة لذلك شخصا كي ینفذ الحكم . إن لفظة الإعدام في اللغة العربیة (1) ھي مصدر ( اعدم ) ، یقال اعدم فلان : افتقر ، واعدم الشیئي فلانا ، افقده إیاه ، والعدم ھو الفقر و ھو ضد الوجود والمعدوم غیر الموجود . ومن ھذا الأخیر المحدثون من علماء اللغة قولھم : اعدم الجلاد المجرم ، نفذ فیه حكم الإعدام وقضى القاضي بإعدام المجرم أي بإزھاق روحه . استعمل فقھاء الشریعة الإسلامیة مصطلح عقوبة القتل عند تناولھم للجرائم المعاقب علیھا بالقتل ، أما مصطلح الإعدام فلم یستعمل لدیھم ، بل شاع استعماله لدى المشرعین وشراح القانون والباحثین في العصر الحدیث . ومن المفید أن نأتي بتعریف الفقھاء (2) للقتل فقد عرف علاء الدین الطرابلسي القتل بأنه :” فعل یضاف إلى العباد بحیث تزول به الحیاة وزوال الحیاة بدون فعل العباد یسمى موتا “.

وعرفه آخرون بأنھ:” فعل ما تزھق به النفس أي تفارق الروح البدن .” كما عرفھا الدكتور محمد نجیب حسني بأنھاإزھاق روح المحكوم علیھ ” ، وعرفھا الدكتور ماھر عبد شوش بأنھا ” إزھاق روح المحكوم علیه بوسیلة یحددھا القانون ” ، آما الدكتور محمد شلال حبیب والمدرس علي حسین محمد طوالبة فقد عرفھا بأنھا ” إزھاق روح المحكوم علیھ الذي صدر ضده حكم من قبل محكمة مختصة لارتكابه جریمة خطیرة ینص علیھا القانون .” (3) وعلیه فیقصد بعقوبة الإعدام إزھاق روح المحكوم علیھ قضاء، جزاء على ارتكابه محظورا شرعیا معاقبا علیھ بسلب حق الحیاة منھ ، فالقضاء وحده ھو المختص بتطبیق عقوبة الإعدام ولا بد أن یكون ھناك نص صریح ومباشر على الجرائم والعقوبات المعاقب علیھا بالإعدام وھذا ما یعبر عنھ بشرعیة الجرائم والعقوبات . أما في التشریعات فقد عرف المشرع العراقي عقوبة الإعدام في المادة ( 86 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل بأنھا شنق المحكوم علیھ حتى الموت ، أما القوانین العربیة الاخرى فإنھا لم تضع تعریفا محددا لعقوبة الإعدام اكتفت بالإشارة إلى بیان موقعھا بین العقوبات وھذا ما سارت علیه قوانین العقوبات المغربي م 16 ، العماني م 39 ، التونسي م 5 ، والقطري م 34 فجوھر عقوبة الإعدام كجزاء یتمثل في إیلام المحكوم علیه و المساس بحقه في الحیاة، بإزھاق روحه وسلبھا منھ مثلما تصیب العقوبات الأخرى المحكوم علیھم بھا بالمساس بحق لھم سواء في شخصھم أو مالھم أو شرفھم.

من الخصائص الأساسیة لعقوبة الإعدام (4) أن ینص علیھا في التشریع، إذ لا جریمة ولا عقوبة إلا بنص من القانون ویجب أن تصدر من السلطة القضائیة التي تحددھا .و لا یغیر الإعدام في خصائص و الضمانات المقررة له عن غیره من العقوبات لذا فانھ یخضع لجمیع الأحكام التي تتضمنھا النظریة العامة للعقوبة. إن خصائص العقوبة تنبعث من جوھرھا ، إذ العقوبة كجزاء و ما تنطوي علیھ من ألم یكون ھو محور تلك الخصائص إذ أن الألم ضروري لتحقیق غرض أساسي و ھام من أغراض العقوبة ھو إرضاء الشعور العام بالعدالة ، وذلك أن الجریمة تمثل اعتداء على العدالة كقیمة اجتماعیة ، فھناك مجموعة من المبادئ القانونیة تعد بمثابة ضمانات تمثل الحد الأدنى للحفاظ على حریات الأفراد استقرت في الأخذ بھا كافة التشریعات الجنائیة والتي تتمثل في: مبدأ شرعیة العقوبة ( 5) ، وذلك أعمالا للمبدأ الدستوري والقانوني الذي یقرر انھ لا جریمة و لا عقوبة إلا بنص في القانون ، وھذا المبدأ الذي تأخذ به جمیع التشریعات الجنائیة الحدیثة حیث أن الدول التي أبقت على الإعدام بتشریعاتھا تحدد الجرائم المعاقب علیھا به. و لم یعد الأمر متعلقا بتقدیر القاضي في التجریم و العقاب إذ أصبح ذلك من اختصاص السلطة التشریعیة وحدھا ، إنما انحصر دوره في مجرد تطبیق العقوبة التي یقررھا نص القانون ، ومن ثم انحصر تطبیق الإعدام في الجرائم التي یقررھا القانون لھده العقوبة وفقا للسیاسة العقابیة التي ینتھجھا المشرع . مبدأ قضائیة العقوبة بمعنى لا یجوز لأي جھة أن تصدر حكم الإدانة ، ما لم تكن السلطة القضائیة وحدھا صاحبة الاختصاص في فرض العقوبات ، قدیما كان المجني علیه أو المضرور یتولى توقیع العقاب على الجاني وذلك في ظل نظام الانتقام، كما أن الشریعة الإسلامیة قد أباحت لولي الدم تنفیذ القصاص إذا أمنت عدم الجور ، وبظھور الدولة أصبح العقاب من اختصاص الحاكم أو نائبھ ، وتتویجا للكفاح الإنساني ضد استبداد الحاكم ساد في العصر الحدیث مبدأ الفصل بین السلطات وأصبحت السلطة القضائیة ھي المختصة وحدھا بتوقیع العقوبات وذلك لاستقلال القضاة عن السلطتین التشریعیة و التنفیذیة و ابتعادھم عن الأھواء السیاسیة ، بالإضافة إلى إلمامھم بالعلوم القانونیة و الاجتماعیة ، وفق المؤھلات العلمیة التي تشترطھا كل دولة في من یتقلد منصب القضاء فضلا عن إمكانیة تثقیف القضاة من خلال دورات بمعاھد علیا متخصصة تعدھا الدولة لھذا الغرض(6)

و مبدأ قضائیة العقوبة ھو الذي یمیز العقوبات الجنائیة عن غیرھا من الجزاءات القانونیة دون حاجة إلى تدخل القضاء. مبدأ شخصیة العقوبة ویعني أن الجزاء الجنائي یجب قصر أثاره المباشرة على من یسأل جنائیا عن الجریمة دون امتدادھا إلى سواه، و قد اخذ الدستور بھذا المبدأ فینص في المادة 22 منه على أن ” العقوبة شخصیة ” ، و جدیر بالذكر أن ھذا المبدأ لم یكن معمول بھ في الماضي حیث كان یلحق بذوي المسؤول عن الجریمة أذاھا المباشر . وعقوبة الإعدام كغیرھا من العقوبات یقتصر أذاھا على شخص المحكوم علیه الذي أدین بحكم قضائي بات فإذا ما توفي قبل المحاكمة أو أثناء نظر الدعوى الجنائیة تنقضي الدعوى ، و إذا توفي بعد الحكم وقبل التنفیذ انقضى الحكم و استحال التنفیذ و لا یسأل أحد أفراد أسرتھ أو ورثتھ و لكن تنفیذ الإعدام في شخص المحكوم علیھ قد یصیب في الغالب بعض ذویھ و سائر من كانوا یعتمدون علیھ ببعض الضرر، و تلك الأضرار غیر مباشرة و غیر مقصودة. مبدأ المساواة (7) مؤداه أن جمیع المكلفین بأحكام القانون متساوون ، إذ بمقتضى ھذا المبدأ یطبق النص القانوني على كل الأفراد دون تفرقة فإذا ارتكب فرد جریمة ما یستحق العقوبة المقدرة لھا و یحدد القاضي مقدار العقوبة التي یرى ملاءمتھا له بقدر جسامة مادیات الجریمة و مسؤولیة الجاني و مدى خطورته الإجرامیة. وھذا المبدأ لا یستلزم توقیع ذات العقوبة على مقترف ذات الجریمة، إذ للقاضي سلطة تقدیریة تحدد بموجبھا العقوبة التي یرى أنھا تتناسب و ظروف كل مجرم ما دام أن العقوبة المقضي بھا لم تخرج عن حدیھا الأدنى والأقصى المقررین لھا.

وتخضع عقوبة الإعدام لمبدأ المساواة كذلك كباقي العقوبات الجنائیة ، فالنصوص القانونیة التي تقرر عقوبة الإعدام تسري على جمیع المكلفین دون تفرقة بینھم ، و لكن القاضي لدى تطبیقه ھذه النصوص وأعمالا لمبدأ التقریر القضائي قد یقضي بتوقیع الإعدام على مجرم بینما یقض بالأشغال الشاقة المؤبدة على مجرم أخر اقترف ذات الجریمة على حسب جسامة مادیات الجریمة ومقدارھا ما صاحبھا من خطیئة وإثم وكذا مسؤولیة كل جاني ومدى خطورته الإجرامیة (8) مبدأ احترام الكرامة الإنسانیة للمحكوم علیھ: إن الله خلق الإنسان وكرمه على جمیع خلقه ،قال تعالى ” ولقد كرمنا بني ادم وحملناھم في البر والبحر ورزقناھم من الطیبات وفضلناھم على كثیر ممن خلقنا تفضیلا“.( 9) ، إلا انه في الماضي كانت تمتھن كرامته إذا ما أتھن بارتكاب جرم یسیر وقد یكون بریئا من ذلك الاتھام بل إن الإنسان قد أجھد فكره واعمل عبقریته في اختراع الآلات التي یستخدمھا في تعذیب أخیه الإنسان . ولقد أخذت التشریعات الجنائیة في العصر الحدیث بمبدأ احترام كرامة الإنسان بل إن ھیئات دولیة متخصصة أنشأت لضمان المبدأ . ومن نتائج المبدأ أن جمیع دول العالم ألغت من قوانینھا النصوص التي كانت تقرر التعذیب المصاحب لتنفیذ العقوبة، بل أن جمیع التشریعات الجنائیة الحدیثة تحاول أن تسعى جاھدة للتوصل إلى أسھل الوسائل لتنفیذ الإعدام وبذلك تحصر الإیلام المصاحب للتنفیذ في القدر الضروري، فمنذ عصر مصر القدیمة كان یقدم للمحكوم علیه بالإعدام بعض من المشروبات المخدرة حتى تخفف من شدة الآلام المصاحبة لتنفیذ الإعدام (10)

_____________________

1- انظر: الكردي ( اومید عثمان) ، عقوبة الإعدام في الشریعة الإسلامیة ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الاولى ، 2008،ص . 68 .

2-انظر: المرجع نفسه ، ص . 69 )

3 – انظر: العزاوي ( رضا مزھر ) ، عقوبة الإعدام في الوطن العربي ( التشریع العراقي )، دراسة مقدمة إلى المنظمة المصریة للإصلاح الجنائي ، تشرین الأول ، 2007

4- انظر: الكیلاني (عدالله عبد القادر )، عقوبة الإعدام في الشریعة الإسلامیة والقانون المصري ، ط 1 ، دار الھدى للمطبوعات ، 1996 ، ص 5 .

5- انظر: منصور ( إسحاق إبراھیم) ، الموجز في علم الإجرام والعقاب ، دون طبعة ، دون مكان نشر، 198،ص .127

6- انظر: بن براھیم فخار (حمو) ، عقوبة الإعدام دراسة مقارنة ، رسالة ماجستیر ، جامعة الجزائر، كلیة الحقوق ، سنة 2002 ، ص . 14

7- انظر: الكردي ( اومیدعثمان ) ،المرجع السابق ، ص. 64

8- انظر: بن براھیم فخار (حمو ) ، المرجع السابق ، ص. 13.

9- سورة الأسراء الآیة 70 .

10- انظر: الكیلاني ( عبد الله عبد القادر ) ، المرجع السابق، ص. 10

المؤلف : جودي زينب .
الكتاب أو المصدر : عقوبة الاعدام بين التشريعات الوطنية والقانون الدولي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .