قد تحجز عقارات متعددة مقابل دين قليل القيمة، الأمر الذي قد يضر بمصالح المحجوز عليه، لذا يكون من العدل أن يطلب المحجوز عليه قصر الحجز على بعض أمواله، ورفع الحجز على أمواله الأخرى، وهوالنظام الذي تتجه التشريعات الحديثة إلى الأخذ به.

أولا: مفهوم قصر الحجز

فدعوى قصر الحجز هي الدعوى التي يرفعها المدين المحجوز عليه عندما تكون قيمة الدين المحجوز من أجله لا تتناسب مع قيمة الأموال المحجوزة، وليس لديه من النقود ما يستطيع إيداعها، يطلب فيها قصر وحصر الحجز على بعض أمواله، ورفعه عن البعض الأخر، وبذلك يتمكن من الحد من الأثر الكلي للحجز(1) وٕاذا كان نظام الإيداع والتخصيص بدوره يحقق هذا الغرض بحيث يتم إيداع مبلغ نقدي يخصص للوفاء بحق الحاجز ومصاريف الحجز وذلك من أجل رفع الحجز المنصب على العقار (2) ومن ثم فالأمر في الإيداع هو مجرد تغيير لمحل الحجز من العقار الذي إختاره الدائن إلى النقود المودعة لدى المحضر القضائي أو بأمانة ضبط المحكمة(3). ومن هنا تظهر أهمية قصر الحجز في مرحلة التنفيذية، بإعتبار أن المدين الذي لا يتوفر على سيولة تمكنه من الوفاء بالدين عن طريق الإيداع، فإنه يمكنه على الأقل أن يحد جزئيا من الحجز متى كان موقعا على عقا ا رت متعددة، يكون بعضها كاف لأداء الدين، فيمكنه في هذه الحالة اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة بطلب قصر الحجز على بعض أمواله المحجوزة، ولأهمية هذا النظام نظمه المشرع بموجب المادة 642 ف 2 من القانون الجديد التي جاء فيها: ” غير أنه إذا كانت قيمة الدين المحجوز من أجله لا تتناسب مع قيمة الأموال المحجوزة جاز للمدين أن يطلب بدعوى استعجالية، الحكم له بقصر الحجز على بعض هذه الأموال التي تغطي مبلغ الدين ومصاريفه. والدائن الذي تقرر قصر الحجز لصالحه، له الأولوية على غيره من الدائنين عند إستيفاء حقه من الأموال التي يقصر الحجز عليها”.

ثانيا: إجراءات قصر الحجز

وصاحب الصفة في رفع هذه الدعوى هو المدين المحجوز عليه وحده باعتباره المالك للأموال التي يريد حصر الحجز فيها، وترفع ضد الحاجز الذي يصدر الحكم بحصر الحجز، في مواجهته (4)، وهي غير مقيدة بأجل، إلا أن المنطق يقتضي رفعها قبل رسو المزاد، لأنها تصير بعد المزايدة بدون موضوع (5) وترفع هذا الدعوى وفقا للإجراءات المعتادة في الدعاوى الاستعجالية أمام رئيس المحكمة بصفته قاضي الأمور الاستعجالية، ويتعين على هذا الأخير وهو ينظر هذا الطلب

أن يعتمد على ظاهر الأوراق والمستندات الخاصة بمقدار الحقوق المحجوز من أجلها، وقيمة العقارات المحجوزة، ويقدر كافة حقوق الحاجزين وأصحاب الحقوق الذين اعتبروا طرفا في الإجراءات(6) فإذا ثبت له بعد هذه التقديرات عدم التناسب، فإنه يحكم بقصر الحجز على بعض العقارات يحددها في الأمر بالقدر الذي يراه متناسبا مع الدين المحجوز من أجله(7).ويترتب على الحكم بقصر الحجز، أولا زوال أثره بالنسبة للأموال التي رفع عنها الحجز، وعليه سير المحجوز عليه حريته في إستعمالها والتصرف فيها، وثانيا يكون للدائن الحاجز قبل قصر الحجز أولوية في إستفاء حقوقه من الأموال التي صدر الأمر بقصر الحجز عليها، ويترتب على هذا أنه إذا وقع حجز جديد على العقار المحجوز بعد قصر الحجز عليه، فإنه يكون حجزا صحيحا، ولكن لا يقتضي الحاجز الجديد حقه من الثمن إلا بعد أن يقتضي الحاجز قبل القصر حقه كاملا(8).

__________________

1- التعريف يعود للأستاذين أحمد خلاصي في مرجعه السابق، ص 234 ، ويونس الزهري الحجز التنفيذي على العقار ، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، جامعة القاضي عياض، مراكش، السنة الجامعية 2007 /2006ص 382.

2- يقصد بدعوى الإيداع، الدعوى التي تهدف إلى استصدار حكم بتقدير مبلغ من النقود يودع بأمانة ضبط المحكمة على ذمة الوفاء بالدين المحجوز من أجله، ويترتب على هذا الإيداع زوال الحجز على الأموال المحجوزة وانتقاله إلى المال المودع، أنظر: محمد عزمي البكري: حجز القضائي على المنقول في ضوء الفقه والقضاء، دار محمود للنشر والتوزيع الطبعة الأولى، دمشق 1995 ، ص 310.

والملاحظة التي يجب إبداؤها بهذا الصدد هي أن هذه الدعوى وفي ظل القانون الحالي كان لا يؤخذ بها إلا في الحجوز التحفظية عملا بالمادة 351 ف 1 من ق إ م، بينما القانون الجديد مددها إلى الحجوز التنفيذية، وجاء بطريقتين لاستعمال هذه الوسيلة في المادتين 640 و 641 منه وهما الإيداع والتخصيص بغير حكم، والإيداع والتخصيص بناءا على حكم.

فنصت المادة 640 من ق إ م د على أنه: ” يجوز للمحجوز عليه أو من يمثله في أي حالة كانت عليها الإجراءات، قبل مباشرة البيع أو إثناءه، وقبل رسو المزاد، إيداع مبلغ من النقود يساوي الدين المحجوز من أجله والمصاريف.

يودع هذا المبلغ بين يدي المحضر القضائي، أو بأمانة ضبط المحكمة التي يباشر في دائرة إختصاصها التنفيذ مقابل وصل. يترتب على هذا الإيداع زوال الحجز على الأموال المحجوزة وانتقاله إلى المبلغ المودع الذي يبقى خالصا للدائن الحاجز دون م ا زحمة بقية الدائنين له في ذلك. إذا وقعت حجوز أخرى على أموال المدين بعد الإيداع، فلا يكون لها أثر في حق الدائن الذي خصص له هذا المبلغ”.

كما تنص المادة 641 من نفس القانون على أنه: ” يجوز للمحجوز عليه أن يطلب بدعوى استعجالية في أية حالة كانت عليها الإجراءات تقدير مبلغ من النقود أو ما يقوم مقامها يودعه بأمانة ضبط المحكمة يبقى على ذمة الوفاء للحاجز. يترتب على هذا الإيداع زوال الحجز عن الأمول المحجوزة وانتقاله إلى المال المودع لفائدة الدائن وحده عند الإقرار له به أو الحكم له بثبوته”.

والفرق بين هاتين الحالتين هو أنه يشترط في الحالة الأولى أن يكون المبلغ المودع مساويا للمبلغ المحجوز، في حين تمتاز الحالة الثانية بأن المبلغ المودع قد يكون أقل. وصاحب الصفة في تقديم هذا الطلب هو المدين المحجوز عليه أو من يمثله، أما المدعى عليه فهو الدائن الحاجز، ويقدم الطلب إلى رئيس المحكمة بصفته قاضي الأمور المستعجلة، الذي تكون له سلطة تقديرية في تحديد المبلغ الذي يودع ويخصص للوفاء، ولمزيد من الإطلاع على هذه الدعوى من حيث شروطها وإجراءات تحريكها ومتابعتها والفصل فيها والأثار المترتبة عن ذلك، أنظر: وجدي راغب: المرجع السابق، ص 283 وما بعدها، وكذلك أحمد خلاصي: قواعد وٕاجراءات التنفيذ الجبري وفقا لقانون الإجراءات المدنية الجزائري والتشريعات المرتبطة به، منشورات عشاش، الجزائر(الطبعة بدون تاريخ)، ص 231 وما بعدها، و أحمد أبو الوفاء : إجراءات التنفيذ في المواد المدنية والتجارية، دار الكتاب الحديث، منشأة المعارف الإسكندرية، الطبعة بدون تاريخ وبدون عدد ، ص 276 وما بعدها، ويونس الزهري: المرجع السابق، ص 384.

3- أنظر: – وجدي راغب: النظرية العامة للتنفيذ القضائي في قانون المرافعات المدنية والتجارية، دار الفكر العربي، الطبعة الثانية القاهرة 1973 ، ص 287.

-أحمد خلاصي: المرجع السابق، ص 230.

4- أحمد أبو الوفاء: إجراءات التنفيذ، ص 280

5- وجدي راغب: المرجع السابق، ص 287

6- يعتمد القاضي في تقدير قيمة الأموال الحجوزة إما على نفس القواعد التي يعتمد عليها في تحديد السعر الإفتتاحي، وٕاما على عناصر التقدير المقدمة من طرف الخصوم، ويمكنه أن يعتمد على خبرة قضائية في التقدير، هذه المعايير جاء بها يونس الزهري: في . رسالته السابقة، ص 388.

7- أبو الوفاء: إجراءات التنفيذ، ص 280.

8- أنظر: – وجدي راغب: المرجع السابق، ص 288 ، وأحمد خلاصي: المرجع السابق، ص 235.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .