النظام العام آلية لتحقيق الرقابة القضائية على قرار التحكيم

إعداد : ذ / أسامة الجواري

مقدمة

عمل المشرع المغربي في الآونة الأخيرة إلى الانصراف نحو تعزيز مكانة التحكيم داخل المنظومة الاجتماعية، باعتباره ظاهرة ذات أهمية بالغة، مستمدا سمعته من مبدأ السرعة التي يتم فيها حل النزاع بين الأطراف بواسطته، وخاصة أمام ما يعرفه الجهاز القضائي المغربي من تعثرات راجعة إلى كثرة القضايا المعروضة عليه.

من تم عمل المشرع على خلق نصوص قانونية تتماشى وطبيعة الوضع الراهن، وخلق هيئة بمقومات حداثية مساعدة للقضاء، وتجنب الالتجاء إليه، وربح الوقت والاقتصاد في النفقات، ومنح الأطراف حرية اختيار المحكمين، ليفصل فيما يثور مستقبلا أو يثور فعلا بينهم من منازعات بحكم ملزم دون المحكمة المختصة[1].

غير أن هذه المزايا التي تطبع التحكيم، فإن الواقع العملي قد أبان على أن موضوع التحكيم قد تتفرع عنه نزاعات أكثر تعقيدا وتتولد عنه قضايا جانبية لا يمكن حلها إلا بالالتجاء إلى قضاء الدولة للفصل فيها[2].

وعليه، عمل المشرع على تقييد سلطة المحكمين، من خلال إخضاعها لرقابة القضاء المغربي، وبالتالي فإن بناء أي حكم أو قرار تحكيمي يجب أن يرتكن إلى الأسس والمرتكزات التي حددها المشرع في إطار النصوص القانونية الخاصة، على اعتبار أن الانحراف عن هذه المرتكزات يعطي للمحكمة المختصة صلاحية رفض ذلك المقرر عن طريق الامتناع عن الاعتراف به، وتذيله بالصيغة التنفيذية .

على أساس ذلك، وقبل بت رئيس المحكمة في الطلب المعروض عليه، يعمل على مراقبة مدى احترام الهيئة التحكيمية لمبادئ النظام العام باعتباره الركيزة الأساسية التي يجب أن يبنى وفقها الحكم التحكيمي، دون التمييز في هذا الصدد بين الأحكام الصادرة في إطار التحكيم الداخلي، أو تلك الصادرة في إطار التحكيم الدولي، ولو أن اتفاقية نيويورك لعام 1958 لا تعترف بهذا المبدأ كما حدده المشرع المغربي، إلا أن هذا الأخير قيد تنفيذها بضرورة مراقبة رئيس المحكمة لمدى ارتكازها على مبادئ النظام العام وما يتطلبه هذا الأخير من مقومات لضمان الاستقرار وحماية الأمن التعاقدي.

وبالتالي فإن الأحكام لا تكتسب بذاتها القوة التنفيذية التي تخولها الحصول على الحماية القضائية بواسطة التنفيذ الجبري، إلا بصدور أمر خاص من جهة القضاء المختص، وهو ما يميز أحكام التحكيم عن أحكام القضاء التي تنفذ إذا صارت انتهائية دون حاجة إلى صدور أمر بتنفيذها، وعلة ذلك أن حكم التحكيم لا يستمد أي قوة من السلطة العامة، فيحتاج إلى صدور مثل هذا الأمر من القضاء حتى يصل إلى مرتبة الحكم القضائي ويمكن تنفيذه جبرا[3].

هذا وتبرز أهمية الموضوع في التعرف على الأسس التي ينبغي على الهيئة التحكيمية أن تحترمها عند إصدار الأحكام أو القرارات التحكيمية، فعلى الرغم من كون هذه الأحكام وكما هو معترف به دوليا تختلف في طبيعتها عن الأحكام التي تصدرها الهيئة القضائية، فإن المشرع ألزم أطراف النزاع وكذا المحكمين بضرورة احترام المبادئ المسطرة في القانون الداخلي وكذا الاتفاقيات الدولية.

بيد أن بناء أي حكم يجب أن تتوفر فيه مقومات وعوامل تتماشى وما تتطلبه مبادئ النظام العام، بحيث أن خروج الأحكام التحكيمية عن هذه المقومات كفيل بإبطالها، وإعادة النزاع للبت فيه أمام الجهاز القضائي، ومن تم تتضح لنا الأهمية النظرية والعملية التي تطبع الأحكام التحكيمية، والمرتكزات التي ينبغي أن تتأسس عليها، دفعا لكل إشكال من شأنه أن يحول دون الوصول إلى الهدف المتوخى من رفع النزاع وحله بواسطة التحكيم أساسا.

وعلى الرغم من المزايا التي يحملها التحكيم بصفة عامة، إلا أنه يطرح إشكالات عملية دفعت بالفقه والباحثين إلى التساؤل عن مدى مشروعية القرارات والأحكام التي تصدر عن هذه الهيئات، خاصة في الحالة التي تتعارض فيها مع مفهوم النظام العام، باعتباره أهم مرتكز يجب أن تؤسس عليه كافة الأحكام سواء كانت تحكيمية، أو قضائية، لذلك فإن إشكالية الموضوع تتمحور حول حدود سلطة القضاء في بسط رقابته على القرارات التحكيمية، والبحث عن مدى مشروعيتها، والآثار التي تخلفها في حالة المس بمبادئ التي يقتضيها قيام مبدأ المشروعية ؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات تقتضي منا الاعتماد على المنهج الوصفي، ثم التحليلي بهدف الوقوف على النصوص القانونية وتحليلها، مع الاعتماد كذلك على المنهج المقارن في مراحل متقطعة من العرض بهدف الوصول إلى إجابة عن الإشكالية التي يطرحها الموضوع، مع الاعتماد على الخطة التالية :

المبحث الأول : النظام العام كمرتكز لبناء القرار التحكيمي

المبحث الثاني : آثار الدفع بالنظام العام على الحكم التحكيمي

المبحث الأول : النظام العام كمرتكز لبناء القرار التحكيمي
أثبت التحكيم وجوده كأفضل الوسائل التي يلجأ إليها المتقاضيين لفض المنازعات التجارية التي تتطلب الكثير من الخبرة والسرعة[4]، اعتبار لكونه من أهم أنواع العدالة الخاصة المؤسسة على مبدأ سلطان الإرادة، لذلك فهو يسمح للأطراف باختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، وكذا القواعد الإجرائية الواجب إتباعها أثناء سير مسطرة التحكيم، كما أن الهيئة التحكيمية تستمد اختصاصها من اتفاق التحكيم ذاته المبرم بين الأطراف الذين يحددون بدقة النزاعات التي يبتون فيها.

غير أنه، لا يمكن تفسير هذه الحرية الممنوحة للأطراف بكونها مطلقة، فالهيئة التحكيمية لا تقوم بمهامها بمعزل عن الدولة، وإنما تخضع مقررات التحكيم لرقابة أجهزة الدولة القضائية لتنفيذها والاعتراف بها[5].

وبالتالي فإن خروج أي قرار عن الأساس والضوابط التي يتطلبها قانون الدولة، يمنح للقضاء سلطة واسعة لإبطاله، كما هو الشأن في حالة مساس القرار التحكيمي بالنظام العام[6]، والذي يعتبر رمزا للرقابة القضائية وأداة فعالة في يد القضاء لمراقبة أحكام التحكيم[7].

وعلى أساس ذلك فإن المحكم ملزم بتطبيق قانون بلده، والقانون الذي اتفق عليه الأطراف، وإن كان ذلك لا يتيح للمحكم حرية واسعة بتطبيق القواعد القانونية، بقدر ما يفرضان عليه قيود إضافية، لأنه بخلاف القاضي يهتم بإصدار قرار قابل للتنفيذ[8]، ومن تم فإن الاعتراف بالأحكام الصادرة في إطار التحكيم رهين بضرورة احترام الأطراف والمحكمين لقواعد النظام العام[9]، على اعتبار أن عدم احترام هذه القوانين تجعل من التحكيم قابلا للبطلان وبالتالي عدم إمكانية الاعتراف به والأمر بتنفيذه.

الأمر الذي يدفعنا، من خلال هذا المبحث إلى الحديث عن تطبيقات الدفع بالنظام العام في التحكيم، وبيان الجهات التي يثار أمامها.

المطلب الأول : تطبيقات الدفع بالنظام العام في التحكيم
إن الاعتراف بالقرارات التحكيمية وتنفيذها يتوقف عن مدى ملائمتها وتوافقها مع مقتضيات النظام العام، من تم نصت التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية على إمكانية اللجوء إلى آلية الدفع بالنظام العام بغية تحقيق الرقابة على التحكيم وعلى تنفيذ والاعتراف بالقرارات التحكيمية.

الفقرة الأولى : الدفع بالنظام العام في الاتفاقيات الدولية وأنظمة التحكيم
أجمعت مختلف التشريعات على أن الاعتراف بالقرار التحكيمي لا يتم إلا بعد التأكد من عدم مخالفته للنظام العام، سواء كان التحكيم دوليا أو داخليا، وهو ما أكدته مختلف الاتفاقيات الدولية وأنظمة التحكيم .

أولا : الدفع بالنظام العام في الاتفاقيات الدولية
أكدت الاتفاقيات الدولية، وبعض أنظمة التحكيم الدولي، مسألة الدفع بالنظام العام في التحكيم لمنع الاعتراف بالقرارات التحكيمية، وسنحاول أن نتطرق في هذه النقطة لاتفاقية نيويورك لسنة 1958[10]، ثم اتفاقية واشنطن لسنة 1965[11].

1 ) ـ اتفاقية نيويورك لسنة 1958
بالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة الخامسة نصت على أنه، يمكن أن يرفض اعتماد قرار تحكيمي وتنفيذه إذا لاحظت السلطة المختصة في البلد الذي طلب فيه الاعتماد والتنفيذ ما يلي :

ـ إن موضوع الخلاف حسب قانون هذا البلد ليس من شأنه أن يسوى بطريق التحكيم ؛

ـ إن اعتماد القرار أو تنفيذه قد يخالف النظام العام في هذا البلد .

غير أنه، وبعد الاطلاع على هذه المادة، يجب ألا يفهم أن النظام العام الذي أشارت له هو داخلي، بل قصدت النظام العام الدولي[12]، وإن كان هذا الأخير بدوره يبقى خاضعا لفلسفة القاضي المبنية على تشريعاته الداخلية والأهداف التي تتوخى حمايتها داخل بلده[13].

2 ) ـ اتفاقية واشنطن لسنة 1965
أفردت هذه الاتفاقية لمسألة الاعتراف وتنفيذ الأحكام التحكيمية حيزا كبيرا، وأعطت قانون دولة التنفيذ صلاحية تحديد حكم تنفيذ هذه الأحكام، وأجازت الدفع أمام السلطة المختصة بإصدار الأمر بالتنفيذ بمخالفة القرار التحكيمي الأجنبي للنظام العام[14] في هذه الدولة.

ويبدو جليا من خلال الفقرة الأولى من المادة 42 أنه لو صدر القرار التحكيمي طبقا للقانون الدولي، فإنه لا يجوز للمحكوم عليه أو الدولة الطرف طلب الاعتراف إليها بهذا القرار وتنفيذه في إقليمها، رفض هذا الاعتراف أو التنفيذ بدعوى تعارض القرار مع النظام العام الوطني في هذه الدولة[15]، ويمكن ذلك في الحالة المعاكسة حينما يتعارض القرار التحكيمي مع مبادئ القانون الدولي المتعلق بالنزاع[16].

ثانيا : الدفع بالنظام العام في أنظمة التحكيم
أجازت أنظمة التحكيم الدولية الدفع بالنظام العام، في حالة مخالفته ناهجة بذلك ما سارت عليه الاتفاقيات الدولية، وهذا ما سنعمل على بيانه في هذه النقطة من خلال التطرق إلى القانون النموذجي للتحكيم الدولي، ثم نظام التحكيم لمنطقة التوفيق لقانون الأعمال بإفريقيا.

1 ) ـ القانون النموذجي للتحكيم الدولي
بالرجوع إلى الفصل الثامن من هذا القانون خاصة المادة 36 منه، فقد أوردت مجموعة من الحالات التي يجوز في ثبوتها رفض الاعتراف ونفي القرار التحكيمي، ولعل أبرزها مخالفة القرار التحكيمي للنظام العام.

2 ) ـ نظام التحكيم لمنظمة التوفيق لقانون الأعمال بإفريقيا
عملت هذه المنظمة على تنظيم مجالات متعددة من بينها مجال التحكيم التجاري الدولي، حيث أصدرت قانون موحد للتحكيم الدولي تمت المصادقة عليه بتاريخ 11 مارس 1999.

وبالرجوع إلى المادة 29 منه، نجدها أجازت إمكانية الدفع بالنظام العام من أجل إبطال القرار التحكيمي، وعدم الاعتراف به وتنفيذه من خلال الفقرة الرابعة من المادة 31 منه.

الفقرة الثانية : الدفع بالنظام العام في القانون المغربي
أجاز المشرع المغربي الطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي إذا خرق الحكم قاعدة من قواعد النظام العام، وهو ما أكدته الفقرة السادسة من الفصل 36 ـ 327، والذي خول للمحكمة إثارة هذا الدفع المتعلق بخرق قواعد النظام العام تلقائيا إذا تبين لها ذلك، أو وجدت موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها[17]، ليكون المشرع المغربي سلك نفس الاتجاه الذي سارت عليه مختلف التشريعات العربية[18].

كما خول المشرع المغربي لرئيس المحكمة المختصة عند الاعتراف والتذييل بالصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي، أن يرفض ذلك بناء على خرق النظام العام لهذا الحكم التحكيمي، سواء من خلال عدم احترام حقوق الدفاع، أو خرق القواعد الجوهرية المطبقة على موضوع النزاع.

هذا عن الضوابط التي تحكم التحكيم الداخلي، أما بالنسبة للأحكام التحكيمية الدولية، فإنها تخضع في المغرب لمقتضيات اتفاقية نيويورك لسنة 1958، وتخضع أيضا لقانون المسطرة المدنية في كل ما يعود لطرق الطعن، وأيضا الاعتراف بها وتذييلها بالصيغة التنفيذية.

المطلب الثاني : الجهات التي يثار أمامها الدفع بالنظام العام في التحكيم
على عكس المواد الأخرى التي تتقيد بالنظام العام، والتي تثار أمام القضاء، فإن النظام العام في علاقته بالتحكيم، يثار أمام جهتين، أمام الهيئة التحكيمية، وأمام القضاء، فما هي الحالات التي يثار فيها الدفع بالنظام العام أمام كل جهة من الجهات المذكورة ؟

الفقرة الأولى : حالات الدفع بالنظام العام في التحكيم أمام الهيئة التحكيمية
بالرجوع إلى الاتفاقيات الدولية، والقوانين المقارنة ذات الصلة بتنظيم التحكيم، فإن الدفع بالنظام العام في التحكيم يثار أمام الهيئة التحكيمية في الحالات التالية :

أولا : المنازعة في مدى اختصاص الهيئة التحكيمية
إن المقصود بالمنازعة في مدى اختصاص الهيئة التحكيمية، هو منازعة الأطراف أو أحدهما في نطاق اختصاص الهيئة التحكيمية للبت في كل الاعتراضات المثارة بمناسبة التحكيم بما في ذلك العلاقة بين العقد الأصلي واتفاق التحكيم[19]، فهو دفع يلزم الهيئة التحكيمية بضرورة البت فيه، وهو ما يطلق عليه بمبدأ الاختصاص بالاختصاص الذي من خلاله تقوم الهيئة التحكيمية بتحديد ولايتها للبت في النزاع من عدمه[20]، ويقابله الدفع بوجود اتفاق التحكيم الذي يثار أمام القضاء[21].

هذا المبدأ، كرسه المشرع المغربي في الفصل 9 ـ 327 من ق.م.م والذي نص على أنه : ” على الهيئة التحكيمية قبل النظر في موضوع النزاع أن تبت إما تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف، في صحة وحدود اختصاصها أو في صحة اتفاق التحكيم وذلك بأمر غير قابل للطعن إلا وفق نفس شروط النظر في موضوع النزاع .”

وعلى أساس ذلك، نتساءل عن كيف يؤدي النظام العام إلى استبعاد اختصاص الهيئة التحكيمية ؟

إن الهيئة التحكيمية لتبت في مدى اختصاصها يجب أن تنظر أولا في مدى صحة العقد المتضمن لشرط التحكيم وعقد التحكيم ذاته من ناحية مخالفته للنظام العام، وما إذا كانت المنازعة التي عرضت عليه يجوز بشأنها التحكيم، ويدخل في النطاق الذي حدده الأطراف في اتفاقهم[22].

فالهيئة التحكيمية ملزمة بأن تثير مسألة النظام العام من تلقاء نفسها، على اعتبار أنها إذا لم تقم بذلك، فإنها تعرض حكمها للبطلان من طرف القضاء، وبالتالي فإنها ملزمة بالتصريح بعدم الاختصاص[23]، والتخلي عن مهمتها بعد التحقق من خرق النظام العام[24].

ثانيا : تطبيق الهيئة التحكيمية القواعد المتعلق بالمسطرة
بالرجوع إلى الفصول 10 ـ 327 و 36 ـ 327 و 49 ـ 327 من قانون المسطرة المدنية، فإن الهيئة التحكيمية ملزمة بموجب هذه الفصول، بتطبيق قواعد النظام العام المتعلقة بالقواعد الأساسية للمسطرة، سواء على مستوى التحكيم الداخلي أو التحكيم الدولي، وتتجلى هذه القواعد في ضرورة التقيد بنطاق النزاع، والتزام الحكم بمبدأ هام يضمن حقوق المتنازعين أمامه وهو مبدأ الحياد، فبالإضافة على مبدأ الوجاهية اللازم توافرها في الهيئة التحكيمية، فهي ملزمة باحترام أهم مبدأ، مبدأ يضمن حقوق كل طرف، وهو المعروف بمبدأ احترام حقوق الدفاع[25]، مع التزام الهيئة التحكيمية بضرورة تعليل القرارات الصادرة عنها.

ويجب الإشارة في هذا الصدد، إلى أنه في حالة لحوق المستندات المعرضة على الهيئة التحكيمية، تزوير، فإنه يمتنع عليها النظر في النزاع المعروض عليها، إلى حين البت في النزاع الزجري.

ثالثا : تطبيق الهيئة التحكيمية للقواعد الواجبة التطبيق على موضوع النزاع
إن عدم تحديد الأطراف في اتفاق التحكيم، القانون الواجب التطبيق، يضع الهيئة التحكيمية أمام إشكال حقيقي، بحيث تطرح أمامها مسألة النظام العام، عندما تقوم بالبحث عن القانون الواجب التطبيق، ومراعاة النظام العام سواء تم الدفع به من قبل الأطراف، أو أثارته هي تلقائيا لتفادي تعريض قرارها للإبطال.

فإذا تعلق موضوع النزاع بمسألة تتعلق بالنظام العام، فإن الهيئة التحكيمية في التحكيم الداخلي، تطبق مباشرة قانون الدولة التي يقع فيها التحكيم، وبالتالي لا تطرح في هذه الحالة هوية النظام العام المطبق، إذ يبقى هو النظام العام للبلد الذي يكون التحكيم مقرا له.

وعلى أساس ذلك، تكون الهيئة التحكيمية ملزمة بتطبيق قواعد النظام العام الموجودة في القانون الذي اختاره الأطراف لحكم موضوع النزاع بينهما[26].

أما إذا تعلق الأمر بالتحكيم الدولي، فإن المحكم في هذه الحالة تعتبر بالنسبة إليه قواعد وأعراف وعادات التجارة الدولية بمثابة قانونه الواجب التطبيق، والذي لا يجوز أن تخالف قواعده ذات الصلة بالنظام العام[27].

وتبعا لذلك يكون المحكم، ملزما إما بأن يطبق قواعد النظام العام المتعلقة بالقانون الذي اختاره الأطراف، وهو غالبا ما يكون النظام العام لبلد تنفيذ القرار التحكيمي، وإما أن يطبق قواعد النظام العام الدولي، الناشئ عن الأوساط المهنية الدولية والمتمثل في الأعراف الإلزامية المعمول بها في مجال التجارة الدولية[28].

غير أنه في الأصل، فإن الهيئة التحكيمية أثناء النظر في النزاع المعروض عليها، يجب أن تنظر في بداية الأمر في ما إذا كان البت في النزاع سيشكل مسا بالنظام العام، أم لا.

وعليه فإنه يتعين عليها أن تراعي مبدئيا وقبل النظر في النزاع، قواعد النظام العام، سواء طبقت قواعد قانون وطني معين، أو طبقت عادات وأعراف التجارة الدولية[29].

الفقرة الثانية : حالات الدفع بالنظام العام في التحكيم أمام القضاء
يتم الدفع بالنظام العام أمام القضاء في مرحلتين، تتجلى الأولى في ما قبل صدور القرار التحكيمي، أما الثانية، هي مرحلة ما بعد صدور القرار التحكيمي.

أولا : مرحلة ما قبل صدور القرار التحكيمي
خول المشرع للقضاء سلطة البت في النزاع[30] في حالة ما إذا تبين له أن اتفاق التحكيم باطلا بطلانا واضحا، دون النظر في ما إذا تضمن النزاع اتفاق تم حله أمام الهيئة التحكيمية أم لا.

غير أن التساؤل المطروح في هذه الحالة، هو حول المقصود بالبطلان الواضح الواردة في الفصل 327 من ق.م.م، هل هو الحالة التي يكون فيها اتفاق التحكيم باطلا بطلانا لا يدع مجالا للشك فيه، أم أن الأمر يتعلق بشيء آخر ؟

إن الإجابة عن هذا التساؤل يفرض علينا أن نميز بين حالة، مخالفة النظام العام المتعلقة بعدم قابلية النزاع للتحكيم، وبين باقي الحالات[31]، إذ أنه في الحالة الأولى، هي وحدها التي ينطبق عليها البطلان الواضح.

غير أنه في الواقع فإن الأمر يشمل الحالتين معا، على اعتبار أنه لمحكمة الموضوع كامل الصلاحية في تقدير مخالفة اتفاق التحكيم للنظام العام، سواء كان ذلك بصفة واضحة أو في باقي الحالات الأخرى، وتكون بذلك رقابة قابلية على اللجوء إلى التحكيم ووقاية للحكم التحكيمي الذي قد يصدر عن الهيئة التحكيمية، ويكون معرضا للطعن بالبطلان، وعدم الاعتراف ورفض التذييل بالصيغة التنفيذية[32].

ثانيا : مرحلة ما بعد صدور القرار التحكيمي
يثار الدفع بالنظام العام أمام القضاء في ثلاثة حالات، يمكن تصنيفها على الشكل التالي :

1 ) ـ عند الطعن بالبطلان في القرار التحكيمي الداخلي لمخالفة النظام العام
بالرجوع إلى الفصل 36 ـ 327 من ق.م.م فقد أجاز للقضاء سلطة إبطال القرار التحكيمي إذا كان مخالفا للنظام العام .

غير أن التساؤل الذي يطرح في هذا الصدد، يتعلق بما المقصود بالنظام العام في هذه الحالة ؟

إن النظام العام المقصود في هذا الفصل، هو ذاك المتعلق بقواعد المسطرة والقانون المطبق على موضوع التحكيم، واتفاق التحكيم في حد ذاته كذلك.

والإبطال في هذه الحالة يخص التحكيم الداخلي فقط، على اعتبار أن التحكيم الدولي لا يمكن الطعن فيه سوى عن طريق الطعن في الأمر الرافض للاعتراف أوالتذييل بالصيغة التنفيذية[33].

2 ) ـ عند طلب الاعتراف والتذييل بالصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي
إن مسألة النظام العام، قد تطرح أمام القضاء عند النظر في طلبات الاعتراف وتذييل القرار بالصيغة التنفيذية إذا تبين له أنه مخالف لقواعد النظام العام[34]، فالقضاء يمارس هنا سلطة ولائية وهو ينظر في طلب الاعتراف أو التذييل بالصيغة التنفيذية، يباشرها في غياب المسطرة التواجهية للتحقق من أن المستند المقدم له حكم تحكيم بالمعنى الصحيح، وليس عملا قانونيا آخر مما يتعين عليه فحص اتفاق التحكيم للتأكد من كون الأطراف خولوا لمن وقع على الحكم التحكيمي ولاية الفصل في النزاع.

فسلطته في هذه الحالة تكون محدودة إذ لا يتولى النظر في موضوع النزاع، بل يقتصر دوره على التأكد من المشروعية الظاهرة للحكم[35]، ومن عدم خرقه للنظام العام، بحيث جاء في قرار للمجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا )، ما يلي : حيث وضحت الطالبة بموجب مقالها الاستئنافي بأنه لا وجود لأية علاقة تعاقدية، وبالتالي لا وجود لأي شرط تحكيمي أو اتفاق على التحكيم، مم يبقى معه تذييل المقرر بالصيغة التنفيذية على غير أساس، ويتعين إلغاء الصيغة التنفيذية المذيل بها المقرر التحكيمي المطعون فيه بالبطلان.”[36]

3 ) ـ عند الطعن بالاستئناف في الأمر برفض الاعتراف أو التذييل بالصيغة التنفيذية
بالرجوع إلى الفصل 32 ـ 327 من ق.م.م الذي ينص على أن : ” … أن الطعن بالبطلان المنصوص عليه في الفصل 36-327 بعده يتضمن بقوة القانون، في حدود النزاع المعروض على محكمة الاستئناف، طعنا في الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية أو رفعا فوريا ليد رئيس المحكمة فيما إذا لم يكن قد أصدر أمره بعد.”

والفصل 49 ـ 327 الذي جاء فيه : ” لا يمكن الطعن بالاستئناف في الأمر القاضي بتخويل الاعتراف أو الصيغة التنفيذية إلا في الحالات الآتية :

1 ـ إذا بتت الهيئة التحكيمية دون اتفاق تحكيم أو استنادا إلى اتفاق باطل أو بعد انتهاء أجل التحكيم ؛

2 ـ إذا تم تشكيل الهيئة التحكيمية أو تعيين المحكم المنفرد بصفة غير قانونية ؛

3 ـ إذا بتت الهيئة التحكيمية دون التقيد بالمهمة المسندة إليها ؛

4 ـ إذا لم تحترم حقوق الدفاع ؛

5 ـ إذا كان الاعتراف أو التنفيذ مخالفا للنظام العام الدولي أو الوطني .”

فإنها تجيز استئناف القرار الذي يرفض الاعتراف أو التذييل الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي، شريطة أن يكون قد خرق قاعدة من قواعد النظام العام، سواء الداخلي أو الدولي.

المبحث الثاني : آثار الدفع بالنظام العام على الحكم التحكيمي

عمل المشرع المغربي، على منح الأطراف كامل الحرية لوضع اتفاقاتهم بخصوص حل النزاعات الناشئة في بعض المجالات التي حدد إمكانية اللجوء فيها إلى التحكيم في حالات محددة حصرا، في الشكل الذي يحمي حقوق كل طرف.

من تم كان لمبدأ سلطان الإرادة دور كبير في تحديد الشروط والإجراءات اللازم إتباعها في حالة قيام نزاع بين الأطراف وذلك باتفاق سابق عن نشوء هذا النزاع، ولا يمكن في مقدور الهيئة التحكيمية المعروض عليها، سوى الاستجابة لطلبات الأطراف.

غير أنه وضمانا لفاعلية القرارات التحكيمية، عمدت الدول إلى تقييد عمل الهيئة التحكيمية[37] بمبدأ النظام العام[38]، من خلال الدفع به في كل مرة اتضح فيها خرق القرار التحكيمي لهذا المبدأ[39].

على أساس ذلك، خول المشرع للأطراف إمكانية الطعن بالبطلان في القرار التحكيمي الداخلي فقط، في حين أن الدولي غير قابل للطعن بالبطلان، وإنما قابل لطعن في الأمر الرافض لطلب الاعتراف بالصيغة التنفيذية.

المطلب الأول : آثار الدفع بالنظام العام عند الطعن ببطلان القرار التحكيمي

يترتب عن الطعن ببطلان القرار التحكيمي، وقف هذا الأخير ( الفقرة الأولى )، وكذا إبطاله، أو رفض الطعن بالبطلان فيه ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : وقف تنفيذ القرار التحكيمي

إن الطعن في القرارات التحكيمية بالبطلان، يدفعنا للتساؤل عن مدى إمكانية وقف تنفيذه نتيجة الطعن الموجه ضدها، وهل يكون ذلك بقوة القانون، أم أن الأمر يستوجب طلب الأطراف ؟

أولا : وقف تنفيذ القرار التحكيمي بقوة القانون

بالرجوع إلى الفصل 36 ـ 327 من ق.م.م ينص على أن ممارسة الطعن بالبطلان يوقف تنفيذ الحكم التحكيمي.

وجاء في الفصل 30 ـ 327 أن طلب التصحيح أو التأويل يوقف تنفيذ الحكم التحكيمي وأجل تقديم الطعون إلى حين تبليغ الحكم التصحيحي أو التأويلي.

وبالتالي، يتضح لنا جليا أن المشرع المغربي رتب عن الطعن بالبطلان وكذا طلب تصحيح أو تأويل الحكم التحكيمي، وقف تنفيذ القرار التحكيمي، وإن كان قد أشار إلى تطبيق القواعد المتعلقة بالتنفيذ المعجل على الأحكام التحكيمية التي لا يطالب في شأنها بصيغة التنفيذ بموجب وذلك بموجب الفقرة الأخيرة من الفصل 26 ـ 327.

وبذلك يكون المشرع المغربي سلك نفس الاتجاه الذي سارت عليه المادة 1506 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي، والتي تنص على أنه : ” يوقف أجل ممارسة الطعن في القرار التحكيمي المشار إليه في الفصول 1501 و 1502 و 1504 تنفيذ القرار التحكيمي وللطعن المقدم داخل الأجل نفس الأثر .”

وبذلك يكون المشرع الفرنسي، قد أكد على أن الطعن في القرار التحكيمي وآجال الطعن يوقفان تنفيذه بقوة القانون.

إلا أن هذا الوضع غير قائم بالنسبة لبعض التشريعات الأخرى، والتي اتخذت اتجاها مغايرا، واستوجبت لوقف التنفيذ أن يطلب ذلك الطرف المنازع في القضية المعروضة على الهيئة التحكيمية والمعني بالأمر[40].

ولعل ما يبرر سلوك هذا الاتجاه في نظر هذه التشريعات، هو أن فوقف التنفيذ كأثر للطعن في القرار التحكيمي لا يستجيب لمتطلبات التحكيم وما يتميز به من سرعة وعدالة في إصدار القرار التحكيمي[41].

ثانيا : وقف تنفيذ القرار التحكيمي بطلب من الخصوم

اتخذت بعض التشريعات موقفا مغايرا للاتجاه الذي يرتب عن الطعن بالبطلان وقف تنفيذ القرار التحكيمي بقوة القانون، كالتشريع المصري الذي أكد أن الطعن بالبطلان لا يوقف تنفيذ الحكم التحكيمي إلا إذا تقدم الطرف الذي يهمه الأمر طلب بذلك إلى الجهة المختصة التي تبقى لها صلاحية قبول الطلب أو رفضه.

وقد أكد ذلك المشرع المصري بموجب المادة 57 من قانون التحكيم لسنة 1994 والتي جاء فيها على أنه : ” لا يترتب على رفع دعوى لبطلان وقف تنفيذ القرار التحكيمي، ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف التنفيذ إذا طلب المدعي ذلك وكان الطلب مبنيا على أسباب جدية، وعلى المحكمة الفصل في دعوى البطلان خلال ستة أشهر من تاريخ صدور هذا الأمر .”

غير أن قبول طلب وقف التنفيذ المقدم من طرف المعني بالأمر يتوقف على ضرورة توفر الشروط التالية :

ـ تقديم دعوى الطعن بالبطلان في الأجل القانوني ووفق إجراءات صحيحة طبقا للمادة 54 من قانون التحكيم المصري لسنة 1994 ؛

ـ تقديم طلب من طرف المعني بالأمر، بحيث لا يكون للمحكمة صلاحية وقف تنفيذ الحكم التحكيمي من تلقاء نفسها بل يتوقف ذلك على ضرورة تقديم الطلب كما أكدت المادة 53 من قانون التحكيم ؛

ـ أن يكون طلب وقف التنفيذ مبنيا على أسباب جدية، بحيث يكون طالب وقف التنفيذ ملزما بتقديم المبررات الكافية التي دفعته لطلب وقف التنفيذ.

هذا ويجب الإشارة إلى أن تقديم طلب وقف التنفيذ للمحكمة فإن قرارها لا يخرج عن حالتين :

ـ الحالة الأولى : إذا استجابت المحكمة لطلب وقف تنفيذ القرار التحكيمي، فلها أن تأمر المحكوم له بتقديم كفالة أو ضمان مالي[42].

ـ الحالة الثانية : إذا رفضت المحكمة وقف تنفيذ القرار التحكيمي، فإنه لا يجوز الطعن في هذا الأمر لأنه يعتبر بمثابة أمر بتنفيذ قرار التحكيم والذي لا يجوز فيه الطعن[43].

وعليه، فإن المشرع المصري وإن قيد المحكمة بضرورة توفر طلب المعني بالأمر لوقف تنفيذ الحكم التحكيمي، فإنه في المقابل ألزم المعني بالأمر بضرورة التقيد بالشروط المنصوص عليها في قانون التحكيم المصري تحت طائلة عدم القبول، وبالتالي رفض الطلب من طرف المحكمة.

الفقرة الثانية : إبطال القرار التحكيمي أو رفض طلب الطعن بالبطلان

إذا تبين للمحكمة من خلال المستندات المقدمة أمامها وبعد تمحيص وتفسير دقيق لمعطياتها، فإن قرارها لا يخرج هن أمرين، إما أن تصدر قرار يقضي ببطلان القرار التحكيمي ( أولا )، أو تقضي برفض الطلب بقرار نهائي وبمثابة أمر بتنفيذ الحكم التحكيمي ( ثانيا ).

أولا : إبطال القرار التحكيمي

بعد تأكد المحكمة من كون القرار التحكيمي مخالفا للنظام العام، فإنها تقضي ببطلانه، دون حاجة إلى تمسك الأطراف بالنظام العام، والذي يعتبر السبب الوحيد الذي يمكن للمحكمة من خلاله أن تقضي بالبطلان دون حاجة إلى طلب الأطراف[44].

وما يؤكد أن القرار التحكيمي مخالف للنظام العام ويستوجب البطلان، هو الأمر الذي ينتج عنه اختفاء القرار التحكيمي من الوجود وفقدانه لقوة الشيء المقضي به[45].

وتبعا لذلك فقد خول المشرع لمحكمة الاستئناف التي أبطلت القرار التحكيمي أن تبت في جوهر النزاع في إطار المهمة المسندة للهيئة التحكيمية ما لم يصدر حكم بالإبطال لغياب اتفاق التحكيم أو بطلانه وذلك طبقا لما جاء في الفصل 37 ـ 327 من ق.م.م الذي ينص على أنه : ” إذا أبطلت محكمة الاستئناف الحكم التحكيمي تبت في جوهر النزاع في إطار المهمة المسندة إلى الهيئة التحكيمية ما لم يصدر حكم بالإبطال لغياب اتفاق التحكيم أو بطلانه.”

ثانيا : رفض طلب الطعن بالبطلان في القرار التحكيمي

إذا تأكدت المحكمة من خلال ظروف ووقائع القضية ووثائق الملف المعروضة عليها، أن القرار التحكيمي لا يخالف النظام العام، فإنها تقضي برفض طلب الطعن ببطلان القرار التحكيمي.

ويترتب على رفض طلب الطعن بالبطلان لمخالفة القرار التحكيمي للنظام العام يؤدي إلى أمر محكمة الاستئناف بتنفيذ القرار التحكيمي، ويكون هذا القرار نهائيا لا يمكن الطعن فيه سوى بالنقض، طبقا للفصل 38 ـ 327 من ق.م.م الذي جاء فيه ما يلي : ” إذا قضت محكمة الاستئناف برفض دعوى البطلان وجب عليها أن تأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي ويكون قرارها نهائيا.

تكون قرارات محكمة الاستئناف الصادرة في مادة التحكيم قابلة للطعن بالنقض طبقا للقواعد العادية.”

هذا، ويجب الإشارة إلى أن تخويل المشرع لمحكمة الاستئناف صلاحية البت في موضوع النزاع في حالة إبطال أو بطلان القرار التحكيمي، راجع إلى اعتقاده بأن سلوك الأطراف لمسطرة التحكيم يشكل درجة أولى في التقاضي، وبالتالي لا داعي لإطالة النزاع بالرجوع إلى محكمة الدرجة الأولى[46]، وتوجه بذلك وفق الغاية التي قصدها الأطراف ابتداء من لجوءهم إلى مسطرة التحكيم[47].

المطلب الثاني : آثار الدفع بالنظام العام عند طلب الاعتراف والتذييل بالصيغة التنفيذية

بمجرد صدور القرارات التحكيمية فإنها تحوز حجية الشيء المقضي به[48]، بالرغم من عدم قابليتها للتنفيذ الجبري إلا بعد صدور أمر بتذييلها بالصيغة التنفيذي من رئيس

المحكمة المختصة، الصادر الحكم في دائرتها.

فعدم قابلية القرارات التحكيمية للتنفيذ إلا بعد صدور أو بتذييلها بالصيغة التنفيذية، لا يفقدها حجيتها، وإنما فقط قوتها التنفيذية، على اعتبار أن هذه الحجية لا تزول إلا في حالة صدور قرار نهائي ببطلانها[49].

وبالتالي فإن مسألة تذييل القرار بالصيغة التنفيذية يرجع إلى المحكمة، بعد دراسة كل المقتضيات والوثائق المعروضة أمامها، فيصدر قراراها إما بقبول طلب الاعتراف، أو رفض الاعتراف والتذييل بالصيغة التنفيذية[50].

الفقرة الأولى : قبول طلب الاعتراف والتذييل بالصيغة التنفيذية

إن تنفيذ الأطراف للقرار التحكيمي بصفة حبية، يحول دون طلب تذييله بالصيغة التنفيذية، على اعتبار أن اللجوء إلى التحكيم في ذاته هو عبارة عن حل للنزاع بين الأطراف بطريق حبي، غير أن تعنت أحد الطرفين عن تنفيذ القرار، يتم اللجوء إلى التنفيذ الجبري الذي يحتاج إلى تذييل القرار التحكيمي بالصيغة التنفيذية، بعد سلوك مسطرة طلب الاعتراف والتذييل بالصيغة التنفيذية، ونميز في هذا الإطار بين :

أولا : القرارات التحكيمية الوطنية

تنص المادة 31 ـ 327 على أنه : ” لا ينفذ الحكم التحكيمي جبريا إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية يصدره رئيس المحكمة الصادر الحكم في دائرتها.

يودع أصل الحكم التحكيمي مصحوبا بنسخة من اتفاق التحكيم مع ترجمتها إلى اللغة العربية لدى كتابة ضبط المحكمة من لدن أحد المحكمين أو الطرف الأكثر استعجالا داخل أجل سبعة أيام كاملة التالية لتاريخ صدوره .

إذا تعلق التحكيم باستئناف حكم، وجب إيداع الحكم التحكيمي لدى كتابة ضبط محكمة الاستئناف وفقا لمقتضيات الفقرة السابقة.

ويصدر الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية عن الرئيس الأول لهذه المحكمة.”

يستشف من خلال هذه المادة أن الاختصاص بتذييل القرار التحكيمي بالصيغة التنفيذية يكون لرئيس المحكمة المختصة التي صدر بدائرتها القرار المراد تذييله بالصيغة التنفيذية.

وهو ما أكده المجلس الأعلى[51] ( محكمة النقض حاليا ) بقوله : ” الاختصاص باعطاء الصيغة التنفيذية لأحكام المحكمين يرجع إلى رئيس المحكمة الابتدائية التي صدر المقرر في دائرة نفوذها ( الدار البيضاء أنفا )، ومحكمة الاستئناف لما اعتبرت أن صدور المقرر التحكيمي بمدينة الدار البيضاء كاف لإعطاء الاختصاص لأي محكمة من المحاكم الابتدائية الموجودة بالدار البيضاء، تكون قد فسرت البند 11 من العقد التحكيمي تفسيرا خاطئا وخرقت الفصل 320 من قانون المسطرة المدنية.”

أما إذا تعلق الأمر باستئناف حكم فإن الاختصاص بالتذييل بالصيغة التنفيذية ينعقد للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف.

وما يلاحظ من خلال هذه المادة أن المشرع لم يشترط شكلا معينا في طلب التذييل بالصيغة التنفيذية، وإنما اشترط فقط إيداع أصل الحكم التحكيمي[52] واتفاق التحكيم وترجمة لهذه الوثائق إلى اللغة العربية، بهدف تمكين رئيس المحكمة من بسط رقابته على مدى صحة القرار التحكيمي، وعدم مخالفته للنظام العام، ليصدر بعد ذلك أمرا بتذييل القرار التحكيمي بالصيغة التنفيذية، وهو أمر نهائي غير قابل لأي طعن كان.

ثانيا : القرارات التحكيمية الأجنبية

جاء في الفصل 46 ـ 327 من ق.م.م أنه : ” يعترف بالأحكام التحكيمية الدولية في المملكة إذا أثبت وجودها من يتمسك بها، ولم يكن هذا الاعتراف مخالفا للنظام العام الوطني أو الدولي.

يخول الاعتراف والصيغة التنفيذية لهذه الأحكام في المغرب وفق نفس الشروط لرئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها أو رئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج.”

من خلال هذا الفصل يستشف أن المشرع المغربي، حافظ على مقتضيات المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 والتي جاء فيها، على أنه يتوجب على كل دولة متعاقدة أن تعترف بأحكام المحكمين كقرارات ملزمة وأن تقوم بتنفيذها وفق القواعد المسطرية المتبعة في الدولة التي يطلب تنفيذها فيها.

غير أن المشرع المغربي لم يأخذ بهذه المقتضيات بمفهومها العام، بل أوجب على كل من يطلب الاعتراف بالحكم التحكيمي أن يتبث وجوده، عن طريق الإدلاء بأصل الحكم التحكيمي مرفق باتفاق التحكيم أو نسخة من هاتين الوثيقتين متوفر فيهما شروط الصحة المطلوبة، مع الإدلاء بترجمة عربية لهذه الوثائق إذا كانت محررة بلغة أجنبية، طبقا لما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 31 ـ 327 من ق.م.م.

ونتساءل عن ما إذا كان إيداع الحكم التحكيمي الدولي بكتابة ضبط المحكمة المختصة إلزاميا أم لا، وهل يراعى في ذلك الأجل المخصص لإيداع الحكم التحكيمي الداخلي ؟

اعتبرت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، أن إيداع الحكم التحكيمي الدولي بكتابة ضبط المحكمة المختصة، غير إلزامي لأن الإيداع يخص فقط الحكم التحكيمي الداخلي، أما الحكم التحكيمي الدولي، فطريقة تنفيذه منظمة بمقتضيات اتفاقية نيويورك لسنة 1958[53].

وجاء في قرار للمجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ) : ” أن القرار التحكيمي موضوع النازلة مستدل به في المغرب، وأن الفصل 3 من الاعتراف بالمقررات التحكيمية الأجنبية وتنفيذها الصادرة عن الأمم المتحدة بتاريخ 9 / 6 / 58 المصادق عليها من طرف المغرب بمقتضى ظهير 19 / 2 / 60 يجعل تنفيذ المقرر التحكيمي الأجنبي عن طريق قواعد المسطرة المتبعة في التراب المستدل فيه بالمقرر دون أن تفرض شروطا مشددة غير المفروضة للاعتراف بالمقررات التحكيمية الوطنية أو بتنفيذها مما يدل على أن الاختصاص مسند بمقتضى الاتفاقية التي تحيل على مقتضيات مسطرة التنفيذ في باب التحكيم للقانون الوطني موضوع الفصل 320 من قانون المسطرة المدنية فلا مبرر للاستدلال بمقتضيات الفصلين 18 و 430 من القانون الذي يهم الأحكام القضائية وأنه بالإضافة إلى طريقة رفع طلب الاعتراف والتنفيذ للمقرر التحكيمي الأجنبي منظمة بمقتضى الفصل الرابع من الاتفاقية الذي لا يجعل أجلا للإيداع، فإن أجل الفصل 320 من ق.م.م يهم التحكيم الداخلي ولا يترتب عن عدم مراعاته أي أثر على الأمر بالتنفيذ فلم يخرق القرار أي مقتضى .”[54]

وتجدر الإشارة إلى أن تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي بالصيغة التنفيذية، يختلف حسب ما إذا كان الحكم التحكيمي قد صدر في المغرب، فإنه في هذه الحالة ينعقد الاختصاص بنفس الطريقة التي يكون فيها للأحكام التحكيمية الوطنية لرئيس المحكمة التي صدر الحكم التحكيمي في دائرتها.

أما إذا كان الحكم التحكيمي صدر بالخارج، فإن الاختصاص ينعقد لرئيس المحكمة التابع لها مكان التنفيذ.

وعلى الرغم من كل ما سبق فإن قبول تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي والاعتراف به[55]، رهين بضرورة احترامه للنظام العام الدولي والوطني[56].

الفقرة الثانية : رفض الاعتراف وتذييل القرار التحكميمي بالصيغة التنفيذية

خول المشرع المغربي لرئيس المحكمة المختصة رفض الاعتراف وتذييل القرار التحكيمي بالصيغة التنفيذية سواء كان هذا القرار داخليا أو دوليا، متى كان مخالفا للنظام العام.

وبالرجوع إلى اتفاقية نيويورك فقد حددت مجموعة من الحالات التي يتم فيها رفض القرار التحكيمي وهي :

ـ عدم صحة اتفاق التحكيم، بحيث أن اتفاق التحكيم لا يعدو أن يكون إلا تعبيرا عن إرادتين تراضيا على اختيار التحكيم كوسيلة لتسوية منازعات ثارت أو قد تثور، و لذا يلزم أن تتوافر الشروط الموضوعية اللازمة لصحة أي اتفاق، كما يلزم توافر الشروط الشكلية التي يتطلبها القانون ليرتب بذلك كافة آثاره القانونية.

وفي قرارا صادرا عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ: 06/11/1987 في قضية هضبة الأهرام المصرية، المتعلق بالاتفاق المبرم بين الهيئة المصرية للسياحة والفنادق ” E.G.O.T.H” وبين شركة ممتلكات جنوب الباسفيك “S.P.P“، بتاريخ: 23/12/1984، والموقع عليه من لدن وزير السياحة المصرية، أيدت محكمة النقض قرار محكمة الاستئناف بباريس، حينما ألغت الحكم التحكيمي الصادر عن غرفة التجارة الدولية بباريس بتاريخ: 16/07/1984، مستندة في ذلك إلى أن العقد قد خلا من شرط التحكيم الذي نص على إحالة أي منازعة خاصة بهذا العقد إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس، فانه لا يمكن افتراض توفر رضا الدولة المصرية بالتحكيم. وإذا كان العقد قد احتوى على شرط التحكيم، فان الحكومة المصرية لم تكن طرفا فيه، حتى ولو تم توقيعه من طرف وزير السياحة، لأن توقيعه قد تم بما له من سلطة وصاية، ولم يكن ممثلا للحكومة المصرية، والتي لم تنصرف إرادتها إلى الالتزام بشرط التحكيم، بل يقتصر هذا الالتزام بطرفيه فقط، شركة E.G.O.T.H و شركة S.P.P كما لا يمكن اعتبار توقيع مصر على مستند المهمة، بمثابة تراض على التحكيم

ـ انتهاك حقوق الدفاع، بحيث أن المس بهذا الحق كفيل برفض الاعتراف وتذييل القرار بالصيغة التفيذية، وبالتالي فإنه يتوجب مراعاة حقوق الدفاع في كل قضية معروضة أمام الهيئة حتى لا تعرض قرارها للرفض .

ـ عدم قابلية النزاع للتحكيم[57]، بحيث لا يجوز أن يبرم اتفاق التحكيم بشأن تسوية النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة كما لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية، غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها، يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ما عدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي[58].

ـ عدم احترام المحكم للمهمة المسندة إليه، والتي من شأنها أن تحول دون قبول طلب الاعتراف وتذييل القرار التحكيمي بالصيغة التنفيذية، فخروج الهيئة التحكيمية عن هذا المبدأ يفرغ القرار الصادر عنها من القيمة المتوخاة منه، خاصة وأنه يهدف إلى الوصول إلى حل رضائي من خلاله يتم وضع حد للنزاع .

ـ عدم صحة إجراءات التحكيم، إذ يبسط القضاء في شخص رئيس الحكمة رقابته على مدى سلامة الإجراءات التي استند عليها الحكم التحكيمي قبل إصداره، فإذا تبين له عد صحة ذلك فإنه يقضي برفض طلب الاعتراف وتذييل القرار بالصيغة التنفيذية، في حين إذا تبين له صحة الإجراءات فإنه يقضي بالقبول .

ـ عدم مخالفة النظام العام، بحيث أن الأساس الذي يقوم عليه المحكم الدولي باعتباره ليس له قانون اختصاص فإنه غير ملـزم باحترام المفاهيم الوطنية، بل ملزم فقط باحترام المفاهيم الدولية، و لهذا فإن النظام العـام الداخلي لا يطبق أمام المحاكم التحكيمية بل أمام محاكم الدول.

وفي الواقع، لكي يكون الحكم التحكيمي معترفا به، و نافذا في القانون الوطني ينبغي على المحكم أن يحترم القواعد الآمرة و الأساسية في قانون القاضي، فالميل القوي لدى المحكـم لتطبيق النظام العام للدولة، المطلوب تنفيذ الحكم فيها؛ يرجع إلى رغبة المحكم فـي أن يـرى حكمه منفذا، حيث أن القاضي الوطني يمتنع عن إعطاء أمر التنفيذ، لحكم يخالف النظام العام في دولته[59].

هذا، وتجدر الإشارة، إلى أن رئيس المحكمة يكون ملزما بمراقبة مدى مخالفة القرار التحكيمي للنظام العام، مع ضرورة تعليل الأمر الصادر عنه والقاضي برفض الصيغة التنفيذية معللا.

ولا يوجد ما يمنع الأطراف من الطعن فيه داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغه، بحيث تتولى المحكمة النظر في الأسباب التي كان بإمكان الأطراف التمسك بها ضد الحكم التحكيمي عن طريق الطعن بالبطلان، وتبت في هذا الاستئناف طبقا لمسطرة الاستعجال[60].

وقرارها لا يخرج عن أمرين، إما أن تؤيد قرار الرفض وتبت في الأسباب التي كان بإمكان الأطراف التمسك بها ضد الحكم التحكيمي عن طريق الطعن بالبطلان، فيكون قراراها نهائيا، وإما أن تلغي قرار الرفض وحينئذ تأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي مباشرة.

خاتمة :

لم يكن من عمل القضاء يوما النظر في النوازل وحلها على وجه السرعة، بل إن النظر في الدعوى، والبحث في الوقائع عن حلول كافية للوصول إلى الحقيقة، رهين بتعميق البحث من خلال إطار زمني طويل تراعي فيه الهيئة القضائية حقوق الأطراف، وواجباتهم وفق ما تقتضيه ضمانات المحاكمة العادلة.

غير أن كثرة القضايا المعروضة على القضاء وضعف الموارد البشرية، عجل بالمشرع المغربي للبحث عن وسائل مسايرة للقضاء ومساعدة له من خلال تخفيف العبء عليه، وتحديد القضايا التي أجاز له المشرع النظر فيها، والحديث هنا عن هيئات التحكيم الوطنية والدولية.

وبالتالي أصبح عمل الهيئات التحكيمية عملا موازيا لعمل القاضي، ولو أن عمل الهيئة التحكيمية يقوم على مبدأ الحرية في الاختيار من قبل الأطراف، إلا أن المشرع أخضعه لرقابة القضاء، قصد النظر في ما إذا كانت القرارات والأحكام الصادرة عن هاته الهيئات قائمة على مرتكزات تتماشى وما سطره المشرع في القوانين الداخلية، أم أن ذلك يمس بمبدأ هام ألا وهو مبدأ النظام العام.

هذا المبدأ الذي يعتبر الركيزة الأساسية للمحافظة على الأمن الداخلي وخاصة الاقتصادي، ومراعاة قواعد الأمن التعاقدي، كل ذلك جعل المشرع المغربي يخضع القرارات التحكيمية لرقابة قضائية تتمثل إما في مباركة هذه الأحكام عن طريق تذييلها بالصيغة التنفيذية، أو رفض منحها الصيغة النهائية ورفض الاعتراف بها، ولو بالرغم من كون الأحكام والقرارات الصادرة في إطار التحكيم الدولي لا تخضع لهذه الرقابة من حيث المبدأ، وفقا لما صرحت به اتفاقية نيويورك لسنة 1958، إلا أن المشرع المغربي لا يستثنيها من هذه الرقابة.

ويمكن تبرير موقف المشرع المغربي في ها الصدد، بكونه راعى في صياغة مقتضيات القانون 08.05 مبادئ النظام العام وما يقتضيه هذا الأخير من ضرورة البحث عن كافة الوسائل الكفيلة بضمان الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وهو ما جعله يستبعد مجموعة من القضايا من إطار المسائل المسموح بحلها عن طريق التحكيم.

ويلاحظ عن المشرع المغربي في هذا الصدد مجموعة من الملاحظات نوردها على الشكل التالي :

ـ الحد من مبدأ سلطان الإرادة، من خلال جرد مجموعة من الحالات التي تدخل في إطار مفهوم النظام العام ؛

ـ عدم تحديد مفهوم ضيق وشامل للنظام العام يلتزم من خلاله القاضي للقول بمدى مخالفة القرار التحكيمي له من عدمه ؛

ـ عدم تحديد الأشخاص المؤهلين للبت في القضايا المعروضة في إطار التحكيم، بحيث أن المشرع المغربي لم يحدد حصرا الأشخاص المخول لهم حمل صفة المحكمين، بل جاء ذلك بصيغة الخيار، إذ يبقى لأطراف النزاع حرية اختيار الهيئة التحكيمية والقانون الواجب التطبيق.

وعليه، فإنه يتعين على المشرع توحيد المرجعيات بين الهيئة القضائية والمحكمين في ما يخص مفهوم النظام العام، وكيفية تطبيقه، وذلك بهدف العمل على إصدار أحكام وقرارات تحكيمية غير مخالفة لمبادئ النظام العام، خاصة وأن الأسس التي تقوم عليها القضايا المعروضة أمام التحكيم والمتعلقة بالأساس بالقضايا التجارية، يحكمها مبدأ هام وهو السرعة والائتمان وحرية التعاقد وسرية المعاملات.

لائحة المراجع

الكتب باللغة العربية
أبو زيد رضوان : الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي، دار الفكر العربي، القاهرة، طبعة 1981
أحمد السيد الصاوي : التحكيم طبقا للقانون رقم 27 لسنة 1994 و أنظمة التحكيم العربية، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، 2004
أحمد أبو الوفا : التحكيم في القوانين العربية، نشأة المعارف الإسكندرية، طبعة 1998
أحمد عبد الكريم سلامة : التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية، المدنية والتجارية والإدارية والجمركية والضريبية ـ دراسة مقارنة ـ دار النهضة العربية، القاهرة، ط.1، 2006
أحمد هندي : تنفيذ أحكام المحكمين، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، طبعة
أشرف عبد العليم الرفاعي : النظام والقانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم في العلاقات ذات العنصر الأجنبي، دراسة فقهية قضائية مقارنة، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، طبعة 2003
إبراهيم عبد التواب : اتفاق التحكيم والدفوع المتعلقة به، دار الجامعة الحديثة، القاهرة ( بدون سنة الطبع )
إياد محمود بردان : التحكيم والنظام العام، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، طبعة 2004
حفيظة السيد الحداد : الوجيز في القانون الدولي الخاص، الكتاب الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت، طبعة 2003
خالد محمد القاضي : موسوعة التحكيم التجاري الدولي، دار الشروق مصر، الطبعة الأولى، 2002
محمدي فريدة : المدخل للعلوم القانونية ــ نظرية القانون ــ ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر

الأطروحات والرسائل
إسماعيل أبو ياسين : تسوية نزاعات عقد النقل البحري للبضائع عن طريق التحكيم، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة ابن زهر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكادير، السنة الجامعية 2014 / 2015
بن صر عبد السلام : ضوابط عدم قابلية تنفيذ حكم، جامعة الجزائر 1 كلية الحقوق، أطروحة دكتوراه في القانون الخاص، السنة الجامعية : 2011 / 2012
جميلة لعماري : أبعاد الإرادة التعاقدية في التشريع المغربي والمقارن، أطروحة لنيل دكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني ـ عين الشق ـ كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء، السنة الجامعية 2000 / 2001،
خالد مجاهدين : النظام العام في العقد، أطروحة لنيل دكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء
سكينة عزوز : عملية الموازنة بين أعمال الضبط الإداري والحريات العامة، رسالة ماجستر جامعة الجزائر 1990
سلام توفيق حسين منصور : بطلان حكم التحكيم ـ دراسة تحليلية مقارنة ـ بحث لنيل شهادة الماجستر في القانون الخاص، جامعة الأزهر بغزة فلسطين، كلية الحقوق، السنة الجامعية 2010
سليم بشير : الحكم التحكيمي والرقابة القضائيةـ أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق، السنة الجامعية 2010 / 2011
عامر أحمد مختار : تنظيم سلطة الضبط الإداري في العراق، رسالة ماجستر، جامعة بغداد 1975
محمد العفس : التحكيم والنظام العام، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2009 / 2010

المقالات

إدريس بلمحجوب : تعليق على قرار رقم 438 الصادر عن غرفتين بتاريخ 27 / 5 / 98 في الملف الإداري رقم 696 / 96 ، منشور بدفاتر المجلس الأعلى : العدد 7 السنة 2005
الحسن الكاسم : الرقابة القضائية قبل انطلاق عملية التحكيم، دفاتر المجلس الأعلى عدد 4 / 2007
خالد أحمد عبد الحميد : دور القضاء في الأمر بتنفيذ أحكام التحكيم، مقال منشور بدفاتر المجلس الأعلى : العدد 7 السنة 2005
عبد اللطيف أبو العلف : التحكيم في منازعات الاستثمار، مجلة المحاكم المغربية العدد 117، 2008
محمد صلاح الدين عبد الوهاب : تحديد مفهوم الدفع بالنظام العام في التحكيم التجاري الدولي وحدود الرقابة القضائية بين الواقع والآفاق، مجلة التحكيم العربي العدد التاسع، 2006
يونس قربي : عادات وأعراف التجارة الدولية أمام القضاء والتحكيم، مجلة الإشعاع العدد 32 السنة 2007

المراجع باللغة الفرنسية
Louis Christophe Delanoy : le contrôle de l’ordre public au fond par le juge de l’annulation, Rév arab , N2
Nathalie Najjar : L’arbitrage dans les pays arabes face à l’exigence de commerce internationale, LGDJ et DETA, paris 2004
Fauchard, E.Gaillard, B.Goldman : traité de l’arbitrage commercial international, LITEC et DELTA, paris 2004
Réné chapus : droit administratif général. Tom 1 édition 14

[1]– أحمد السيد الصاوي : التحكيم طبقا للقانون رقم 27 لسنة 1994 و أنظمة التحكيم العربية، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، 2004، ص 12.

[2]– إدريس بلمحجوب : تعليق على قرار رقم 438 الصادر عن غرفتين بتاريخ 27 / 5 / 98 في الملف الإداري رقم 696 / 96 ، منشور بدفاتر المجلس الأعلى : العدد 7 السنة 2005 ص 139.

[3]– خالد أحمد عبد الحميد : دور القضاء في الأمر بتنفيذ أحكام التحكيم، مقال منشور بدفاتر المجلس الأعلى : م.س ص 28.

[4]– محمد صلاح الدين عبد الوهاب : تحديد مفهوم الدفع بالنظام العام في التحكيم التجاري الدولي وحدود الرقابة القضائية بين الواقع والآفاق، مجلة التحكيم العربي العدد التاسع، 2006، ص 235.

[5]– في ضوء المفهوم التقليدي للإرادة يصبح من غير الممكن تدخل أي شخص من غير المتعاقدين لتعديل مضمون العقد، ذلك أن تحديد هذا المضمون رهين بإرادة المتعاقدين كما أن العقد لا يمكن أن يكون عادلا، حيث أن تحقيق هذه العدالة يرجع لإرادة المتعاقدين ولا يمكن تقييمه بمنظور موضوعي أو عن طريق أي شخص من غير أطراف العقد.

هذا المفهوم الجديد هو الذي استقى منه الفقهاء المناصرون لقدسية الفرد أهم المسلمات الأساسية التي يرتكز عليها مبدأ سلطان الإرادة و التي تتخلص في أنه لا يلزم أخذ بغير إرادته، و أن كل التزام حر يعتبر عادلا و بالتالي فإنه لا أحد يستطيع تعديل شروط و آثار عقد أبرم على وجه صحيح دون الرضاء الجماعي لكل المتعاقدين .

فمذهب الإرادة يقضي بأن العقد قانون منشئيه فلا تجوز أن تمس الحقوق والالتزامات التي اتفق عليها المتعاقدون بزيادة أو نقصان، وهذا ما يسمى بمبدأ القوة الملزمة للعقد، ولقد رأينا في ظل النظرية الكلاسيكية أن كل ما اتفق عليه المتعاقدين فهو عدل وحق ومخالفته تهدم كل بوادر الاستقرار والثقة في المعاملات .

فالإرادة هي معيار العقد و جوهره، فهي تمر بأربعة مراحل :

تتجلى الأولى في مرحلة التصور Conception ، حيث يعمد الشخص الذي يريد إبرام العقد إلى استحضار العمل القانوني تليها مرحلة التدبر Délibération، و التي يزن خلالها الشخص مختلف الإحتمالات و النتائج بصورة تستدعى التدبر، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة التصميم Volition، حيث يقوم الشخص بالبث في الأمر و تعد أهم مرحلة في العقد و بالتالي يمكن اعتبارها الإرادة ذاتها، أما آخر مرحلة فهي مرحلة التنفيذ Exécution و التي تنتقل فيها الإرادة من مكامن الشخص نفسه لتظهر إلى العالم الخارجي حيث تحدث أثرا قانونيا.

إلا أنه في إطار التحكيم، فإن الأمر يأخذ أبعادا أخرى، حين يتدخل القاضي قصد الاعتراف بمقرر التحكيم لرفض تنفيذه والقول بإبطاله رغم اتفاق الأطراف الصريح، ويرجع ذلك إلى الحفاظ على توازن الأمن التعاقدي داخل البلاد دون المس بمبادئ النظام العام، التي تفرض التدخل لتعديل أو إلغاء كل أمر يهدد هذا الأخير .

ـ انظر في هذا الشأن جميلة لعماري : أبعاد الإرادة التعاقدية في التشريع المغربي والمقارن، أطروحة لنيل دكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني ـ عين الشق ـ كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء، السنة الجامعية 2000 / 2001، ص 8.

[6]– ظهرت فكرة النظام العام كأداة لتثبيت الاختصاص التشريعي لقانون القاضي في إطار إيجاد حلول للنزاعات ذات العنصر الأجنبي بموجب قواعد القانون الدولي الخاص.

فالنظام العام يلعب دورا أساسيا في استبعاد تطبيق القوانين الأجنبية في دولة القاضي إذا ما خالفت القواعد العامة في دولة القاضي.

[7]– محمد العفس : التحكيم والنظام العام، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2009 / 2010، ص 74.

[8]– إياد محمود بردان : التحكيم والنظام العام، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، طبعة 2004 ، ص 416.

[9]– بداية يجب الإشارة إلى أن أغلب التشريعات العربية وعلى رأسها التشريع المغربي تحاشت إعطاء تعريف دقيق للنظام العام، نظرا لتغير هذا المفهوم من مكان إلى آخر، ولو أن هناك بعض الإشارات البسيطة حول هذا المفهوم إلى أنها لا ترقى لتكوين مفهوم محدد ودقيق ونقصد في هذا الإطار ما جاء به المشرع في صلب الفقرة الثانية من المادة 36/ 327 من قانون المسطرة المدنية، حيث اعتبر فيها أن الطعن بالبطلان لا يجوز إلا في حالة صدور حكم تحكيمي مخالف لقاعدة من قواعد النظام العام .

بناء على ذلك يتبين جليا أن المشرع المغربي ترك مسألة تعريف النظام العام إلى الفقه و القضاء، حيث عرفه الفقيه جودوليوري بأنه ” مجموعة الشروط اللازمة للأمن والآداب العامة التي لا غنى عنها لقيام علاقات سليمة بين المواطنين بما يناسب علاقاتهم الاقتصادية “.

هذا وقد ذهب بعض الفقه إلى إضفاء الطابع السلبي على مفهوم النظام العام، حيث عرفه الفقيه هوريو بأنه حالة واقعية تعارض حالة واقعية أخرى هي الفوضى.

إلا أن هذه الفكرة اختفت وحل محلها الاتجاه الإيجابي في تحديد واجبات الدولة لتحقيق مصلحة الجماعة نتيجة اتساع سلطات ومجال تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى اتساع فكرة النظام العام واكتسابها طابعا ايجابيا وبذلك أصبحت غاياته متنوعة.

هذا المعنى أكده الدكتور محمد عصفور بقوله ” لا يمكن أن يعرف النظام العام التقليدي تعريفا سلبيا وهو اختفاء الإخلال وإنما يجب أن ينطوي على معنى إنشائي يتجاوز النتيجة المباشرة ولهذا لم يعد الهدوء العام مثلا يعني اختفاء الضجة والاضطرابات الخارجية وإنما راحة السكان بمعنى اختفاء الجانب السلبي لكي يحل محله سياسة عامة لتنظيم وتحقيق الانسجام في المجتمع “.

وفي نفس السياق، اعتبرت محكمة الاستئناف ببيروت أن القواعد القانونية التي يمكن اعتبارها من النظام العام هي تلك التي يقصد بها المشرع تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، تتعلق بنظام المجتمع الأعلى، ومقومات وجوده تعلو عن مصلحة الأفراد الخاصة التي يجب عليهم جميعا مراعاتها.

و عليه، يتضح بأن مدلول النظام العام ارتبط ارتباطا وثيقا بتطور الدولة، فتطور بتطورها، كما يتضح أن النظام العام أشمل وأكثر من أن يكون فكرة قانونية لأنه ظاهرة قانونية شاملة.

راجع بهذا الشأن :

ـ سكينة عزوز : عملية الموازنة بين أعمال الضبط الإداري والحريات العامة، رسالة ماجستر جامعة الجزائر 1990 ص 31.

ـ عامر أحمد مختار : تنظيم سلطة الضبط الإداري في العراق، رسالة ماجستر، جامعة بغداد 1975 ص 51.

ـ محمدي فريدة : المدخل للعلوم القانونية ــ نظرية القانون ــ ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ص 29.

– Réné chapus : droit administratif général. Tom 1 édition 14. P 688.

[10]– اتفاقية خاصة بالاعتراف بالقرارات التحكيمية الأجنبية وتنفيذها.

[11]– المتعلقة بتسوية منازعات الاستثمار.

[12]– حفيظة السيد الحداد : الوجيز في القانون الدولي الخاص، الكتاب الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت، طبعة 2003، ص 298.

[13]– محمد العفس : م.س ص 78.

[14]– يجب الإشارة أيضا إلى أن هناك العديد من الاتفاقيات التي أشارت إلى الدفع بالنظام العام وتطبيقه لمنع الاعتراف بالحكم التحكيمي وتنفيذه، نجد منها :

ـ اتفاقيتي جنيف لسنة 1927 وسنة 1961 الخاصتين بتنفيذ القرارات التحكيمية بدول الاتحاد الأوربي، بحيث أجازت الاتفاقية الأولى الدفع بالنظام العام لمنع تنفيذ والاعتراف بالقرارات التحكيمية، وهو ما أكدته في المادة الأولى منها حين نصت على أنه للحصول على اعتراف وتنفيذ القرار التحكيمي يجب توفر مجموعة من الشروط تتعلق بعدم مخالفة النظام العام في دولة التنفيذ.

أما الاتفاقية الثانية فقد عالجت لجانب مسألة الاعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية، كافة المسائل الأخرى التي يثيرها التحكيم بدءا بالاتفاق على اللجوء إلى مسطرة التحكيم، إلى حين تنفيذ القرار أو رفض تنفيذه.

ونصت المادة التاسعة من هذه الاتفاقية على إمكانية بطلان القرار التحكيمي لأحد الأسباب التي أشارت لها الفقرة الأولى من نفس المادة وهي تعارض القرار التحكيمي مع النظام العام.

ـ اتفاقية جامعة الدول العربية لسنة 1952 بشأن تنفيذ أحكام القضاء والتحكيم في الدول الأطراف، ويظهر هذا المبدأ فيها أيضا في المادة الثالثة منها، حيث جاء فيها، أنه لا يجوز تنفيذ قرار المحكمين في أية دولة من الدول الأعضاء إذا كان هذا القرار مخالفا للنظام العام والآداب العامة في الدول المطلوب إليها التنفيذ ولها سلطة تقدير ذلك النظام العام وما إذا كان يتعارض معه أو لا.

ـ اتفاقية عمان العربية لسنة 1987، إذ أجازت هذه الاتفاقية بدورها هي الأخرى إمكانية رفض تنفيذ القرارات التحكيمية في حالة ما إذا خالفت النظام العام وذلك في المادة 35 منها.

إلا أن الملاحظ، أن هذه الاتفاقية لم تفرق بين النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي، وما يؤكد ذلك هو الصيغة التي جاءت بها صياغة النظام العام، بحيث جاءت بشكل عام.

ـ اتفاقية الرياض لعام 1983، من خلال المادة 37 التي أجازت للقضاء الدولي المطلوب له التنفيذ أن تمتنع عن الاعتراف وتنفيذ الأحكام الصادرة عن الهيئة التحكيمية إذا ما رأت فيها مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام.

[15]– محمد العفس : م.س ص 79.

[16]– عبد اللطيف أبو العلف : التحكيم في منازعات الاستثمار، مجلة المحاكم المغربية العدد 117، 2008 ص 121.

[17]– تنص الفقرة السادسة من المادة 36 ـ 327 على أنه :

” 1 ـ ……………….

2 ـ إذا صدر الحكم التحكيمي خلافا لقاعدة من قواعد النظام العام ..”

[18]– الملاحظ من خلال الاطلاع على قانون 08.05 المتعلق بالتحكيم، أن المشرع المغربي سلك نفس النهج الذي سارت عليه الدول العربية، خاصة ما ذهب إليه المشرع المصري، حين سمح للأطراف برفع دعوى ببطلان حكم التحكيم إذا توفرت الحالات اللازمة لذلك، أي في حالة مساس هذا الحكم لمبدأ أو مبادئ تصنف ضمن مفهوم النظام العام، ويمكن تصنيف أسباب مخالفة الحكم التحكيمي للنظام العام، حسب المادة 53 من قانون التحكيم المصري لسنة 1994 كما يلي :

ـ الاتفاق على مسألة لا تقبل التسوية بطريق التحكيم ؛

ـ تجاوز المحكم لحدود الاتفاق ؛

ـ تشكيل الهيئة التحكيمية أو تعيينها على وجه مخالف لاتفاق الأطراف ؛

ـ عدم احترام حقوق الدفاع ؛

ـ خرق القواعد الإجرائية ؛

ـ انعدام الاتفاق على التحكيم أو بطلانه ؛

ـ استبعاد قانون الإرادة .

هذا، ألزم المحكمة بأن تقضي من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام.

وجاء خلافا للمشرع المغربي والمصري، المشرع الفرنسي الذي لا يفرق بين أحكام التحكيم الداخلي والدولي، وهو ما يستشف من خلال المادة 1504، من قانون المسطرة المدنية والتي نص فيها على إمكانية الطعن بالبطلان في الأحكام الصادرة في فرنسا بشأن التحكيم الدولي في الأحوال المنصوص عليها في الأحوال المنصوص عليها في المادة 1502 من نفس القانون المذكور، والحالات المقصودة هنا هي تلك التي يجوز فيها استئناف القرار التحكيمي أو الطعن ببطلانه في القانون الفرنسي.

وضيق القانون البلجيكي من حالات بطلان حكم التحكيم، سواء في قانون التحكيم القديم، وكذا الحالي .

بحيث كان ينص قانون التحكيم القديم والصادر بتاريخ 27 مارس 1985 في الفقرة الرابعة من المادة 1717 على أنه :

” لا تختص المحاكم البلجيكية بنظر دعوى البطلان إلا إذا كان أحد الأطراف في المنازعة التي فصل فيها الحكم التحكيمي شخصا طبيعيا يتمتع بالشخصية البلجيكية أو له موطن ببلجيكا أو شخصا اعتباريا تم تكوينه في بلجيكا أو له فرع أو مقر للأعمال فيها أيا كانت طبيعته.”

وهو نفس النهج الذي سارت عليه الفقرة الرابعة من المادة 1717 من القانون الجديد الصادر بتاريخ 16 ماي 1998 حيث جاء فيها :

” للأطراف بموجب إعلان صريح اتفاق التحكيم ذاته أو في اتفاق لاحق عليه استبعاد أي طعن ببطلان حكم التحكيم وذلك إذا لم يكن أي منها شخصا طبيعيا يتمتع بالجنسية البلجيكية أو له إقامة معتادة أو شخص اعتباري تعد بلجيكا مقرا رئيسا لمؤسسته أو يوجد له فيها أحد فروعها .”

[19]– أشرف عبد العليم الرفاعي : النظام والقانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم في العلاقات ذات العنصر الأجنبي، دراسة فقهية قضائية مقارنة، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، طبعة 2003، ص 60.

[20]– محمد العفس : م.س ص 91.

[21]– إبراهيم عبد التواب : اتفاق التحكيم والدفوع المتعلقة به، دار الجامعة الحديثة، القاهرة ( بدون سنة الطبع )، ص 552.

[22]– الحسن الكاسم : الرقابة القضائية قبل انطلاق عملية التحكيم، دفاتر المجلس الأعلى عدد 4 / 2007، ص 207.

[23]– محمد العفس : م.س ص 92.

[24]– أشرف عبد العالي الرفاعي : م.س ص 67.

[25]– يترتب عن عدم إعلان الخصم إعلانا صحيحا بتعيين المحكم، أو بإجراءات التحكيم، رفض تنفيذ الحكم، فإذا صدر حكم تحكيم بناء على إجراءات تحكيم يتم إخطار أحد الأطـراف بها، فيمكن للمحكمة أن ترفض تنفيذ الحكم، ويمتد هذا الرفض إذا صـدر حكـم تحكيمـي بالرغم من عدم تمكن أحد الأطراف، من إبداء دفاعه أيا كان السبب الذي حال دون تمكنه من ذلك. وهو ما يسمى – عدم كفالة حق الدفاع – وقد أثير توافر هذه الحالـة أمـام محكمـة الاستئناف الفيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية؛ بصدد تنفيذ حكم تحكيم صدر مـن محكمـة تحكيم ثلاثية علما أن الغاية من عدم إهدار حق الدفاع ، أو حق الأطراف أو أحدهما ، هو الاطمئنان إلى مراعاة حق الدفاع ، وأن الخصم الذي صدر الحكم بحقه يمكن من إبداء جميع دفوعه فيتحقق القاضي الوطني المقدم إليه طلب تذييل الحكم الأجنبي التحكيمي صيغة التنفيـذ والتنفيذ، أولا مما إذا كانت الدعوى التي صدر فيها الحكم الأجنبي قد بلغت إلى المحكوم عليه، وحصول التبليغ بصورة أصولية؛ و لا يشترط حضور الخصم نفسه، ما دام التبليغ قد تم وفقـا للقانون، لأنه بعدم حضوره بعد تبليغه تبليغا صحيحا، يكون قد فرط بحق نفسه إذا تخلف المدعى عليه عن حضور جلسات المحاكمة التحكيمية، رغـم تبليغـه وفقـا لقانون الإجراءت المدنية التابع لبلد مصدر الحكم الأجنبي التحكيمي، فإنه يعتبـر مقـرا بصـحة الإدعاء ومسلما باختصاص القضاء الأجنبي التحكيمي.

غير أنه إذا تبين رغم التبليغ الجاري بصورة أساسية ورسمية ، أن هناك ظروفا حالـت دون حضور المحكوم عليه إلى المحكمة التحكيمية ، فإنه يمتنع تنفيذ الحكم الأجنبي التحكيمـي بالنظر لوجود إخلال بحق الدفاع، و يقر الاجتهاد الفرنسي شرطا واسعا؛ بهذا الشأن مؤداه أنـه لا يجـوز للقاضـي الفرنسي أن يأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي التحكيمي، إلا بعد التأكد من أنه قد روعيت عند إصداره لمبادئ الأساسية الواجب مراعاتها؛ تحقيقا للعدالة بغض النظر؛ عما يقرره القانون الأجنبي في هذا الشأن .

أنظر بهذا الشأن :

ـ بن صر عبد السلام : ضوابط عدم قابلية تنفيذ حكم، جامعة الجزائر 1 كلية الحقوق، أطروحة دكتوراه في القانون الخاص، السنة الجامعية : 2011 / 2012، ص 175 وما يليها.

[26]– مصطفى محمد الجمال و عكاشة محمد عبد العال : ص 240.

[27]– أبو زيد رضوان : الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي، دار الفكر العربي، القاهرة، طبعة 1981، ص 174.

[28] – Nathalie Najjar : L’arbitrage dans les pays arabes face à l’exigence de commerce internationale, LGDJ et DETA, paris 2004 p 130.

[29]– راجع في هذا الشأن :

ـ يونس قربي : عادات وأعراف التجارة الدولية أمام القضاء والتحكيم، مجلة الإشعاع، العدد 32 السنة 2007، ص 170 وما يليها.

[30]– ينص الفصل 327 من ق.م.م على أنه :

“عندما يعرض نزاع مطروح أمام هيئة تحكيمية عملا باتفاق تحكيم، على نظر إحدى المحاكم، وجب على هذه الأخيرة إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع أن تصرح بعدم القبول إلى حين استنفاد مسطرة التحكيم أو إبطال اتفاق التحكيم.

إذا كان النزاع لم يعرض بعد على الهيئة التحكيمية، وجب كذلك على المحكمة بطلب من المدعى عليه أن تصرح بعدم القبول ما لم يكن بطلان اتفاق التحكيم واضحا.

يتعين على المدعى عليه أن يدفع بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع، ولا يجوز للمحكمة في كلتا الحالتين أن تصرح تلقائيا بعدم القبول.

عندما ترفع أمام المحكمة الدعوى المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية أعلاه، يمكن، بالرغم من ذلك، مباشرة مسطرة التحكيم أو متابعتها، ويمكن إصدار حكم تحكيمي في انتظار أن تبت المحكمة في ذلك.

[31]– يمكن للأطراف اللجوء إلى القضاء قبل صدور القرار التحكيمي في مجموعة من الحالات الأخرى غير السالف ذكرها في مثن العرض وتتجل هذه الحالات في :

ـ طلب تجريح الهيئة التحكيمية وفقا للفصول 323 و 3 ـ 327 من ق.م.م.

ـ اللجوء إلى قاضي المستعجلات لاتخاذ أي إجراء وقتي طبقا للفصل 4 ـ 327 من ق.م.م.

ـ طلب تعيين محكم تبعا لمقتضيات الفصلين 324 و 5 ـ 327.

ـ طلب تمديد مدة الأجل الاتفاقي أو القانوني لإصدار الهيئة التحكيمية للقرار التحكيمي طبقا للفصل 20 ـ 327 من ق.م.م.

ـ بت القضاء في دعوى الزور الفرعي المتعلق بورقة معروضة على الهيئة التحكيمية وهو ما جاء في الفصل 17 ـ 327 من ق.م.م.

[32]– محمد العفس : م.س ص 97.

[33] – Louis Christophe Delanoy : le contrôle de l’ordre public au fond par le juge de l’annulation, Rév arab , N2 ; p 177.

[34]– ينص الفصل 31 ـ 327 من ق.م.م على أنه :

” لا ينفذ الحكم التحكيمي جبريا إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية يصدره رئس المحكمة الصادر الحكم في دائرتها .”

وينص الفصل 46 ـ 327 من نفس القانون على أنه :

” يعترف بالأحكام التحكيمية الدولية في المملكة إذا أثبت وجودها من يتمسك بها، ولم يكن هذا الاعتراف مخالفا للنظام العام الوطني أو الدولي.

يخول الاعتراف والصيغة التنفيذية لهذه الأحكام في المغرب وفق نفس الشروط لرئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها أو رئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج.”

[35]– محمد العفس : م.س ص 100.

[36]– قرار المجلس الأعلى عدد 291 في الملف التجاري عدد 19 / 3 / 1 / 2004 أورده محمد العفس : م.س ص 100.

[37]– تستقل الهيئة التحكيمية عن الهيئة القضائية في مجموعة من الخصائص، بيد أن الهيئة التحكيمية يتم اختيارها من بل الأطراف وهو أمر راجع إلى اتفاقهم، مع أن أداء عملهم وانتهاء البت في القضية تستحق أتعاب عن عملها تتضمن النفقات اللازمة لمسطرة التحكيم وأتعاب المحكمين حيث يرفق بكل طلب تحكيم رسوم الدعوى التي يقدرها مركز التحكيم مؤسساتيا وهيئة التحكيم إذا كان التحكيم حرا، وتكون هذا المبالغ غير قابلة للاسترداد.

ويجب الإشارة إلى أنه لا ينبغي عادة أن تتجاوز القيمة الأولية من مصاريف التحكيم مجموع النفقات الإدارية والد الأدنى للأتعاب الذي يحتسب بالاعتماد على قيمة الطلب ونفقات هيئة التحكيم المتوقعة القابلة للاسترداد والناتجة هن إعداد وثيقة المهمة.

وإذا تعذر احتساب هذا المبلغ تحدد بصورة تقديرية الدفعة على حساب المصاريف المبدئية ويعتبر ما يقدمه المدعي جزءا لا يتجزأ من حصته من الدفعة على حساب المصاريف التي تحددها هيئة التحكيم كما هو الحال في قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية.

ـ انظر إسماعيل أبو ياسين : تسوية نزاعات عقد النقل البحري للبضائع عن طريق التحكيم، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة ابن زهر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكادير، السنة الجامعية 2014 / 2015 ص 399.

[38]– يجب الإشارة إلى أنه لم يعد ذلك الجمع قائم بين مفهوم النظام العام السياسي والنظام العام الاقتصادي، بل تم التفرقة بينهم في وقت قريب، فهي تفرقة ذات بعد تاريخي للنظام العام، فالنظام العام السياسي هو نظام عام تقليدي يسهر على عدم مساس العقد بمقومات الدولة، وتتمثل هذه الأعمدة في الدولة والأسرة والفرد، فالنظام العام التقليدي يضم مجموعة قواعد لها صبغة السمو لأنها تهدف إلى حماية المبادئ الأساسية التي يستمر عليها تنظيم المجتمع.

أما النظام العام الاقتصادي لم يظهر إلا حديثا، وهذا لا يعني أن القانون المدني لم يعرف هذا المظهر بل بالعكس حيث يوجد نظام عام اقتصادي ذا توجه ليبرالي، أما القانون المدني المعاصر فيجسد نظاما عاما اقتصاديا مخالفا، بمعنى تدخلي، وهذا التدخل يختلف على نوعين نظام عام حمائي يجد مصدره في المذهب الفردي بهدف فقط حماية الطرف الضعيف اقتصاديا، كالعامل والمستهلك، ونظام عام توجيهي يقوم على أساس توجيه الاقتصاد الوطني باستبعاد العقود التي تخالفه .

ـ راجع بهذا الشأن خالد مجاهدين : النظام العام في العقد، أطروحة لنيل دكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء ص 184

[39]– يلعب النظام العام دورا هاما في مجال التجارة الدولية، والمتمثل أساسا في الحفاظ على المبادئ والأسس الجوهرية فوق الدواية التي من شأنها تحقيق مصالح التجارة الدولية .

ففكرة النظام العام في التحكيم البحري تتجلى في استبعاد المحكم لكل قانون لا يتماشى مع مبادئه في التجارة الدولية، وهو ما يعرف بالوظيفة السلبية أو إبطال العملية التجارية.

ورغم إقرار الدول من حيث المبدأ لفكرة النظام العام إلا أنها تتفاوت في مسألة التوسع أو التضييق في مفهومه، فبعضها يأخذ بفكرة النظام العام الداخلي فقط، لذا صيغت تشريعاتها بما يتفق وفلسفة هذا النظام، بينما العض الأخر منها يأخذ بفكرة النظام العام الدولي ويقدمه على النظام العام الداخلي في العلاقات الخاصة للنظام العام .

وتأسيسيا على ذلك فإن الدولة التي تأخذ بفكرة النظام العام الداخلي تحتكم إلى مفهومها الوطني الداخلي بينما تحتكم الدولة التي تأخذ بفكرة النظام العام الدولي إلى التعامل الدولي لتحديد جواز التحكيم أو عدمه في نزاعات النقل البحري للبضائع .

ـ إسماعيل أبو ياسين : م.س ص 108 و 109.

[40] – Nathalie Najjar : op, cit , p 445.

[41]– أحمد أبو الوفا : التحكيم في القوانين العربية، نشأة المعارف الإسكندرية، طبعة 1998 ص 81.

[42]– محمد العفس : م.س ص 107.

[43]– المرجع السابق ص 108.

[44]– إن الحكم ببطلان حكم التحكيم ــ وفقا لمعاهدة نيويورك ــ في الدولة التي صدر حكم التحكيم على إقليمها يؤدي إلـى فقدان هذا الحكم ، لإمكانية الخضوع لأحكام معاهدة نيويورك ، وتؤكد هذه القاعدة أن معاهدة نيويورك لا تنطلق من فكرة عدم تركيز حكم التحكيم ، بل تعترف لقانون الدولة التي صدر التحكيم على إقليمها بأهمية بالغة، وتتضح تلك الأهمية على وجه الخصوص بما تفرضه هذه المعاهدة من أن انعقاد الاختصاص بنظر دعاوي البطلان ضد أحكام التحكيم إلى محاكم الدولة التي عقدت جلسات التحكيم على إقليمها أو لمحاكم الدولة الذي يسري قانونها على إجراءات التحكيم دون سواهما.

واستنادا لمقتضيات هذه لمعاهدة، فإنه على جميع الأنظمة القانونية الأخرى أن ترفض الاعتراف بأي أثر على حكم التحكيم الذي تم أبطاله، ويشترط في الحكم الصادر على القضاء بالبطلان والذي يؤدي إلـى عدم تمتع حكم التحكيم بالخضوع لمعاهدة نيويورك أن يكون هذا الحكم قاضياً ببطلان القرار التحكيمي، وليس حكماً يقضي بإلغاء قرار التحكيم .

وتنص المادة السابعة من الاتفاقية على أنه : ” لا تخل أحكام هذه الاتفاقية بصـحة الاتفاقـات الجماعية أو الثنائية التي أبرمتها الدول المتعاقدة بشأن الاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيـذها ولا تحرم أي طرف من حقه في الاستفادة بحكم من أحكام المحكمين بالكيفية وبالقدر المقـرر في تشريع أو معاهدات البلد المطلوب إليها الاعتراف وتنفيذه . ”

فمعاهدة نيويورك لا تضع إلا حد أدنى من الشروط المتطلبة في حكـم التحكـيم مـن أجـل الاعتراف به وتنفيذه ولا تتعارض مطلقاً مع أن يكون قانون أي دولة متعاقدة يتمتع بقدر أكبر من الحرية والمبادرة عن ذلك الذي تضعه المعاهدة ، وينزل بذلك عن هذا الحد الأدنى الـذي تضعه المعاهدة .

فاتفاقية نيويورك ارتكزت على مبدأ يسمح للقضاء بوقف قرار التحكيم الذي يصدر عن السلطة المختصة في الدولة التي جرى بها صدور حكم التحكيم أو في الدولة التي طبق قانونها بموافقة أطراف النزاع على إجراءات التحكيم، أو رفض إصدار الأمر بتنفيذ قرار التحكيم .

فعمومية النص وكما هو مطروح بصورته القائمة لم يحدد المقصود بوقف قرار التحكيم، الأمر الذي يتيح للقاضي أن يتوسع في مفهومه ويستند إلى أي عيب يراه في قرار التحكيم يكون من شأنه التأثير على القرار، وهذا ما يشكل عائقا أمام تنفيذه ما لم يتم الفصـل مـن قبـل القضاء المطروح عليه أمر بطلان قرار التحكيم .

لذلك فالمادة السادسة من الاتفاقية تنص على أنه : ” للسلطة المختصة المطروح أمامها الحكم إذا رأت مبرراً أن توقف الفصل في هذا الحكم إذا كان قد طلب إلغاء الحكـم أو وقفـه أمـام السلطة المختصة المشار إليها في الفقرة ( ه ) من المادة السابقة “.

انظر بهذا الشأن، سلام توفيق حسين منصور : بطلان حكم التحكيم ـ دراسة تحليلية مقارنة ـ بحث لنيل شهادة الماجستر في القانون الخاص، جامعة الأزهر بغزة فلسطين، كلية الحقوق، السنة الجامعية 2010، ص 92 وما يليها.

[45]– المرجع السابق ص 108.

[46] – P.Fauchard, E.Gaillard, B.Goldman : traité de l’arbitrage commercial international, LITEC et DELTA, paris 2004, p 460.

[47]– محمد العفس : م.س ص 110.

[48]– رغم اعتماد المشرع الفرنسي لمنهجية التفرقة بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي إلا أنه أنتهج طريقا آخر بالنسبة لحجية حكم التحكيم إذ أحال الأمر في نصه على ذلك في نظام التحكيم الدولي إلى التحكيم الداخلي و بالضبط المادة 1476 التي تعطي الحجية لحكم التحكيم منذ لحظة صدوره :

” La sentence arbitrale a dés quelles est rendu l’autorité de la chose jugée relativement a la contestation qu’elle tranche.”

بمعنى للحكم التحكيمي منذ صدوره حجية الشيء المقضي فيه فيما يتعلق بالخلاف الذي يحسمه ، و يفهم من ذلك أن القانون الفرنسي يسير في فلك الليبيرالية المطلقة فيما يخص أحكام التحكيم الدولي فتتوسع الحجية وسط هذه الأحكام أياً كان القانون المطبق و أياً كان المكان الذي صدر فيه الحكم.

و يلاحظ أن المشرع الفرنسي ركز في المادة السالفة الذكر على موضوع النزاع أي أن الحجية لا تتعدى الموضوع الذي فصل فيه الحكم ،مما سبق الحديث عنه حول تحديد نطاق حجية حكم التحكيم بالنسبة للموضوع وتجدر الإشارة إلى أن قانون التحكيم الفرنسي يسمح فضلا عن حق الاستئناف بالطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي الداخلي ، و يترتب على ذلك أن حكم التحكيم الداخلي يصدر و هو حائز لحجية الشيء المقضي فيه دون قوة الأمر المقضي فيه إلا إذا تنازل الأطراف مسبقا عن الطعن بالاستئناف ، أو كان التحكيم مقترنا بالتفويض دون تحفظ الأطراف و إعلان تمسكهم بالحق في الاستئناف.

و كما هو معلوم في جميع قوانين التحكيم الوطنية أن الأصل في حجية الشيء المقضي فيه للحكم التحكيمي هي حجية نسبية بالنسبة للأطراف فهي لا تمد إلى الغير .و إذا ما تضرر الغير من حكم التحكيم فله أن يرفع دعوى اعتراض الغير الخارج عن الخصومة ، و ليس له الحق في رفع دعوى البطلان أو الطعن في حكم التحكيم لكونه أجنبي عنه و هو غير طرف في الخصومة .

ـ انظر سليم بشير : الحكم التحكيمي والرقابة القضائيةـ أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق، السنة الجامعية 2010 / 2011، ص 211 وما يليها.

[49]– خالد محمد القاضي : موسوعة التحكيم التجاري الدولي، دار الشروق مصر، الطبعة الأولى، 2002، ص 457.

[50]– اعتبرت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء أنه يتم تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية من قبل رئيس المحكمة الابتدائية إذا تعلق الأمر بنزاع مدني، أو من قبل المحكمة التجارية إذا تعلق الأمر بنزاع تجاري، في حين إذا تعلق الأمر بنزاع إداري، فقد اعتبرت أن الأمر يعود إلى المحكمة الإدارية التي لها صلاحية النظر في تذييل القرار بالصيغة التنفيذية وليس إلى رئيسها.

ـ قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 569 بتاريخ 5 / 3 / 2008، أورده محمد العفس : م.س ص 112.

[51]– قرار عدد 1030 بتاريخ 11 / 07 / 2002 ملف تجاري عدد 418 / 3 / 1 / 99 منشور بدفاتر المجلس الأعلى عدد 7السنة 2005 ص 113.

[52]– نصت المادة 1477من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي الجديد.

على ما يلي: ” لا يكون الحكم التحكيمي قابلا للتنفيذ الإجباري إلا بموجب صيغة تنفيذية يصدرها محكم البداية التي صدر في نطاقها الحكم التحكيمي .

ويأمر بالصيغة التنفيذية قاضي التنفيذ في الحكم، لهذه الغاية يودع أحد المحكمين أو الطرف الأكثر عجلة أصل الحكم التحكيمي مرفقا بنسخة من العقد التحكيمي أمام المحكمة “.

أن المشرع الفرنسي بقي على إلزام أحد المحكمين إيداع الحكم التحكيمي ووسع العملية إلى أطراف الحكم وبالأخص الطرف المستعجل، ولم يحدد أية مدة للإيداع .

نصت المادة 47 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994على أن : ” يجب على من صدر حكم التحكيم لصالحه إيداع أصل الحكم أو صورة موقعة منه باللغة التي صدر بها، أو ترجمته باللغة العربية مصدقا عليها من جهة معتمدة، إذا كان صادرا بلغة أجنبية…

ويحرر كاتب المحكمة محضرا بهذا الإيداع، ويجوز لكل طرفي التحكيم طلب الحصول على صورة من هذا المحضر .”

ويتبين وأن المشرع المصري هو الآخر لم يكلف المحكمين بالإيداع، ولم يحدد مدة معينة للإيداع، وحصر الأمر في من حكم لصالحه وليس للطرف المستعجل.

نص المادة 33 من قانون التحكيم رقم 42 لسنة 1993 المؤرخ في 26 أبريل 1993 على : “… وتتولى هيئة التحكيم توجيه نسخة من الحكم إلى الأطراف في ظرف 15 يوما من صدوره وتودع في نفس الأجل أصل الحكم مرفوقا باتفاقية التحكيم بكتابة المحكمة المختصة في مقابل وصل، ولا يخضع الإيداع لأي أداء “.

ويتضح من النص أن المشرع التونسي انتهج مسلكا آخر غير الذي سلكته التشريعات السابقة ، إذ حمل مسؤولية الإيداع للمحكمين ولم يكلف الأطراف عناء ذلك هذا من جهة، ومن جهة أخرى وحتى لا تبقى الأمور تتراوح دون فائدة ألزم هيئة التحكيم إيداع الأصل خلال 15 يوما، ثم لم يكتف بذلك بل أعفى الأطراف وهيئة التحكيم من مصاريف الإيداع .

أنظر بهذا الشأن : سليم بشير : م.س ص 229 وما يليها.

[53]– قرار عدد 3875 / 2008 بتاريخ 26 / 08 / 2008 ملف تجاري عدد 1193 / 2007 أورده محمد العفس : م.س ص 114.

[54]– قرار رقم 60 بتاريخ 19 / 01 / 2000 ملف تجاري رقم 709 / 98، منشور بدفاتر المجلس الأعلى : م.س ص 116.

[55]– كما هو معلوم فإن الحكم التحكيمي يحوز حجية الشيء المقضي فيه بمجرد صدوره في بلد المنشأ، لكن هذه الحجية موقوفة مؤقتا بالنسبة للأحكام التحكيمية الدولية إلى أن يتم الاعتراف بها في بلد التنفيذ، وهذا ما قررته صراحة اتفاقية نيويورك سنة 1958 في مادتها الثالثة.

إلا أن التساؤل الذي يبقى مطروحا، هل أن الأحكام التحكيمية الدولية حائزة لحجية الشيء المقضي فيه ، قبل الاعتراف بها ؟

إن الجواب على هذا الإشكال يقتضي التفرقة بين الاعتراف بالحكم التحكيمي الدولي والأمر بتنفيذه، فمن الممكن جدا كما سبق الذكر أن يطلب صاحب المصلحة الاعتراف له بالحكم التحكيمي الدولي دون طلب الأمر بالتنفيذ، أي الاكتفاء بالاعتراف دون التنفيذ، ولكن لا يتصور الأمر بالتنفيذ دون أن يسبقه الاعتراف.

ومفهوم الاعتراف هو أن الحكم التحكيمي صدر بشكل صحيح وملزم للأطراف، أما التنفيذ فمعناه أن يطلب الخصم المحكوم له من القضاء إلزام المحكوم عليه بتنفيذ ما جاء بالحكم التحكيمي جبرا عنه، وذلك بموجب الإجراءات التنفيذية قيد التنفيذ.

و حسب الفقه A.Red Ferm و M.Hunter أن الاعتراف بحكم التحكيم الدولي هو إجراء دفاعي يستغل عند طرح النزاع من جديد على القضاء بعد الحكم فيه من قبل محكمة التحكيم ، و على هذا الأساس يمكن للطرف صاحب حكم التحكيم المعترف به تقديمه كحقه على الطرف الآخر ، و إن الإعتراف هو إعطاء لحكم التحكيم حجية الشيء المقضي فيه.

إن طلب الاعتراف بالحكم التحكيمي إجراء دفاعي يلجأ إليه صاحب المصلحة عند مطالبته أمام قضاء الدولة من أجل نفس النزاع الذي سبق طرحه أمام التحكيم، فيدفع صاحب الحكم التحكيمي بحجية الشيء المقضي فيه،ولإثبات ذلك يتقدم صاحب الحكم التحكيمي بطلب الاعتراف بحكمه هذا وصحته ثم يقدمه إلى العدالة للحكم بسبق الفصل.

وعليه، فإن الاعتراف بالحكم التحكيمي الدولي لا يعني حتما الأمر بالتنفيذ، وما يؤكد هذا المفهوم هو أن معظم التشريعات الوضعية أوردت الاعتراف إما في مواد مختلفة عن المواد المتعلقة بالتنفيذ كما هو الحال بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي أورد موضوع الاعتراف في المادتين 1498 و 1499 ق.إ.م.إ..ف.ج بينما أورد موضوع تنفيذ الأحكام التحكيمية الدولية في المادة 1500 من نفس القانون التي أحالت الأمر على المواد من 1476 إلى 1479 من نفس القانون.

هذا وتعتبر، اتفاقية نيورك 1958 نموذج فريد من نوعه، بشأن الاعتراف وتنفيـذ الأحكام التحكيمية الدولية وهي نتيجة للتطور الإتفاقي الدولي الخاص بالاعتراف وتنفيذ الأحكام التحكيمية الدولية.

فقبل اتفاقية نيورك سنة 1958 كانت اتفاقية جنيف سنة 1927وهي الاتفاقية التي يرجع إليها الفضل في السبق في محاولة إيجاد الحلول المناسبة لمشكلة تنفيـذ الأحكام التحكيمية الدولية.

لأن برتوكول جنيف لعام 1923 لم يتناول سـوى موضـوع الاعتراف الدولي لشرط التحكيم أو مشارطته وبقيت اتفاقية جنيف سنة 1927 بدون تحقيـق الأهداف الأساسية التي كانت ترمي إليها، وجمعت بين الأحكام التحكيمية الأجنبية، والأحكام القضائية الأجنبية بل أخضعت إجـراءات تنفيـذ الأولـى علـى نفس الإجراءات بالنسبة للثانية.

ـ راجع بهذا الشأن، سليم بشير : م.س ص 237 وما يليها.

ـ أحمد هندي : تنفيذ أحكام المحكمين، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، طبعة 2003، ص 24.

[56]– محمد العفس : م.س ص 114.

[57]– راجع أحمد عبد الكريم سلامة : التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية، المدنية والتجارية والإدارية والجمركية والضريبية ـ دراسة مقارنة ـ دار النهضة العربية، القاهرة، ط.1، 2006، ص 225.

[58]– الفصل 309 و 310 من ق.م.م.

[59]– بن صر عبد السلام : م.س ص 78.

[60]– ينص الفصل 33 ، 327 من ق.م.م على أنه :

“يجب أن يكون الأمر الذي يرفض الصيغة التنفيذية معللا.

ويكون قابلا للطعن بالاستئناف وفق القواعد العادية داخل 15 يوما من تاريخ تبليغه. وتنظر محكمة الاستئناف، في هذه الحالة بناء على طلب الأطراف، في الأسباب التي كان بإمكانهم التمسك بها ضد الحكم التحكيمي عن طريق الطعن بالبطلان.

تبت محكمة الاستئناف في هذا الاستئناف طبقا لمسطرة الاستعجال.”

إعادة نشر بواسطة محاماة نت