تعريف المخالفة التأديبية (الجريمة التأديبية) :

لم يعرف قانون الخدمة المدنية المخالفة التأديبية كما انه لم يحصر تلك المخالفات ويحدد لها العقوبات المناسبة وكل ما ذكره هو المحظورات التي يخطر على الموظف ارتكابها وإلا عرض نفسه إلى عقوبات تأديبية. واعتبرت المادة 68 من قانون الخدمة إن مخالفة القانون والأنظمة والتعيينات والقرارات المعمول بها في الخدمة المدنية توقع عليه عقوبات تأديبية وفي هذه المادة جاء ذكر مخالفة تأديبية وليس جريمة تأديبية إلا إن عدم ذكر تعريف للمخالفة التأديبية في القانون لم يمنع القضاء والفقهاء من وضع تعريف لهذه المخالفة فها هي المحكمة الإدارية العليا المصرية تعرف المخالفة التأديبية ” المخالفة التأديبية ليست فقط إخلال العامل بواجبات وظيفته إيجابا أو سلبا وما تقتضيه هذه الواجبات من احترام الرؤساء وطاعتهم بل كذلك تنهض المخالفة التأديبية كلما سلك العامل سلوكا معينا ينطوي على إخلال بكرامة الوظيفة أو لا يستقيم مع ما تفرضه عليه من تعفف واستقامة وبعد عن مواطن الريب والدنايا “. (1) وقد عرفها البعض بأنها ” فعل معاقب عليه بجزاء إداري وهي تتضمن مخالفة لقوانين وقرارات تنظيمية ” (2). ويعرفها الدكتور سليمان الطماوي بأنها ” كل فعل أو امتناع عن فعل يرتكبه العامل ويجافي واجبات منصبه” (3) . أما الدكتور جودت الملط فعرف الجريمة التأديبية بأنها ” إخلال بواجبات الوظيفة إيجابا أو سلبا ولا يقصد بواجبات الوظيفة الواجبات المنصوص عليها في التشريعات المختلفة الإدارية وغير الإدارية فقط بل يقصد بها أيضا الواجبات التي يقتضيها حسن انتظام واطراد العمل في المرافق العامة ولو لم ينص عليها” (4) . وآيا كان تعريف الفقهاء والقضاة لهذه المخالفة أو الجريمة التأديبية فانه لا يمكن إن يستخلص الباحث تعريفًا شاملا يمكن إن يصفه في هذه الأطروحة قبل معرفة ما هي المحظورات التي نص عليها القانون والتي تعد مخالفات توقع الإدارة جزاءات على من يأتي بها.

_________________

1- بسيوني، عبد الغني. القانون الإداري، منشأة المعارف الإسكندرية 1991 ، ص 333

2- صالح، عثمان عبد الملك. مجلة الحقوق، المجلد 10 ، العدد من 3-4 سنة 1986 ص 75

3- الطماوي، سليمان. القضاء الإداري، الكتاب الثالث، قضاء التأديب (دراسة مقارنة) دار الفكر العربي، القاهرة 1995 ، ص 234

4- الملط، محمد جودت. المسؤولية التأديبية للموظف العام، رسالة دكتوراه ، القاهرة 1967 مأخوذ عن الزعبي ، خالد سمارة. القانون الإداري وتطبيقاته في المملكة الأردنية الهاشمية، الطبعة الثانية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1993 ، ص . 243

أركان المخالفة التأديبية :

وللجريمة التأديبية ركنان الأول مادي ويتمثل في الفعل أو الامتناع الذي يرتكبه الموظف إخلالا بواجبات وظيفته وينبغ بان يكون هذا الركن محددًا وله وجود ظاهر وملموس في العالم الخارجي لان القانون لا يعاقب على مجرد النوايا والأخر الركن المعنوي ويتمثل في أن الإخلال بالواجبات الوظيفية يجب أن تصدر عن إرادة آثمة أي أن يكون الموظف مدركا للخطأ أو المخالفة حيث أوردت المادة 67 من قانون الخدمة المدنية الفلسطيني هذه المحظورات في سبع نقاط وكما يقول الدكتور عدنان عمرو ” إن المخالفات الإدارية لم تحصر في قانون الخدمة المدنية وذلك لإعطاء السلطة المختصة بالتأديب تقدير ما إذا كان العمل الذي قام به الموظف يعد جريمة تأديبية” (1) . وهذا ما سيتضح في الفقرة الأولى التي تناولتها المادة 67 حيث تنص على إن مخالفة قانون الخدمة المدنية أو القوانين واللوائح الأخرى المعمول بها والمتعلقة بالخدمة المدنية والموظفين محظورة حيث إن هذه الفقرة جاءت فضفاضة فأية مخالفة بفعل ايجابي أو سلبي يخالف قانون الخدمة أو أي قانون أخر تتعلق مواده بالخدمة المدنية أو الموظف تعتبر مخالفة وهنا سنتناول هذه الفقرة بشي ومن التحليل والنقد إن هذه المادة جاءت لتؤكد على تسمية المخالفة التأديبية وليست الجريمة التأديبية بمعنى الإتيان بعكس المطلوب قانونا حيث أوردت المادة 66 واجبات الموظف وسلوكه الوظيفي وأن من لا يقوم بواجباته الوظيفية يكون عرضة للعقوبة التأديبية و إن هذه الواجبات ملزمة لهذا الموظف حيث وردت عبارة (وعلى الموظف الالتزام) وذلك بنص المادة 66 ومن لم يقم بهذه الواجبات يعرض نفسه للعقوبة التأديبية والعقوبة الجنائية أيضا في بعض الأحيان كما ولو اختلس الموظف حيث يكون هنا مرتكبًا لجريمة جنائية بالإضافة إلى المخالفة الإدارية (2) وبالتالي فان من لم يقم بهذه الواجبات هو كمن لم يلتزم بما حظر عليه وتوقع عليه العقوبة سواء الجنائية أو التأديبية أو الاثنتان معا وهنا يريد الباحث أن يعود إلى المحظورات التي فرضت على الموظف العام وليس لهذا الموظف الجمع بين وظيفته وبين أي عمل أخر يؤديه بنفسه أو بالواسطة إلا أن ذلك ليس بصورة قطعية وإنما يحق لهذا الموظف الجمع بين وظيفته الحكومية لأي عمل أخر خارج نطاق وظيفته ولكن بشروط:

1-موافقة رئيس الدائرة الحكومية المختص.

2- أن يشعر الديوان بذلك.

3- أن لا تزيد فترة العمل خارج نطاق الوظيفة عن سنة (3) ومن يخالف هذه الشروط يعاقب تأديبيا وان لم تذكر المادة صورة هذا العقاب وفي هذا فتح للمجال التقديري لسلطة الإدارة في تقدير العقوبة التأديبية وليس في فرض العقوبة من غيرها حيث نصت المادة السابقة من يخالف ذلك يعاقب تأديبيا كما إن اللائحة نصت على شروط متعلقة في منح الإذن للعمل خارج نطاق الوظيفة وهذه الشروط:

1- إن لا يؤثر العمل على واجبات وقدرات الموظف في نطاق عمله أو يمس مركزه.

2- لا يرتبط العمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتأدية الموظف لمهامه المكلف بها.

3- إن لا يرتبط الموظف مع أي فرد أو شركة أو مؤسسة لها ارتباطات مالية أو تجارية بالدائرة التي يعمل بها الموظف.

4- إن لا يكون هناك أي ضرر أو تعارض أو تناقض مع الوظيفة أو مقتضياتها أو مع أنظمة الخدمة المدنية أو أي قانون أخر.

5- إن يكون العمل خارج نطاق الدوام الرسمي أو مكان عمل الموظف وان لا يستعمل ممتلكات أي دائرة حكومية في أداء هذا العمل

6- إن لا يزيد عدد ساعات العمل خارج نطاق الوظيفة 3 ساعات باليوم الواحد وحيث لا تتعدى 9 ساعات في الأسبوع (4)

ولم تحدد هذه المادة كسابقتها أي إلزام للإدارة في معاقبة من يخل بهذه الشروط من الموظفين كما انه يحظر على الموظف استغلال وظيفته وصلاحياته في منفعة ذاتية أو قبول أي هدية أو مكافأة أو منحة أو عمولة بمناسبة قيامة بواجبات وظيفته ولم يتم ذكر الرشوة في هذه الفقرة (5) وان كان قانون العقوبات المطبق قد تناول موضوع الرشوة في المادة 170 وفرض عقوبة جنحية على الموظف الذي يطلب أو يقبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعدا أو خدمة حيث اعتبر المشرع هذه مسميات للرشوة حيث ذكر الرشوة كعنوان للمواد من 170 إلى 173 من قانون العقوبات وبالتالي فان الفقرة الثالثة من المادة 67 وان لم تورد ذكر الرشوة صراحة فان مسميات المكافأة والمنحة والعمولة تعني في النهاية كلمة الرشوة إلا إن في رأي الباحث إن المادة 170 من قانون العقوبات كانت موفقة أكثر من الفقرة السابقة التي وردت في قانون الخدمة في التعامل مع حالة الرشوة حيث إن المادة 170 جرمت طلب الرشوة كما جرمت قبولها إلا إن الفقرة الثالثة من المادة 67 حظرت القبول ذاتيا أو بالواسطة ولم تحظر الطلب.وهذا برأي الباحث قصور في صياغة هذه المادة والتي كان أجدر بالمشرع أن ينص على تجريم قبول الرشوة أو طلبها كما حظر على الموظف الاحتفاظ لنفسه بأصل أية ورقة رسمية (6) أو نسخة أو ملخص عنها وان يزيلها من الملفات المخصصة لحفظها ولو كانت خاصة بعمل كلف به شخصيا.وهذا شيء طبيعي حيث تلك الأوراق تعتبر أملاكًا للدولة وهو أمين عليها بحكم وظيفته. وهنا إذا ما قام الموظف بما حظر عليه يعتبر في قانون العقوبات ممارسًا لجريمة إساءة الائتمان وهذه الجريمة تناولتها المادة 422 من قانون العقوبات حيث نصت على ” كل من سلم إليه على سبيل الأمانة أو الوكالة ولأجل الإبراز والإعادة أو لأجل الاستعمال على صورة معينة أو لأجل الحفظ أو لإجراء عمل باجر أو بدون اجر ما كان لغيره من أموال ونقود وأشياء وأي سند يتضمن تعهدا أو إبراء وبالجملة كل من وجد في يده شيء من هذا القبيل فيكتمه أو بدله أو تصرف به تصرف المالك أو استهلكه أو أقدم على أي فعل يعد تعديا أو امتنع عن تسليمه لمن يلزم تسليمه إليه يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبالغرامة من 10 دنانير إلى 100 دينار” وهنا يتضح إن مرتكب الاحتفاظ لنفسه بهذه الأوراق يعد مرتكب جنحة كما يعرض نفسه لجزاء تأديبي أما الحظر الخامس فهو إفشاء أي من الأمور التي يطله عليها بحكم وظيفته خلافا للمجالات التي يجيزها القانون حتى لو ترك الوظيفة وأما الحظر السادس فهو خروج الموظف على مقتضى واجب إعماله الوظيفية أو الظهور في مظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة (7) وإن كان قانون الخدمة المدنية حظر أعمال معينة فان هذا لا يعني أن ما عداها مباح بل يكون لسلطة التأديب أن تقدر في كل حالة على حدة ما إذا كان فعل الموظف يخل بواجبات الوظيفة أو بمركزة كموظف عام وهذا ما يرجعنا إلى المادة 66 من قانون الخدمة التي تناولت واجبات الموظف وسلوكه الوظيفي وذلك من حيث تأدية العمل بأمانة وإحسان معاملة الجمهور واحترام مواعيد العمل والمحافظة على الأموال والممتلكات واحترام التسلسل الوظيفي والعمل على تنمية قدراته وكفاءاته العلمية والعملية أما عن الحظر على الموظف بالظهور بمظهر يخل بكرامة الوظيفة فجاءت الفقرة السابعة من المادة 76 من قانون الخدمة على ضرب أمثلة على كيفية الإخلال بكرامة الوظيفة من حيث حظرت شرب الخمر ولعب القمار في الأندية أو المحال العامة ويشبه بعض الفقهاء المخالفة التأديبية بجرائم التعزير في الشريعة الإسلامية وهي جرائم غير محددة بنصوص وليس لها عقوبات مقدرة سلفا خلاف جرائم الحدود والقصاص (8) ان المشرع لم يقم بحصر المخالفات التي قد تقع من الموظف العام وتركها فضفاضة وبالنهاية يمكن تعريف المخالفة التأديبية بأنها ” كل ما يأتيه الموظف إيجابا أو سلبا بطريقة مادية أو معنوية يمكن إن تخل بما تستلزم الوظيفة العامة القائمة على تحقيق المصالح العامة. ولم ينص المشرع الفلسطيني على خطر الاشتغال في الأمور السياسية والانتماء للأحزاب السياسية، كما لم يحظر الإضراب أو الانضمام للمنظمات والنقابات المهنية والعمالية (9).

________________

1- عمرو، عدنان. شرح قانون الخدمة المدنية الفلسطيني لعام 1998 ، د.ط ، أضواء للتصميم والمونتاج الفني ، رام الله 1999 ص 60

2- المادة 174 الفقرة 1 من قانون العقوبات الأردني

3 – المادة 83،84 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية

4- المادة 85 من اللائحة التنفيذية

5- الفقرة 3 من المادة 67 من قانون الخدمة المدنية

6- الورقة الرسمية: هي المحرر الذي يحرره موظف مختص بتحريره بمقتضى وظيفته، أو ينسب زورا إلى موظف عمومي مختص ويعطى شكل المحررات الرسمية الصادرة عنه. تعريف محكمة التمييز الأردنية، تمييز جزاء 54 /61 ص 493 سنة 1961 مجلة نقابة المحامين .

7- أن ما ورد في هذا النص لا يتعدى عن أوصاف قانونية لأفعال يأتيها الموظف بحيث إذا تم تكييفها على أنها خروج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته تحقق من جانب الموظف ارتكابه لمخالفة تأديبية تستوجب مساءلته تأديبيا انظر الدكتور سامي جمال الدين، مرجع سابق، ص 287

8-عبد العزيز، عامر. التعزير في الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه، 1955 ، ص 86

9- أنظر في هذا الشأن د. عمرو، عدنان. مبادئ القانون الإداري الفلسطيني، مرجع سابق، ص 247

المؤلف : عبير توفيق محمد ابو كشك
الكتاب أو المصدر : سلطة التأديب بين الادارة والقضاء

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .