نظــــام القضاء المزدوج

يعرف نظام القضاء المزدوج على انه : تولي الوظيفة القضائية جهتان قضائيتان مستقلتان تتولى احداهما النظر في المنازعات بين الافراد وتعرف بالقضاء الاعتيادي في حين تختص الاخرى بالنظر في المنازعات الادارية وتعرف بالقضاء الاداري . وهذا مايميز النظام الانجلوسكسوني او نظام القضاء الموحد الذي يقوم على اساس وجود جهة قضائية واحدة هي المحاكم الاعتيادية التي تتولى النظر في جميع المنازعات سواء كانت بين الافراد ام بين الافراد والادارة .

ويتميز القضاء الاداري باستقلاله تجاه القضاء الاعتيادي والادارة اما استقلاله في مواجهة القضاء الاعتيادي فيتمثل في ان لكل من جهتي القضاء رجالها ومحاكمها واختصاصاتها اذ تخضع المحاكم الاعتيادي الى رقابة محكمة النقض او التمييز التي توجد على قمة القضاء الاعتيادي في حين ان المحاكم الادارية تخضع لرقابة مجلس الدولة الذي يقف على رأس القضاء الاداري .

ويتمثل استقلال القضاء الاداري تجاه الادارة في استقلال رجال القضاء الاداري في اشخاصهم وتخصصاتهم عن العاملين في الادارة ، وتختلف سلطة الادارة في نظام القضاء المزدوج عنها في القضاء الموحد اذ تنحصر هذه السلطة في الحكم بالغاء القرارات الادارية المعيبة لان الرقابة على اعمال الادارة في هذا النظام هي رقابة مشروعية اي البحث عن مدى مطابقة تصرفات الادارة للقواعد القانونية النافذة ولا يملك القاضي الاداري سوى الحكم بمشروعية هذه القرارات او عدم مشروعيتها فيقضي بابطالها وفي بعض الاحيان تمتد سلطة القاضي الاداري الى اكثر من الغاء القرار وذلك في حالة دعاوى القضاء الكامل فتصل امكانية تعديل القرار والحكم بالتعويضات المالية عن الاضرار الناجمة عنه .

كما ان القاضي الاداري هو قاضي مشروعية فلا يكون له كقاعدة عامة سلطة التصدي لملائمة التصرفات الادارية فالادارة تستقل بتقديرها من دون ان يكون للقضاء حق التدخل في ذلك طالما ان التصرف او القرار لم يشوبه عيب في انحراف السلطة لكن التطور الذي لحق باتجاهات القضاء الاداري وقاد الى امكانية بحث عنصر الملائمة في تصرفات الادارة وقراراتها اذا تعلق الامر بتقييد الحريات الفردية وكذلك في ميدان العقوبات التأديبية .

وفي كل الاحوال فانه ليس للقاضي الاداري ان يحل محل الادارة في اصدار القرارات الادارية كما ان ليس له الحق في ان يصدر للادارة اوامر للقيام بعملها او الامتناع عن عمل ويترتب على ذلك انه ليس للقاضي ان يعدل القرارات المعيبة وذلك لان التعديل يتضمن في حقيقته امرا صادرا من القاضي الى الادارة وهو ما لا يملكه . ومن الجدير بالملاحظة ان وجود قضاء اداري لا يعني اسقاط كل حق للقضاء العادي في الرقابة على اعمال الادارة اذ يظل لهذا الاخير سلطة واختصاص في هذا المجال اذ يتولى الفضل في المنازعات الخاصة باعمال الغضب او التعدي وكذلك المنازعات التي تكون الادارة طرفا فيها ولكن ليس بوصفها سلطة عامة .

وتعد فرنسا مهد نظام القضاء المزدوج ومنشأه ففيها نشأ وتطور ثم عرف طريقه الى دول اخرى مثل بلجيكا واليونان وايطاليا اما في الدول العربية فان مصر اول دولة اعتنقت النظام القضائي المزدوج وكان للقضاء المصري الدور الكبير في حل الكثير من القضايا المتعلقة بنشاط الادارة ، وفي العراق الاتحادي فانه وبصدور قانون التعديل الثاني رقم 106 لسنة 1989 لقانون مجلس شورى الدولة فقد تم ولاول مرة استحداث محكمة القضاء الاداري التي تختص بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر من الموظفين والهيئات .

وباستحداث هذه المحكمة التي تمثل نواة القضاء الاداري في العراق يكون النظام القضائي قد حقق خطوة مهمة باتجاه مغادرة نظم القضاء الموحد والانتقال الى مصاف القضاء المزدوج ان تنهض الى جانب محاكم القضاء الاعتيادي محاكم القضاء الاداري التي تختص حصرا بالنظر في جميع المنازعات الادارية وذلك استنادا الى المادة 7 / الفقرة ثانيا من القانون اعلاه التي تنص على انه (تختص محكمة القضاء الاداري بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي ..) التي لم يعين مرجعاً للطعن فيها .

وعلى الرغم من ان انشاء محكمة القضاء الاداري قد سرع الخطى نحو استكمال القضاء الاداري وهيكلته التي كان لابد من ان يتوج بانشاء مجلس دولة بوصفه هيأة قضاء اداري ذو ولاية شاملة وليكون قاضي القانون العام في كل المنازعات الادارية لكن دستور عام 2005 الاتحادي جاء خلوا من نص وجوبي يقضي بذلك بل اكتفى بالنص على جواز انشاء مجلس دولة استنادا لنص المادة 101 منه.

المحامية: ورود فخري