اكدت الاحداث التي شهدها العالم اثر نهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر الشرقي على رأسه الاتحاد السوفييتي وانفراد الولايات المتحدة الامريكية شبه الكامل بقيادة النظام الدولي بما لا يدع مجالا للشك ان ثمة ازمة خطيرة يشهدها القانون الدولي ومستقبل العلاقات ما بين الفاعلين على الساحة الدولية ، وان ثمة محاولات حقيقية وجادة تسعى من خلالها الولايات المتحدة الامريكية الى اعادة تشكيل قواعد ومباديء القانون الدولي والعلاقات الدولية الحاكمة على النحو الذي يتوافق ومصالحها من جانب،

ورغبتها في احكام قبضتها وضمان استمرار سيطرتها على النظام الدولي منفرده من جانب آخر، وسعيها الى اعادة تشكيل العالم وصياغته على هواها من جانب ثالث، وبحيث يغدو هذا القانون وهذه العلاقات انعكاسا لمشيئتها وتعبيراً عن ارادتها وجزءا من استراتيجيتها الهادفه الى احكام السيطرة -المادية من خلال الاقتصاد والقوة العسكرية، والمعنوية من خلال الاعلام وقواعد القانون- على العالم.

ولقد جاءت احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وبغض النظر عمن وراءها فعلاً، فرصة ذهبية استطاعت الولايات المتحدة الذهاب في استغلالها الى مدى بعيد لمحاولة فرض رؤاها ومفاهيمها وقيمها ومصالحها على واقع الساحة الدولية وعلى الآخر رافعة شعار محاربة الارهاب ومستندة الى قاعدتها المشهورة التي تنفي وجود ورأي الآخر “من ليس معنا فهو ضدنا”، ومغلبة دعاوي الامن القومي الامريكي على ما عداها بما في ذلك الاستقرار والسلم العالمي وامن الشعوب والامن الجماعي الدولي اللذين كفلهما ميثاق الامم المتحدة، وبهذه الحجج اصبح بأمكان الادارة الامريكية سحق أي ممانعة او معارضة او مقاومة ممكنه لفرض سيطرتها المطلقة والكاملة على مجريات الاحداث والتطورات في العالم،

وعلى ذلك فقد اصبحت الحرب ضد الارهاب مرتكزاً لسياسة خارجية امريكية جديدة تتبنى رؤية محددة واكثر وضوحاً هي بطبيعتها توسعية تستهدف اعادة رسم خريطة العالم الاستراتيجية، وفقا للعقيدة الاستراتيجية الجديدة التي استلهمتها ادارة بوش الابن والتي تتضمن ما يفيد بتجاوز الولايات المتحدة الامريكية للمفهوم الدفاعي التقليدي الذي كانت تعمل به ابان الحرب الباردة ووجود المعسكر الشرقي، لاسيما وان المخاطر التي اصبح يتعين على الولايات المتحدة مواجهتها لم تعد تأتي من مصادر تقليدية وانما حسب اعتقاد الادارة الامريكية هي تأتي من جانب مجموعات ارهابية دولية ومن دول تتساهل معها وتقدم لها الدعم والمأوى الآمن.

ولعل الامر الاهم في هذا المجال هو ان الولايات المتحدة لم تنسى وهي تسعى الى اعادة صياغة العالم وفق رؤاها ومفاهيمها ان تضفي مزيدا من حمايتها بكل الطرق والوسائل الممكنه على اسرائيل، وذلك استناداً الى التحالف الاستراتيجي القائم بينهما من جانب ودور اسرائيل في اطار الاستراتيجية الامريكية للسيطرة على العالم من جهة اخرى، اضافة الى مكانتها المحورية والقاعدية في المنظومة الفكرية للمحافظين الجدد واليمين الامريكي المسيطر ذي النزعة (الاصولية المسيحية الصهيونية) ، وقد كان آخر هذه الوسائل المتقنة الاعداد والاخراج ” قانون تعقب الاعمال المعادية للسامية عالمياً” الذي اجازه الكونجرس الامريكي في اكتوبر 2004 .

ولخطورة هذا القانون فقد شهدت الايام الاولى من شهر اذار في القاهرة انعقاد”الفعالية الدولية التشاورية بالتعاون ما بين مركزالبحوث والدراسات السياسية والجمعية المصرية للقانون الدولي والمنظمة العربية لمناهضة التمميز وبمشاركة المؤسسة الصحفية الاردنية ممثلة بمركز الرأي للدراسات الذي شرفت بتمثيله في هذه الفعالية.

وقد شارك في هذه الفعالية التي عقدت في كلية الاقصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة الامين العام لجامعة الدول العربية والدكتور مفيد شهاب وزير الدولة لشؤون مجلس الشورى وعدد من الاستاذة والمختصين العرب في السياسة والقانون من مصر والاردن والامارات العربية والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

وبعد نقاشات مطولة حول مفهوم معاداة السامية استمرت على مدى ثلاثة ايام طرح خلالها عدد من اوراق العمل التي ركز بعضها على بيان سياق ودوافع ومآلات قضية معاداة السامية، وعرض بعضها الآخر لفكرة وخلط وتوظيف المفاهيم المتعلقة بمعادة الصهيونية ومعاداة اسرائيل ومعاداة السامية ، فيما تصدى بعضها لشرح العلاقة بين الايديولوجيا السياسية وتجريم معادة السامية كأستراتيجية سياسية دولية، في حين تناولت بقية الاوراق موضوع معادة السامية من جوانب مختلفة مثل القانون الدولي وتجريم معاداة السامية ،

والدولة المارقة: معاداة السامية ام جرائم ضد الانسانية؟، والقانون والشرعية الدولية وحق العودة، وكيف يمكن ان يتحرك العرب دولياً للمواجهة، والتنسيق العربي في مواجة القانون الامريكي، ودور حركات مناهضة العولمة في دعم القضية الفلسطينية والقضايا العربية، ومناهضة الصهيونية وكشف جرائم اسرائيل : خريطة الموقف في الغرب، ودور شبكة المعلومات الدولية عملة ذات وجهين: مناهضة التمييز وتجريم معاداة السامية، فقد خلص المشاركون الى التركيز على اهمية النقاط التالية:

1. ان قانون معاداة السامية الذي وقعه الرئيس الامريكي ( جورج بوش) في 16/10/2004 والذي عرف باسم (قانون تعقب معاداة السامية Global Anti-Semitism Review) رقم 108-332 يعتبر قانوناً ملزماً لجميع ادارات الولايات المتحدة فيما يتعلق بالاستمرار في دعم الجهود اللازمة لتقويض حركات العداء للسامية في انحاء العالم.

2. يستهدف هذا القانون اي سلوك او تصريح او تلميح بالقول او الفعل او الصورة او الكاريكاتير او الرسم او الكتابة يمس اليهود او الصهيونية او اسرائيل بشكل مباشر او غير مباشر باعتباره تمييزاً ضد اليهود لا سيما وانه يساوي ما بين اليهود واسرائيل والصهيونية.

3. تم بموجب هذا القانون انشاء مكتب في وزارة الخارجية الاميركية تناط به وبوزارة الخارجية مراقبة ومتابعة وتوثيق ومكافحة القوانين والحركات والافعال واعمال التحريض على اختلاف انواعها المعادية للسامية التي تظهر في دول العالم المختلفة. على ان تضمن المعلومات الخاصة بالاعمال المعادية للسامية في الدول الاجنبية في التقارير السنوية لوزارة الخارجية الامريكية مثل تقرير ممارسة حقوق الانسان السنوي والتقرير السنوي لحرية ممارسة الدين.

4. يلزم هذا القانون مكتب مراقبة معاداة السامية ووزارة الخارجية الاميريكية بتقديم تقرير سنوي الى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وكذلك لجنة العلاقات الدولية في البرلمان عن الافعال المعادية للسامية في انحاء العالم وتقويم مواقف الدولة من هذه المسألة على ان يتضمن التقرير كل ما يمكن ان يندرج تحت الاعمال التالية:

‌أ. اعمال العنف البدني ضد او التحرش باليهود واعمال العنف او التخريب لمؤسسات المجتمع اليهودي كالمدارس والمعابد والمقابر التي حدثت في كل بلد.

‌ب. الاجراءات التي تتخذها الحكومات من اصدار ونفاذ القوانين المتعلقة بحماية الحق في ممارسة الحرية الدينية للشعب اليهودي .

‌ج. الجهود التي تبذلها تلك الحكومات لتشجيع تعليم عدم الانحياز والتسامح.

‌د. امثلة لحملات الدعاية في الاعلام الحكومي وغير الحكومي التي تحاول تبرير او تشجيع الكراهية العنصرية او اعمال التحريض او ممارسة العنف ضد الشعب اليهودي ( مرفق نسخة عن نص القانون)

5. وتتمثل خطورة هذا القانون فيما يلي:

أ. انه يشمل العالم بأسره وليس مواطني الولايات المتحدة كما هو الحال في قانون جايسو الفرنسي او قانون معاداة السامية في النمسا، وبالتالي تعطي الولايات المتحدة الامريكية لنفسها الحق في توزيع الاتهامات والعقوبات عبر دول العالم اجمع.

ب. ان هذا القانون يمنح اليهودية وضعاً اسثنائياً ومتميزاً عن باقي الديانات.

ج. انه لا يوضح الخط الفاصل بين انتقاد السياسة الاسرائيلية وبين معاداة السامية ، الامر الذي يمكن ان يدخل اي انتقاد للجرائم الاسرائلية في الاراضي المحتله وغيرها من اراضي دول الوطن العربي في عداد جرائم معاداة السامية التي تستدعي العقاب.

د. يستخدم هذا القانون على الاغلب ضد الكتاب ورجال السياسة والدين والمثقفين عموماً والحركات المناهضة للأرهاب الاسرائيلي.

هـ قامت وزارة الخارجية الامريكية بموجب هذا القانون بتكليف بعثاتها العامله في السفارات او في هيئة المعونة الامريكية في الدول المختلفة بعمل نوع من المراقبة والمتابعة على ما تنشره او ما تبثه وسائل الاعلام لرصد اية اعمال او كتابات تدخل ضمن المفهوم الامريكي لمعادة السامية ، اضافة الى ضرورة قيام هذه البعثات بالتدخل قدر الامكان لمنع كتابة او نشر مثل هذه الاعمال وذلك من خلال الاتصال المباشر مع رؤساء التحرير والصحف والمؤسسات الاعلامية وعدد من الصحفيين والاعلاميين الذين يمكنهم التأثير في السياسة التحريرية للصحيفة او وسيلة الاعلام لمنع صدور اية اعمال او مقالات معادية للسامية.

و. يلزم هذا القانون الحكومة الامريكية ان تستمر في دعم الجهود اللازمه لتقويض حركات العداء للسامية في انحاء العالم وذلك من خلال العلاقات الثنائية والتواصل مع المنظمات الدولية مثل منظمة الامن والتعاون في اوروبا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة.

6- يقوم كبار المسؤولين الامريكيين بموجب هذا القانون خلال زياراتهم للدول

المختلفه بتقديم ملفات حول المواد الاعلامية التي تنشر او تبث عبر وسائل الاعلام مواد معاديه للساميه الى المسؤولين في البلد الذي يقومون بزيارته مع تقديم احتجاج او التعبير عن غضب الحكومة الامريكية من هذه الاعمال.

7- تستطيع الولايات المتحدة او الادعاء العام او المنظمات الصهيونية

واليهودية او الافراد بموجب هذا القانون التقدم في اي بلد بشكوى ضد اي شخص او مؤسسة يقوم او تقوم بأي عمل يمكن ان يندرج ضمن مفهوم معاداة السامية ومقاضاته بما يتبع مثل هذه القضايا من اجراءات قد تصل الى ايقاع عقوبة السجن او غرامات مالية غالبا ما تكون كبيرة.

8- تالياً بعض الامثله على الاجراءات التي يمكن ان تتخذها الولايات المتحدة او المنظمات الصهيونية واليهودية ضد كل من يمس باليهود او اسرائيل او الصهيونية:-

أ‌- تعرض الاستاذ ابراهيم نافع رئيس مجلس ادارة ورئيس تحرير صحيفة الاهرام لرفع دعوى قضائية ضده من منظمة صهيونية تدعى

(Middle East Media Research Instute)

عبر فرع لها في فرنسا اثر نشر مقال في صحيفة الاهرام للكاتب (عادل حموده) بعنوان (فطيره يهوديه من دم العرب) تحدث فيه عن احد الاعياد اليهودية الذي يصنع فيه الكعك الممزوج بدماء الاطفال المسلمين حسب ادعاء الكاتب، واستشهد الكاتب ببعض الوقائع التي حدثت في فلسطين حول تصفية دماء اطفال بعد قتلهم.

وبعد مراسلات بين فرنسا ومصر وافق القضاء الفرنسي على انابة القضاء المصري بأخذ اقوال ابراهيم نافع على ان يتم استكمال اجراءات القضية امام القضاء الفرنسي وهي لا زالت جاريه حتى الان.

ب_ قام الكاتب د.رفعت سيد احمد بنشر مقال في صحيفة اللواء الاسلامي المصرية تحت عنوان (اكذوبة احراق اليهود) احتجت على اثر نشره الولايات المتحده واسرائيل والمنظمات الصهيونية واليهودية، مما اضطر الحكومة المصرية تجنباً لرفع دعوى الى تقديم اعتذار مكتوب عبر وزير الاعلام المصري نشر على الصفحه الاولى في نفس الصحيفه، كما تمت اقالة رئيس التحرير ومنع الكاتب من الكتابة في الصحف .

ج- انتقد التقرير السنوي الصادر عن مكتب الديمقراطية وحقوق الانسان والعمل بوزارة الخارجية الامريكية نشر بعض مقالات الرأي والرسوم الكاريكاتيرية المعاديه للسامية في بعض المطبوعات الاردنية دون ذكرها بالاسم، والتي حسب ادعاء التقرير قدمت صورا شيطانية لليهود والقادة الاسرائيليين وشبهتهم في بعض الرسوم بهتلر دون وجود اي رد فعل من قبل الحكومة.

وبعد، اعتقد ان هذا الموضوع من الخطورة بمكان يتوجب معها ضرورة استكمال النقاش في الاردن حوله لاسيما في المجال اعلامي خصوصا انه ربما يوحي وجود هذا القانون بشكل من اشكال تقييد الحريات الاعلامية والصحفية في العالم العربي من قبل الولايات المتحدة، وعليه فأني اعتقد بأنه آن الاوان لكافة الجهات الاعلامية والبحثية في الاردن ان تبادر الى ادراج هذا الموضوع ضمن اولوياتها والعمل على عقد الندوات وورش العمل لتوضيح بيان خطورة هذا القانون على مؤسساتنا الاعلامية وكتابنا ومثقفينا ومراكز الدراسات والابحاث الوطنيه ،

والعمل على بحث السبل الكفيلة بدرء المخاطر والمخاوف والهواجس المرتبطة بوجود هذا القانون وتبعاته التي يمكن ان تشكل عبئاً كبيراً على عاتق هذه المؤسسات، حتى لا يحول وجود مثل هذا القانون دون مواصلتنا الدفاع عن مختلف مطالبنا وقضايانا المصيرية والعادلة الوطنية منها والعربية.