العمالة الوافدة بين حقيقتين
عبدالخالق بن علي
abdulkhalig_ali@

أصبحت الصورة عن العمالة غير السعودية في سوق العمل مشوهة تماما، اختلط فيها الحق بالباطل، والصح بالخطأ، والعدل بالظلم، والنافع بالضار، ممن يقف مع وممن يقف ضد. وما يقال ويكتب في حالات يأخذ صفة العمومية إيجابا أو سلبا، حتى من بعض المسؤولين والمختصين والإعلاميين. وذلك الخلط والتشوه تسبب بكثير من الضرر؛ للعمالة السعودية وغير السعودية، وألقى بضباب كثيف على الحلول المطروحة، وأربك الكثير من القرارات الصادرة عن الحكومة. بل تسبب في تشنج سوق العمل، ووضع الصالح والطالح من الطرفين في سلة واحدة.

لا يمكن لأي اقتصاد في العالم أن يستغني عن العمالة الأجنبية، والاقتصاد السعودي من أكثر الاقتصادات في العالم حاجة للعمالة الوافدة؛ فالتنمية المستمرة والتطور الدائم تفرض الحاجة الدائمة لأعداد كبيرة من العمالة في كافة المجالات، ولا يمكن للعمالة السعودية مهما بلغ معدل تشغيلها أن تفي بحاجة اقتصادنا من العمالة. بل إن أسس التنمية التي نشأت لدينا كانت العمالة الوافدة عمودها الفقري، وستستمر الحاجة لتلك الأعداد لسنوات طويلة.

والعدد ليس السبب الأهم لحاجتنا للعمالة، بل هناك أنواع من العمالة لا يمكن الاستغناء عنها مطلقا ولو بلغنا للتشغيل الكامل من العمالة السعودية. وهم العمالة المتخصصة في التخصصات الدقيقة وذوي المهارات العالية في مختلف المجالات والمهن، وهذه العمالة من الضرورة بمكان استقطابها وتمكينها والحرص عليها، بل من الرائع لو منحوا الجنسية السعودية، فهم مكسب كبير. كما تفعل كل الدول المتقدمة مع أمثال أولئك.

والعمالة في المهن المرهقة والشاقة والتي تحتاج لجهد بدني كبير، وتحتاج أعدادا كبيرة من العاملين. تلك المهن ركائز الاقتصادات وضرورة للحياة، ولا يمكن الاستغناء عن العمالة غير السعودية فيها على الأقل في المدى المنظور.

لكل أولئك ندين بالفضل في المساهمة بتنمية وطننا ودعم اقتصادنا ومشاركتنا الحياة على هذه الأرض المباركة، ولهم منا كل الشكر والتقدير والعرفان بالجميل. ويجب أن نحرص على حسن معاملتهم والحفاظ عليهم وإشعارهم بالأمان في أعمالهم.

وحين نتحدث عن العمالة التي يجب الاستغناء عنها، أو يجب إحلال العمالة السعودية محلها، فإننا نتحدث أولا عن العمالة المخالفة لنظام الإقامة ونظام العمل، وتحديدا العمالة التي تعمل تحت مظلة التستر، ذلك الوباء الذي نهش اقتصادنا ومقدراتنا. والذي بسببه اُحتكرت كثير من المهن والتجارات والأعمال، ومورست تحت مظلته الكثير من المخالفات الاقتصادية والتنظيمية والأمنية والصحية. وهنا للحق معـظم اللوم يقع على السعودي الذي باع وطنه من أجل مكاسب زهيدة مهما بلغت، فالضرر على الوطن أكبر بكثير من كل مكاسبه.

كذلك العمالة الزائدة عن الحاجة في الاقتصاد بشكل عام، أو الفائضة عن الحاجة في مهنة من المهن. فأولئك يضرون بسوق العمل، ويستنزفون الاقتصاد دون أن يقدموا ما يبرر بقاءهم. بل قد يرتكبون بعض الجرائم لعدم وجود عمل يناسبهم. ومنهم من يقومون بأعمال لا حاجة للاقتصاد بها، كالبائعين الجائلين ومغسلي السيارات في الشوارع والحمالين عند أسواق التجزئة وغيرهم.

كل العمالة ذات المهارات المنخفضة، التي تضر الاقتصاد أكثر مما تنفعه، والتي حولت سوق العمل السعودي إلى ورشة تدريب ضخمة كما يقال. فتلك العمالة وللأسف الشديد نتجت عن إدمان الاقتصاد للعمالة الرخيصة؛ لذلك أصبح اقتصادنا يستقبل أردى الأنواع من كل الجنسيات وفي كل المهن، ويزداد الأمر سوءا عاما بعد عام.

أخيرا العمالة التي يقابلها عمالة سعودية قادرة على القيام بعملها بنفس الجودة أو حتى أقل بقليل. فمع كل الحب والتقدير لكل من قدم لهذا البلد طلبا للعمل، أبناءنا أولى بالأعمال المؤهلون لها والقادرون على القيام بها. وليس في ذلك ضغينة، فكما هم أولى بالأعمال في بلادهم من السعودي؛ كذلك شبابنا أولى بالعمل من غيرهم أيا كان.

يجب التنبيه على أنه مهما بلغ الحديث عن سوق العمل والعمالة الوافدة يجب ألا نعتدي على إنسانية أي إنسان، وألا نسيئ لأحد مطلقا، سواء فرد أو جنسية أو قومية. وأطالب بسن قوانين ضد العنصرية تشمل الجميع دون استثناء، فما نسمعه ونقرأه من عنصرية متبادلة لم يعد مقبولا ويجب إيقافها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت