المسيار والمتعة والعرفي ما لها وما عليها

قرأت ما ذكر على لسان العالم الجليل الشيخ محسن العصفور في جريدة الأيام العدد الصادر يوم الأربعاء 12/5/1999 م عنوان أغرب الزيجات رؤية الشرع والمجتمع لها . فاستوقفني رأي هذا العالم الجليل حينما سوى بين زواج المسيار والمتعة وجعل زواج المسيار جاهلية القرن العشرين ، وجعل الزواج العرفي زواجا ينتهي بتمزيق العقد لا بالطلاق فمما ورد على لسان فضيلته ما يلي :

( أما زواج المسيار فهو ببساطة جاهلية القرن العشرين محاولة عودة للجاهلية الأولى قبل الإسلام . زواج المسيار له تسميات كثيرة كزواج المتعة أو الزواج المنقطع أو المؤقت كلها تدل عليه ).

فهل صحيح أن زواج المسيار جاهلية القرن العشرين وهو من الزيجات الجاهلية ؟ إننا في حاجة لإجراء مقارنة بين زواج المسيار الذي يستنكره فضيلته والمتعة التي يراها الشيعة مشروعة بل ومن أعظم القرب لنرى إن كان هذا الزواج من أعمال الجاهلية أم لا . أيها أقرب للزواج الشرعي المعروف عند جمهور الفقهاء من أهل السنة والشيعة على السواء ، وأرجو من سماحته سعة الصدر كما عهدناه .

1 – زواج المسيار عقد دائم ليس له أجل محدد ، بينما المتعة عقد مؤقت يصلح ليوم وأسبوع ويصلح لمرة واحدة أي يطلب من المرأة المتعة أو تطلب منه لنومة واحدة فقط .قال العلامة الخوئي ( كما يشترط ذكر أجل معين لا يزيد على عمر الزوجين )منهاج الصالحين 2/301 .

قال الشيخ الطوسي في التهذيب : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عود واحد_ أي مرة واحدة _ ؟ قال لا بأس ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر ) 2/190 .

2 – زواج المسيار زواج مكتمل الأركان الشرعية يعني لا بد فيه من زوج وزوجة وولي ومهر وشهود وصيغة إيجاب وقبول ، أما المتعة فأركانها كما ذكرها المرجع الخوئي في كتابه منهاج الصالحين ج2 ص 301 فهي خمسة: ( زوج وزوجة ومهر وتوقيت وصيغة إيجاب وقبول ) فلا يشترط فيها الشهود ولا يشترط ولي المرأة ، حيث يجوز للمرأة أن تزوج نفسها متعة .
قال الشيخ الطوسي في التهذيب : ( وليس في المتعة إشهاد ولا إعلان ) ا2/188 . ونقل عن أبي جعفر عليه السلام قوله : ( إنما جعلت البينة في النكاح من أجل المواريث ) 2/186
والمعنى واضح .

3 – عدد الزوجات في المتعة لا حصر له بينما زواج المسيار من ضمن الأربع المشروعة . قال الكاشاني في تفسيره منهاج الصادقين( واعلم أن عدد الزوجات في المتعة ليس بمحصور) ص 252 وأنظر منهاج الصالحين للخوئي ص 301 . والتهذيب 2/188 .

4 – في زواج المسيار يجب على الرجل أن يسأل المرأة إن كانت متزوجة أو غير متزوجة ليعقد عليها بينما إذا جاءت المرأة الشيعية تطلب المتعة من رجل لا يلزمه أن يسألها إن كانت متزوجة أم لا هي أمينة على نفسها قال الكليني في الكافي _ وهو أهم أصول الشيعة المعتمدة وهو في منزلة البخاري هند أهل السنة _ عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني أكون في بعض الطرقات فأرى المرأة الحسناء ولا آمن أن تكون ذات بعل أومن العواهر ؟ قال : ليس هذا عليك إنما عليك أن تصدقها في نفسها ) كتاب النكاح 5/304 .

5 – ينتهي زواج المسيار بالطلاق واحدة واثنتين وثلاث كما هو الزواج الشرعي الدائم ، بينما ينتهي عقد المتعة بانتهاء المدة المحددة المتفق عليها سلفا . مرة أو ليلة ونحوها .أنظر العلامة الخوئي منهاج الصالحين 2/304 .فلا طلاق في المتعة .

6 – بزواج المسيار يصبح الميراث حق للزوجة على زوجها وللزوج من زوجته ما لم يحدث بينهما طلاق وللأبناء من والدتهم ومن أبيهم كما هو الحال للزواج الشرعي الدائم ،من غير شرط أو اتفاق يذكر في العقد ، بينما لا توارث بين المتمتعين إلا إذا اشترطت عليه ذلك (أنظر نفس المرجع ).

7 – يتم توثيق عقد زواج المسيار رسميا لإثبات الحقوق ، ولا يشترط ذلك في المتعة لأن البينة في النكاح من أجل المواريث ولا توارث بين المتمتعين .أنظر التهذيب 2/186 .

8 – العدة في المسيار من الطلاق ثلاث حيضات او ثلاثة أشهر ، بينما في المتعة حيضة واحدة أو شهر ونصف ، أنظر الكليني كتاب الكافي 5/458 .

ألا ترى أيها القارئ الكريم أن زواج المسيار هو ذاته الزواج الشرعي الدائم .

ويقول فضيلته أيضا( وأما أحكام العقد المنقطع فهي نفسها أحكام الزواج الشرعي الدائم (كالمهر – السكن ” المحارم )

وهذا كلام مخالف لما عليه أئمة الشيعة فإن الشيخ الكاشاني يقول : ( ولا يلزم الرجل النفقة والمسكن والكسوة ) المرجع السابق وهذا نفس ما يتفق عليه الزوجان في المسيار فلماذا جاز في المتعة ولم يجز في المسيار يا فضيلة الشيخ الجليل مع أن المسيار مطابق لكل شروط الزواج الدائم ماعدا اتفاق الزوجين على عدم المبيت والنفقة . لماذا حل في المتعة وحرم في المسيار .

وقال أيضا: ( والنكاح الثالث هو عقد الزواج المنقطع وهو عقد اضطراري بالنسبة للعقد الدائم ) فهل صحيح أن الزواج المنقطع أو المتعة عقد اضطراري إن كتب المذهب الشيعي لا تقول ذلك بل ترى أن المتعة قربة من أعظم القرب وأجلها فقد ذكر فتح الله الكاشاني في تفسيره منهج الصادقين ص 256 : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين عليه السلام ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي) فلكي يصل الشيعي إلى مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم ما عليه إلا أن يتمتع أربع مرات . ومن تمتع أكثر فلا ندري إلى أي درجة يصل ؟؟؟

ويقول القمي في (من لا يحضره الفقيه) وهو أصل من أصول الشيعة الأربعة الصحيحة المعتمدة : ( روي أن المؤمن لا يكمل حتى يتمتع ) .

وروى القمي أيضا : قال أبو جعفر عليه السلام : ( إن النبي صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى السماء قال لحقني جبريل عليه السلام قال يا محمد إن الله تبارك وتعالى يقول إني قد غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء ) من لا يحضره الفقيه 220 .

ثم قال : ( وقد نقل بإجماع المذاهب الأربعة على تنزيل هذا العقد منزلة نكاح الشبهة وهو أن يكون ظاهرة الصحة وباطنة الفساد ) . ولم يرشدنا إلى مكان هذه المقولة وكنت أود أن أعرف أين ورد هذا الإجماع ؟
فالذي نعرفه أن هذا الزواج معروف في كتب الفقه الإسلامي السني كما هو وارد عند الحنفية وبعض الحنابلة وسمي بزواج النهاريات قال في البحر الرائق من كتب الحنفية كتاب النكاح ( ولا بأس بتزوج النهاريات وهو أن يتزوجها ليقعد معها نهاراً دون الليل. وينبغي أن لا يكون هذا الشرط لازماً عليها ولها أن تطلب المبيت عندها ليلاً .

وكذا قال في حاشية رد المحتار كتاب الهدي من كتب الحنفية (ولا بأس بتزوج النهاريات) وهو أن يتزوجها على أن يكون عندها نهاراً دون الليل.

وورد في المغني في كتاب النكاح من كتب الحنابلة . ( وكان الحسن وعطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأساً.وكان الحسن لا يرى بأساً أن يتزوجها على أن يجعل لها في الشهر أياماً معلومة. ولعل كراهة من كره ذلك راجع إلى إبطال الشرط وإجازة من أجازه راجع إلى أصل النكاح فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وإبطال الشرط .

بينما يرى المالكية أن الزواج يفسخ إذا كان قبل الدخول أما بعد الدخول فلها مهر المثل ويلغى الشرط قال في الشرح الكبير (أو) وقع (علَى شرطٍ يناقضُ) المقصود من العقد (كأن لا يقسمَ لها) في المبيت مع زوجة أخرى (أو) شرط أن (يُؤثرَ عليها) غيرها كأن يجعل لضرتها ليلتين ولها ليلة أو شرط أن لا ميراث بينهما أو نفقة معينة كل شهر أو يوم، أو أن نفقتها عليها وعلى أبيها، فإن النكاح يفسخ في الجميع قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل ويلغي الشرط

لاحظ أيها القارئ الكريم أن الفسخ الذي ذهب إليه المالكية إنما هو مرتبط بشرطه عليها ولا يتعلق بما إذا تنازلت هي عن حقها في المبيت والنفقة والسكن . فيجب علينا أن نفرق بين حالتين الأولى أن يشترط عليها ، والثانية أن تتنازل بمحض اختيارها ورغبتها .

وقال فضيلته ( لا نعتبر العقد المنقطع عقدا شهوانيا إطلاقا أما زواج المسيار فهو زواج بهيمي صرف يبتز المرأة حقوقها).

إذا لم يكن عقد المتعة عقدا بهيميا وهو الذي يجوز فيه لمرة واحدة فقط أي جماع لتفريغ الشهوة فما هي البهيمية إذن ؟؟

ثم بعد المقارنة بين عقد المسيار وعقد المتعة أين البهيمية في زواج المسيار ، فهو عقد دائم مكتمل الأركان وأما مسألة المسكن والنفقة والمبيت فليست من أركان العقد حتى يتوقف عليها صحة العقد أو بطلانه وإنما هي شروط تابعة وحق من حقوق المرأة التي منحها ديننا الحنيف لها .

ولعل كل الإشكال مورده أن يشترط عليها عدم المبيت والنفقة ، لكن ما الحكم إذا تنازلت رغبة وطواعية من تلقاء نفسها لأي أمر من الأمور ، ألا يملك صاحب الحق أن يتنازل عن بعض حقوقه شرعا .

زواج المسيار زواج شرعي مكتمل الأركان هو والزواج الدائم سواء بسواء إلا في مسألة تنازل صاحبة الحق عن حقها ، فيه حل لمشاكل كثير من الأخوات المسلمات الراغبات في العفة والسكن والولد ولو أن فقهاءنا الأوائل حضروا عصرنا لأجازوه لما سيجدون من تغير الأحوال وكثرة النساء وإمكانية نجاح مثل هذا الزواج ولا يختلف هذا الزواج عن الزواج الدائم إلا في الاسم .

وقال عن الزواج العرفي ( الزواج العرفي الذي يفضله الآهل في مصر حيث يتم الطلاق بمجرد تمزيق الزوجة لورقة الزواج ، ولو احضر لنا أي منهم تلك الورقة لا نعترف بزواجه ) .

غريب هذا الذي تقوله يا صاحب الفضيلة إن تصرفات الناس واستغلالهم ليس حجة على شرع الله تعالى بل هو كما يتحايل الناس على القوانين ، هذا من جهة ومن ناحية أخرى فإننا عشنا في مصر دهرا من الزمان عرفنا عن مثل هذا الزواج وجالسنا العلماء وطرح الأمر عليهم فما علمنا أن الشرع أفاد بأن العقد ينتهي بتمزيق الورقة ، وأقول يا فضيلة الشيخ إن كان هذا صحيح فما هو إلا مخالفات للشرع وهذا متوفر في كل زمان ومكان .ولكل دين وقانون .

ولقد أشارت الدكتورة مريم آل خليفة إلى ذلك بقولها أما بالنسبة للزواج العرفي فهناك نوعان منه ، الأول استكمل شروط الزواج الصحيحة فيعتبر زواجا صحيحا بغض النظر عن سجل رسميا أم لم يسجل . والنوع الآخر عبارة عن ورقة عادية بين شخصين بدون شهود وبسرية وهذا النوع لا يعتبر صحيحا.

أما أن الأهل في مصر يفضلون الزواج العرفي فلم يبين لنا فضيلته على أي عقد يتم تفضيله أهو على عقد المتعة أم على العقد الدائم .

ثم قال : (فالزواج العرفي سفاح بكل معانيه وهو بغاء علني وصريح حيث إن الزوجة تطلق بتمزيق ورقة الزواج ثم تتزوج بآخر وآخر وهكذا وهي على ذمة الزوج الأول.)

أقول لفضيلته إن مخالفات الناس واردة لكل الأنظمة والقوانين سواء منها ما كان عقدا دائما أو عقد متعة فمن الذي يضمن لمن يطلب المتعة أن تكون المرأة ليست متزوجة أصلا ، أو ليست في العدة من متعة سابقة لأن نصوص الفقهاء عند الشيعة لم تشترط توثيق هذا العقد ولم يشرطوا فيه البينة فحاله كحال الزواج العرفي الذي يتم بالاتفاق بين الرجل والمرأة بدون شهود وولي أمر المرأة . قال الشيخ الطوسي في التهذيب ( وليس في المتعة إشهاد ولا إعلان ) 2 /188 . فهو كالزواج العرفي الذي أنكره على بعض المصريين .

فالخلاصة
1 – أن زواج المسيار يتفق مع الزواج العادي الدائم في جميع الأركان الأساسية ويختلف في الشرط فقط ، وأن من فقهاء المسلمين من أهل السنة من أقر بمشروعية هذا الزواج .

2 – أن الزواج العرفي غير المكتمل الأركان يماثل زواج المتعة تماما من حيث عدم التوثيق وعدم الولي وعدم الشهود وعدم السكن وعدم النفقة ويجتمعان في وجوب الزوج والزوجة والصيغة والمهر فقط .
3 – أن عقد المتعة والعرفي يختلفان مع الزواج الدائم في الولي والشهود والسكن والنفقة فلا يلزم وجودها في المتعة والعرفي ويلزم وجودها في الدائم .

4 – العقد العرفي المكتمل الأركان عقد شرعي ولو لم تقبله المحاكم ، لكنه لا يثبت للمرأة حقا شرعيا في التوارث والنسب .

وبعد فهذا ما أردت توضيحه في هذه العجالة للرد على ما ورد في الجريدة ، والحق أحق أن يتبع والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
إعداد

أحمد محمود آل محمود
كلية الآداب – جامعة البحرين

إعادة نشر بواسطة محاماة نت