معلومات قيمة عن غاية القانون الدولي العام

التعريف بالقانون الدولي العام .

لقد حاول الإنسان منذ بداية الخليقة أن يقترب من أخيه الإنسان ومن ثم يوسع من دائرة الإقتراب تلك ،حتى تشابكت العلاقات ، وتنوعت لتشمل كافة مجالات الحياة ، وقد اتسمت في بعض الأوقات بالسلمية ، وفي بعضها الآخر بالتوتر الذي أدى في الكثير من الأحيان إلى نشوب الحروب التي من جرائها خسرت البشرية الملايين من أبنائها. لكن الإنسان سعى كفرد وكجماعات ـ ومنها الدول- لإقامة أفضل العلاقات مع الغير.

إن التقدم الذي حصل تدريجياًمنذ البدايات ، وتسارعه في القرنين الماضيين خاصة، جعل علاقة الإنسان بالإنسان ، وعلاقات المجتمعات ، والدول فيما بينها من أقصى مشارق الأرض إلى مغاربه تزداد تعقيدا ، ويأخذ طابعا يومياًمع أنهم جميعا يعيشون في بقعة صغيرة من الأرض – بتلاشي الأبعاد والمسافات بين البلدان- أدت الى تشابك المصالح والإشتراك العالمي في الحضارةوالثقافة وامتزاجها. كما أن التقدم الصناعي والتقني ، والإكتشافات العلمية ، والتقنية الحديثة ف

الإتصالات، والقدرة السريعة على البيع والشراء ـ أسهما كانت أم أرصدة أم موادا- جعل التوجه نحوالإستقرار في العلاقات ، والتعاون ، والهدوء في الأنظمة السياسية أكثرإهتماماً ، ولم يعد الهدوء الداخلي وحده في دولة بعينه كافياً لتحسين العلاقات فيما بين الدول ، فما يحدث في دولة ما من منازعات داخلية قد يهدد السلم ، والأمن في دول أخرى . لذلك كان لا بد للقانون الذي ينظم العلاقات فيما بين الدول من أن يتطور، وينظم تلك العلاقات طرداًمع ما يتناسب من التطور والتقدم الحاصل في المجتمع البشري.

إن التطورالذي حصل في المجتمع البشري الذي كان من نتيجته نشوء الدول كارقى شكل من أشكال التنظيم في المجتمعات . والدولة- بين جماعة الدول- كالفرد بين باقي أبناء جنسه ، حيث لم تقتصر

الحاجة إلى التعاون بين الأفراد ضمن الدولة ، بل الدول أيضا فيما بينها هي أحوج إلى التعاون المتبادل ، حيث يصعب عليها البقاء في عزلة عن بقية الدول ، فقد يتوفرلديها من الحاجيات أكثرمما يلزمها ، في حين قد تنقصها بعض الحاجيات الأخرى مما هو متوفر لدى غيرها من الدول ، وهذا الإحتياج يدفعها أن تدخل مع غيرها من الدول في علاقات التبادل والتعاون ، ولابد أن يكون لعلاقة التبادل والتعاون هذه من منظومة ينظمها ، وتتمثل تلك المنظومة في القانون الدولي العام

، شأنه في ذلك شأن القانون الداخلي في تنظيم العلاقات بين هيئات الدولة الواحدة وبين أفرادها. وعلى ذلك يمكن تعريف القانون الدولي العام بأنه : “مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول، وتحدد حقوق كل منها وواجباتها”

ويمكننا ذكر بعض التعاريف التي أوردها كل من:

-الأستاذ روسوحيث يعرفه بأنه :” ذلك الفرع من القانون الذي يحكم الدولة في علاقاتها المتبادلة”.

ويورد الدكتور علي صادق ابوهيف في مرجعه السابق التعريف الذي يتبناه كل من أوبنهايم وشتروب كالتالي:

-أوبنهايمويعرفه بأنه :” مجموعة القواعد العرفية ، والإتفاقية التي تعتبرها الدول المتمدنة ملزمة لها في تصرفاتها المتبادلة” .

– شتروب ويعرفه بأنه : ” مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن حقوق الدول ، وواجباتها، وحقوق ، وواجبات غيرها من أشخاص القانون الدولي”.

من خلال التعاريف المذكورة وما سنورده لاحقاً يتبين لنا بان القانون الدولي ينظم العلاقات فيما بين الدول ، أي ان الدول هي موضوع القانون الدولي العام ، وهذا ما يستدعينا بالضرورة أن نفرق بين العام منه والخاص . فالقاعدة القانونية التي تمس الدولة ، أو تلك التي تكون الدولة طرفاً فيها بصفة الدولة ، تكون من قواعد القانون العام . أما اذا اقتصرت القاعدة القانونية على تنظيم الروابط بين الأفراد فتكون من قواعد القانون الخاص ، لذلك يكون ضابط التمييزبين القانون العام والقانون الخاص هو وجود الدولة في الرابطة القانونيةالتي تنظمها القاعدة القانونية ، ولا يجب أن ننسى بأن الدولة موضوع القانون العام يقصد بها باعتبارها تلك الوحدة السياسية المستقلة ذات السيادة ،لا باعتبارها فقط شخصا قانونيا عاديا، وعندها تكون موضوعا للقانون العام الداخلي وليس الدولي . فالقانون العام هو :” مجموعة القواعد المنظمة لسلطات الدولة ، والعلاقات بالأفراد وبغيرها من الدول بعكس القانون الخاص الذي ينظم روابط الأفراد ببعضهم مثل قواعد القانون المدني ، و التجاري”.

وما يهمنا من فروع القانون هو:

القانون الدولي العام:هو مجموعة القواعد التي تحكم فعلاً تصرفات جماعة الدول المتمدنة فيما يقوم بينها من علاقات . كما لا يمكننا العزل ، أوالفصل بين القانون الدولي العام وبين المجتمع الدولي ، فالأخير يعتبر موضوعا للأول لذلك يرى الفقه بوجود رابطة بينهماعندما يعرفالمجتمع الدولي بأنه :

“مجموعة من الوحدات السياسية المستقلة ، أو صاحبة السيادة التي تدخل في علاقات متبادلة استنادا الى قواعد سلوك تعترف بها كقواعد ملزمة تطبق في وقت السلم والحرب”.

وقد قرر القضاء الدولي أيضاً هذا الربط بينهما عندما قررت المحكمة الدائمة للعدل الدولية في قضية(Lotus)في 7 سبتمبر 1927 من أنها : “تعتقد أن معنى اصطلاح قواعد القانون الدولي لا يمكن أن يعنى وفقاً لإستعماله الجاري إلا القانون الدولي المطبق بين مختلف الأمم التي يتكون منها المجتمع الدولي

– غاية القانون الدولي العام

لقد كان قصدنا من إيراد التعريف بالقانون الدولي العام هو الوصول إلى معرفة الغاية منه. فالإرتباط بينهما وثيق جدا لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، ولم يكن باستطاعة الجماعات البشرية منذ القديم أن تعيش في حالة الإنعزال عن بعضها ، فقد تداخلت فيما بينها ولوبالحد الأدنى في البدايات ، وقد تطور ذلك التعامل مع تطور وتقدم الفكرالبشري حتى أصبح المجتمع منتظماً في دول ، أخذت العلاقات أيضاً فيما بينها طابعاً تنظيمياً تتعلق بمسألة السيادة الوطنية ، أوالاقليمية.كذلك مسائل الحدود فيما بين الدول أصبحت تشكل حاجزاً لابد منعبوره للدخول أوالخروج بموجب قوانين ، ومعاهدات تنظم ذلك العبور. كما أن الجرائم التي أصبحت تحدث في إقليم دولة ما بتوافرعنصرخارجي استلزمت بالضرورة إيجاد قوانين تنظم تلك الحالات من حيث القانون الواجب التطبيق على سبيل المثال ،

حيث أن:

1- التطور الهائل في مجال الصناعة ، ووسائل النقل ، والإتصال في عصرنا هذا جعل من المجتمع الدولي مرتبطا ومتصلا ببعضه بصلات وثيقة. فارتباط الثقافة ، والإقتصاد ، والسياسة ، والحاجيات ببعضها بحيث من الصعوبة على إحدى الدول إمكانية العيش في عزلة عن البقية ، وبتوسع العلاقات المرتبطة هذه ازدادت الحاجة إلى تنظيم تلك العلاقات بشكل دقيق وإيجاد ، وتطويرمنظومة قانونية تنظمها بغية التفاهم واستتباب الأمن ، واستمرار الإستقرار.

فالإختراعات الحديثة التي تمت لا يمكن استغلالها على وجهها الأكمل إلا إذا تم ذلك في المحيط الدولي بشكل واسع كالطيران ، واللاسلكي ، والنقل البحري وغيرهما. إن ضرورة التعاون هذه لابد أن يتم ضمن أنظمة دولية ، وفي ظل علاقات مستقرة فيما بين الدول، ومهمة القانون الدولي هو تنظيم هذه العلاقات ، وغايته في ذلك تيسير سبل الحياة للأفراد ، وضمان رفاهيتهم بالتعاون للحصول على جميع حاجاتهم على اعتبارهم أعضاء في المجتمع الإنساني دون النظرإلى جنسياتهم ، أو لغاتهم ،أو معتقداتهم .

ومن جهة أخرى ،إن نمو الوعي ، والتفكير، والتقدم الحاصل في المجالات الطبية ، ولد الشعور

بضرورة التعاون الدولي في القضاء على ما يصيب الإنسان من أمراض يكون من الصعوبة بمكان لدولة بعينها القضاء على أسبابها ، كما هو حاصل اليوم مع مرض انفلونزا الطيور، الذي لايكون بوسع دولة ما اغلاق حدودها أوأجوائها ، أوعزل هوائهاعن البقية ،هذه الحالة استوجبت التعاون الدولي في مكافحته لئلا يفتك الوباء بالبشرية جمعاء.

كما إن تحسين عوامل الإنتاج، وتأثيره الطردي على نمو وازدياد السكان، وبالمقابل احتياجات السكان في دول أخرى للغذاء ، والكساء ، والمأوى نتيجة النقص الحاصل لديها سواء أكان بسبب سياساتها الاقتصادية ، أوإهدارها للثروات ، وما تسببها من حالات الفقر، والشغب ، والحروب الداخلية المتزايدة التأثير في الكثير من الأحيان إلى زيادة معدلات الهجرة ،هرباً من القمع الحاصل ،أو بحثاً عن ملاذ آمن، من الجوع وانعدام الرعاية الصحية.

كل ذلك دفع الكثيرين إلى الإعتقاد بضرورة التعاون، وتبادل الثروات المادية والفكرية مما ولد حركة اتصال دائمة بين الدول ، وأنشأ علاقات كان لابد من تنظيمها لكي لا تؤدي الى الفساد ، وسوء التفاهم ، ونشوء الحروب التي تؤثر سلباً على العلاقات القائمة. إن القانون الدولي العام تبنى في بعض تجلياته مهمة تنظيم تلك الجهود لتحقيق التوازن في العلاقات بين الدول سواء تلك القوية ، أوالكبيرة في مساحتها أوسكانها أوالغنية بمواردها ، أو تلك الضعيفة ، أوالصغيرة ، أو الفقيرة من حيث مواردها.

2-خلالفترة طويلة امتدت الى بدايات القرن العشرين، كان القانون الدولي التقليدي يعتبر الحرب عملا مشروعا ينطلق دائما من حق الدولة ان تأتيه كلما اقتضت مصلحتها ذلك ومن جهة أخرى اعتمد القانون الدولي مبدأ المساواة بين الدول (الأوربية في حينها). ولكن الحروب وما سببتها من مآسي عالمية بالإضافة إلى دخول الدول الجديدة في آسيا ، وأفريقيا ، وأمريكا اللاتينية الى الساحة الدوليةكل ذلك دفع الدول إلى الإهتمام بموضوعة السلام والأمن الدوليين ( كميثاق الأمم المتحدة مثلاً) وأنتج كذلك تطوراً مهماً ، وهو القبول بمبدأ عدم التفريق بين الدول بمواصفاتها المختلفة وانتماءاتها الإثنية ،أوالدينية وهوما أكد صفة السموالانساني التي يتسم بها القانون الدولي العام ، لا سيماإذا تذكرناإهتمامه، بالتأكيد على نبذ العنف ، والتشجيع على العلاقات الطيبة بين الدول بدفعها إلى اللجوء في حل مشاكلها إلى أساليب التفاوض السلمية ، والمساعي الحميدة.

كما أن المهمة الإنسانية التي يقوم بها القانون الدولي العام بتنظيمه لقواعد الحرب في حالات الإنزلاق إلى الإقتتال على الأقل، لتخفيف ويلات الحروب وتنظيم وتقديم المساعدات وإجراء الإتصالات بالأطراف المتقاتلة لحل أزماتها ، إضافة إلى المحاولة الجادة لإعادة السلم والأمن إلى ربوع تلك الدول ونشرالسلام كغايته السامية.

3- وهكذا لم يبق القانون الدولي العام على حاله ، فقد تطور كثيرا،ً واكتسب مفاهيم ، ومبادئ جديدة ، تعبرعن ميزان القوى العالمي خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، وانقسام العالم إلى معسكرين ، وقيام نظام جديد للعلاقات الدولية أساسه القطبية الثنائية ، وإستقلال الكثير من البلدان في العالم الثالث كما ذكرنا ، وتأسيسها دولاً وطنية انضم الكثير منها إلى مجموعة دول عدم الإنحياز في ظل الحرب الباردة . كل ذلك وسع دائرة إهتمام القانون الدولي وأعطى للبلدان النامية مكانة فيه ، وقد عبرت فترة الإستقلال السياسي للكثير من الدول بعد الحرب العالمية الثانية – في ظل القطبية الثنائية ، وتوازنات الحرب الباردة – عن التقاء مصالح الدول , وعكس إرادة شعوبها للتعايش في المجتمع الدولي . حيث مثل، ويمثل مرحلة الإنتقال من القواعد القديمة للقانون الدولي ، إلى القواعد الجديدة التي تشكلت إحدى أهم أعمدتها قاعدة (صيانة السلم العالمي) .

4- وبتلاشي أحد القطبين أصبحت البشرية تعيش في ظل نظام عالمي جديد أساسه أحادية القطب منذ بداية التسعينات من القرن الماضي ، وظهرت معه مفاهيم ، وظواهرجديدة كالعولمة ، والتأكيد على حقوق الإنسان مع التوجه نحو التدخل باسم التدخل الإنساني في شؤون الدول الأخرى تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان من الإعتداءات الصارخة ، وكان لذلك أثره في ظهور بعض المنازعات.

من جهة أخرى لم يقتصرالتعاون بين الدول على ناحية واحدة بل امتد ليشمل كافة النواحي الإقتصادية منها ، والعلمية ، والفكرية ، والفنية وحتى الروحانية فالبعض ينتفع من اكتشافات ، واختراعات البعض الآخر.

كما إن للتقدم الأدبي والفكري في بلد ما تأثيره على الحياة الفكرية في البلاد الأخرى .

5- إن استمرارالعلاقات الودية ، وحسن التفاهم بين الدول، يسهل غاية القانون الدولي لكن كثيرا ما تعجزالوسائل الودية من فض النزاعات ، ويصبح اللجوء إلى إستعمال القوة أمرا محتوما، وعندها أيضا يتدخل القانون الدولي ليخفف من الويلات الناجمة عن إستعمال القوة.

إن القانون الدولي لم يكن بمقدوره حتى الآن إبعاد شبح الحروب التي مازالت هي الوسيلة الوحيدة في كثير من الأحيان لتسوية المنازعات الدولية والداخلية ، كما حدث في بداية التسعينيات إلى أواخره ، في العراق أثناء غزوه للكويت ، وفي يوغسلافيا السابقة لوقف إنتهاكات السلطة في صربيا بقيادة سلوبودان ميلوسوفيتش ضد مسلمي البوسنة والبان كوسوفو ، ومرة أخرى في العراق للإطاحة بنظام صدام حسين رغم عدم اتفاق الدول الكبرى فيما بينها على هذه الخطوة ، فهي تدخل في إطارهذا النهج ، أي التدخل بذريعة الحفظ على السلم ، أومنع الإنتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان.

إن تمسك الدول بسيادتها المطلقة ، وإغلاق أبوابها في وجه مبادئ القانون الدولي يزيد من آلام الشعوب تحت قمع السلطات الدكتاتورية ، وكأنها تعيش في جزيرة معزولة عن العالم ، تطبق فيها القانون المعبرعن إرادة الحكام في القتل ، والنهب والتسلط،وكم الأفواه. لكن الجهود المبذولة من قبل المنظمات الدولية ، والجهات الفنية بتوفير حرية ، وضمان حقوق الإنسان ، وعقد الإتفاقات الدولية في هذا الشأن يؤدي إلى تقليل حالات تعنت الدول باسم السيادة ، وإلى زيادة التزامها بقواعد القانون الدولي ، وتطبيقها للمعاهدات المبرمة، إذ تشعرالدول يوماً بعد يوم بأن الدول القوية سواء بتكليف من المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) أم بالحصول على غطا ء شرعي لاحقاً ، تجعل من حماية حقوق الإنسان، والديمقراطية ، ومكافحة الإرهاب ذريعة للتدخل والإطاحة بالنظم الدكتاتورية (أفغانستان، والعراق بعد أيلول(2001). ويأمل العديد من أساتذة القانون الدولي أنه سوف يأتي اليوم الذي تقتنع فيه الدول بأن التعسف في إستخدام السلطة ، والحروب مهما كانت مغانمها ستجرالوبال عليها ، وعلى الجميع، وإن التفاهم ، والتعاون ، واحترام الحقوق أجدى وأنفع من الإلتجاء إلى العنف ، والقوة.