دراسة وبحث قانوني هام عن الإجهاض للضرورة في ظل الفقه الاسلامى والقانون الليبي .

أوجبت الشريعة الإسلامية حفظ النفس وجعلته من الكليات الخمس ، وأمر الله سبحانه وتعالى بالحفاظ على النفس ، ونهانا عن قتل الولد لاى عارض من عوارض الحياة ، لقوله تعالى ((وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ )).
لهذا كفل التشريع الاسلامى الحماية للنفس البشرية وذلك بعدم الاعتداء عليها بغير حق في اى مرحلة من المراحل قبل الولادة أو بعدها .

وقد حرص المشرع الليبي على حياة الجنين حيت نص قانون العقوبات الليبي في المواد (390-395) على معاقبة من يتسبب في إنهاء الحمل عن طريق الغير سواء برضاء الحامل أم لا، أو في حالة قيام الحامل بإجهاض نفسها.

رغم هذه التحريم والتجريم، تعالت الأصوات، وأنفقت الأموال، تنادى بحق المرأة بالإجهاض، لهذا فان الإجهاض يعتبر جريمة من الجرائم التي حرمتها الشريعة الإسلامية وجرمتها القوانين الوضعية.
أم الإجهاض للضرورة ، أجاز العلماء الإجهاض في حالة الضرورة القصوى كما في حالة تسمم الجنين، فيجوز في هذه الحالة الإجهاض للمحافظة على حياة الأم عملا بقاعدة (ارتكاب أخف الضررين) ولأن الأم هي الأصل والجنين هو الفرع، فيضحى بالفرع في سبيل المحافظة على الأصل، ولأن حياة الأم متيقنة وحياة الجنين ظنية، واليقين مقدم على الظني٬ لكن هذه الضرورة لها ضوابط وهي

((أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة- أن يغلب ظن الأطباء حفظ حياة الأم بإسقاط الجنين، أما إذا كانت حياتها مهددة بالخطر بسبب الإجهاض فلا يجوز ذلك -ألا تكون وسيلة لدفع الضرر إلا بالإجهاض- أن تكون المصلحة المستفادة من إباحة المحظور أكبر من المصلحة المستفادة من تجنب المحظور-أن يقرر الإجهاض للضرورة طبيب مسلم عدل ثقة في دينه وعلمه)) .

تهدف الورقة إلى طرح عدة إشكاليات التي نوردها على هيئة تساؤلات:
أولا :- ماموقف الفقه الإسلامي والقانون الليبي من الإجهاض بشكل عام ؟
ثانيا :- ماهى الضرورة وما شروطها وكيفية إثباتها وهل يجوز تجاوز حدود الضرورة ؟
ثالثا :- ماموقف الفقه الاسلامى من الإجهاض للضرورة ، ومتى يكون الإجهاض ، وهل هناك فترة معينه لكي يجوز فيه الإجهاض ؟
رابعا :- ماموقف القانون الليبي من الإجهاض للضرورة ، وهل هناك نصوص مستقلة بالإجهاض للضرورة في هذا القانون ؟
وغيرها من الأسئلة.

أسباب اختيار هذا الموضوع:

أولا:- حاجة الناس عامة، والمختصين خاصة، إلى معرفة حكم الشرع في كثير من المسائل والتي من بينها الإجهاض.
ثانيا :- يجب أن تتوافر الدراسات والبحوث الشرعية والقانونية للمختصين ، للخروج من المشاكل التي تعترضهم بخصوص مثل هذا الموضوع .
ثالثا :- لايوجد من أفرد هذا الموضوع ( الإجهاض للضرورة ) بشكل مستقل بالدراسة المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الليبي.

خطة الورقة :

اقتضت طبيعة هذه الورقة أن أعالجها في الاتى:
أية .
مقدمة.
تمهيد : التعريف بالإجهاض ، وتم تقسيم هذا التمهيد على مطلبين ، أولها ماهية الإجهاض ، وثانيها موقف الفقه الاسلامى والقانون الليبي منه .
المطلب الأول
التعريف بحالة الضرورة.
وتتفرع على ثلاثة فروع.
الفرع الأول: مفهوم حالة الضرورة.
الفرع الثاني: شروط حالة الضرورة.
الفرع الثالث: إثبات حالة الضرورة.

المطلب الثاني
الإجهاض للضرورة في الفقه الاسلامى والقانون الليبي.
وتتفرع على ثلاثة فروع.
الفرع الأول : الإجهاض للضرورة في الفقه الاسلامى.
الفرع الثاني: الإجهاض للضرورة في القانون الليبي.
الفرع الثالث: مقارنة بينهما.
خاتمة: تتضمن ابرز النتائج والتوصيات.
مراجع.
__________________________________________________ __________________________________________________ ________________________________________________

تمهيد
التعريف بالإجهاض

نقسم هذا التمهيد على مطلبين ، نعالج في مطلب الأول ماهية الإجهاض ، والثاني موقف الفقه الاسلامى والقانون اليبى من الإجهاض ، وذلك باجاز كالاتى .

المطلب الأول
ماهية الإجهاض

للإجهاض تعار يف مختلفة ، وسوف نبين هذه التعريفات في اللغة ، والاصطلاح ، ومقارنة بينهما ، وذلك كالاتى .

الإجهاض لغة :-

مادة (أجهض ) أجهضت الناقة إجهاضا، وهى مجهض ، اى ألقت ولدها لغير تمام ، والجمع مجاهيض ، ويقال للولد مجهض إذا لم يستبن خلقه ، وقيل الجهيض : السقط الذي تم خلقه ونفخ فيه الروح من غير أن يعيش (1) .

الإجهاض اصطلاحا :-

التعريف الطبي للإجهاض: تعنى الوضع المبستر ، أي خروج متحصلات الرحم قبل تمام نمو الجنين ،وانتهاء الحمل قبل الأسبوع الثامن والعشرين اى السبعة أشهر الأولى من بدء الحمل (2) .
تعريف الفقه الجنائي للإجهاض : القانون الليبي كغيره من القوانين لم تضع تعريفا للإجهاض ، لذلك تباينت التعاريف بين الفقه والقضاء في ذلك ، ونبين بعض من هذه التعاريف كالاتى .
من قال بأنه : إخراج الحمل من الرحم في غير موعده الطبيعي عمدا وبلا ضرورة بأية وسيلة من الوسائل (3) .

ومن عرفها بأنها: استعمال وسيلة صناعية تؤدى إلى طرد الجنين قبل موعد الولادة إذا تم بقصد إحداث هذه النتيجة (1) .
ومن قال بأنه: إخراج الجنين عمدا من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته، أو قتله عمدا في الرحم (2).
ومن قال بأنه: إنهاء حالة الحمل قبل موعد الولادة الطبيعي (3).
ومن قال بأنه : الوقف العمدي لاستمرار الحمل بقتل المتحصلات الموجودة في الرحم بأية طريقة (4) .
يمكن تعريف الإجهاض : بأنه الفعل العمدي إلى يقصد منه الاعتداء على حياة الجنين ، إذ يؤدى ذلك إلى موت أو خروج الجنين قبل الموعد الطبيعي لولادته ، سواء خرج حيا أو قابلا للحياة .
تعريف الفقه الاسلامى للإجهاض : يطلق الإجهاض في اللغة على صورتين : إلقاء الحمل ناقص الخلق أو ناقص المدة سواء من المرأة أو من غيرها والإطلاق اللغوي يصدق سواء كان الإلقاء بفعل فاعل أم تلقائيا .
والإجهاض جاء بلفظ الإسقاط والاملاص ، كما جاء بلفظ الإلقاء والطرح عند كثير من الفقهاء من المواضع.
وورد تعريف بأنه إنزال الجنين قبل إن يستكمل مدة الحمل ، ويعتبر الحنفية عن هذه الجناية على ماهو النفس من وجه دون وجه ، لان الجنين يعتبر نفسيا من وجه ولا يعتبر كذلك من وجه أخر ، فيعتبر نفسا من وجه لأنه أدمى ، ولا يعتبر كذلك لأنه لم ينفصل عن أدمه ، ويعللون ذلك بان الجنين مادام مجتنا في بطن أمه فليس له ذمة صالحة أو كاملة ، ولا يعتبر أهلا لوجوب الحق عليه لكونه في حكم جزء من الأم (5) .

ويعتبر المالكية والشافعية والحنابلة عن هذه الجناية بالجناية على الجنين، ورغم هذا الاختلاف فان تعبيرهم والمقصود واحد ، ومحل الجناية عندهم جميعا هو إجهاض الحامل والاعتداء على حياة الجنين أو هو كل مايؤدى إلى انفصال الجنين عن أمه (1) .

مقارنة بين الفقه الاسلامى والقانون الليبي :

يتفق التعريف الفقهي والقانوني للإجهاض في اغلب أركانه ، وان كان يختلف في انه إذا سقط الجنين حيا ولم يمت فلا تقوم بذلك جريمة الإجهاض في الفقه الاسلامى ، والراى الراجح في القانون إن جريمة الإجهاض تعتبر متحققة حتى ولو سقط الجنين حيا وعاش بعد ذلك على أساس أن غاية المسقط هي إزالة كل اثر للحمل ، وحياة الجنين بعد انفصاله عن الرحم وان كانت تنافى هذه الغاية إلا أنها لاتنافى فعل الإسقاط ، وكذلك فان الجنين إذا سقط قبل الموعد الطبيعي لولادته فلا شك انه سيبقى متأثرا بذلك من ناحية ضعف البنيان وما إلى ذلك ، وعلى ذلك فان الإجهاض يتحقق بحرمان الجنين من أن يستمر في رحم أمه لحين الموعد المقدر لولادته وعلى ذلك تتحقق جريمة الإجهاض ولو سقط الجنين حيا قبل الموعد المقدر لولادته نتيجة لاعتداء الجاني .

المطلب الثاني
موقف الفقه الاسلامى والقانون الليبي من الإجهاض

أولا :- موقف الفقه الاسلامى من الإجهاض :
اتفق الفقهاء على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين أي بعد انقضاء أربعة أشهر على الحمل ( 120 ) يوماً كما هو مذهب أكثر العلماء في أن الروح تنفخ في البدن بعد هذه المدة وعلى هذا يدل حديث عبد الله بن مسعود(رض) قال حدثنا رسول الله (عليه السلام ) وهو الصادق المصدوق : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقةً مثلَ ذلك ثم يكون في ذلك مضغةً مثلَ ذلك ثم يُرسَلُ الملَك فينفُخ فيه الروح ويُؤمَرُ بأربع كلمات بكتبِ رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد )(1) .
ومعظم الفقهاء يمنعون الإجهاض في هذه الحالة مطلقاً، واستثنى بعضهم حالة واحدة من هذا المنع وهي إذا تأكد وثبت أن استمرار الحمل يشكل خطراً أكيداً على حياة الأم فأجازوا إجهاض الحمل مهما كان عمر الجنين.
والحقيقة أن هذا الاستثناء وجيه، لأنه عند الموازنة بين حياة الأم وحياة الجنين تقدم حياة الأم لأنها أصله وهو فرع لها والفرع لا يكون سبباً في إعدام الأصل.
ويتضح أن جميع المذاهب الإسلامية تمنع الإجهاض منعاً باتاً ولو كان الجنين مشوهاً تشويهاً شديداً بعد نفخ الروح (أي بعد 120 يوماً من التلقيح) ، ولا تسمح به إلا إذا كان استمرار الحمل سيؤدي إلى قتل الأم الحامل ، ثم يختلف الفقهاء بعد ذلك ، فمنهم من لا يسمح بالإجهاض مطلقاً إلا إذا كان الحمل سيؤدي إلى وفاة الحامل، ومنهم من يسمح به في حدود الأربعين عند وجود مرض أو عدم وجود مرضع، ومنهم من يسمح بالإجهاض ما دام قبل (120 يوماً) عند وجود سبب قوي لذلك ، وإن لم يبلغ حد الخطر على حياة الأم (2) ، أما قبل نفخ الروح اختلف الفقهاء في ذلك ، ونحيل تبيان هذا الاختلاف فيما بعد(3) .

ثانيا :- موقف القانون الليبي من الإجهاض :
جرم قانون العقوبات الليبي الإجهاض كغيره من القوانين المقارنة، في الفصل الثاني من الباب الأول من الكتاب الثالث المتعلق بالجرائم ضد آحاد الناس في المواد من 390- 395.
ويتضح من نصوص الإجهاض أن المشرع الليبي يحرم الإجهاض ويمنع حصوله بأية طريقة من طرق ، واعتمد المشرع في صياغته لتلك النصوص على ماورد في قانون العقوبات الايطالي لعام 1930 في المواد 545 -555 من تجريم للإجهاض ، وقد الغي قانون الايطالي هذا القانون .
ويلاحظ إن قانون العقوبات الليبي رغم تجريمه للإجهاض بأية صورة ثم بها ، لم يضع نصوصا خاصة _ كما فعلت بعض التشريعات الأخرى _ تعاقب على كل دعاية يقصد منها نشر أو ترويج أو تسهيل استعمال وسائل الإجهاض ، وتعاقب كل من باع أو عرض للبيع أو افتني بقصد البيع مواد معدة لإحداث الإجهاض أو سهل استعمالها بأية طريقة كانت ، ولذا فان اى فعل من هذه الأفعال إذا لم يرقى إلى درجة يكون فيها احد وسائل المساهمة الجنائية المنصوص عليها في المادة 100 من قانون العقوبات ، فلا يمكن العقاب عليه بمقتضى نصوص الإجهاض (1) .

______________________________________
المطلب الأول
التعريف بحالة الضرورة

سندرس التعريف بحالة الضرورة على نواحي ثلاثة وهى ، مفهوم الضرورة، وشروط الضرورة، واثبات الضرورة، كل على فرع مستقل.

الفرع الأول
مفهوم حالة الضرورة

الضرورة عند علماء اللغة مشتقة من الضرر وهى ضد النفع ، وهى اسم لمصدر الاضطرار ، كان تقول : حملتني الضرورة على كذا وكذا ، وقوله تعالى عز وجل (فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (1) ، اى فيمن ألجئ إلى أكل الميتة و ماحرم وضيق عليه ، واصله من الضرر وهو الضيق (2) .
والضرورة في الفلسفة هو ما لا يمكن أن يكون خلافا لما كان ، ولا يمكن ألا يكون ) ومعنى هذا إن العمل الضروري لايمكن تصوره على خلاف ماكان .
والضرورة في الاصطلاح الشرعي : هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس ، أو العضو، أو بالعرض ، أو بالفعل ، أو بالمال وتوابعها ، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب المحرم ، أوترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعا للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع (3) .
والضرورة في الاصطلاح القانوني : هي حلول خطر جسيم على الشخص وتدفعه الضرورة إلى ارتكاب المحضور لدفع الضرر عنه أو عن غيره (4) .

ووردت الضرورة في قانون العقوبات الليبي في المادة 72 ق ع ، حيت نصت على انه ( لا عقاب على من ارتكب فعلا أرغمته على ارتكابه ضرورة إنقاذ نفسه أو غيره من خطر محدق يهدد بضرر جسيم للنفس على وشك الوقوع به ، أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى مادام الفعل متناسبا مع الخطر) ونص هذه المادة يطبق إذا نتجت حالة الضرورة عن تهديد الغير ، إلا انه في هذه الحالة يكون مسؤولا عن الفعل الشخص الذي استعمل التهديد للإرغام على ارتكابه ، مثل من يتعلق وهو في عرض البحر بقطعة من الخشب لاتتحمل

سوى شخص واحد ، فيدفع الشخص المتعلق بها في البحر من اجل أن ينجو بنفسه ، مما ينجم عنه غرق الشخص الأول ووفاته ، وتتعدد أسباب الضرورة فهي لاتستند على الخطر الصادر من الطبيعة ، وإنما الخطر يمكن أن يصدر من اعتداء إنسان لإنسان ، مثل من يهرب من اعتداء عليه فيدخل منزل شخص لا يعرفه فشكل فعلة انتهاك لحرمة المنزل المعاقب عليها بالمادة 436 عقوبات .
وأساس الضرورة مختلف فيه ، والبعض يذهب إلى أن عدم العقاب في حالة الضرورة يرجع إلى عدم جدوى العقاب في مواجهة شخص يجد نفسه أمام ضرر فادح ، ويذهب البعض الأخر إلى أن أساس عدم العقاب يرجع إلى غريزة البقاء الكامنة في نفس كل إنسان ، ويذهب رأى أخر إلى أن عدم العقاب يرجع إلى انتفاء ركن الخطيئة أو الإثم لأنه بالنظر إلى الظروف التي احاطب بسلوك الفاعل إن لم تكن منعدمة فهي ضعيفة لدرجة يجعلها غير آثمة ، والراى الأخير يدعم ماورد في المادة 72 ق ع ل .
وفعل الضرورة ليس فقط غير معاقب عليه وإنما يعتبر سلوك مشروع ، ولا يتصادم مع ماورد في المادة 171 ق م ل ، من إعطاء المضرور الحق في التعويض المناسب لان التعويض من ناحية لا يطلب بالضرورة عدم مشروعية الفعل ، وكما انه من ناحية أخرى لا يقصد به إصلاح الضرر وإنما للقاضي أن يحكم بالتعويض المناسب (1) .
ويتضح من نص م 72 ق ع، إن التهديد لكي يمنع من العقاب يجب أن يجعل المهدد في حالة ضرورة طبقا لشروط الضرورة والتي نبينها في الفرع الثاني.

الفرع الثاني
شروط الضرورة

طبقا لنص( م 72 ق ع )، فأن هناك مجموعة من شروط لابد من توافرها لقيام حالة الضرورة، بعضها يتعلق بحالة الخطر، والبعض الأخر خاص بالفعل الضار، ندرسها في الأتي.

أولا :- شروط الخطر :

1/ أن يكون الخطر جسيما وحالا يهدد النفس :
لكي تتوافر الضرورة لابد من وجود خطر حال يضر ويهدد نفس الإنسان ، إذ لابد من أن يكون الخطر مهددا للنفس ، إذ لايحتج بالضرورة إذا كان الخطر مهددا للمال ، ويقصد بالضرر المهدد للنفس هو كل خطر يهدد حياة الإنسان أو سلامة جسمه كالقتل ، وبمعنى أخر كل مايهدد حرية الإنسان المادية والمعنوية ، كحجزه في حجرة مغلقة فيضطر إلى تحطيم نوافذ الحجرة لكي يتمكن من الفرار ، أو عرضه كان تفقد امرأة ملابسها في مكان معد للسباحة فتضطر من اجل ستر عورتها الاستيلاء على ملابس شخص أخر ، أو شرفه كمن يجد عبارات تمس بشرفه منشورة في جريدة معروضة للبيع فيقوم بتمزيقها .
وان يكون الخطر يهدد نفس الشخص أو نفس غيره، مثال ذلك فان الطبيب يجوز له الاحتجاج بالضرورة إذا أجرى عملة جراحية لإنقاذ حياة امرأة بدون رضاها، إذ يجوز له الاحتجاج بالضرورة رغم عدم وجود علاقة تربطه بالمريضة.
وان يكون الخطر جسيما لدرجة كبيرة من جسامة ، وتقدير هذه الجسامة من اختصاص قاضى الموضوع وذلك طبقا لمعيار موضوعي يستفاد من النظام القانوني الجنائي ،إذ قد تكون وجهة نظر مرتكب الفعل ليست محل اعتبار، ولا تقيم الضرر بأنه جسيم لمجرد أن مرتكب الفعل يرى ذلك ، والواقع ليس كذلك ، مثال ذلك فان من حملت نتيجة اغتصاب جنسي لايمكنها الاحتجاج بالضرورة في ارتكاب جريمة الإجهاض لأن الشرف مسألة معنوية لا يمكن أن يفقد بفعل ارتكب عنوة وان كانت مرتكبة الفعل ترى عكس ذلك (1) .

2/ أن لا يكون لإرادة الشخص دخل في حلول ذلك الخطر:
اى يجب الاتكون لإرادة الفاعل دخل في حدوث الخطر المحدق به ،إذ لايجوز للمرء أن يقوم بفعل محرم ثم يقوم بفعل أخر في سبيل النجاة من الفعل الأول
ويقصد بإرادة الشخص التي ينبغي أن لا تكون داخلة في حلول الخطر توافر القصد الجنائي لديه ، وذلك بان لايتوقع حدوث النتيجة الضارة ، مثال ذلك من يحرق مصنع قصدا لا يجوز له

الاحتجاج بحالة الضرورة إذا كان من اجل إنقاذ نفسه ويرمى بشخص صادفه في النار ، أما إذا حدث الحريق بخطأ منه نتيجة إهمال فانه يجوز له الاحتجاج بحالة الضرورة ، لا يكفى نفى حالة الضرورة مجرد ارتكاب الفاعل سلوكا عمديا ، وإنما يجب أن يريد الفاعل أيضا حدوث النتيجة ، مثل من يدهس شخص وهو يقود سيارته بطريقة جنونية اى خطيرة يمكنه الاحتجاج بحالة الضرورة من اجل إنقاذ نفسه(1) .

3/ ألا يكون القانون قد ألزم الشخص بتعريض نفسه للخطر:
لايجوز للشخص الاحتجاج بحالة الضرورة إذا كانت وظيفته تقتضى أن يعرض نفسه للخطر ، كرجل المطافئ الذي يخترق الحرائق لإنقاذ من هم بحالة خطر ، والعسكري الذي يدافع عن وطنه وبقائه ، وغيرها من الأمثلة .
ولكن يجب أن يكون الأمر المتعلق بالخطر واجبا قانونيا مقررة بمقتضى قواعد قانونية أو اتفاقية ، وعلى سبيل المثال للحالة الأخيرة : الممرض المكلف بحراسة مجنون لايجوز له الاحتجاج بحالة الضرورة إذا هرب خوفا أو اضر بشخص ثالث ، وغيرها من الأمثلة .

ثانيا:- شروط الفعل الضار:
يشترط في هذا الفعل الشروط الآتية :

1/ أن يكون الفعل المرتكب لازما لدفع الخطر: اى أن تكون هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر بحيث لا يكون في مقدرة مرتكب الضرورة دفع الخطر بوسيلة أخرى اقل من ارتكاب الجريمة ، وقد عبرت (م 72 ق ع ل ) عن هذا الشرط بقولها ( ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى ) ، بمعنى إذا كان أمام الشخص وسيلة أخرى لمنع الضرر والهروب منه دون الإضرار بالغير لايحق له الاحتجاج بحالة الضرورة ، ولكم يمكن الاحتجاج بها لإنقاذ نفس الفاعل أو غيره دون اشتراط وجود أية علاقة تربط بينه وبين من تصرف لإنقاذه (2) .

2/ أن يكون الفعل متناسبا مع الخطر : اى أن يكون الفعل اقل أهمية من الضرر المراد دفعه أو مساويا له ، ولكن ليس أكثر منه جسامة ، مثال ربان السفينة عندما تتعرض السفينة للغرق يقوم بإنقاذها عن طريق تخفيف حمولتها وليس تخفيف من عدد ركابها ، وتقدير تناسب الفعل مع الخطر يفصلها قاضى الموضوع بالنظر إلى ملابسات كل واقعة على حده .

وهناك شروط أخرى منها ( أن تكون الضرورة ملجئة بحيث يجد الفاعل نفسه أو غيره في حالة يخشى منها تلف النفس أو الأعضاء _ أن تقدر الضرورة بقدرها وهذا يعنى أن ما يباح فعله يجب أن يؤدى الحد الأدنى منه لدفع الضرر _ إلا تكون وسيلة أخرى لدفع الضرر غير ارتكاب هذا الفعل المحرم ، فإذا كانت هناك وسيلة أخرى مباحة لدفع الضرر تعينت هذه الوسيلة ) (1) .
ويتضح من هذه الشروط الضرورة كما حددتها (م72 ق ع ل ) فلا شك في جوازا لاحتجاج
بها ونفترض هذه الحالة كأهم شرط لها أن يهدد الحمل حياة الحامل أو يهدد سلامة جسمها بخطر
جسيم ويقترب الإجهاض في هذه الحالة من الإجهاض الطبي ولكن يختلف عنه في انه لا يشترط
أن يجربه طبيب أو أن ترضي به الحامل ونظير ذلك لم يكن الإجهاض استنادا إلي حالة الضرورة إجهاضا مباحا بل تمتنع المسئولية عنه فحسب ولا يجوز أن تحتج بحالة الضرورة من كان حملها ثمرة علاقة في غير نطاق الزوج وكذلك لايجوز الاحتجاج بحالة الضرورة لمن كان حملها ثمرة اغتصاب.

الفرع الثالث
اثباث حالة الضرورة

إثبات حالة الضرورة يقع على عاتق المتهم وهذا مايذهب إليه القضاء ، وتقدير مدى توافر شروط الضرورة من عدمها هو من اختصاص قاضى الموضوع ولا معقب عليه في ذلك مادام قد أسس اقتناعه على أسباب معقولة ومقبولة ، وقضت المحكمة العليا الليبية بأنه (( إذا كان مايردده الطاعن الثاني في طعنه بأنه قتل المجني عليه الثاني مكرها تحت تأثير نفوذ الطاعن الأول ومكانته ، قد فندته محكمة الموضوع بأسباب سائغة ورأت إن هذا الطاعن قد استلم البندقية وذخيرتها من زميله الطاعن الأول قبل خروجهما إلى مسرح الجريمة وكان لديه الوقت الكافي للإفلات من هذه المهمة الخطيرة وأنهما من قبيلتين مختلفتين ، وخلصت من ذلك وجود إكراه أو تسلط ، فذلك منها تقدير موضوعي سائغ لامعقب عليه من المحكمة العليا ))
وإذا رأت محكمة الموضوع توافر حالة الضرورة لابد منها من إن تبين في حكمها الوقائع التي تبرر قيامها ، ومحكمة العليا محكمة قانون اى تراقب مدى توافر الشروط الأزمة لقيام حالة الضرورة والواردة في المادة 72 من قانون العقوبات .
والمادة 73 ق ع ل ، أوجبت أن يعاقب الشخص المتجاوز لحدود الضرورة خطأ بعقوبة مخففة هي عقوبة الجريمة الخطئية إذا كان القانون يعاقب على سلوكه بهذا الوصف ، وإذا استعمل الشخص القوة الدفع الخطر وكان مدركا بإمكانية دفعه بفعل مناسب إلا أن إرادته دفعته إلى القوة ، فهنا يسأل عن فعله مسؤولية كاملة بوصف العمد لانتفاء حالة الضرورة (1) .

المطلب الثاني
الإجهاض للضرورة في الفقه الاسلامى والقانون الليبي

ندرس هذا المطلب على ثلاثة فروع ، أولها : الإجهاض للضرورة في الفقه الاسلامى ، وثانيها: في القانون الليبي ، وثالثها : مقارنة بين المطلبين .

الفرع الأول
الإجهاض للضرورة في الفقه الاسلامى
عرف بعض الفقهاء الضرورة بأنها ( خوف الهلاك على النفس والمال ) ، وقيل هي حفظ النفوس من الهلاك أو شدة الضرر (1) ، ولتوافر الضرورة يشترط الاتى : أن تكون الضرورة حالا وقائما وليس متوقعا ومحتملا ، وان تكون ملجئة بحيث يجد الفاعل نفسه أو غيره في حالة يخشى منها تلف النفس أو الأعضاء ، وان تدفع الضرورة بالقدر الكافي لدفعها ، و ألا تكون هناك وسيلة أخرى إلا ارتكاب الجريمة ، فإذا كانت هناك وسيلة أخرى مباحة لدفع الضرر تعينت هذه الوسيلة (2) .
والنفس من الأمور الضرورية التي تكفلت الشريعة بحفظها وبقائها إذا لا شئ اعز على الإنسان من نفسه بعد دينه ، ولحفظ النفس أباح المحظورات للضرورات ، اى يجب أن تكون المصلحة التي تقتضيها الضرورة أعظم من مفسدة المحظور والحاجة تنزل منزلة الضرورة سواء كانت الحاجة عامة أو خاصة ، والاضطرار لايبطل حق الغير .
وفى حالة الضرورة يجد الفاعل نفسه في ظروف تقتضى الخروج عن المحلل والدخول في المحرم لينجى نفسه أو غيره من الهلاك ، ويقول الله تعالى ((فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)) (4) ، وقوله تعالى ((وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)) (5) .
والأصل في الأشياء الإباحة ، فإذا ماتوا فرت شروط الضرورة في المرأة الحامل جاز إجهاضها وذلك للضرورة ، وعملا بالقاعدة الفقهية العامة التي تنص على (ارتكاب اخف الضررين دفعا لاعضمهما )، ونبين هذه القاعدة في الاتى :

أ ــ عند المفاضلة بين المصالح المجتمعة في عمل واحد ، إن أمكن تحصيل المصالح جميعاً كان بها ، فإن تعذر ذلك حصلنا الأصلح فالأصلح ، والأفضل فالأفضل ، فالواجب تحصيل أعلى المصلحتين ، فإن تعذر المفاضلة بينهما فإنه يرخص في الاختيار في التقديم والتأخير بينهما ، ومثال ذلك في الإجهاض المشروع، حيث يرجح الطبـيب المعالـج بين إنقاذ الأم الحامل أو إنقاذ الجنين في بطنها ، أيهما أسلم وأنجح وأسهل.
وبناء عليه إذا تعذر الجمع بين حفظ النفس والبضع والمال قدم دفع الضرر عن النفس على دفع الضرر عن العضو ، وقدم الدفع عن العضو على الدفع عن البضع ، وقدم الدفع عن البضع على الدفع على المال ، وهكذا فإن مصلحة المحافظة على النفس أعظم من مصلحة المحافظة على العضو أو من المفسدة المترتبة على قطع العضو.
ب ــ عند المفاضلة بين المفاسد المجتمعة في عمل واحد فالواجب درء الجميع ، فإن تعذر ذلك درأنا أل أفسد فالأفسد ، فالواجب دفع أعظم المفسدتين (يدفع أهون الشرين) فإن تساوت فيباح التوقف أو التخير ، كما في المثال السابق ..
ج ــ إذا اجتمعت المصالح والمفاسد ، فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد جميعاً فعلنا ، وإن تعذر التحصيل والدرء معاً وكانت المفسدة أعظم من المصلحة أو تساويا درأنا المفسدة وفوتنا المصلحة ، لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع ، أما إذا كانت المصلحة أعظم من المفسدة التي تقابلها فتقدم المصلحة ، من ذلك مثلاً أن مصلحة إنقاذ الحي أولى بالرعاية من مفسدة انتهاك حرمة الموتى ، وكما هو ظاهر فإن تقديم المصلحة على المفسدة التي تقابلها مشروط يكون هذه المصلحة راجحة على المفسدة وأعظم منها .
د ــ يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام(1) .
ويرى بعض الفقهاء جواز الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين ، أما بعد نفخ الروح فلا يجوز لعدم توافر الضرورة لذلك ، إذ أن حياة الجنين تتساوى مع حياة الأم ، ولا توجد حياة أفضل من حياة ، ولعدم توافر شروط الضرورة لان الخطر المبنى على الظن والاحتمال في هذه
الحالة ، وإهدار حياة الجنين بناء على التنبئوات القائمة على الظن والاحتمال أمر غير مقبول ، وإذا توافرت شروط الضرورة يكون الإجهاض جائزا لإنقاذ الأم التي هي الأصل (1) .

وتحديد وقت نفخ الروح في الجنين من الأهمية بمكان حيت له اثر كبير في وضع أحكام إجهاض أو إسقاط الحوامل، حيت هناك فريق من الفقهاء يجيز إجهاض الحامل قبل نفخ الروح، وتحريم ذلك بعد نفخ الروح (1).
واختلف الفقهاء في جوازية الإجهاض قبل نفخ الروح ، ومنهم من رفضه ، أما بعد نفخ الروح فقد اتفق الفقهاء على حرمته ، وارى انه إذا تبين الحمل وتبت فلا يجوز الإجهاض سواء قبل أم بعد نفخ الروح في الجنين إلا للضرورة القصوى ، مثل تسمم الجنين ، أو الخوف على حياة الأم ، وما يشبه ذلك من الضرورات .
ويفرق الفقهاء بين مرحلتين مرحلة ماقبل نفخ الروح ، ومرحلة مابعد نفخ الروح ، والتي نبينها باجاز في الاتى :

الإجهاض قبل نفخ الروح.

آراء الفقهاء في الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين، (أي قبل 120 يوم)، ينقسم الفقهاء في هذه النقطة إلى ثلاثة فئات وهى:

الفئة الأولى:
ويمثلها القول الراجح لدى المالكية ، والإمام الغزالي من الشافعية ، و ابن رجب الحنبلي من الحنابلة ، وهم يحرمون الإجهاض منذ اللحظة التي تستقر فيها النطفة في الرحم ، ولا يسمحون بالإجهاض إلا إذا تعرضت حياة الحامل للخطر، وأصبح الإجهاض ضرورياً لإنقاذ حياتها.

الفئة الثانية :
ويمثلها جمهور فقهاء الشافعية والأحناف والحنابلة والأنثى عشرية (الجعفرية والأمامية) وهم يبيحون الإجهاض إذا تم قبل نهاية الأربعين الأولى من الحمل (تحسب منذ لحظة التلقيح لا من آخر حيضه خاضتها المرأة) عند وجود أدنى سبب مثل مرض الأم، أو أن هناك طفلاً رضيعاً للمرأة ، ولا مرضع له غير أمه الحامل، وبذلك سيتعرض الرضيع للخطر ، ويجيز بعضهم الإجهاض في هذه الفترة ، إذا كان الحمل ناتجاً عن الاغتصاب .

الفئة الثالثة:
ويمثلها الزيدية وبعض الأحناف وبعض الحنابلة وبعض الشافعية ويبيحون الإسقاط قبل نفخ الروح (أي 120 يوماً) عند وجود سبب لذلك ، ويشترطون موافقة الزوج على ذلك .
وجاء في كتاب الإنصاف للمرادي وهو من علماء الحنابلة : (وقال في الفروع : وظاهر كلام ابن عقيل في الفنون أنه يجوز إسقاطه قبل نفخ الروح) .
وقال ابن عابدين (مــن علماء الأحنــاف) في الحاشيــة على كتاب الدر المختــار: [ قال في النهر (اسم لكتاب): هل يباح الإسقاط بعد الحمل ؟ نعم يباح ما لم يتخلق منه شيء إلا بعد مئة وعشرين يوماً ] . قال ابن عابدين معلقاً على ذلك: وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح، وإلا فهو غلط لأن التخليق يتحقق قبل هذه المدة ) (1).

الإجهاض بعد نفخ الروح .

اجمع الفقهاء على حرمة قتل الجنين بعد نفخ الروح لأن الجنين بعد نفخ الروح يصبح إنسانا ونفسا لها احترامها وكرامتها، ولأن الإجهاض بعد نفخ الروح جريمة لا يجوز الإقدام عليها إلا في حالة الضرورة القصوى٬ قال تعالى: « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ » (2) ،
ونفخ الروح كان يعرف عند الفقهاء قديما ، بالإحساس بالحمل، حيث لم تتوفر قديما تلك الآلات الحديثة الموجودة في الساحة العلمية اليوم ، حتي يحكموا بوجود حياة أو عدمها في وقت مبكر.
والإجهاض بعد نفخ الروح دون عذر، أجمع الفقهاء على أن الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين حرام، وقد قدر العلماء مدة نفخ الروح حسب ما توفر لديهم من أساليب بأربعة أشهر، وقبل ذلك ما كان يعرف عندهم أن للجنين حياة.
وقد رتب الفقهاء للجنين في ذلك الوقت حرمة كحرمة الإحياء تماما بتمام، ففي المذهب الحنفية ” امرأة حامل اعترض الولد في بطنها ولا يمكن إلا بقطعة إربا ولو لم يفعل يخاف على أمه من الموت فإن كان الولد ميتا في بطن أمه فلا بأس به، وأن كان حيا لايجوز لأن إحياء نفس بقتل نفس أخرى لم يرد في الشرع “.
وجاء في الدر المختار وحاشية ابن عابدين الحنفي ما يلي: ” حامل ماتت وولدها حي شق بطنها ويخرج ولدها، ولو بالعكس وخيف على الأم قطع وأخرج لو ميتا، وإلا فلا ” ويعلق ابن عابدين على كلمة ” ولو بالعكس ” فيقول: بأن مات ولدها في بطنها وهي حية، وعلق على كلمة

” وإلا فلا ” فقال: ” أي ولو كان حيا لايجوز تقطيعه لأن موت الأم موهوم فلا يجوز قبل آدمي حي لأمر موهوم “.
والمقصود بهذه النصوص، ما لو كان الولد حيا حياة يستطيع أن يعيش إذا خرج إلى الوجود، أي لو كان مثلا في الشهر السادس أو ما بعد ذلك حتي أنه لا يضحي به في سبيل حياة الأم، ولهذا علق ابن عابدين على ذلك بقوله: ” موت الأم موهوم بجانب قبل آدمي حي غير موهوم “.

رأى المالكية: قال المالكية: الإجهاض بعد نفخ الروح هو حرام بلا خلاف لأنه قتل نفس حية حياة كاملة، قال ابن العربي: للولد أحوال.. وذكر أحواله إلى أن قال: ” فإذا نفخ فيه الروح فهو قتل نفس بلا خلاف “، وعلى هذا فالمالكية يحرمون الإجهاض بعد نفخ الروح بالإجماع ويعتبرونه قتل نفس حية بغير حق.

رأى الشافعية: قرر فقهاء الشافعية أن الإجهاض بعد نفخ الروح حرام بإجماع الآراء يقول الرملي: ” أما إذا نفخ الروح في الجنين إلى الوضع فلاشك في التحريم ، ولو كانت النطفة من زني فلو تركت حتي نفخ فيها الروح فلاشك في التحريم “.

رأى الحنابلة: قرر علماء الحنابلة حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح فيه(1).
ويستخلص مما سبق من آراء الفقهاء السابقين أن الإجهاض بعد نفخ الروح حرام بالإجماع بدون عذر، فإن كان هناك عذر قاهر كتحقق بموت الأم إذا بقي الجنين في بطنها فقد أجاز العلماء ذلك.
وأما الإجهاض قبل نفخ الروح فمنهم من حرم ذلك بإطلاق أو كرهه، ومنهم من حرمه بعد الأربعين يوما وهو رأى أقوي، ومنهم من أجازه قبل الأربعين. وقد أجاز بعض العلماء إسقاط الجنين قبل الأربعين وقبل التخلق لبعض الأعذار منها: الخوف على حياة الأم ومنها كون النطفة من زنا، ومنها التأكد من تشويه الجنين ، وروح الفقه الإسلامي وما يستخلص من كلام الأمة يوحي بأن الجنين حي من بداية الحمل أن حياته محترمة في كافة أدوارها خاصة بعد نفخ الروح، وأنه لا يجوز الاعتداء عليه بالإسقاط إلا لضرورة قصوى ظهرت من كلام الفقهاء في ذلك .

الفرع الثاني
الإجهاض للضرورة في القانون الليبي

تعرض المشرع الليبي لحالة الضرورة في المادة 72 من قانون العقوبات والتي نصت على انه ( لا عقاب على من ارتكب فعلا أرغمته على ارتكابه ضرورة إنقاذ نفسه أو غيره من خطر محدق يهدد بضرر جسيم للنفس على وشك الوقوع به ، أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى مادام الفعل متناسبا مع الخطر ) .
يشترط المشرع في هذا النص لكي يجوز الإجهاض إن يكون الحمل مهددا لحياة الحامل أو السلامة جسدها بخطر جسيم وحال ، وألا يكون لإرادتها دخل في حلوله ، ويشترط في فعل الضرورة أن يكون الفعل لازما لإنقاذ نفسها أم غيرها ، وان يكون الفعل متناسبا مع الخطر ، ومن تم تمتنع المسؤولية الجنائية لمرتكب فعل الإجهاض ، لان حالة الضرورة يستفيد منها كل من وجد داخل نطاقها ، وهذا الإجهاض يشبه الإجهاض الطبي ، رغم انه يختلف عنه بأنه يجرى دون طبيب ، ودون رضي الحامل ، حيت يمكن أن يجريه اى شخص لا لكونه مباحا بل للضرورة .

ولا يجوز للمرأة الحامل أن تستند للضرورة إذا كان حملها نتيجة اغتصاب أو تمرة علاقة غير شرعية (1)، ففي حالة الاغتصاب تكون قد خالفت شروط التناسب ، حيت لايوجد اى تناسب بين حق الجنين في الحياة وحق المرأة الحامل في الحفاظ على شرفها وسمعتها ، ومع ذلك يجيز بعض الفقهاء استنادا إلى حالة الضرورة (2) ، أما في حالة العلاقة غير الشرعية فلا يجوز الجؤ للضرورة لان المرأة هي التي تسببت في حلول هذا الخطر بإرادتها فكان في مقدرتها واستطاعتها رفض ومنع هذه العلاقة باى وسيلة متاحة أمامها ، وبهذا تكون خرجت عن نطاق الضرورة لفقدها احد شروطها وهو الايكون لإرادة المهدد بالخطر دخل في حلول هذا الخطر (3) ،ولا يجوز أيضا استخدام الضرورة في حالة ما إذا كان الجنين تمرة تلقيح صناعي حصل دون رضاء المرأة ، أو إذا كان الطفل متوقع إصابته تشوه أو عاهة (4) .

وقد أباح المشرع الليبي كغيره من المشرعين الإجهاض في حالة إنقاذ حياة الأم فقط، وذلك في المادة 19 (1)، والتي جاء فيها (لا يجوز إجهاض الحامل أو قتل الجنين إلا إذا اقتضى ذلك إنقاذ حياة الأم )، وتعتبر هذه الإباحة في أضيق نطاق.
وعلى هذا إذا تعارضت حياة الجنين مع حياة الأم ، وكان في بقاء الجنين خطر يهدد حياة الأم ، ففي هذه الحالة يجوز التضحية بحياة الجنين من اجل حياة الأم ، لان الجنين فرع ، والأم هي الأصل ، فلا يجوز التضحية بالأصل من اجل الفرع ، وإنما التضحية بالفرع من اجل الأصل (2) ، وحالة الضرورة في هذه المسالة موضوعية تدخل في اطلاقات محكمة الموضوع ، ويستعان في ذلك براى أهل الخبرة من الأطباء .
ونجد هنا إن حالة الضرورة تكاد تكون شروطها في القانون الوضعي متفقة مع ما اتجه إليه فقهاء الشريعة الإسلامية ، ومن تم فان الإجهاض يكون جائزا للضرورة إذا ماتوا فرت شروطها بغرض دفع الخطر الذي يهدد حياة الحامل ، وضرورة تم تفسيرها في أضيق نطاق حتى لا تكون وسيلة وحجة لإجراء اى فعل والتي من بينها الإجهاض ، وتقتصر على هذه الحالة _ الإجهاض _ ما إذا كان إنقاذ لحياة الأم (3) .

الفرع الثالث
مقارنة بين الفقه الاسلامى والقانون الليبي

بعد الانتهاء من ذكر موقف كل من الفقه الاسلامى والقانون الليبي من الإجهاض للضرورة في هذا الفرع نخرج بمقارنه بين الموقفين .
إن الضرورة في الفقه الاسلامى لاتبيح الإجهاض لإنقاذ حياة المرأة الحامل لان معظم الفقهاء يرون إن الضرورة لاتجرى في الأنفس إلا انه توجد قاعدة شرعية أخرى يمكن الاستناد إليها لإنقاذ حياة الأم والتضحية بالجنين في هذه الحالة وهى (( إذا تساوت المصالح مع تعذر الجمع تخيرنا في التقديم والتأخير للتنازع بين المتساويين )) ويكون ذلك بعد استنفاد كافة سبل المعالجة للحامل التي قيل إن استمرار الحمل يفقدها حياتها ، ويكون كذلك من باب إزالة ضرر أعظم بارتكاب ضرر اخف ، ومثله لو سقط شخص على جريح فان استمر قتله ، وان انتقل قتل غيره حيت لايوجد مكان خال بين الجرحى فقد ذهب الفقهاء إلى القول بأنه إذا كان المسقوط عليه أعلى رتبة ومنزلة في العلم والتقوى والورع وتناط به المصالح انتقل إلى الأقل رتبة وذلك لارتكاب اخف الضررين فان لم يفعل كان آثما وان تساويا استمر على الأول (1) .
لهذا فان الأم هي أعلى مرتبة من الجنين إذ هو في حاجة إليها كما يحتاج إليها غيره من الأبناء إن وجدوا ، لذلك الأم إلى الأصل وأعلى مرتبة من الجنين الذي هو الفرع ، ومن ثم فيجوز إسقاط الجنين للحفاظ على حياة الأم من باب إزالة الضرر الأعظم بالضرر الأخف .
وحالة الضرورة في القانون تعتبر مانعا للمسؤولية في جريمة الإجهاض .

الخاتمة

تتعرض هذه الورقة إلى جريمة من جرائم الاعتداء على الأشخاص وهي (الإجهاض) ، ولكن قد اختصرنا الدراسة على الإجهاض للضرورة في الفقه الإسلامي والقانون الليبي ، وتمحورت الدراسة على فصل تمهيدي للتعريف بالإجهاض ،من ناحية مفهومها اللغوي والاصطلاحي، ومن ناحية موقف الفقه الإسلامي والقانون الليبي منه، ومن تم تناولنا حالة الضرورة من نواحي ثلاث ، تعريفها وشروطها وكيفية إثباتها ، وبعدها دخلنا في صلب الموضوع المتعلق بالدراسة وهو الإجهاض للضرورة و وتمحورت الدراسة في تبيان موقف الفقه الإسلامي والقانون الليبي منه وقارنه مواقفهم وبعد هذه الدراسة خلصت إلى النتائج والتوصيات الآتية :

أولا:- النتائج.
1-أن من مقاصد التشريع الإسلامي المحافظة على النفس، ومنها نفس الجنين، ولأجل ذلك أبيح الفطر للحامل من أجل الحمل، ويؤجل عن الحامل الحد الواجب محافظة عليه، وشرعت العقوبة لمن يتسبب في إجهاضه، مما يدل على أن الأصل في الإجهاض التحريم.
2- ترجح أن الإجهاض لا يجوز بعد نفخ الروح في الجنين لأي دوافع من الدوافع، إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا تعارضت حياة الأم مع حياة الجنين، وكانت الحالة واقعة فعلاً، ولم يمكن إنقاذ حياتهما فترجح حياة الأم؛ لأنها أصله، ولما يترتب على موتها من الآثار.
3- ترجح في الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين أن الأصل فيه التحريم، وأن التحريم يتدرج حسب مراحل الجنين، ففي مرحلة الأربعين الأولى يكون التحريم أخف من المرحلة التي بعدها، ولهذا يستثنى منه حالة الضرورة الواقعة أو المتوقعة، ويمكن أن يستثنى منه – الحالات الفردية – بعض الدوافع كدوافع الاغتصاب، والدوافع العلاجية بالنسبة للأم، وكذلك إذا اكتشفت بعض الأمراض المستعصية أو التشوهات في الأجنة مبكراً ، ويقوى التحريم كلما قرب من زمن نفخ الروح لتكامل الخلق؛ ولذا يتشدد في الاستثناء من هذا الأصل بالنسبة للدوافع.
4- لا يجوز أن يبنى على الحالات الفردية التي يمكن القول فيها بالجواز بالنظر إلى كل حالة دعوة عامة لهذا الأمر، أو تنظيم معين، لأن فيه مناقضة لمقاصد الشريعة، وإهداراً لحق الأجنة في الحياة، واعتراضاً على حكمة الله.
5- في الحالات التي يباح فيها الإجهاض لدافع معين معتبر شرعاً فيجب أن يتدرج في الوسيلة المستخدمة للإجهاض، فلا يلجأ للعملية الجراحية إلا إذا تعذر ما هو أقل ضرراً ومفاسد منها، ويسند الأمر إلى النساء؛ لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف، ولأنه يقلل المفاسد المترتبة على الوسيلة.
6- يترتب على الإجهاض إذا تم بصورة غير مشروعة أو كان جنائياً مسؤولية المتسبب فيه، بأي وسيلة كانت، حتى لو كانت غير مباشرة، كالتخويف والتجويع ونحوه، لكن يشترط في الوسائل غير المباشرة علم المتسبب بالحمل، وتقصيره في تدارك السبب.
7- اتضح من التطور العلمي الهائل في الاستفادة من الأجنة في البحث أو العلاج، وأنه يجب أن يقيد بالشرع، وقد ترجح أنه لا يجوز إحداث إجهاض لهذا الغرض – حتى في الأربعين الأولى على الراجح – وأما إذا كان الإجهاض مشروعاً لوجود مسوغاته، أو كانت الأجنة قد سقطت تلقائياً؛ فيمكن الاستفادة منها في البحث الضروري، أو العلاج الضروري، إذا لم يمكن إنفاذ حياة الجنين، أما إذا أمكن إنقاذ حياته فتحرم الاستفادة منه.

ثانيا:- التوصيات.
يفترض على المشرع الليبي أن ينص على حالة الضرورة في نصوص مستقلة ، وان يبين أيضا في نصوص مستقلة الحالات التي يجوز فيها الإجهاض عدا في حالة الضرورة إذا كان في الإبقاء على الجنين خطر جسيم على حياة الأم ،وان يلزم موافقة الزوجان على الإجهاض ، وان يتم الإجهاض في مستشفى عام ، وعلى المشرع الليبي أن يحدد الأشخاص الذين يزاولون مهنا طبية أو مرتبطة بالطب ، ويشدد العقوبة إذا كان الفاعل طبيباً، أو صيدلياً، أو ممرضاً، أو قابلة قانونية، وذلك لسهولة ارتكاب هذه الجريمة من قبل هؤلاء الأشخاص .

وبعد هذه النتائج والتوصيات التي حاولت إظهارها من الورقة، أتوجه متضرعا إلى لله عز وجل أن أكون قد أصبت في اختيار الموضوع .
والحمد لله رب العالمين

( منقول للامانة العلمية ))

المراجع

أولا:- الكتب

1/ القران الكريم.
2/ الطاهر احمد الزاوي، مختار القاموس، ط2، 1977، الدار العربية للكتاب، ليبيا، تونس،
3/أميرة عدلي أمير، الحماية الجنائية للجنين، 2005، دار الفكر الجامعي، مصر.
4/ حسن صادق المرصفاوي ، الإجهاض في نظر المشرع الجنائي ، المجلة الجنائية القومية ، عدد نوفمبر ، 1958.
5/ حسام الدين عفانه ، دراسة حول حكم الإجهاض ،دراسة مختصرة مقدمة لليوم العلمي حول الإجهاض وتنظيم النسل وطفل الأنابيب في الشريعة والطب ،المنعقد في جامعة النجاح الوطنية ، فلسطين ، في 15/11/1999.
6/ رءوف عبيد، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال، ط 6، 1984، دار الفكر العربي.
7/ شوقي زكريا الصالحى ، الجرائم المتصورة بالنسبة لعملية التلقيح الصناعي ، 2007 العلم والإيمان للنشر والتوزيع.
8/ عبد العزيز محمد عزام ، المقاصد الشرعية في القواعد الفقهية ، 2001 ، دار البيان للنشر والتوزيع القاهرة.
9/ عبد العزيز عامر، شرح الأحكام العامة للجريمة في القانون الجنائي الليبي دراسة مقارنة بالشريعة الإسلامية، ط2، 1987 جامعة قار يونس، بنغازي، ليبيا.
10/ عبد القادر عودة ، التشريع الجنائي الاسلامى ،ط3 ، ج2 ، 1977 ، دار التراث للطبع والنشر ، القاهرة.
، التشريع الجنائي الاسلامى ، ج1 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
11/ عبد النبي محمد أبو العنين، الحماية الجنائية للجنين، مقارنة، 2006، دار الجامعة الجديدة.
12/ عوض محمد عوض ، قانون العقوبات ، القسم العام ، دط ، 1996، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية .
13/ فوزية عبد الستار، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، 1982، دار النهضة العربية.
14/ مأمون محمد سلامة، قانون العقوبات، القسم العام، ط1، 1999، دار النهضة العربية.
15/ محمد رمضان بارة، القانون الجنائي الليبي، القسم الخاص، ج1، جرائم الاعتداء على الأشخاص، 1998.
، شرح القانون الجنائي الليبي، الأحكام العامة، ج1، الجريمة، ط3، 2000.
16/ محمود نجيب حسنى، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، 1994، دار النهضة العربية.
ثانيا :- مواقع الانترنت