معلومات قانونية عن المساهمة الجنائية في القانون التونسي

بواسطة باحث قانوني
المساهمة الجنائية في القانون التونسي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت

المساهمة الجنائية هي حالة تعاون عدد من المجرمين على ارتكاب جريمة واحدة بأدوار مختلفة فالمساهمة الجنائية تقوم على عنصرين وهما :

1 تعدد الجناة وهو عنصر لا يثير التحقق منه صعوبة إذ يكفي للقول بتوفره صدور ماديات الجريمة ومعنوياتها عن شخصين فأكثر.

2 وحدة الجريمة من الناحية المادية ومن الناحية المعنوية.فمن الناحية المادية يجب أن تكون النتيجة الإجرامية واحدة.ومن الناحية المعنوية قيام رابطة ذهنية تجمع بين المساهمين في الجريمة وبناءا على هذين العنصرين يمكن تمييز المساهمة الجنائية عن الجرائم الجماعية الأخرى وهي الجرائم المعنوية وجرائم الجمهور.

1 الجرائم العفوية

وهي الحالة التي يرتكب فيها عدة أشخاص نفس الجريمة دون أن يعرف أحدهم بنوايا الآخرين كما لو وجدوا معا صدفة يسرقون في مسكن واحد أو يطلقون النار دون سابق تعاون أو اتفاق على شخص واحد.وفي هذه الحالة يسأل كل منهم عن جريمته ولا يتأثر بظروف الآخرين.

2 الجرائم المرتكبة في جمهور :

قد يتاح شخص أثناء وجوده في جمهور في حالة هياج ويرتكب جريمة من الجرائم فكيف يعاقب ؟يعتبر الفقهاء أن للجمهور نفسية خاصة غير نفسيات الأفراد والذين يكونونه وأن بعض الغرائز النائمة في الفرد تستيقظ فجأة لدى اتصاله بالجمهور وقد تدفعه إلى العنف دون أن يتمكن من السيطرة عليها.وباعتبار أن المساهمة الجنائية هي أخطر حالات الإجرام لذلك نظم القانون أحكامها بعناية مع تركيز واضح على المساهمة التبعية.لكن هذه الجرائم تتم نتيجة الصدفة المحضة وبدون سابق اتفاق وتقارر.

‘I أنواع المساهمات الجنائية :

باعتبار أن المساهمة هي حالة تعاون عدة مجرمين في ارتكاب جريمة واحدة ولكن بأدوار مختلفة فإن تحديد المساهم الأصلي أو الفاعل وتمييزه عن المساهمة التبعي أو الشريك أمر غير يسير رغم أهميته.

== الفقرة الأولى : التمييز بين الفاعل والشريك ==

أ الفائدة من التمييز بين الفاعل والشريك :

1 الشريك لا يعاقب مبدئيا في المخالفات (ف 35 م.ج) الاستثناء 316 فقرة3.2 الحالات التي خفف فيها المشرع عقاب الشريك (ف 34 م.ج).

3 الشريك يستعير الصفة الإجرامية والعقاب من الفاعل الأصلي والعكس غير صحيح وبالتالي فإن صفة الفاعل الأصلي هي التي تحدد الجريمة والعقاب بغض النظر عن صفة الشريك فإذا لم يتوفر أحد أركان الجريمة الخاصة لدى الفاعل فلا تقوم الجريمة ولو توفرت تلك الصفة لدى الشريك.4 تعدد الفاعلين الأصليين يكون أحيانا ظرف تشديد كما في السرقة (ف 260 م.ج) ولكن إذا كان الفاعل واحد ومهما تعدد الشركاء فطرف التشديد هذا غير متوفر.

ب معيار التمييز بين الفاعل والشريك : لم يعط المشرّع التونسي تعريفا للفاعل الأصلي على غرار عديد التشريعات المقارنة مما أدى إلى اختلاف وجهات النظر بين الفقهاء بين نظريتين رئيسيتين مادية أو موضوعية، ذاتية أو شخصية.

فالنظرية المادية تقوم على الفعل الذي يساهم به الجاني فإذا دخل في الركن المادي للجريمة كان صاحبه فاعلا والذي يقوم بأي فعل آخر يعد شريكا.

أما النظرية الشخصية فهي تميز بين الفاعل والشريك على أساس نية كل منهما فالفاعل هو الذي تكون لديه إرادة اعتبار الجريمة فعله الخاص (أي نية التصرف كفاعل) والشريك هو الذي ينظر إلى الجريمة على أنها فعل غيره (أي نية التصرف كشريك) ويكون دوره منحصرا في مساندة الفاعل.فالفاعل هو من ينظر إلى المشروع الإجرامي كأنه مشروعه وحده أو هو من يعتبر سيد الموقف أو مشرفا على تنفيذ الجريمة.

فلا ينظر دائما إلى الركن المادي لبيان الفاعل وإنما إلى أهمية دوره في تحقيق الجريمة ولو لم يتدخل في الأعمال التنفيذية (الاتفاق على سرقة مع الحصول على نصيب الأسد دون تدخل مادي أو رسم خطة التحيل مع الاتفاق على أقتسام الغنيمة فالذي يحصل على أكبر حصة أو يرسم الخطة هو الفاعل).

لكن النظرية الشخصية لم تضع معيارا واضحا وملموسا للتمييز بين الفاعل والشريك بينما النظرية المادية وضعت معيارا واضحا يخيب بما أنه يقوم على أفعال مادية سهلة الإثبات.

ويمكن القول أن المشرع التونسي قد تبنى النظرية المادية فرغم أنه لم يعرف الفاعل فإن جميع أفعال الاشتراك التي عددها بالفصل 32 م.ج تدل صراحة على أن دور الشريك هو دور ثانوي ولا يدخل في مكونات الركن المادي للجريمة.وهو ما أكدته م.ت بقرارها المؤرخ في 16/5/1984 حين عرفت المشاركة بقولها “المشاركة في مفهومها اللفظي والقانوني هي قيام الشريك بتقديم العون والمساعدة للفاعل الأصلي”.

ويمكن إذن أن نعرف الفاعل بأنه كل من ارتكب الفعل الذي يدخل في تعريف الجريمة القانوني سواء كانت الجريمة تامة أم مجرد محاولة.

الفقرة الثانية : الترابط بين مسؤولية الشريك ومسؤولية الفاعل:

باعتبار أن الاشتراك مساهمة تبعية في الجريمة يستوجب وجود مساهمة أصلية لقيامه فإن تحديد مدى ارتباط مسؤولية الشريك بمسؤولية الفاعل الأصلي يصبح أمرا ضروريا بالنظر إلى انعكاساته على مسؤولية الشريك قياما وعدما تبعا لانعدام أو قيام مسؤولية الفاعل الأصلي. ولقد انقسم الفقه في هذه المسألة إلى مذهبين الأول وحدة الجريمة والثاني نظرية تعدد الجرائم.

أ نظرية وحدة الجريمة (الاستعارة) :

أو الارتباط بين مسؤولية الفاعل ومسؤولية الشريك تمزج هذه النظرية بين أفعال الاشتراك والأفعال الأصلية.وتقوم على أن الجريمة التي ساهم عدة أشخاص في ارتكابها هي جريمة واحدة تأتي مسؤولية الشركاء فيها من استعارة المسؤولية من الفاعلين الأصليين وينقسم دعاة هذه النظرية إلى مذهب الاستعارة المطلقة ومذهب الاستعارة النسبية.

أولا مذهب الاستعارة المطلقة :المقصود بالاستعارة المطلقة استعارة التجريم واستعارة العقاب معا.ويقول أنصار هذا المذهب أن الجريمة التي يرتكبها الفاعلون الأصليون ويساعدهم فيها الشركاء هي جريمة واحدة وتأتي مسؤولية الشركاء من استعارتهم الجريمة من الفاعلين الأصليين استعارة مطلقة لأن أفعالهم التي يقومون بها في الأصل غير معاقبة ولكنها أصبحت معاقبة لعلاقتها بارتكاب الجريمة أي بأفعال الفاعلين الأصليين.مما يعني وأن الفاعل إذا لم يرتكب جريمة فإن الشريك لا يعاقب فجريمة الشركاء إذن تأتي من ارتكاب الفاعلين الجريمة.فإذا أعار شخص سكينا لآخر ليقتل بها فهو شريك إذا تم القتل وغير معاقب إذا لم يتم القتل، أما أعاره السكين بحد ذاتها فليست جريمة في الأصل ولكنها أصبحت جريمة لعلاقتها بجريمة القتل.ففعل الشريك مباح بذاته ومجرم لارتباطه بالجريمة التي اقترفها الفاعل.ومذهب الاستعارة المطلقة هذا ينقل إلى الشركاء جريمة المجرم الأصلي فيسأل كمسؤوليته كما ينقل جميع الظروف المادية المشددة للجريمة (كالخلع والليلية …في جريمة السرقة) فتشدد عقوبتهم.مساواة مبدئية في أركان الجريمة وعقابها مبدئيا مع إمكانية السماح بتطبيق ظروف التخفيف.وهذا المذهب هو المعتمد من المشرع التونسي بالفصل 32 م ج وما بعده.فالفصل 32م ج يتحدث عن عقاب المشارك الذي قام بعمل أدى إلى ايقاع الجريمة وبقراءة عكسية فإذا لم تقع الجريمة فلا عقاب.

والفصل 33 م ج ينص على عقاب الشريك بنفس عقاب الفاعل الأصلي ما لم ينطبق عليه الفصل 53 م ج .ولكن لهذا المذهب عيبان

1 أنه لا يعاقب الشريك إلا إذا قام الفاعل الأصلي بالجريمة رغم أن الشريك قد يبدي أحيانا خطورة إجرامية واضحة خاصة في صورة التحريض (فلماذا نعاقب الشروع والاستحالة والخيبة ولا نعاقب التحريض بصفة مستقلة عن إتمام الجريمة باعتبار وأن جميع هذه الحالات يبنى العقاب فيها على وجود نفسية خطرة لدى الفاعل).

2 يساوي في العقوبة بين الفاعل الأصلي والشريك رغم تباين الأدوار وتفاوت درجة الخطورة الإجرامية.ولعل هذين الانتقادين هما اللذان دفعا إلى ظهور نظرية الاستعارة النسبية.

ثانيا مذهب الاستعارة النسبية:

والمقصود بالاستعارة النسبية استعارة التجريم فقط دون العقاب الذي يكون مستقلا (وهذا سبب تسميتها بالاستعارة النسبية).وهذه النظرية تتفق مع سابقتها في استعارة الشريك الصفة الجرمية لفعله ممن جريمة الفاعل ولكنها تسمح بتخفيف العقاب بالنسبة إلى الشريك مقارنة مع الفاعل الأصلي فتقر له عقوبات خاصة بها اعتمادا على أن دوره في الجريمة كان ثانويا وأقل أهمية.وقد انتقد هذه النظرية لأنها تعتبر أن أفعال الاشتراك أخف من الأفعال الأصلية مع أنه توجد حالات يكون فيها دور الشريك أخطر من دور الفاعل الأصلي (وخاصة التحريض).

وأمام هذه الانتقادات الموجهة لنظرية وحدة الجريمة بشقيها رأى بعض الفقهاء أن الحل الأمثل هو في تكريس استقلال مسؤولية المساهمين واعتماد نظام تعدد الجرائم.

ب نظرية تعدد الجرائم أو استقلال مسؤوليات المساهمين :

تقوم هذه النظرية على تجزئة الجريمة إلى أدوار متعددة وكل دور يصبح جريمة قائمة بذاتها أي أن كل واحد من المساهمين يسأل عن فعله فقط دون أن تؤخذ أفعال الآخرين بعين الاعتبار.

ففي جريمة القتل مثلا يسأل المحرض عن جريمة التحريض على القتل ويسأل الفاعل عن القتل ويسأل عن مده بالأسلحة عن ذلك ومن ساعده في الاختفاء عن جريمة الإخفاء.

وبهذه الصورة يتلخص التشريع من المزاعم القائمة على أساس الاستعارة ويستطيع القاضي أن يدرس بصورة مستقلة حالة كل مساهم على حدة ويأخذ ظروفه وخصائصه الفردية بعين الاعتبار ويبعده عن ظروف وأفعال الآخرين.ورغم وجاهة ومنطقية هذا المذهب إلا أنه يقوم على عيب واضح وهو تجاهل وحدة مشروع كافة المساهمين في الجريمة الواحدة فيفتتها إلى جرائم مع أنها واحدة.

II شروط المساهمة التبعية (المشاركة):

لكي يدخل الشريك تحت طائلة القوانين الجزائية لابد من توفر جملة شروط يمكن تقسيمها إلى شروط تتعلق بالفعل الأصلي وأخرى تتعلق بفعل الشريك.

الفقرة الأولى : وجود فعل أصلي معاقب عليه

لابد لمعاقبة الشريك أن يكون إلى جانبه فاعل أصلي يدور في فلكه، ارتكب أو شرع في فعل معاقب.وهذا شرط جوهري لأنه إذا لم يكن من جريمة معاقبة فإن أفعال الاشتراك لا تعاقب مبدئيا، نظرا لأن الشريك يستعير جريمته من الفاعل الأصلي. ولا يهم هنا أن يكون الجرم تاما أو ناقصا إذ المهم هو وجود حالة معاقبة.وإذا كان الفعل الأصلي معاقبا تحققت مسؤولية الشريك ولو لم يعاقب الفاعل الأصلي.وفي بعض الأحوال لا تتحقق مسؤولية الفاعل الأصلي لأسباب شخصية فلا يسأل عن الجريمة ولكن يظل الشريك مسؤولا عنها (موته، جنونه، العفو عنه).ولكن إذا طرأت حالة من حالات الإعفاء عن الجريمة نفسها (وليس عن شخص الفاعل) يستفيد منها الفاعلين والشركاء على حد سواء (عفو عام، تقادم ، دفاع شرعي) ويترتب عن هذه القاعدة أن يعاقب على الاشتراك في الاشتراك (مثاله تحريض شخص ثالث على القتل أو يساعده في ذلك فإذا ارتكب الجريمة يعاقب الثلاثة).

ويجب أن يتوفر في الفعل الأصلي شرطين :

1 أن يكون الفعل جناية أو جنحة (ف 35 م.ج) حسب تعريف ف 122 م.أ.ج فمبدئيا لا عقاب في المخالفات إلا ما استثناه القانون صراحة (ف 316 سادسا).

2 أن يكون معاقب عليه نظرية الاستعارة المطلقة.إذ لا مشاركة مبدئيا في أفعال مباحة، لكن المشرع أحيانا يقرر عكس ذلك ويجرم فعل الشريك رغم غياب الفعل الأصلي المعاقب عليه.ومن ذلك مثلا الفصل 319 تأديب الأبناء فمن له حق التأديب يتمتع بسبب إباحة (إذن القانون) أما من يشاركه في ذلك فلا. وكذلك الفصل 206 الخاص بمن يساعد غيره على الانتحار.والفصل 266 المتعلق بسرقة أموال الفروع الواقعة من الاصول.

الفقرة الثانية : الشروط المعلقة بفعل الشريك (شروط المشاركة بالفعل الأصلي):

لابد لقيام مسؤولية الشريك أن يرتكب عن قصد (ب) إحدى الأفعال الواردة في الفصل 32 م.ج (أ).

أ ارتكاب إحدى الأفعال الواردة بالنص (أفعال المشاركة أو وسائل الاشتراك) :

جاء في القرار التعقيبي عدد 9856 الصادر في 10/12/1983 أنه “على قاضي الموضوع بيان نوع المشاركة في الجريمة…”.وبالرجوع إلى الفصل 32 نجد وأن هذه الأفعال أو الوسائل متنوعة من حيث طبيعتها وزمن تحققها (أ) رغم أن خصائصها واحدة (ب).

1 تنوع وسائل الاشتراك :

هذه الأفعال المكونة للركن المادي للمشاركة حددها الفصل 32 م.ج وهي خمسة أفعال يمكن تقسيمها من الناحية الزمنية إلى أفعال سابقة عن وقوع الجريمة (أولا) وأفعال مزامنة أو لاحقة للجريمة (ثانيا).

==أولا الأفعال السابقة :==وهي أفعال تسبق تحقق الركن المادي للجريمة أو محاولة تحقيقه وهي أربعة :

== * الإرشاد : ==أي أمداد الفاعل بالمعلومات التي تمكنه من ارتكاب الجريمة.

== * التحريض : ==وهو عمل يرمي إلى التأثير على الفاعل ودفعه لارتكاب الجريمة وهو لا يقوم مجردا بل يجب أن يكون مصحوبا بعطاء أو وعد به أو بتهديد أو بتجاوز السلطة أو النفوذ أو خزعبلات أو حيل خبيثة فما لم يقترن التحريض بإحدى هاته الأفعال وبقي مجردا فإنه لا يعد اشتراكا فمثلا الاقتراح البسيط أو الإشارة بفكرة الجريمة لا يعدان اشتراكا ولو تمت الجريمة فعلا إثرهما.

== * الإمداد بالآلات : ==وهو إعطاء الفاعل ما يحتاجه لتسهيل جريمته سواء أكانت منقولات (سلاح) أو عقارات (منزل للإجهاض أو الاغتصاب).

== * الإعانة على الأعمال التحضيرية. ==

== ثانيا الأفعال المزامنة أو اللاحقة : ==

ما يجمع بين هذين الصنفين أنهما يعتبران أفعال مساهمة أصلية في عديد التشريعات المقارنة خلافا لما ذهب اليه المشرّع التونسي من اعتبارهما أفعال مساهمة تبعية.

== * فأفعال المشاركة المزامنة : ==هي الإعانة على الأعمال التنفيذية :ويشترط في هذه الإعانة أن تتجسم في فعل مادي يقوم به الشريك لمساندة الفاعل في تنفيذه لجريمته ولا لزوم لأن يكون فعل الشريك عملا من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة فلو كان كذلك لأصبح فاعلا أصليا.وقد جاء في القرار التعقيبي عدد 12504 مؤرخ في 14/7/1984 “تتوفر جريمة المشاركة إذا ساعد الشريك الفاعل الأصلي على الأعمال الاستعدادية أو المسهلة لايقاعها أو على الأعمال التي وقعت بها الجريمة بالفعل دون اشتراط حصول الاستيلاء أو الاختلاس من طرف الشريك…”.على أن الشريك قد يتدخل أحيانا في تنفيذ الركن المادي من ذلك جريمة الزنا (ف 236 م ج) والبغاء (ف 231 م ج) ورغم هذا التدخل فإنه يبقى حاملا لصفة الشريك بصريح النص مما يعني وأننا كلما اقتربنا أو دخلنا في عناصر الركن المادي كلما احتجنا إلى تأكيد من المشرع لصفة الشريك.

== * أما المشاركة اللاحقة : ==فهي تثير مشكل كيف سيشارك شخص في فعل تم قبل تدخله؟إن التشاريع التي تذهب إلى نكران المشاركة اللاحقة لوقوع الجريمة تستند إلى أن هذه المشاركة تستلزم قيام الشريك بعمل من الأعمال التي تسهل الجريمة وتعد لها الوسائل والظروف الملائمة لارتكابها وتمامها.إذ أنه إذا تمت الجريمة فعلا وأنجزت فإن ما يليها من الأعمال الجديدة لا يعد مشاركا فيها لأنه لا يتصور ماديا الاشتراك ولو بصورة غير مباشرة في فعل تم انجازه.وحينئذ كان من الضروري تجريم تلك الأعمال بصورة مستقلة كي تصبح جرائم قائمة بذاتها، فالمساهمة التبعية تقتضي تقديم العون والمساعدة إلى الفاعل لتمكينه من تنفيذ الجريمة، فإذا انتهى هذا التنفيذ لم يعد هناك محل لهذه الإعانة.لهذا نجد بعض التشريعات التي لا تعتبرها مشاركة وإنما جرائم مستقلة أما المشرع التونسي فهو يعتبرها مشاركة وتتمثل هاته المشاركة في صورتين :

إخفاء مسروق (أو شيء متحصل عليه من جريمة اعتداء على الملكية عموما مثل خيانة المؤتمن والتحيل) (راجع درس الأستاذ المحاضر حول أركان هذه الصورة من المشاركة).إخفاء الجناة.ومع ذلك نجد أن المشرع التونسي قد اعتبر بعض أعمال المساعدة اللاحقة جرائم مستقلة (لا مشاركة) مثل إخفاء الجثث (ف 170 م ج) تضليل العدالة باعدام أو إخفاء، ما ثبتت به الجريمة (ف 110 م ج).

2 خصائص وسائل الاشتراك :

جاء في القرار التعقيبي عدد 11288 المؤرخ في 16/5/1984 المشاركة في مفهومها اللفظي والقانوني هي قيام الشريك بتقديم العون والمساعدة للفاعل الأصلي في حالات معينة بالعد ضبطها الفصل 32 م ج” ويتضح من خلال هذا التعريف القضائي أن وسائل الاشتراك تمتاز بالحصرية (1) والايجابية (2) مبدئيا.

== * الحصرية : ==

الركن المادي للمشاركة محصور في 5 أفعال (السابقة الذكر).لا يمكن للقضاء إضافة أي فعل جديد فالحصول على منفعة مثلا لا يعد اشتراك لعدم وروده في الفصل 32 م ج حيث جاء في القرار التعقيبي عدد 3882 الصادر في 17/4/1965.“إن إدانة الطاعن باعتباره المنتفع الوحيد نتيجة التزوير .. لم يوضح الأركان القانونية للمشاركة … الواردة بالفقرة 2 من الفصل 32 م ج”.وكذلك فإن إخفاء سجين فار لا يعد مشاركة بعكس إخفاء مجرمين (رغم أن الحالة الأولى تعتبر جريمة مستقلة الفصل 149 م ج).أي حالة تدخل آخر في الجريمة يعد جريمة مستقلة.

== ** الايجابية : ==

إن جميع صور المشاركة الواردة بالفصل 32 هي أفعال ايجابية ولكن ذلك لا يمنع من وجود أفعال مشاركة سلبية في النصوص الخاصة (أو 1942 وهي : الامتناع عن التبليغ بالجرائم التي شهدها أي التي تمت بحضوره.الامتناع عن التدخل لمنع وقوع جريمة.القواعد المشتركة لأفعال المشاركةضرورة القيام بفعل ايجابي (المبدأ)المشاركة السلبية (الاستثناء)قرار تعقيبي : اقتضى أمر 9/7/42 أنه توجد مشاركة سلبية في الجريمة متى امتنع الشخص عن التدخل للحيلولة دون وقوعها إذا لم يكن في تدخله خطر عليه أو على أحد أقاربه وكان امتناعه بدون عذر شرعي”.كما توجد مشاركة سلبية متى امتنع الشخص عن إبلاغ السلطات العمومية بالجريمة التي علم بحصولها أو شاهدها حال ارتكابها (تعقيب جزائي عدد 20523 27 1 ن م ت 87 ص 184 87).عبارة النفوذ التي أوردها الفصل 32 من الم الج لها معنى عام وحينئذ فهي تشمل النفوذ الأدبي (قر تع جز عدد 765 16 61 م ق ت 61 عدد 6، ص38.

== ب توفر القصد الجنائي : ==

يطرح هذا الركن مشكلا حول مدى إمكانية المشاركة في الجرائم غير العمدية وفي الجرائم التي لا يلزم لوجودها توافر الركن الأدبي؟انقسم الفقه في الاجابة عن ذلك إلى مذهبين معارض ومؤيد.

فالاتجاه المعارض :يرى أن المشاركة لا تقوم إلا بتوفر القصد الجنائي وانتفاء هذا الأخير من الجرائم غير العمدية أو الجرائم بدون ركن معنوي، يؤدي إلى عدم تجريم المشاركة فيها.

والاتجاه المؤيد :يرى بأنه لا يجوز أن نفرق حيث لم يفرق المشرع وحينئذ فلا شيء يمنع من توفر المشاركة في الجرائم غير القصدية.مع أن المشرّع جرم بعض حالات المشاركة في المخالفات (316 فقرة سادسا) رغم أن المخالفات جرائم بدون ركن معنوي.وبالرغم من ذلك فإن المبدأ يبقى تطلب القصد الجنائي لقيام جريمة المشاركة فما هو النظام القانوني للقصد في المشاركة؟لدراسة هذا النظام القانوني لابد من التعرض إلى عناصر القصد في المشاركة (1) وخصائص القصد في المشاركة (2).

== 1 عناصر القصد في المشاركة: ==عرفت محكمة التعقيب القصد الجنائي بصفة عامة بأنه انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل مع علمه بأنه يرتكب فعلا غير جائز (أفريل 1986).فالقصد الجنائي إذا هو علم وإرادة والقصد في المشاركة يقوم كذلك على هذين العنصرين فهو يتطلب اتجاه الإرادة إلى المشاركة (أولا) والعلم بمقصد الفاعل الأصلي (ثانيا).

== أولا اتجاه الإرادة إلى فعل الاشتراك : ==يجب أن تتجه إرادة الشريك إلى الماديات التي تقوم عليها المشاركة ويعني ذلك وجوب اتجاهها إلى النشاط الذي تتمثل فيه وسيلة المشاركة والى النتيجة وهي الجريمة التي يرتكبها الفاعل أو إخفاء آثار تلك الجريمة، أي أن لا يوجد إكراه معنوي مثلا.

== ثانيا العلم بمقصد الفاعل الأصلي : ==يتطلب القصد الجنائي لدى الشريك علما بنتيجة نشاطه وهذه النتيجة هي الجريمة التي يرتكبها الفاعل أو التستر على الجريمة ولا يشترط القانون علم الفاعل الأصلي بمقصد الشريك أو بوجوده أصلا.وبانتفاء العلم لا يتوفر القصد : فمن سلم غيره سلاحا ليستعمله في الصيد لا يسأل كشريك في القتل الذي يرتكب به.ولقد أكدت محكمة التعقيب أهمية علم الشريك في عديد القرارات منها القرار الصادر في 18/6/1986 والذي جاء فيه “المشاركة في السرقة جريمة قصدية يجب أن يتوفر فيها ركنان أساسيان وهما علم الشريك بالمورد ووضع يده على المتاع الحاصل من الجريمة” انظر قرار 1973.

== 2 خصائص القصد في المشاركة: ==

== أولا أسبقة أو تزامن القصد مع القيام بفعل الاشتراك : ==

يجب في حالات الاشتراك أن تكون المعرفة قبل ارتكاب فعل الاشتراك أو أثناءه فإذا حصلت المعرفة بعد ذلك فإنه لا يكون شريكا إلا إذا تعلق المر بحالة مشاركة لاحقة (الأخفاء).

== ثانيا شمولية قصد الشريك لجريمة الفاعل بكافة أركانها وأوصافها : ==المشكل الذي ينشأ عن الركن القصدي هو حالة اقتراف الفاعل جريمة أخرى غير التي اتفق عليها مع الشريك، فالشريك عند اجتماعه مع الفاعل الأصلي وتقاريره منه على اقتراف جريمة معينة قد علق إرادته وقصر قصده على هذه الجريمة ذاتها فهل من الجائز أن يدان من أجل المشاركة في جريمة أخرى يم يتعلق بها قصده ولا توجهت اليها إرادته؟ينبغي هنا التمييز بين حالتين :

الحالة الأولى : هي التي تكون فيها الجريمة المقترفة أخف من الجريمة المتفق عليها:هنا يسأل الشريك عن ذلك لأن القصد الذي توفر لديه والذي تعلق بالأشد يشمل ولا ريب العمل المرتكب فعلا أي الفعل الأخف.لكن إذا كانت الجريمة المرتكبة من طبيعة مختلفة عن التي اتجه اليها قصد الشريك فإنه لا يسأل (أعاره السيارة للقتل ارتكاب جريمة خطف).

الحالة الثانية : ارتكاب جريمة أشد من المتفق عليها.يميز الفقه هنا بين صورتين :الصورة الأولى : اختلاف الجريمتين من جهة الوصف ومن جهة الطبيعة فالشريك لا يسال لأنه لم يشارك الفاعل الأصلي في قصده للجريمة الثانية (السرقة اغتصاب).الصورة الثانية : اتحاد الجريمتين في الطبيعة واختلافهما في الوصف فإن الشريك يبقى مسؤولا (سرقة عادية سرقة موصوفة (أي مقترفة بعنف أو بتسور أو بخلع أو واقعة ليلا أو من من عدة جناة…).

لكن إذا كانت الجريمة المرتكبة لا تدخل في حساب الشريك ولا يمكن توقعها فإنه لا يسأل عنها ويعاقب فقط عن الجريمة التي قصدها.ولقد جاء في قرار تعقيبي عدد 690 في 27/8/1940 بأنه “لا يسوغ قانونا بأن من شارك آخر بالمساعدة لارتكاب جريمة معينة دون غيرها تمكن مؤاخذته لأجل جناية لم يتوقع وقوعها من قبل والتي ارتكبها فيما بعد بدون إضمار الشخص الواقع إعانته بدون إضمار لإتمام غاية أخرى”.

وفي قرار آخر عدد 11429 في 12/3/1975 إن المشاركة جريمة قصدية لا تنطبق إلا فيما وقع العزم فيه دون النتائج الأخرى غير المتوقعة أو المستبعد حدوثها”.

وجاء في قرار ثالث صادر في 15/5/1961 تحت عدد 574 “وحيث أن المجلة الجنائية التونسية لم تعترض لعقاب الشريك في جريمة غير التي تعمد الاشتراك فيها ولو كان الجريمة الواقعة بالفعل نتيجة محتملة للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة أو الإرشاد.

وحيث أن الأفعال التي صرحت المحكمة بثبوتها … لا يتكون منها إلا إرشاد لارتكاب سرقة أموال … وبذلك لا يجوز قانونا عقاب الشريك إلا من أجل المشاركة في تلك الجريمة.

وحيث اتضح للأسباب المتقدم بسطها أن هاته الجريمة هي من باب السرقة المجردة (ف 264 م ج )… فلا محل لما لاحظته النيابة العامة من وجوب اعتبار المرشد شريكا في جناية سرقة موصوفة على معنى الفصل 261 م.ج”.

== III عقاب الشريك : ==

لقد حدد المشرع التونسي العقاب الواجب تطبيقه على الشريك (الفقرة أولى) لكنه مع ذلك لم يبين مدى تأثر الشريك بظروف العقاب المتعلقة بالفاعل الأصلي (فقرة ثانية).

== الفقرة الأولى : تحديد عقاب الشريك ==

المبدأ هو المساواة في العقاب (أ) والاستثناء هو التباين في العقاب (ب).

== أ المبدأ المساواة في العقاب : ==

وهذا المبدأ ستمد من نظرية الاستعارة المطلقة أي استعارة التجريم واستعارة العقاب مع إمكانية تطبيق الفصل 53 م ج (ظروف التخفيف).والمساواة تشمل العقاب العقاب الأصلي والتبعي.

== ب الاستثناء عدم المساواة في العقاب : ==

تطبيق عقاب أخف على الشريك الفصل 34 م ج المشاركة في إخفاء مسروقا متحصل في جريمة قتل.استحالة تطبيق العقوبات التكميلية في بعض الحالات على الفاعل أو على الشريك.تطبيق عقاب أشد : خاصة في حالة التحريض الفصل 257 ثالثا ورابعا.

== الفقرة الثانية : مدى تأثر الشريك بظروف الفاعل : ==

أحيانا قد تتعلق بالفاعل ظروف تشديد أو تخفيف للعقاب فما مدى تأثير ذلك على عقوبة الشريك ؟.ونفس الشيء في صورة توفر مانع من موانع تسليط العقاب ويمكن تقسيمها إلى ظروف تغير وصف الجريمة (أ) وزمرة لا تغير ووصف الجريمة (ب).

== أ الظروف التي تغير وصف الجريمة : ==

أي تغير طبيعتها وهذا التغير إما يكون تشديدا أي ينقل الجنحة إلى جناية أو تخفيفا أي ينقل الجناية إلى جنحة (صفة الموظف أو التوكيل أو الخادم، التسور، الخلع) وهذه الظروف المشددة لا تنتقل إلى الشركاء، إلا إذا كانوا عالمين بها ومع ذلك ساروا في تنظيم الجريمة فمعنى ذلك أنهم قبلوا المغامرة .أما الظروف المخففة التي قررها القانون للفاعل الأصلي يستفيد منها الشركاء (قتل الأم مولودها).

== ب الظروف التي لا تغير وصف الجريمة : ==

لكنها تطيل مدة العقوبة أو تخففها وهذه الظروف شخصية بحتة يوجد شبه إجماع بين الفقهاء على أنها لا تغير وصف الجريمة مثل : العود صفر السن لذلك فإنها تظل خاصة بصاحبها وحده ولا تنتقل إلى الآخرين لا في حالة التخفيف ولا في حالة التشديد سواء كان الشريك عالما به أم لا.