المسؤولية الجنائية الدولية

في العام 1979م إعترفت لجنة القانون الدولي في مشروعها الخاص بالمسئولية الدولية على إمكان الأخذ بفكرة المسئولية الجزائية للدولة، أي من نافلة القول أن المجتمع الدولي حرص على تبيان هذا النوع من المسئولية ووضع أنواع لها.

ولا يعني إعتراف اللجنة بالمسئولية الجزائية للدولة أنها وجدت للتو بل عرفت قبل ظهور الأمم المتحدة ، على سبيل المثال محاكم نور بميببرج*، أو قيام الجيش الأمريكي بمجموعة من المحاكمات الخاصة بمساءلة جنوده عن جرائم يمكن تسميتها بجرائم حرب في السنوات من 1899م إلى 1902م*.

سوف نقسم المبحث الثاني إلى مطلبين:

المطلب الأول :المسئولية الجنائية الدولية للفرد الطبيعي.

المطلب الثاني: المسئولية الجنائية الدولة للدولة.

المطلب الأول

المسئولية الجنائية الدولية للفرد الطبيعي

ورد في اتفاقية لاهاي الرابعة (1907م) أن الأطراف المتحاربة ستكون مسئولة عن كل الأعمال التي يرتكبها اشخاص منتمون إلى عضوية القوات المسلحة، أي أن الأفراد يمكن مسائلتهم عن الجرائم الدولية، حتى أن مؤتمر القرم قرر مسئولية الأفراد في عام 1945م حيث ورد فيه “يتعرض كل مجرمو الحرب للعقوبات العادلة والسريعة”[1].

نستشف مما سبق أن الفرد الطبيعي الذي يتعرض للمسائلة إما أن يكون رئيساً أو مرؤوساً في جرائم الحرب كالقادة العسكريين.

ومن الواقع العملي نجد العديد من السوابق مثل محاكمة الزعيم السياسي لصرب البوسنة (داروفان كارادزيتش) والجنرال العسكري (راتكوملاديتش) عام 1955م عن جرائمهم البشعة ضد الإنسانية من تعذيب وما يعرف بالتطهير العرقي، اضافة الى سوابق محاكم نورمبيرج في أربعينات القرن الماضي.

المطلب الثاني

المسئولية الجنائية الدولية للدولة

عند الحديث عن المسئولية الجنائية الدولية للدولة فإننا نقف أما م مشكلة سيادة الدولة من حيث أن تقرير مثل هذا النوع من المسئولية قد يمس سيادة الدولة وهيبتها الأمر الذي دفع عدداً من فقهاء القانون إلى الإختلاف وتقرير كل منهم لحججه بالأدلة والبراهين المختلفة فمنهم من اعتبر مسألة سيادة الدولة حجر عثرة أمام المسئولية الجنائية الدولية لأنها معدومة والبعض الآخر خالفهم الرأي على أن المسئولية تثار بل وموجودة ولا تعد ماسة لسيادة الدولة.

نظرية عدم مسائلة الدولة الجنائية:

“تبنى هذه النظرية كلاً من الفقيه Trainin وبولاسنكي Polanski حين برروها وشرحوها على أن الدولة عبارة عن منظمة ذات سيادة تسمو وتعلو عن غيرها من المنظومات أو الهيئات الأخرى لأن هذه المنظمات أو الهيئات مهما علت فإنها لن تعلو على سيادة الدولة”[2]

نظرية مسائلة الدولة الجنائية:

“تبنى هذه النظرية الفقيه بلافسكي الذي شرحها على أن مسئولية لدولة تثار بل ولا تتعارض مع سيادة الدولة، حتى أن الدولة في مجال العلاقات الدولية تتنازل عن جزء من سيادتها، والجدير بالذكر أن الفقيه بلافسكي استدل بما قرره الأستاذ نانت في إحدى محاضرته”[3].

وذكر بلافسكي أن:

“للدولة سيادة ولكنها سيادة تعني استقلال تصرفاتها وكونها السيد الحر التصرف لصالح الأفراد أو الدول الأقل قوة منها. ولكن إطلاق حرية التصرف أدى حسبما يطالعنا التاريخ إلى ارتكاب الجرائم وانتهاك الحرمات ومثالنا الواضح على التدليل على سوء استعمال فكرة السيادة “الدولة الألمانية النازية”. ولكي نتجنب ما حدث في الماضي يجب ألا نعطي الدولة الحق في الظلم أو القهر تجاه الأفراد أو الدول الضعيفة باسم السيادة”[4].

من خلال عرض آراء الفقهاء يتضح أن مبدأ سيادة الدولة لا يعرقل مسئوليتها الجنائية الدولة بل يدل مسألة إقرار المسئولية أن الدولة تحترم وجود ها في المجتمع الدولي وتساهم في إقرار العدالة الدولية وتحافظ على العلاقات السلمية بينها وبين أقرانها من الدول.

* سوف نتعرض لهذه المحكمة في الفصل الخامس من هذا الكتاب.

* للإستزادة إرجع : Friedman, L, The Law of War. Vol 1. p. 800.

[1] بو تسدام ـ كتاب وثائقي ـ موسكو ـ 1967 ـ غير مشار لعدد الطبعة ـ صـ 143.

[2] أنظر Oppenheim – lauterpacht, international Law, p. 323

[3] أنظر

Dossier pour la paix, Extraits de texts et discours de sècrétaire General des Nations Unies, U. Thant, sur les grandes questions d’actualities, 1961-1968, Nations – Unies, New York, p. 20.

[4] أنظر

V. Pella, La guerre –crime et les criminals de guerre, geneve – Paris, 1948, p. 61.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت