إن التحولات التي عرفتها التجارة العالمية نتيجة انفتاح أبواب التجارة العالمية على مصراعيها، والنمو السريع في تدفقات رؤوس الأموال والتجارة الدولية، وزيادة أهمية الخدمات في كل من التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، وتكامل عمليات الإنتاج على الصعيد العالمي، كل ذلك فرض علىإدارات الجمارك في جميع أنحاء العالم تغيرات تكنولوجية واقتصادية وقانونية تتطلب التغيير في نهج وأساليب عملها الداخلية واللوجستيكية، وحتم على الإدارات الجمركية التحديث الدائم لأنظمتها وآليات عملها للوفاء بالتزاماتها والقيام بواجباتها دون تقصير[1].

كما أن التطورات الكبيرة التي طرأت على السياسة الجمركية بفعل العولمة الاقتصادية وظهور التكثلات الاقتصادية الكبرى، طرحت على الإدارة الجمركية اختيارات إستراتيجية تستجيب للتطورات التي عرفها العالم تحت لواء ما يسمى بالعولمة التي تقتضي التقليص من نفوذ الدولة لفائدة القطاع الخاص والانتقال من التجارة المادية إلى مفهوم جديد للتجارة[2]، وذلك في إطار سوق موحدة مرتبطة بفتح أبواب أسواق العالم دون قيود جمركية تفرضها الدول على السلع الأجنبية مع رسم المسار نحو تكتلات اقتصادية جهوية وإقليمية[3]. كما فرضت سياسة التفكيك التدريجي للتعريفة الجمركية في ظل المفهوم الجديد للتجارة الدولية على الإدارة الجمركية تأطيرا إداريا جديدا لتدخلاتها بهدف المساهمة في تحسين المحيط الجمركي للمقاولة لتمكينها من مواجهة التنافسية المتزايد.

هذا الواقع فرض العديد من الإشكالات المرتبطة بوظائف إدارة الجمارك خصوصا في مجال مكافحة التهريب الذي تعاني منه معظم الحدود التي تعيش وضع اقتصادي هش، وبالرغم من أن التهريب يعتبر ظاهرة عالمية، إلا انه أكثر حدة داخل المغرب، وترجع بوادر ظهوره إلى القرن التاسع عشر وتفاقمت إلى يومنا هذا بسبب الوضع الذي تعرفه المدينتان السليبتان سبتة ومليلية، وبحكم الحدود المغربية الجزائرية في الشرق، والحدود الجنوبية مع موريتانيا، وقد تم الانتقال من تهريب تقليدي معيشي إلى تهريب محترف له علاقة وطيدة بمختلف أشكال الجريمة المنظمة تقوده شبكات محترفة متخصصة في أعمال التهريب يهدد الاقتصاد الوطني ويشوش على السياسة الجمركية التي تعد إحدى أهم أدوات السياسة المالية الهادفة إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.

إلا أن الإشكال الذي يطرح، كيف يمكن الملائمة بين الانفتاح الاقتصادي في ظل العولمة بعد التزام المغرب بتحرير مبادلاته وإلغاء حواجزه الجمركية في مجال التجارة العالمية ومعالجة إشكالية التهريب بالمغرب باعتباره ظاهرة تقع ضمن الاقتصاد غير الرسمي المخالف للنظام القانوني له تأثيرات سلبية ومباشرة على الاقتصاد الوطني وله علاقة بالجريمة المنظمة؟

المحور الأول: النظام الجديد للتجارة العالمية وأثره على الإيرادات الجمركية

إن التغيرات و التطورات التي حدثت على النظام الاقتصادي العالمي عموما والنظام التجاري على الخصوص، أصبحت تشكل تحديات لاقتصاديات الدول النامية، تفرض عليها إيجاد الآليات المناسبة للاستفادة من الفرص التي يقدمها هذا النظام و التقليل من تكاليفه و سلبياته[4] ، خصوصا وأن العالم عرف طفرة كبيرة في حجم التجارة الدولية خلال العشرين سنة الأخيرة من القرن الماضي وصلت إلى حوالي 250 في المائة، كما زادت قيمة هذه التجارة بمعدلات أكبر، ووصلت خلال الفترة ذاتها إلى حوالي 280 في المائة.

وتفهم أهمية النظام التجاري الجديد واستقصاء آثاره بالنسبة للدول النامية لا يتعلق فقط بتحسين أوضاع تجارتها ونموها الاقتصادي، بل انه يتعلق بمستقبل هذه الدول في ظل النظام الجديد للتجارة الدولية الذي لم تشارك في تشكيله بسبب ضعف دورها في مراحل تأسيسه، هذه التحولات أدت إلى انعكاسات ايجابية وسلبية خصوصا في مجال حماية اقتصادياتها.

المبحث الأول: تطور التجارة الخارجية وانعكاسها على الإيرادات الجمركية

1- تطور التجارة العالمية

تشير معظم التقارير الدولية إلى تطور حجم التجارة الدولية، هذه الزيادة تفوق بكثير الزيادة في إجمالي الناتج القومي لمختلف الدول والذي وصل إلى 164 في المائة، وبالطبع فإن هذه الزيادة ترجع إلى عناصر كثيرة، على رأسها سياسات تحرير التجارة التي أخذت بها أعداد كبيرة من الدول.

وتشير الأرقام-أيضا-إلى أنه بالرغم من سياسات تحرير التجارة التي أخذت بها دول كثيرة في العقود الماضية، فإن الإيرادات الجمركية لا تزال تمثل نسبا ليست بالقليلة لمجموعات مختلفة من الدول ويلاحظ أنه على مدار فترة حوالي عشرين عاما انخفضت التعريفات الجمركية إلى حوالي الربع بالنسبة للدول الصناعية، أما على المستوى الدولي فإن انخفاض هذه النسب لم يكن بالدرجة نفسها. وتمثلت المناطق التي شهدت انخفاضا ملموسا في منطقة دول آسيا والمحيط الهادي، حيث وصلت إلى أقل من النصف، وكذلك الحال بالنسبة لبعض الدول العربية، فقد انخفضت هذه التعريفات في الفترة ذاتها إلى حوالي ثلاثين في المائة.

وظلت الإيرادات الجمركية تمثل نسبة لا بأس بها من إجمالي حصيلة الضرائب العامة التي تحصلها غالبية دول العالم النامي، علما أنه توجد فوارق كبيرة في هذا الشأن بين مجموعة الدول الصناعية ودول العالم النامي، وعلى سبيل المثال فإنه بالنسبة لدول الشرق الأوسط فهي تمثل حوالي ربع إجمالي الإيرادات، وتزيد بدرجة كبيرة بالنسبة للدول الإفريقية، حيث تقارب حوالي أربعين في المائة من إجمالي الإيرادات. وقد تعود زيادة الإيرادات إلى العديد من الأمور، منها الزيادة الكبيرة في أحجام التجارة الخارجية، وفاعلية تحصيل الإيرادات الجمركية، وتلاشي التهريب الجمركي، ومن ثم فإن سياسة تحرير التجارة لا تعني ببساطة خفض التعريفة الجمركية فحسب، ولكنها تعني – بوجه عام – تخفيض جميع القيود المفروضة على التجارة الدولية ، مالية كانت أم إجرائية مع التأكيد عل أنه بالنسبة لدول العالم النامي فإن الإيرادات الجمركية المحصلة ستظل تمثل مستويات مقبولة من إجمالي الإيرادات الدولية لسنوات جديدة قادمة[5].

وفي هذا المجال – أيضا – فإن مسؤوليات الإدارات الجمركية قد زادت – أيضا – لتحصيلها ضرائب المبيعات ، والتي أصبحت تطبق على نطاق دولي واسع في حوالي 120 دولة، وتشير الأرقام إلى أن إيرادات هذه النوعية من الضرائب على الواردات تمثل ما يتراوح ما بين 40-70 في المائة من إجمالي حصيلة ضرائب المبيعات لمجموعة كبيرة من الدول النامية، الأمر الذي يؤكد على أهمية الدور الذي تقوم به الإدارات الجمركية المعنية في تحصيل مختلف أنواع الرسوم، سواء أكانت تعريفة جمركية أم ضرائب مبيعات وكذا دورها في محاربة التهريب الذي يهدد هذه الإجراءات ويحرم خزينة الدولة من مداخيل مهمة.

2- التحولات الاقتصادية العالمية

من المعروف لكافة المحللين والمهتمين بشؤون الاقتصاد الدولي، أن الاقتصاد العالمي شهد في العقد الأخير من القرن العشرين مجموعة من التغيرات في البينة الاقتصادية العالمية، جعلت هذه التغيرات معظم أطراف المجتمع الدولي ومنظماته تبحث في الآثار الاقتصادية لما أطلق عليها التحولات الاقتصادية للقرن الواحد والعشرين، وأخذت تستعد بالإستراتيجيات والآليات المناسبة التي يمكن من خلالهـا التكيف مع تلك التحولات الاقتصادية في كل دولة إلى تعظيم المكاسب والإيجابيـات التي تعود على الاقتصاد الوطني وتقليل الخسائر والسلبيات إلى أقل درجة ممكنة، ويمكن رصد التحولات الاقتصادية العالمية في أربع تحولات رئيسية :

أولها : يتلخص في استبدال سكرتارية الجات بمنظمة التجارة العالمية (WTO ) لتكون أكثر فعالية في إدارة النظام التجاري الدولي.

ثانيها : اتجاه العالم إلى التكتلات الاقتصادية وتضاؤل دور الاقتصاد الوطني الواحد الذي يعمل بمفرده ليحل محله الإقليم الاقتصادي .

ثالثها :تبلور في تعميق اقتصاديات الشراكة في العلاقات الاقتصادية الدولية .

رابعها : التحول من إستراتيجية الإحلال محل الواردات إلى إستراتيجية الإنتاج من أجل التصدير، مع ملاحظة أن هذه التحولات الاقتصادية العالمية تتم في نفس الوقت الذي يحدث فيه تحرير التجارة الخارجية في معظم الدول النامية من خلال برامج الإصلاح الاقتصادي التي تنفذ.

ولعل التأمل في التحولات الاقتصادية العالمية، يشير إلى أن تلك التحولات تتجه في التحليل النهائي إلى تنشيط وتعظيم التجارة الدولية بين دول العالم خلال زيادة درجة الاعتماد المتبـادل ليكون من أهم عوامل النمو فـي الاقتصاديات المختلفة، حيث تدور التحولات جميعها حول مبدأ تحرير التجـارة الدولية، وبالتالي كسر الحدود الجمركية التي تهدف إلى حماية الاقتصاد الوطني ومحاربة كل أشكال الجريمة الاقتصادية المنظمة[6].

المبحث الثاني: العوامل المؤثرة في اتجاهات التجارة العالمية

هناك عوامل أخرى ساهمت في التأثير على اتجاهات التجارة الدولية وقد أثرت بشكل كبير على عمل الإدارة الجمركية التي فرضت عليها التأقلم ومسايرة هذه التحولات من أجل تحقيق نجاعة اكبر في حماية الاقتصاد الوطني وضمان مداخيل للخزينة العامة، ومن بين هذه المتغيرات نجد :

1- تأثير الشركات المتعددة الجنسيات على التجارة الدولية

تشكل الشركات المتعددة الجنسيات اليوم القوة المحركة في النظام الاقتصادي والسياسي الدولي الراهن، وهي ظاهرة اقتصادية مهمة في مجال العلاقات الدولية، بحيث أنها تمثل اليوم إحدى القوة المؤثرة في صنع الأحداث والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العالم المعاصر، وبالتالي أصبحت الشركات المتعددة الجنسيات تعد بمثابة الحكومة الكونية كما أضحت تلك الشركات تتحكم في موارد طبيعية هائلة وتسيطر مباشرة على أهم النشاطات الاقتصادية في كل المجتمعات في العالم ، وقد دفع تعاظم نفوذ هذه الشركات إلى خلق نوع قوي من المزج بين الوحدات الإنتاجية والمؤسسات المالية والمصرفية العالمية على الصعيد العالمي. هذا التحول اثر بشكل كبير على الإدارة الجمركية التي فرضت عليها التغيير في آليات اشتغالها.

2- طبيعة التجارة الدولية

لا زالت المبادلات بين الدول المتقدمة و الدول النامية تخضع في جزئها الكبير إلى
التقسيم الدولي للعمل الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية، بحيث تأخذ شكل عام هو مواد أولية مقابل سلع صناعية. و المواد الأولية- و لأسباب تاريخية- تمثل جزءا هاما من التجارة الدولية يصل إلى 40%في مقابل 60% للسلع الصناعية. و تؤمن الدول المتقدمة حوالي 83% من تجارة السلع الصناعية في العالم تمثل حوالي 77% من جملة صادرات هذه الدول نحو الخارج في حين أن الدول النامية لا تؤمن إلا 53% من تجارة المواد الأولية في العالم على الرغم من أنها الجزء الأضخم من صادراتها بنسبة 80%. والبترول يمثل ثلاثة أرباعها. و العرب ينتجون 30% من بترول العالم[7] . وإذا كانت الدول المتقدمة لها القدرة لمسايرة المتغيرات والتطورات الدولية في هذا المجال، فيشكل ذلكتحديا أمام الدول النامية لمسايرة وتبني إستراتيجية تهدف إلى حماية كيانها الاقتصادي والاجتماعي مما قد يلحقها مستقبلا من بينها محاربة التهريب.

هذه التحولات التي فرضها الواقع الدولي الجديد شكلت تحدي جديد أمام إدارة الجمارك في مواجهة أعمال التهريب الجمركي كخطر يهدد اقتصاديات دول عديدة، خاصة دول العالم الثالث التي مافتئت تعاني من إكراهات عديدة تمس عدة مجالات خصوصا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي تحول دون تحقيقها للاندماج في المنظومة الدولية، وإحباط الجهود المبذولة من اجل تحقيق أهداف السياسة الجمركية، بسبب عدم القدرة على إخضاع حصة مهمة من المتنوجات التي تدخل السوق المحلية للرسوم الجمركية لدخولها عن طريق التهريب، الشيء الذي يمس بالمنتجين والمستوردين الذين يشتغلون في إطار الشرعية القانونية، كما فرضت نفس التحولات على الإدارة الجمركية في جميع أنحاء العالم تغيرات تكنولوجية واقتصادية وقانونية ترمي إلى التغيير في نهج وأساليب الإدارة الداخلية واللوجستيكية للتحديث الدائم والمستمر لأنظمتها وآليات عملها من أجل الوفاء بالتزاماتها والقيام بواجباتها دون تقصير[8].

المحور الثاني: النظام الجمركي المغربي ومحاربة التهريب

إن التطورات والتحولات التي شهدتها التجارة الدولية فرضت على العمل الجمركي وجود إستراتيجية للتطوير تقوم على نظم تشريعية واضحة تحقق الشفافية والبساطة والوضوح في جميع الإجراءات، لكون عدم فعالية وضعف ومحدودية النظام الجمركي سيؤثر سلبا لا محالة على الجانب الاقتصادي نظرا للتكامل الموجود ما بين النظم الجمركية والواقع الاقتصادي للبلاد، لأن الضبط الجيد للمجال الجمركي سيمكن البلاد من تحقيق التوازن الاقتصادي.

والمغرب عمل مسبقا على سن مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة لبلوغ وتحقيق الحماية المنشودة وبلوغ الأهداف المرجوة[9]، إلا أن الملاحظ أن التشريع الجمركي تعتريه مجموعة من النقائص، والأجهزة الجمركية للاستيراد والتصدير تتسم بالمحدودية. هذه الإكراهات الخارجية التي تؤثر حتما على عمل إدارة الجمارك ولها امتدادات متعددة حيث تؤثر في التشريع الذي يؤطر وينظم العمل الجمركي والمتمثل أساسها في عدم التوازن في إعداد مدونة الجمارك لسنة ،1977 إضافة إلى تعارض النظام القانوني للجمارك مع القوانين الدولية.

المبحث الأول: محدودية النظام الجمركي في عملية الاستيراد والتصدير.

 انعدام التوازن في إعداد مدونة الجمارك لسنة 1977

كان لعدم إشراك الفاعلين الاقتصاديين المعنيون بالتدابير الجمركية، الأثر البارز على مدونة الجمارك، ذلك أن عدم الأخذ بآراء الفاعلين من خلال تجربتهم العملية والميدانية في مراجعة مدونة الجمارك سنة 2000، كانت له نتائج وخيمة، ولعل تصريحات وزير المالية[10]، في إطار الإصلاحات التي بدأتها الحكومة المغربية في محاولة منها لتحديث النصوص القانونية لكي تتماشى والمناخ الاقتصادي أكدت على أن هذه الإصلاحات جاءت لتعزيز مكافحة التهريب والمنافسة الغير مشروعة، متجاوزا بذلك عن قصد أو غير قصد الأولويات الضرورية والمتمثلة في إعداد ترسانة قانونية مهمة، تهدف إلى تسهيل العمليات الجمركية، وذلك بما يخدم مصالح الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين، وتتمثل في تقليص ساعات التخليص الجمركي وتفعيل عمليات الجمركية بمحلات الإنتاج ووضع مصلحة الفاعلين الاقتصاديين فوق كل شيء، والملاحظ أن كثرة الإجراءات المعمول بها على الحدود والوثائق الضرورية واللازمة للإجراءات تشكل عبئا ثقيلا على المستثمرين، الشيء الذي يدفعهم إلى الاستثمار في حدود تعتمد أنظمة جمركية أكثر مرونة، وباعتماد إدارة الجمارك الإجراءات المرنة سيكون ذلك في خدمة مصلحة الفاعل الاقتصادي الذي سيتمكن من ترويج بضائعه خارج الحدود بما يعزز مكانة الوطن الاقتصادية.

 تعارض النظام القانوني للجمارك مع النظم الدولية

من المتعارف عليه أن توقيع الاتفاقيات الجديدة التي مهدت للتبادل الحر ما بين المغرب والاتحاد الأوربي سنتين 1995 و 1996، تمثل مرحلة في درب إقامة منطقة تبادل حر أورو-مغاربية والتي تمثل في حد ذاتها جزءا من منطقة تبادل حر واسعة تضم الفضاء المتوسطي الذي جعل منه المغرب خيارا استراتيجيا من أجل الاندماج والتنمية الاقتصادية[11]، إلا أن الانضمام لهذا الفضاء شكل مجموعة من الرهانات همت المجال التشريعي وخلفت نوعا من التعارض بين ما هو قائم وموجود في النصوص القانونية وبين ما هو متوقع الحدوث في المستقبل، وبالتالي فالعمل التشريعي لم يواكب التطورات التي لحقت المجال الجمركي، فالوضع يعزى إلى غموض بنود الاتفاقيات بالإضافة جمود المشرع المغربي.

أ: غموض الاتفاقيات

يتسم الجو الذي صاحب عقد الاتفاقيات الجديدة الأورو-مغاربية نوع من الغموض إذ لم نقل التناقض، فالخطاب الذي صاحب المفاوضات والتوقيع الاتفاقيات مفرط التفاؤل يبشر بتجديد العلاقات الأوربية المغاربية على كل المستويات (سياسية، استراتيجية، تجارية، مالية وثقافية)، لكنه يتناقض مع واقع مرير يؤكد استمرارية نوعية العلاقة كما كانت في السابق، بحيث أن الهدف الأسمى والرئيسي للدول الأوربية هو استمرار النهج الاستعماري، بحيث أنها لا تذخر جهدا في تفعيل كل ما من شأنه أن يعزز مصالحها الاستعمارية سواء ارتبط الأمر بمعاهدات أو اتفاقيات، فالكل في خدمة مصلحتها وإن كان على حساب المصالح الاقتصادية لدول أخرى، رغم ما يمكن أن يترتب على ذلك عن تدمير لاقتصادها نتيجة لفشل الأنظمة الإستراتيجية وفشل وعجز النظم الجمركية بحيث أن هذه النتيجة تشكل غاية في حد ذاتها، ومثالا عن ذلك عدم تحيين النصوص الجمركية الواردة، في مدونة الجمارك لسنة 1977، إلا باستثناء التعديل الذي لحقها سنة 2000 وهذا الدليل الواضح على عدم استيعاب ومواكبة المشرع المغربي لما تم التوقيع عليه في الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.

ب: جمود التشريع المغربي

إن أبرز العوامل التي تبقى وراء جمود المشرع المغربي وعدم رغبته الأكيدة في تغيير نظرته اتجاه ما أصبحت تعرفه التشريعات المنظمة للمجال الجمركي في ميدان الاستيراد والتصدير، هو كون المشرع المغربي لا يقدر أن يعبر عن إرادته الحقيقية في مجال الاستيراد والتصدير والتجارة الخارجية بسبب اللوبي الاقتصادي الأوروبي، أضف إلى ذلك تطور الموقف الأوروبي بالنسبة للصادرات المغربية مطروحة وقائمة، فيما يتعلق بالموقف الأوروبي إزاء المنتوجات الفلاحية.

فالمؤشرات تدل على تعنت الأوروبيين المستمر ورفضهم تطبيق قواعد التبادل على المنتوجات الفلاحية المغربية التي ستبقى بسبب ذلك خاضعة لمختلف التقنيات عند ولوجها الأسواق الأوروبية (سعر الدخول، الحصص، التدابير الجمركية عند الحدود ساحات الجمارك، إلخ…)، ولا شك أن هذا الموقف يشكل مصدر ضرر للمصالح المغاربية، ويعرقل في نفس الوقت الوصول إلى إنجاز منطقة تبادل حر أوربية مغربية حقيقية سيمتها الأساسية هي التعاون والشراكة.

المبحث الثاني: المواكبة على مستوى إدارة الجمارك

التحولات الكبيرة التي طرأت على السياسة الجمركية بفعل العولمة الاقتصادية في ظل النظام التجاري الجديد، طرحت على الإدارة الجمركية اختيارات إستراتيجية تستجيب للتطورات التي عرفها مجال التنظيم الجمركي لضمان نجاح الإصلاحات الكبرى في إطار شمولي ونسقي يحقق تطابقا بين السياسة الجمركية والهيكلة التنظيمية[12]، ويتفق الجميع على ضرورة مواكبة إدارة الجمارك للتطورات الحاصلة على مستوى التجارة العلمية لكون المرحلة الحالية هي مرحلة التحولات الاقتصادية، ومفهوم العمل الجمركي يشهد تطورا ملحوظا موازيا للأحداث والتطورات الاقتصادية الحديثة التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، حيث لم يعد دور الإدارات والهيئات الجمركية يقتصر فقط على تحصيل الرسوم وحماية المعابر الجوية والبحرية والبرية، بل تعدى ذلك ليكون محوريا ورياديا في مجالات تنشيط وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز دور الجمارك في تعزيز الأمن الوطني من خلال مكافحة التهريب بشتى أنواعه، وللحد من التهريب يبقى رهين بالأساس إصلاح الإدارة الجمركية وبتحديث القانون الجمركي.

1- الحد من التهريب رهين بإصلاح الإدارة الجمركية

تعقد الإجراءات على مستوى مساحات القبول المؤقت للبضائع المستوردة أو المعدة للتصدير، طول الإجراءات الجمركية، كثرة وعدم وضوح القـوانين، العراقيـل البيروقراطية، استفحال الفساد والرشوة، ارتفاع معدلات الضرائب وتعقد الإجراءات البنكية، كلها مظاهر تواجه المتعاملين الاقتصاديين الراغبين في القيام بعمليات الاستيراد أو التصدير عبر القنوات الرسمية وتمثل بالنسبة لهم مصاريف إضافية، تؤدي إلى توقف البعض عن العمل بالتجارة المشروعة وتحول بعضهم الآخر إلـى العمل بالقطاع غير الرسمي عن طريق تقديم تصريحات خاطئة في الكمية، النوع التعريفي، القيمة أو المنشأ أو التوجه نهائيا إلى العمل بقطاع التهريب .
على هذا الأساس، لا يمكن الحديث عن أية إستراتيجية لمكافحة التهريب دون الاهتمام بمطلب تحسين ظروف العمل بقطاع الإدارة الجمركية، التي تقتضي مـن الدولة مراجعة سياستها الاقتصادية بشكل يحقق امتيازات للمتعاملين الناشطين بالقطاع الرسمي مقارنة بأولئك الذين يمتهنون العمل غير المشروع، كما ينبغي علـى كـل الأجهزة المهتمة بتأطير عمليات التجارة الخارجية (جمارك، تجارة، ضرائب، بنوك، مؤسسات استغلال مساحات الإيداع المؤقت وكل المتدخلين الآخرين) مسايرة هذا التوجه عن طريق تسهيل وتبسيط الإجراءات الجمركة .
وتعتبر المؤسسة الجمركية الحجر الأساس في تحقيق هذا المطلب، فهي مطالبة بأن تلعب دورا محوريا في دعم ومرافقة الاستثمارات ونشاطات المتعاملين الاقتصاديين بتسهيل الإجراءات الجمركية، عن طريق تبسيط أحكام التشريع الجمركي، وتوفير نظام معلوماتي فعال يتيح للدولة ضمان تحقيق حياد الآليات الجمركية والجبائية وتحقيق الشفافية في نشاطات التجارة الخارجية[13].

2- تطوير نظام الاتصال والمعلوميات

لقد عرف العالم في العقود الأخيرة خاصة في الألفية الثالثة ثورة هائلة في جل المجالات العلمية والتكنولوجية، والمغرب من بين الدول التي عملت على تطوير وتسريع وتحيين مردودية في أداء الخدمات الإدارية، إذ يجعل من الإدارة ضرورة تطوير نظم المعلومات المتكاملة بما فيها التنظيم والمعالجة، ونخص بالذكر استخدام الحاسوب وتكنولوجيا الاتصالات وتكنولوجيا البرمجيات[14]وعلى الإدارة الجمركية ان تنتبه إلى أهمية هذا النظام وتعمل على تقويته، وتجعل منه مبدأ مهما للتدبير سواء على مستوى التواصل الداخلي أو الخارجي[15].

3- تحديث القانون الجمركي المغربي

يقتضي تتبع ظاهرة التهريب التنبه إلى القيام بتكييف ملائم للإطار التشريعي والتنظيمي للمادة الجمركية وذلك حتى يتسنى للمقاولة المغربية الشريك الرئيسي لإدارة الجمارك في مواجهة المنافسة الخارجية والتهريب من خلال إعداد قانون يتعلق بمكافحة تهريب ومراجعة مدونة الجمارك وإعادة هيكلة القانون الجمركي.

 وضع إطار قانوني خاص بمكافحة التهريب

في ظل طبيعة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتنمية التي يشهدها المغرب، ونظرا لما يعانيه المغرب من مختلف صور وأشكال جرائم التهريب، ومن أجل تطوير سياسية وأنظمته التشريعية والقانونية في مواجهة التهريب، بات من الضروري وضع إطار قانوني يتعلق بمكافحة التهريب يهدف إلى وضع حد للظاهرة التي تعرف تصاعدا رهيبا خلال السنوات الأخيرة في المناطق الحدودية للبلاد، وذلك من أجل :

· محاربة التهريب بجميع أنواعه والجريمة المنظمة بمختلف صورها وأشكالها؛

· تبيان التدابير الإجرائية والوقائية لمكافحة التهريب؛

· إحداث قواعد خاصة في مجالي المتابعة والقمع؛

· تبيان آليات التعاون الدولي؛

· التنصيص على هيئة لمكافحة التهريب

ونتمنى أن يعكس هذا القانون طموحات مختلف المتدخلين، وأن يمهد إلى إقرار علاقات لها القدرة على مسايرة متطلبات ما بعد 2015، ويمكن من مكافحة التهريب بشكل فعلي.

 إعادة هيكلة القانون الجمركي ومراجعة مدونة الجمارك

وفي هذا الإطار، يجب تهيئ مراجعة معمقة لمدونة الجمارك وذلك بإشراك مختلف القطاعات الفاعلة في الميدان وأن يأخذ التعديل بعين الاعتبار اقتراحات مختلف الأطراف، مع اعتماد المعايير الدولية كدعامة مرجعية، حيث يجب الاعتماد في تحضير النص الذي يجب تحيينه على دراسة مختلف التشريعات الدولية الجمركية واستشارة الخبراء الأجانب، سواء على مستوى المنظمة العالمية للجمارك أو على صعيد بعض الدول التي تربطنا بها اتفاقات المساعدة التقنية، كما يجب أن تشكل الوثائق الدولية، كمعاهدة “طوكيو” دعامة مرجعية قوية.

 جلب الاستثمارات لمناطق التهريب

إن من سلبيات الحملات المرتبطة بمحاربة التهريب أنها جاءت متسرعة وغير متحكمة، فكان الأجدر الاعتماد على مرحلة انتقالية يتم فيها إفهام وتوعية الناس المشتغلين في التهريب بخطورة هذه الظاهرة وانعكاساتها السلبية على المجتمع والاقتصاد الوطني وأنه سيتم وضع حد لها، ودعوتهم إلى استثمار أموالهم في مشاريع أخرى مشروعة وتشجيع القطاع الخاص لتولي الدور الرئيسي في الإنتاج والتصدير وتحديد أولويات الاستثمار واختيار المشاريع القابلة للتمويل والتي تعود بالنفع على ساكنة التي تعيش على التهريب وتبعدهم عن تعاطي التهريب والتفكير في الهجرة السرية نحو أوربا.

فتطوير السياسة الكلية للاقتصاد للتحفيز في الإنتاج وتلافي التشريعات المعطلة وتحرير الأسعار، وترشيد الدعم وتحسين توزيع الدخل، كلها عوامل تظل لازمة لتحسين وتفعيل الأداء الاقتصادي بالإضافة إلى ذلك يجب تشجيع المستثمرين الأجانب، بإنشاء مشاريع تنموية كبرى في هذه المناطق الغارقة بالسلع الأجنبية المهربة وذلك بالقيام بحملة دعائية وإشهارية من أجل التعريف وإبراز مؤهلات المنطقة ، لكن ذلك لن يتأتى إلا بإيضاح السياسات الاقتصادية وتخفيض الضرائب … غير أن الواقع العملي يظهر أن المعوقات الإدارية من بطء في الإجراءات والأساليب، وتعقد المساطر الشكلية والبيروقراطية تنفر المستثمرين الأجانب وأيضا المواطنين القاطنين بالمهجر.

 الجودة والانفتاح على السوق العالمية

من أجل خلق رغبة لدى الفاعلين الاقتصاديين على تغيير سياساتهم التجارية وذلك من أجل الرفع من جودة منتوجاتهم المحلية وجعلها أكثر تنافسية، والسير قدما نحو عالمية السوق يستوجب سياسة الصادرات التي ترتكز أساسا على الأفضلية التنافسية وتوفير كل الدعم من طرف كل القطاعات الاقتصادية (الفلاحة، الصناعة، الخدمات)، وإدماج أكثر ما يمكن من المقاولات وخاصة الصغرى منها في عملية التصدير، حيث أن التنافسية التي ستترتب عن هذه العملية الاندماجية ستعود بالنفع على السوق المحلي الذي سيقترب شيئا من المعايير الاقتصادية والتجاربة المعمول بها عالميا، وبهذه الكيفية ستتحسن الجودة بالمقارنة مع الأثمنة سواء لصالح المستهلك المحلي أو المستهلك الأجنبي.

 تأهيل المقاولة المغربية

إن انضمام المغرب لمنظمة التجارة العالمية، هذا التحدي الذي يفرض على جميع الفاعلين والمؤسسات الرسمية، القطاع الخاص، الخبراء…، المساهمة في تأهيل المقاولة المغربية كونها القلب النابض للاقتصاد وذلك برفع تنافسيتها من خلال تحديد إستراتيجية النمو الطويل الأمد، وعلى خلق محيط يشجع المقاولات على البحث عن كيفية تحديد وتحسين فعاليتها[16] فكل الدول تساءل عن شروط فتح المواقع داخل الأسواق العالمية والمحافظة عليها، والمغرب لا يشكل استثناء من القاعدة، حيث أن التساؤل الأساسي والأسئلة المتفرعة والتي يطرحها صانعوا السياسة الصناعية في العالم تتمحور حول هذا السؤال المحوري ألا وهو كيفية رفع القدرة التنافسية للمقاولة.

 مكافحة الفساد والرشوة وتعزيز أخلاقيات المهنة

تهيئة الظروف المواتية للعمل بالقطاع الرسمي تتطلب أيضا العمل من أجـل القضاء على أوجه الفساد والرشوة التي تطبع العمليات التجارية، حيث أن الفسـاد والرشوة لا يساهمان في دعم حركات التهريب فحسب، بل يعرقلان أيضا نشاط المتعاملين الاقتصاديين الذين يرغبون في العمل المشروع وفقا لقوانين المملكة.

 ضرورة إيجاد بدائل اقتصادية للمهربين

بالنسبة للمهربين المحترفين الذين ينشطون داخل شبكات تهريب كبيرة ومنظمة، وجب على إدارة الجمارك أن تضع حدا لنشاطهم نظرا لما يلحقونه من ضرر بالاقتصاد الوطني، ثم هناك المهربين الصغار الذين يهربون السلع عن طريق مضاعفتهم للعبور عبر المنافذ الحدودية، وأخيرا هناك الموزعين الذين يقومون بنقل هذه المواد المهربة وتوزيعها في كافة التراب الوطني للحد من التهريب يجب إدماج هذه العناصر داخل النسيج الاقتصادي عن طريق مساعدتهم على خلق مقاولات صغيرة تتعلق بنقل المواد الغذائية أو إدماجهم في قطاع السياحة باعتبار أن هذه الفئة من الممتهنين الصغار لتهريب السلع يمكنها أن تندمج بسرعة في أنشطة اقتصادية شرعية، ولذلك من أجل تسهيل هذه العملية يجب أن تعمل إدارة الجمارك بتنسيق مع وكالات تنمية أقاليم الشمال والجنوب والشرق إضافة إلى المنظمات غير الحكومية على حصر عدد المهربين، وإيجاد فرص عمل لهم داخل النسيج الاقتصادي الوطني.

 إلزامية القيام بإصلاحات قانونية

إن المنطلق الذي جعلنا نفكر، في القيام بإصلاحات قانونية هو تواطؤ وتخاذل مختلف المسؤولين في أجهزة الدولة وإدارتها، سواء، محليا ووطنيا في دعم أكبر شبكات التهريب، خصوصا في السنوات الأخيرة، وما قضية “الرماش” الشهيرة[17] إلا دليلا على ذلك، حيث تواطؤ عدد كبير من رجال السلطة سواء المدنية أو العسكرية، قضاة وأعوان … والإصلاحات الدستورية الأخيرة وربطها للمسؤولية بالمحاسبة تعتبر شقا أساسيا، لانطلاق أي حملات تتصف بالشمولية والفعالية، حتى تعد الظروف الملائمة والمناسبة للقيام بدولة الحق والقانون بصحيح العبارة، وبكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. لذا نرى أن مسألة التزييل للمقتضيات دستورية أمر ضروري ومستعجل حتى تهيئ الأرضية الصالحة لمحاربة ظاهرة التهريب الجمركي.

 إعادة رسم استراتيجية التفاوض ما بين المغرب والاتحاد الأوروبي

الجمود الذي يشمل الاتفاقيات الثنائية التي تجمع المغرب والاتحاد الأوربي من المتوقع أن لن لهذه للاتفاقيات المقبلة ما بين المغرب والاتحاد الأوربي أي نتائج مخالفة ذلك أن الصادرات المغربية

 إعادة فتح ملف التفاوضي مع اسبانيا حول استرجاع سبتة ومليلية،

وذلك بنهج الدبلوماسية الواقعية كما هو معروف ومتعارف عليه، مرور زمن طويل على احتلال مدينتي سبتة ومليلية من طرف اسبانيا، وقد حان الوقت لتكثيف الجهود والتحاور من أجل استرجاع هاتين المدينتين المسلوبتين، وقد جعلنا هذه النقطة بالذات من بين الحلول السياسية، باعتبار سبتة ومليلية تستعملان كمعبر لإدخال السلع المهربة بطرق غير قانونية إلى المغرب، بل يعتبران بوابتين أساسيتين لدخول السلع المهربة بنسبة تصل إلى 95%.

الإدارة والقضاء

إن اشتغال الإدارة على المستوى الداخلي يطبعه البطء الشديد ولا يتلاءم مع العالم المتحول، وقد ساعد هذا الوضع على استفحال ظاهرة الرشوة، والشطط في استعمال السلطة بالنسبة لمسؤولي الدولة، وقد اعترف المستثمرون سواء المغاربة أو الأجانب بهذا السلوك وأقره خبراء البنك الدولي وهذه الآفات الخطيرة تضر لا محالة بمسار التنمية، ومن ثم تضعف من قدرة الدولة في القيام بوظائفها بشكل ناجع أو بتوزيعها للخدمات العمومية بشكل عادل[18]

كما يبقى القضاء بالمغرب إلى جانب الإدارة من معوقات التنمية كذلك فالنظام القضائي المغربي تعتريه العديد من المشاكل وتنقصه النزاهة والشفافية ويضاف إلى ذلك ضعف التكوين التخصصي للقضاة وما الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان إلا دليل على ذلك، ، فلا يعقل إسناد أمور تحتاج من الحنكة والتجربة باعا طويلا إلى أناس لهم تكوين بضع سنوات في مهمة القضاء، خصوصا إمام حجم الملفات المتعلقة بالتهريب، أضف إلى ذلك كله، بطء في مساطر البث داخل المحاكم وعدم فعالية عمل قضاة التنفيذ في الميادين المدنية والجنائية، مما تضيع معه مصالح الأفراد والجماعات.

خاتمة

في إطار الحديث عن مسعى تحرير دواليب التجارة الخارجية الذي تفرضه العولمة، يتبين أنأي إجراء لإزالة القيود المفروضة على حركة البضائع ورؤوس الأموال بين أقاليم الدول من شأنه أن يساهم في تدعيم النشاطات التجارية المشروعة وامتصاص حركات التهريب. غير أن إزالة هذه القيود يجب أن تتخذ في إطار تكتلات اقتصادية إقليمية تحكمها قواعد مشتركة للتكامل التجاري وإجراءاتمتناسقة في كل ما يتعلق بالتجارة الخارجية والمتمثلة في التخفيض التدريجي للرسوم الجمركية و تخفيض الحواجز و القيود التعريفية لتصبح هذه الرسوم و التعريفات أدوات فعالة لتشجيع التبادل التجاري الدولي و ليس عائقا أو قيدا على التجارة الدولية. وإزالة القيود الكمية المباشرة بإلغاء نظام الحصص و إلغاء و حظر إجراءات الحمائية الجديدة والتقنية التي كانت تطبقها الدول الصناعية الكبرى لحماية أسواقها.
كما يجب الانتباه إلى تنامي و تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات والتكتلات الاقتصادية العملاقة والعابرة للإقليم و تأثيراتها على اتجاهات التجارة الدولية و الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما لها من قدرة على احتكار الأسواق و التكنولوجية الحديثة و المهارات الفنية والإدارية والكفاءات العالية والمتخصصة وتوجيه التجارة و الاستثمارات للمناطق التي تحقق لها مزايا تنافسية.

هذه التحولات تفرض على إدارة الجمارك تحديث مختلف مرافقها الإدارية وكذا مساهمتها في تحديث السياسة الجمركية ككل، بشكل يتلاءم مع الدور الجديد الذي أصبحت تلعبه الجمارك في عهد التبادل الحر وتحرير الحدود وإلغاء التعريفة الجمركي.
في هذا السياق، فإن المملكة مطالبة بالبحث عن فرص الشراكة التي تسمح لها بدعم الاستثمارات ودفع الاقتصاد الوطني إلى الأمام وتحقيق التنمية المستدامة، علما أن موقعها الاستراتيجي يضمن لها فرصا للاستثمارات من شأنها المساهمة في اندماجها ليس فقط مع الاتحاد الأوربي أو مع دول المنطقة العربية للتبادل الحر، بل أيضا داخل الفضاء الإفريقي والمغاربي وفي إطار تعاون جنوب جنوب.
وتتفق معظم الدراسات على أن بناء المغرب العربي كوحدة إقليمية يعتبر خيارا استراتيجيا بالنسبة لشعوب المنطقة، حيث أن تسهيل التجارة عبر الفضاء المغاربي سيساهم في بعث المزيد من فرص الشغل وتقوية القيمة المضافة للمنتوج المغاربي وتعزيز قدراته التنافسية والمساهمة في جلب المزيد من الاستثمارات، ويمكن القول بأن أي مسعى في هذا الاتجاه أو على الأقل إقرار فتح الحدود بين الشقيقتين الجزائر والمغرب، من شأنه أن يدعم المبادلات التجارية المشروعة ويمتص نشاطات التهريب.

المراجع
·
عبد الرحيم الطويل، البيان الاقتصادي، تباين الأنظمة الجمركية أبرز تحديات التجارة العالمية، 18 ابريل 2013.
· ولعلو فتح الله: تحديات عولمة الاقتصاد والتكنولوجيا في الدول العربية، ضمن عولمة الاقتصاد والاندماج الجهوي وإعادة الهيكلة بالمغرب العربي، اتحاد المغرب العربي للاقتصاديين، الدار البيضاء، 1997، ص: 42
· غالي عبد الكريم: في القانون الاجتماعي المغربي، دار القلم، الرباط الطبعة الثالثة، 2005، ص: 405
· حشماوي محمد: الاتجاهات الجديدة للتجارة الدولية في ظل العولمة الاقتصادية، أطروحة لنيل دكتوراه دولة في العلوم الاقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة الجزائر 2006.

· مجموعة خبراء، تطوير الأداء الجمركى واتفاقيات منظمة التجارة العالمية أمثلة عربية مختارة،المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 2006.

· أوسرير منور : مستقبل المناطق الحرة في ظل المعطيات الاقتصادية العالمية، الملتقى الوطني الأول حول “المؤسسة الاقتصادية الجزائرية و تحديات المناخ الاقتصادي الجديد” 22/23 أبريل 2003

· إدمون جوف: العلاقات الدولية، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر، 1993، ص 464.

· عبد الرحيم الطويل، البيان الاقتصادي، تباين الأنظمة الجمركية أبرز تحديات التجارة العالمية، 18 ابريل 2013.http://www.albayan.ae ;

· أحمد برواحة: إدارة الجمارك بين حماية المستهلك وحماية الاقتصاد الوطني، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص وحدة قانون الأعمال والمقاولات كلية الحقوق طنجة يوليوز2010ص 73

· .

· كلمة وزير الصناعة والتجارة والاستثمارات والاقتصاد الرقمي مولاي حفيظ العلمي في المنتدى الاقتصادي الثالث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنظم في إطار الدورة السابعة للأسبوع الاقتصادي المتوسطي الذي احتضنته مرسيليا من سادس إلى تاسع نونبر 2014

· يحي الهامل: ملائمة تنظيم البنيات المركزية لإدارة الجمارك المغربية مع العوامل السياقية الجديدة جريدة المساء عدد 2404 بتاريخ 25 يوليوز 2014.

· فيصل زوهار: الحوار المتمدن- المحور: تقنية المعلمومات و الكومبيوتر العدد: 2218 تاريخ 12 مارس 2008.

· الحمداني بحير فاطمة، السياسة الجمركية المغربية وإشكالية المبادلات التجارية الدولية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2006. ص 505

· القانونين المالين للسنتين الماليتين: 2009/2010

· MOUHOUBI Salah, L’Algérie à l’épreuve des réformes économiques, OPU, Alger, 1998, p. 70.

[1] – عبد الرحيم الطويل، البيان الاقتصادي، تباين الأنظمة الجمركية أبرز تحديات التجارة العالمية، 18 ابريل 2013.
[2]- ولعلو فتح الله: تحديات عولمة الاقتصاد والتكنولوجيا في الدول العربية، ضمن عولمة الاقتصاد والاندماج الجهوي وإعادة الهيكلة بالمغرب العربي، اتحاد المغرب العربي للاقتصاديين، الدار البيضاء، 1997، ص: 42
[3] – غالي عبد الكريم: في القانون الاجتماعي المغربي، دار القلم، الرباط الطبعة الثالثة، 2005، ص: 405
4- حشماوي محمد: الاتجاهات الجديدة للتجارة الدولية في ظل العولمة الاقتصادية، أطروحة لنيل دكتوراه دولة في العلوم الاقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة الجزائر 2006.

[5] – مجموعة خبراء، تطوير الأداء الجمركى واتفاقيات منظمة التجارة العالمية أمثلة عربية مختارة، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 2006.

[6] – أوسرير منور : مستقبل المناطق الحرة في ظل المعطيات الاقتصادية العالمية، الملتقى الوطني الأول حول “المؤسسة الاقتصادية الجزائرية و تحديات المناخ الاقتصادي الجديد” 22/23 أبريل 2003

[7] – إدمون جوف: العلاقات الدولية، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر، 1993، ص 464.

[8] – عبد الرحيم الطويل، البيان الاقتصادي، تباين الأنظمة الجمركية أبرز تحديات التجارة العالمية، 18 ابريل 2013.http://www.albayan.ae ;

[9] – أحمد برواحة: إدارة الجمارك بين حماية المستهلك وحماية الاقتصاد الوطني، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص وحدة قانون الأعمال والمقاولات كلية الحقوق طنجة يوليوز2010ص 73

[10] -Faites notamment lors de la clôture du conseil de l’OUD qu’était tenu à Marrakech et d’après le matin du 27-6-1998.

[11] – كلمة وزير الصناعة والتجارة والاستثمارات والاقتصاد الرقمي مولاي حفيظ العلمي في المنتدى الاقتصادي الثالث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنظم في إطار الدورة السابعة للأسبوع الاقتصادي المتوسطي الذي احتضنته مرسيليا من سادس إلى تاسع نونبر 2014

[12] – يحي الهامل: ملائمة تنظيم البنيات المركزية لإدارة الجمارك المغربية مع العوامل السياقية الجديدة جريدة المساء عدد 2404 بتاريخ 25 يوليوز 2014.

[13] – MOUHOUBI Salah, L’Algérie à l’épreuve des réformes économiques, OPU, Alger, 1998, p. 70.
[14] – فيصل زوهار: الحوار المتمدن- المحور: تقنية المعلمومات و الكومبيوتر العدد: 2218 تاريخ 12 مارس 2008.

[15] – فاطمة الحمدان: “السياسة الجمركية…” مرجع سابق ص 505.

[16] – دراسة للوكالة الفرنسية للتنمية حول سياسة تأهيل المقاولة، جريدة الأحداث المغربية بتاريخ 19 نونبر 2007، العدد 1670 صفحة التقارير.

[17] – بالرغم من اختلاف قضية “الرماش” التي تتمحور حول تهريب المخدرات بين الأباطرة والمافيا وموضوعنا التهريب الجمركي لزم الأخذ بالعبرة وبأهم استنتاجات حول تواطؤ رجال السلطة وقضاة من خلال هذه القضية.

[18] – انظر القانون المالي للسنتين الماليتين: 2009/2010