ان التطور العلمي اصاب مرافق الحياة كافة وقد كان للطب نصيب كبير من هذا التطور ، فالعلم قد وضع في متناول الاطباء الكثير من الاجهزة الطبية والالات الجراحية لتستخدم في التشخيص او العلاج او في اجراء العمليات الجراحية ، وليس من المستبعد او الغريب ان يلحق استخدام هذه الادوات ضرراً بالمريض ، ومن هنا فأن علينا ان نحدد مسؤولية الطبيب عن هذه الاشياء المستخدمة ، ونوع هذه المسؤولية ، وعما اذا كانت تخضع للقواعد العامة ايضا فتكون مسؤوليته ببذل عناية او مسؤولية بتحقيق نتيجة. يلزم ان نفرق بين حالتين ،

حالة غياب عقد العلاج الطبي بين الطبيب والمريض ، كأن يتدخل الطبيب من تلقاء نفسه لاسعاف او لانقاذ شخص فقد الوعي نتيجة حادث او كأن يكون الطبيب احد العاملين في المؤسسات الطبية او المستشفيات الحكومية فيتولى معالجة المريض على غير ما علاقة بينهما ، فهنا تكون مسؤولية الطبيب عن الاشياء المستعملة في عمله الطبي مسؤولية تقصيرية(1).

اما الحالة الاخرى وهي حالة وجود عقد طبي بين الطبيب والمريض ، فهنا نرجع الى اصل التزام الطبيب في المسؤولية العقدية وهو التزام ببذل عناية ، ولكن ذلك لا يسعفنا في المسؤولية عن الاشياء وذلك لان عبء الاثبات سيقع على عاتق المريض فيتعين عليه اقامة الدليل على خطأ الطبيب او عدم قيامه ببذل العناية المطلوبة ، اما اذا اخفق المريض في اثبات ادعائه فانه سيفقد حقه في التعويض ،ولكن القضاء مع ذلك قد اخذ ، فيما يبدو ، بالميل نحو اتجاه اخر هو النظر الى التزام الطبيب على انه التزام بتحقيق نتيجة ، وقـد بـان ذلك فـي حكـم اصدرتـه محكمـة النقض الفرنسيـة فـي دعـوى التعويض اذ حكمـت بـه لصالـح المريض نظـرا لمـا اصابـه من ضرر بسبب استخدام اشعة اكس في العلاج ، وقد اقامت هذه المحكمة حكمها بالتعويض على اساس خطأ مفترض في استخدام جهاز الاشعة يمثل اخلالاً بالتزام السلامة(2).ويترتب على هذا الاتجاه ان الطبيب لا يستطيع الافلات من المسؤولية الا اذا اثبت السبب الاجنبي سواء كان قوة قاهرة او حادثا فجائيا او كان خطأ المريض(3).

والحقيقة ان القضاء الفرنسي قد رسم تفرقه جديدة بين الاضرار الناشئة عن العمل الطبي وهي اضرار فنية مرتبطة بالعلوم الطبية ، وبين الاضرار المستقلة عن المرض ، وهي التي ترجـع غالبـا الـى عيـوب فـي الالات والاشياء المستخدمة في العلاج (4). فأذا كانت الاخطاء فنية ومرتبطة بالعلوم الطبية فانها تخضع للقواعد العامة ويبقى التزام الطبيب فيها التزاما ببذل عناية ، اما في الحالة الثانية فيكون التزام الطبيب فيها التزاماً بتحقيق نتيجة ، ويسأل عن الاشياء المستخدمة ما لم يثبت السبب الاجنبي ، فمثلا اذا اصيب المريض بضرر ناجم عن الشيء الذي استخدمه الطبيب ، فاذا اقتضت حراسة الشيء عناية خاصة فلا يكلف المريض باثبات خطأ الطبيب بل يتحول التزام الطبيب الى التزام بتحقيق نتيجة وهي سلامة المريض من الاشياء التي يستعملها وتنهض مسؤوليته ويكون حكمها تعويض الضرر ، فاذا انفجر جهاز التخدير ونجم عنه ضرر اصاب المريض فهنا لا يكلف المريض باثبات خطأ الطبيب ،ولا يستطيع الطبيب الافلات من المسؤولية الا باثبات السبب الاجنبي (5).

ويتحصل لدينا من ذلك ان التزام الطبيب بضمان سلامة المريض يكون في جميع الاحوال التي تستخدم فيها الادوات الطبيبة فاذا كان الضرر الناشئ بسبب عيب موجود في الاجهزة الطبية لا يمت الى المريض بصلة فهنا يكون التزام الطبيب التزاما بتحقيق نتيجة وذلك لان من واجبه ان يستعمل اجهزة سليمة في معالجة المريض ، وكذلك اذا كانت الاضرار التي لحقت المريض قد نتجت عن استخدام الاجهزة الطبية وارتبطت بالعمل الطبي ، فهنا يكون الالتزام الاصلي التزاما ببذل عناية كما يظهر الى جانب ذلك الالتزام بالسلامة أي التزام بتحقيق نتيجة هي عدم الحاق الضرر بالمريض عن طريق الالات الجراحية المستعملة (6).

_______________________________

– تحكمها المادة 231 مدني –عراقي وتقابلها المادة 178 مدني مصري والمادة 1384 مدني –فرنسي.

2- محكمة روان –4يوليو 1966 في الاسبوع القانوني –1967 –15272 وتعليق الاستاذ سلفانيا –

نقلا عن د. حمدي عبد الرحمن – المرجع السابق – ص14 .

3- د. حمدي عبد الرحمن – المرجع السابق – ص14.

4- د. محمود جمال الدين زكي –مشكلات المسؤولية المدنية –المرجع السابق –ص385 وما بعدها.

5- د. محمد علي عمران –الالتزام بضمان السلامة وتطبيقاته في بعض العقود –المرجع السابق –ص100.

6- د.محمود التلتي –النظرية العامة للالتزام بضمان سلامة الاشخاص –المرجع السابق –ص328.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .