التعامل عن طريق التعــــديل في مظهر الجسم الجراحة التجميلية نموذجا

الأستاذ مسعودي كريم

باحث في قسم الدكتوراه

جامعة سعيدة

الجزائر

مقدمة:

يمتد التعامل القانوني في جسم الإنسان ليشمل أنواع أخرى و هو التعامل عن طريق التعديل في مظهر الجسم وذلك من خلال العمليات التحسينية و التجميلية و عملية تغيير الجنس،ومن هنا نطرح التساؤل ماهو النظام القانوني الذي يحكم هذا المبدأ؟للإجابة على هذا الطرح سيتم التطرق في هذا المقال العلمي وذلك من خلال العمليات التحسينية و التجميلية و عمليات تغيير الجنس.

أولا:العمليات التحسينية و التجميلية

إن استخدام التقنيات الجراحية في إصلاح العيوب الجسمانية،لا يعتبر من الممارسات الطبية الحديثة،حيث إن هذا النوع من العمليات يرجع إلى الهند القديمة فلقد مارس الهنود منذ أكثر من 2700 عام عمليات ترقيع الجلد،وإصلاح الأنف و الأذن المقطوعة،بالإضافة إلى علاج و إصلاح التشوهات التي تحدث نتيجة للحروق أو الحروب أو الأمراض(1).

ومن الهنود إلى الأوروبيين حيث قاموا بالكثير من عمليات التجميل في القرن السابع عشر،وعلى امتداد القرون حدث تطور في الإجراءات المتبعة،ومن تم أصبحت الأنواع الجديدة من تلك العمليات جزءا من رصيد المعرفة السابقة.وخلال الحرب العملية الأولى،حدث قدر كبير من هذا التطور في هذا المجال،وذلك عندما أنشئ الجيش الأمريكي قسما خاصا لجراحات التجميلية لعلاج حالات التشوه الناتجة عن إصابة المعارك(2).

وعمليات التجميل تلك تعتبر من أكثر الممارسات الطبية إثارة للجدل،خاصة بعد انتشارها في الآونة الأخيرة،ولقد آن الأوان لبحث مسألة مشروعيتها،وذلك من خلال التحقق من توافر عنصر قصد العلاج فيها.

1_ المقصود بعمليات التجميل:

يمكن تعريف المقصود بجراحة التجميل بأنها:”ذلك النوع من الجراحة الذي لا يقصد به شفاء علة من العلل،و إنما إصلاح عيب خلقي أو مكتسب،قد لا يؤثر على صحة الجسم من الناحية العضوية،ولكنه يؤثر في القيم الشخصية و الاجتماعية للفرد(3).

أما عن أنواعها فعمليات جراحة التجميل تنقسم إلى نوعين،الأول ويطلق عليه جراحات التجميل الترميمية،وتهدف أساسا إلى علاج العيوب الخلقية التي يولد بها الإنسان،كأن يولد شخص و به تشوه في وجهه،أو اعوجاج في أحد ساقيه،أو يديه،ومن أشهر صور هذا النوع إعادة تشكيل الأنف،جراحة الجفون،تجميل الدقن،جراحة الأذنين،زرع الشعر،جراحة الثدي التجميلية(4).

أما النوع الثاني من أنواع جراحة التجميل فيطلق عليها اسم جراحة تجميل تقويمية،ومن خلالها يقوم جراح التجميل بتقويم العيوب الناجمة عن تقدم السن،وهذه هي جراحة التجميل بالمعنى الدقيق.

ثانيا:_ مدى مشروعية عمليات التجميل:

من المتفق عليه قانونا أن أي مساس بجسم الإنسان يحظره القانون،إلا هذا المساس قد أبيح استثناءا و ذلك وفقا لظروف و شروط معينة و هذا ما نظمته قوانين ممارسة مهنة الطب،حيث أباحت لطبيب المجاز علميا أن يقوم بإجراء التدخل الجراحي على الشخص المريض و ذلك بقصد علاجه،ومن تم لا يساؤل الطبيب عن المخاطر التي قد تنتج من هذا التدخل الطبي،مادام متبعا لقواعد و الأصول العلمية و الفنية في الطب،و أساس عدم مسؤوليته يرجع إلى استعمال الحق المقرر له بمقتضى القانون،واستعمال هذا الحق يعتبر سببا ما أسباب الإباحة.

وهذا يعني أنه يشترط لتوافر سبب الإباحة أن يكون الغرض من أي تدخل طبي أو جراحي يقع على جسم الإنسان هو علاج شخص المريض(5)وذلك بتخليصه من الآلام التي يكابدها و يعاني منها،أو بالتخفيف منها،او حتى بالوقاية من الأمراض و الكشف عن أسبابها(6).

ثالثا:الضوابط القانونية لتنظيم عمليات التجميل:

من منطلق ما سبق،رأينا كيف دخل جسم الإنسان في مجال التعامل القانوني من خلال عمليات التجميل،ولاحظنا كيف كانت النظرة القانونية المتشددة في بادئ المر في تلك العمليات،تم تدرج ذلك الموقف لإلى أن وصل أخيرا إلى مرحلة الإباحة و الاعتراف بضرورة تقرير مشروعيتها،نظرا لما لهذا النوع من الجراحة من دور مهم في إنقاذ العديد من أثار نفسية سيئة كادت أن تأثر بالسلب على حياتهم الشخصية و العملية،فتأتي تلك العمليات لتعيد إلى نفوسهم الثقة و الأمل في إمكانية اندماجهم في المجتمع مرة أخرى،وذلك من خلال استعدادهم للانخراط في الحياة العملية أو إيجاد فرصة الارتباط بشركاء جدد لحياتهم بعد أن كانوا شبه منبوذين في مجتمعاتهم،وعليه،إذا كان مبدأ مشروعية عمليات التجميل قد استقر،فانه يلزم لاستخدام هذه المشروعية توافر ضوابط معينة لممارسة هذا النوع من العمليات،وهي كالآتي(7):

1_ ضرورة الإلتزام بتبصير المريض:

مما لا شك فيه أن التزام الطبيب بتبصير مريضه،يتحدد نطاقه على ضوء طبيعة العمل الطبي،وبحسب كل حالة على حدى،وبالتالي نستطيع أن نضع قاعدة بخصوص هذا الأمر،فنقول أنه كلما كان العلاج عاجلا و ضروريا،فإن نطاق واجب التبصير الملقى على عاتق الطبيب يصبح ضيقا،أما إذا لم يكن الهدف من التدخل الطبي أو الجراحي تحسين حالة المريض الصحية بصفة عامة فإن المعاملة تكون أشد(8)،وفي صدد جراحة التجميل نلاحظ ان التدخل أصلا لم يكن مستعجلا،ومن تم يقع على جراح التجميل الالتزام بتبصير مريضه بطبيعة العملية الجراحية التي من المزمع إجرائها عليه لإزالة العيب الأصلي أو التشوه الطارئ الذي يعاني منه،كما يقع عليه التزام بتبصيره بالمخاطر العادية و المحتملة على نوع دقيق جدا،بحيث يتعين عليه اطلاع مريضه بالمضاعفات التي يمكن أن تنتج عنها هذه الجراحة سواء ظهرت أثناء هذه العملية أو بعد الانتهاء منها،وهما كانت نادرة الحدوث(9).

2_ ضرورة الحصول على رضا المريض المستنير:

إن التزام الطبيب بتبصير المريض بطريقة صحيحة تسمح لهذا الأخير بتقديم موافقته الحرة و المستنيرة لكل مراحل العلاج المقدمة إليه.

و إذا كان الحصول على رضا المريض يعتبر من المبادئ المستقرة في عالم الطب،بحيث يتعين على الطبيب قبل إجراء التدخل الجراحي الحصول على الرضا الحر المستنير من مريضه،إلا أنه في مجال جراحة التجميل يأخذ هذا الرضا طابع خاص،فطالما لا توجد ضرورة أو استعجال فيجب أن يصدر هذا الرضا بعد تروي و تفكير.

ولقد اتجه القضاء الفرنسي في العديد من أحكامه إلى التشدد في تطبيق مقتضى التزام الطبيب للحصول على الرضا المتبصر للمريض في عمليات التجميل،وهو في سبيل ذلك يفرض على الطبيب الإفصاح الكامل و الدقيق،-حتى عن الأخطار النادرة- لكي يتمكن المريض من تكوين صورة كاملة عن وضعه الصحي و ما سيؤول إليه،ومن تم يمكن اتخاذ قراره و هو على بينة و علم (10).

3_ ضرورة ترجيح الفوائد المتوقعة من عمليات التجميل على المخاطر الناتجة عنها:

اشتراط وجود تناسب بين مخاطر العلاج و بين الفوائد التي سوف تعود على الشخص من وراء جراحة التجميل،يرجع سببه إلى تلك النظرة المتشددة التي كان ينظر إليها كل من الفقه و القضاء لعمليات التجميل،وذلك باعتبارها تهدف إلى إصلاح عيب أو عاهة جسمانية،وليس الشفاء من مرض،وتطبيقا لذلك حرصت معظم القوانين المنظمة لهذا النوع من الجراحة على التشديد على الأطباء المتخصصين في مجال التجميل أن يمتنعوا عن أي تقويم أو تعديل جمالي في كل مرة تكون فيها حياة الشخص أو صحته أو سلامة جسمه في خطر ،حتى ولو طلب المريض ذلك(11).

ونعتقد بأنه لعمل الموازنة المطلوبة،أن نفرق بين جراحات التجميل الترميمية التي تعالج عيوب في جسد المريض،سواء كانت ناتجة عن سبب خلقي أو بسبب حادثة كالحريق مثلا،ففي هذا النوع يتوافر الغرض العلاجي بوضوح،أما جراحات التجميل التقويمية فهي بلا شك لا يتوافر فيها الغرض العلاجي،لأنها لا تعالج المريض بقدر ما تعدل في مواصفاته الشكلية،وبالتالي فهي و إن تتوافر فيها شرط الرضا،فإنها تبقى غير مشروعة،خاصة إذا ما كان الخطر المحتمل أن ينتج عنها يفوق الفائدة المتوقعة(12)،ولا شك أن هذا الأمر متروك لتقدير و فطنة الطبيب و خبرته،وعليه يجب على الطبيب- قبل اتخاذه لقرار إجراء هذه الجراحة- ان يجري موازنة بين مخاطر العيب الشكلي و مخاطر تلك الجراحة التي سوف تجرى لإزالته،فاذا كانت المخاطر التي تنتج عن الجراحة تفوق مخاطر العيب الشكلي الذي يعاني منه المريض و كان سبب في لجوئه لطبيب ليزيله عنه،فالطبيب يكون مسئولا حينئذ عما ينتج من مضاعفات لتك الجراحة و التي كان من الممكن أن يتجنبها المريض لولم يقدم على هذه الجراحة(13).

الخاتمة:

إن تأصيل الحقوق الملازمة لصفة الإنسان ضرورة قانونية و اجتماعية،وذلك على اعتبار أن حماية الشخصية الإنسانية مطلب إنساني لا يرتبط بأمة دون أخرى أو بزمن دون زمن،وإلا وصم القانون بالتقصير غير المغتفر،كونه لم يؤدي دوره الأساسي و غايته التي يسعى إلى تحقيقها،وهي ضمان سعادة و استقرار الأفراد في المجتمع،وتجدر الإشارة إلى أن فكرة إقامة نظرية عامة في التعامل في جسم الإنسان يقف في منزلة متميزة عن الحقوق الشخصية و الحقوق العينية،وبالتالي يجب أن تكون هذه النظرية بمثابة النظرية العامة التي تشبه النظرية العامة للعقد.

قائمة المراجع:

محمد علي البار،الموقف الفقهي و الأخلاقي من قضية زرع الأعضاء،دار القلم،دمشق،الطبعة الأولى،1994،ص.115.
حبيبة سيف سالم راشد الشامسي،النظام القانوني لحماية جسم الإنسان،مطبوعات جامعة الإمارات العربية المتحدة،طبعة اولى،2006،الإمارات العربية المتحدة،ص.147.
Martigues)lous( ; “droit a la chirurgie esthétique ,la vie medicale,No25,paris,1929,p289 .
محمد بن محمد المختار بن أحمد فريد الجكني الشنقيطي،أحكام الجراحة الطبية و الآثار المترتبة عليها،الشارقة،مكتبة الصحابة،طبعة 1994،ً.191.
جودت حسين جهاد،قانون العقوبات الإتحادي،القسم الخاص،جرائم الاعتداء على الأشخاص،الجزء الأول،كلية شرطة دبي،طبعة ثانية،1998،ص.49.
حسام الدين كامل الأهواني،المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع الأعضاء البشرية، مجلة العلوم القانونية و الاقتصادية،العدد الأول،1975،دون مكان النشر،ص.26.
حبيبة سيف سالم راشد الشامسي،المرجع السابق،ص.158.
Dupont mark ;et. al. ;droit hospitalier,dalloz,1997,p.299.
حبيبة سيف سالم راشد الشامسي،المرجع السابق،ص.160.
حمدي عبد الرحمان،معصومية الجسد، مجلة العلوم القانونية و الإقتصادية،العدد الأول،1980دون دار النشر،دون مكان النشر،،ص.101.
محمد السعيد رشدى، الجوانب القانونية و الشرعية لجراحة التجميل –دراسة مقارنة-،دون دار النشر،1987-1990،دون مكان النشر،ص.62.
حسن زكي الأبراشي،مسؤولية الأطباء و الجراحين المدنية في التشريع المصري و القانون المقارن،رسالة دكتوراه ،كلية الحقوق،جامعة القاهرة،1950،ص.301.
مجدي حسن خليل،مدى فعالية رضا المريض في العقد الطبي،دار النهضة العربية،القاهرة،2000،ص.104.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت