حجية القرائن في القضاء
يوسف الفراج
يمتاز الفقه الحنبلي بتوسعه في أحكام الإثبات – في الجملة- بالنسبة إلى باقي المذاهب الفقهية, وقد زاد هذا التوسع في فقه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث أخذ – رحمه الله – القواعد والأحكام المحققة للعدالة من المذاهب الأخرى ولم يقتصر على مذهبه الأصلي – الحنبلي-, ولأنه العالم الأكثر تأثيرا في المذهب الحنبلي فقد انعكست أقواله وترجيحاته على من جاء بعده من العلماء الحنابلة وبالتحديد في فقه وقضاء المملكة لأسباب منهجية,

منها: الاشتراك في المذهب, وقوة حججه المستندة إلى النصوص الشرعية من كتاب وسنة, ولكونه السد المنيع لهجمات المخالفين في العقيدة السلفية والتي تأسست عليها المملكة , فاحتاج علماؤها لتراثه العقدي في منازلة المخالفين لهم في العقيدة ,

فامتد هذا التتلمذ والتأثر إلى المسائل الفقهية, إضافة إلى ما تقتضيه طبيعة التطور من احتياج الفقهاء إلى الأقوال التي تحقق مصالح الناس وتلبي احتياجاتهم بما لا يؤثر في الثوابت , وبالتأكيد فإن حجج ابن تيمية واستنباطاته واستطراداته كافية في إقناع الفقهاء بذلك, وتدليلا على ما سبق فإن القضاء الجنائي في المملكة متأثر كثيرا بفقهه – وهو بدوره متأثر بالمذهب المالكي- , كما في قضايا التعزير وعدده, وقضايا التُهم, ومسألة الغيلة والحرابة وغيرها .

وفي أحكام الإثبات – وهو ما بدأنا به المقال – فإن القضاء في المملكة يأخذ بالقرائن كوسيلة من وسائل الإثبات بتوسع تأثرا بمدرسة شيخ الإسلام , مع ملاحظة أنه قد يحكم بمجرد القرينة , وفي أغلب الأحيان لا يحكم بها وإنما يجعلها مرجحا لقول أحد الطرفين ولهذا فإن مما اشتهر من تسبيبات القضاة لأحكامهم تعبيرهم بـ «إن اليمين تشرع في جانب أقوى المتداعيين».

وقد ورد تنظيم جانب من أحكام الإثبات بالقرائن في نظام المرافعات الشرعية, ومما ورد فيه أنه «يجوز للقاضي أن يستنتج قرينة أو أكثر من وقائع الدعوى أو مناقشة الخصوم أو الشهود لتكون مستنداً لحكمه أو ليكمل بها دليلاً ناقصاً ثبت لديه ليكوّن بهما معاً اقتناعه بثبوت الحق لإصدار الحكم», و»أن لكل من الخصوم أن يثبت ما يخالف القرينة التي استنتجها القاضي وحينئذ تفقد القرينة قيمتها في الإثبات».

ويفرق القانونيون بين نوعين من القرائن, فهناك القرائن القضائية وهي ما سبقت الإشارة إليها والتي يستنبطها القاضي بنفسه من الوقائع أو إفادات الخصوم أو الشهود, وقرائن قانونية وهي التي ينص عليها القانون, ومن أمثلة ذلك ما ورد في المادة 157 من نظام المرافعات: أن حيازة المنقول قرينة بسيطة على ملكية الحائز له عند المنازعة في الملكية ويجوز للخصم إثبات العكس.

ومن القرائن القضائية في القضايا العقارية: وضع اليد على العقار, والتصرف في العقار مع مشاهدة الغير لهذا التصرف والسكوت عنه .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت