إنهاء القضايا: في مرحلة ما قبل الترافع
يوسف الفراج

كنت من ضمن الوفود القضائية التي زارت كلا من سنغافورة وماليزيا والولايات المتحدة الأمريكية في الأشهر الماضية، وتأتي هذه الزيارات في إطار التعاون المشترك بين المملكة وهذه الدول، والسعي إلى الاستفادة من تجارب هذه الدول فيما يمكن نقله وتطبيقه في نظامنا القضائي، ويشمل ذلك: الأنظمة الإجرائية وآليات تطبيقها، وميكنة هذه الأعمال، وكل ما من شأنه أن يسرع في الفصل في القضايا وإيصال الحقوق إلى أهلها.

ومن نافلة القول الإشارة إلى أن هذه الزيارات وغيرها لا تستهدف بحال الجوانب الموضوعية لتلك الأنظمة بقصد نقلها إذا كانت تختلف مع مبادئ شريعتنا الإسلامية وقواعدها العامة، فشريعتنا الإسلامية سماوية صالحة لكل زمان ومكان وأحكامها كافية في تنظيم العلاقات التجارية والمدنية والاجتماعية.

كما أنه يمكن صياغة أحكام الفقه الإسلامي على غرار القوانين الحديثة لتقريبها لغير المختصين ولسهولة وسرعة الوصول إليها، وخير شاهد على ذلك مجلة “الأحكام العدلية” وهي أول قانون إسلامي وفق الصياغات الحديثة. و

قد تضمنت هذه الزيارات كثيراً من الفوائد والتجارب والتطبيقات التي يمكن الاستفادة منها، كما كان لهذه الوفود دور في بيان أحكام الشريعة الإسلامية وشرحها لمن يتم الالتقاء بهم في تلك الدول.

ومن الفوائد التي يمكن الإشارة إليها من هذه الزيارات ـ حسب رأيي: أن كثرة القضايا والبطء في الفصل فيها ظاهرة في جميع الدول، على اعتبار أن الجزء الأكبر من أسباب التأخير ترجع إلى طبيعة كونها منازعات بغض النظر عن القوانين المطبقة عليها، مع القناعة بوجود تفاوت بين هذه الدول في حجم وسرعة الفصل فيها.

كما أن كثيرا من الدول يعاني نقصا في عدد القضاة ـ يبلغ عدد القضاة في سنغافورة 85 قاضيا، وعدد السكان قرابة أربعة ملايين، وفيما يتعلق بأعداد القضاة فإنه من الخطأ تحديد المعدل العالمي لأعداد القضاة بنسبة عدد القضاة إلى عدد السكان وافتراض أن عدد السكان يعكس عدد القضايا التي تصل المحاكم، وذلك لأنه في بعض الدول ـ أمريكا وسنغافورة ـ على سبيل المثال فإن إجراءات كثيرة تقلل من وصول القضايا إلى القضاة للفصل فيها، وذلك من خلال: أنظمة وإجراءات للصلح والمفاوضة تنهي الكثير من القضايا قبل وصولها إلى القاضي ـ تصل في بعض المحاكم إلى 90 في المائة من القضايا المرفوعة ـ وهناك اهتمام كبير من قبل الجهات المعنية بهذه المرحلة من حيث الميزانيات والكوادر البشرية وبالذات القائمين بعملية الصلح، من حيث قدراتهم وخبراتهم.

الخلاصة أنه بقدر ما أن زيادة عدد القضاة سيعالج جزءا من المشكلة فإن الجزء الأكبر ستعالجه مرحلة ما قبل الترافع أمام القاضي.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت