التعريف التشريعي لبطاقة الوفاء
إن تعريف بطاقة الوفاء يتخذ نوعا من الصعوبة نظرا لتعدد وقيام علاقات قانونية ناشئة عن استخدامها بالإضافة إلى أن التشريعات، في نطاق تناولها للبطاقة بالتعريف قليلة، بل منعدمة تماما على صعيد تشريعات القوانين العربية، على الرغم من بدء العمل بنظام الوفاء بالبطاقات منذ ظهوره بفترة وجيزة، وعدم اكتراث المشرع في أغلب الأحيان بموضوع التعريف كونه من وظائف الفقه(1).

وبالرجوع للتشريع الجزائري نجد أن المشرع خلافا للتشريعات العربية، ومجاراة منه للتطور السريع الحاصل في مجال وسائل الدفع، انتهج نهج التشريعات الغربية التي أرست معالم النظام القانوني لبطاقة الدفع(2)، حيث تبني وسائل دفع أكثر حداثة وتطورا من السندات التجارية التقليدية-ونخص بالذكر هنا الشيك الذي يؤدي دور أداة الوفاء مثله في ذلك مثل بطاقة الوفاء- من خلال التعديل الأخير للقانون التجاري في سنة 2005، في الفصل الثالث من الباب الرابع من الكتاب الرابع من القانون التجاري، تحت عنوان
“في بطاقات الدفع والسحب”، بأن أورد تعريفا خاصا ببطاقة الدفع في المادة 543مكرر23 من القانون التجاري المعدل والمتمم بموجب قانون رقم05-02 والتي تنص على ما يلي:
“تعتبر بطاقة دفع كل بطاقة صادرة عن البنوك والهيئات المالية المؤهلة قانونا وتسمح لصاحبها بسحب أو تحويل أموال”.

ومن بين التشريعات الغربية التي عرّفت بطاقة الوفاء التشريع الفرنسي في المادة 57/01 من المرسوم المؤرخ في 30أكتوبر1935 المعدل بالقانون الصادر في 30ديسمبر1991 كما يلي: “تعتبر بطاقة وفاء كل بطاقة تسمح لحاملها بسحب أو نقل أموال، وهذه البطاقات لا يمكن أن تصدرها إلا مؤسسات القرض…وكذا الخزينة العامة بنك فرنسا، مصالح البريد وصندوق الودائع والأمانات…” كما جاء تعريفها كذلك في القانون النقدي والمالي الفرنسي في المادة 132/01 بنفس الصياغة(1).

وقد أدرك المشرع الجزائري الفرنسي أن استخدام هذه البطاقة هو الآخر محفوف بالمخاطر، فبادر إلى وضع نصوص تشريعية جزائية لمواجهة الأنشطة الإجرامية المتعلقة ببطاقات الدفع، بمختلف الجزاءات والعقوبات الرادعة، حيث أصدر تعريف صريح لبطاقة الدفع في قانون أمن الشيكات وبطاقة الوفاء على أنها: “أداة تصدر عن إحدى مؤسسات الائتمان أو إحدى الجهات المنصوص عليها في قانون رقم: 46-84 الصادر في 24جانفي1984 والخاص بنشاط ورقابة مؤسسات الائتمان (القرض) وتسمح لحاملها بسحب أو تحويل نقود لحسابه”(2).

وعلى غرار المشرع الفرنسي فإن المشرع الجزائري تناول بطاقة الدفع بالتعريف فقط من خلال المادة 543مكرر23 من القانون 05-02 دون أن يتدخل في تنظيمها بنصوص قانونية آمرة ليكون من اليسير على البنوك أن تصدر هذه البطاقات بما يتماشى مع تطور البيئة التجارية لعدم جمودها ومرونتها، مما يسمح لها بمواكبة التطور الحاصل في العمليات البنكية.

وقد عيب على هذا التعريف أنه اكتفى بتحديد جهة واحدة مخولة لها إصدار بطاقة الوفاء، وهي البنوك، وهذا ما أكدته المادة 71من الأمر03-11 المتعلق بالنقد والقرض والتي تنص على: “لا يمكن المؤسسات المالية تلقي الأموال من العموم، ولا إدارة وسائل الدفع أو وضعها تحت تصرف زبائنها، وبإمكانها القيام بسائر العمليات الأخرى”(1) مخالفا بذلك المشرع الفرنسي، وموافقا له في تحديد وظيفة بطاقة الدفع(2).

التعريف الفقهي لبطاقة الوفاء
نظرا للانتشار الواسع لبطاقات الدفع بصفة عامة وبطاقة الوفاء بصفة خاصة واحتلالها الصدارة في عمليات البنوك والمؤسسات المالية والمصرفية، واستخدامها لها كأداة وفاء تحل محل الشيك في الدفع، فقد سيقت بشأنها عدة تعريفات فقهية.

فمن الفقهاء من عرّفها على أنها: “بطاقات تصدر بواسطة مؤسسات مالية باسم أحد الأشخاص، وتقوم بوظيفتي الوفاء والائتمان، أي أن حاملها يملك إمكانية تتابع سداد المبالغ التي استخدمها من الاعتماد المفتوح من جانب مصدر البطاقة”(3).

كما يعرفها جانب من الفقه بأنها: “البطاقات التي ينحصر دورها في كونها أداة للوفاء بثمن السلع والخدمات التي يحصل عليها حاملها (حامل البطاقة) من بعض التجار المقبولين لدى الجهة المصدرة للبطاقة” (4).
وهناك من يعرفها بأنها بطاقة تمكن حاملها من سحب المال الموجود في رصيده من الصّراف الالكتروني أو الموزع الآلي، فهي بطاقة الكترونية يعالجها جهاز الحاسوب للتأكد من كفاية رصيد حامله(5).

كما يمكن اعتبارها أداة مصرفية للوفاء بالالتزامات، مقبولة على نطاق واسع محليا ودوليا لدى الأفراد والتجار والبنوك كبديل للنقود، لدفع قيمة السلع والخدمات المقدمة لحامل البطاقة مقابل توقيعه على إيصال بقيمة التزامه الناشئ عن شرائه للسلعة أو الحصول على الخدمة، على أن يقوم التاجر بتحصيل القيمة من البنك المصدر للبطاقة عن طريق البنك الذي صرح له بقبول البطاقة كوسيلة دفع، ويطلق على عملية التسوية بين البنوك الأطراف فيها اسم نظام الدفع الالكتروني، والذي تقوم بتنفيذه الهيئات الدولية المصدرة للبطاقات(1).

وهناك من الفقه الفرنسي من استقر على تسمية بطاقة الوفاء بالبطاقة الدائنة، وهي التي تعطي للحامل حقا لإمكانية الحصول على مختلف السلع والخدمات من التاجر الذي يقبل الانضمام إلى نظام الدفع بالبطاقات، ويحصل في مقابل ذلك على ضمان الوفاء من قبل البنك المصدر للبطاقة في حدود مبلغ معين مقابل دفع عمولة للبنك(2).

كما يعرفها البعض الآخر بأنها “عقد تتعهد بمقتضاه الجهة المصدرة للبطاقة، وهي في الغالب أحد البنوك بفتح اعتماد في حدود مبلغ معين لمصلحة شخص يسمى حامل البطاقة (العميل) الأمر الذي يمكنه من الوفاء وسداد قيمة مشترياته لدى المحال التجارية التي ترتبط في ذات الوقت بالجهة المصدرة للبطاقة بعقد يلزمها بقبول الوفاء بمقتضى هذه البطاقات لمبيعاتها أو خدماتها”(3).

كما يعرفها المجمع الفقهي لمنظمة المؤتمر الإسلامي بأنها مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري بناءا على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع والخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالا لتضمنه التزام المصدر بالدفع ومنها ما يمكن من سحب النقود من المصارف(4).
ومن خلال هذه المحاولات الفقهية يتضح لنا أنها جميعها اتفقت في تعريف بطاقة الوفاء من حيث:
1- الوظيفة: كونها لا تمنح العميل أي ائتمان من طرف البنك وتؤدي نفس وظيفة الشيك في الوفاء والسحب.
2- بطاقة ثلاثية الأطراف الحامل، مصدر البطاقة، والتاجر.

3- أنها تقوم على روابط والتزامات متبادلة بين أطرافها.
ومما تقدم يمكننا القول أن بطاقة الوفاء تصدرها مؤسسة أو بنك لصالح العملاء وهي تمكن العملاء من التعامل مع المحلات التجارية وشراء حاجياتهم دون دفع نقود يكفي فقط أن يبرزوا هذه البطاقة المقبولة عند المحلات ويوقعوا على إيصالات أو فواتير بقيمة السلع المشتراة ويقوم البنك بالوفاء عنهم.