تساؤلات في الإحصاء والإقرار بخصوص تحديد قيمة المادة الخاضعة للرسوم الجبائية

المالكي محمد

محام متمرن بهيئة الدارالبيضاء

باحث في الحكامة المحلية

مقدمة :

إن عملية تحديد قيمة المادة الخاضعة للرسوم المحلية بصورة مباشرة تستند إلى طرحين أساسيين، يقوم الأول عن طريق الأسس التي يتم تحديدها من قبل الملزم الجبائي المحلي نفسه بواسطة آلية الاقرار، فالأصل أن يحمل الملزم أساس الدين المستحق لخزينة الجماعة المحلية المعنية من خلال إقراره بالواقعة المنشئة للرسوم المحلية.
أما الطرح الثاني فيتم من طرف الإدارة الجبائية المحلية نفسها عبر تقنية الإحصاء، ذلك أنه يتم تحديد وعاء بعض الرسوم المحلية الأخرى على أساس الإحصاء، وخاصة تلك التي يتم تدبيرها من طرف المصالح الجبائية المحلية الأخرى على أساس الإحصاء، وأخرى يتم تدبيرها من طرف المصالح الجبائية التابعة للمديرية العامة للضرائب[[1]]url:#_ftn1 .
و تتجسد الرسوم المحولة في الرسم المهني رسم السكن والرسم على الخدمات الجماعية ، حيث تنص مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 167 من القانون الجبائي المحلي رقم 47.06، على أن المصالح الجبائية التابعة للمديرية العامة للضرائب تتكلف بتدبير الرسوم الثلاثة المنصوص على مقتضياتها بموجب هذا القانون.

وسنحاول أن نتطرق إلى مجموعة من التساؤلات التي تطرح نفسها في إطار الحديث عن الرسوم المحولة، على اعتبار أن تحديد قيمة المادة الخاضعة الخاصة بالرسم المهني ورسم السكن والرسم على الخدمات الجماعية تعتمد في ذلك على الإحصاء والإقرار في نفس الوقت، هذا ما يجعلنا نثير هذه النقطة من خلال الإجابة عن هذه الإشكالية.
وتبقى أهم التساؤلات كالتالي:

ـ لماذا ضم المشرع المغربي بالنسبة للرسوم الإحصائية الإقرار؟
ـ لماذا تم الإحتفاظ بنظام الإحصاء إلى جانب الإقرار؟

هل إقحام المشرع لمدلول الإقرار في هذه الرسوم ( الرسم المهني ورسم السكن والرسم على الخدمات الجماعية) هو تهيئ الملزم لتعميم فلسفة الإقرار ؟ أم على أساسه يحتسب الرسم؟ أم يقتصر على مجرد بيانات فقط؟ وهل هي خطوة صائبة من المشرع؟

السؤال الأول: لماذا ضم المشرع بالنسبة للرسوم الإحصائية الإقرار؟

إن الرسوم الإحصائية تتجسد في الرسم المهني ورسم السكن ورسم الخدمات الجماعية والرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية .
فالمقتضيات المنظمة لرسم السكن[[2]]url:#_ftn2 على مستوى الإقرار نجد المادة 30 و 31 من قانون 06-47 تتحدث عن أهم واجبات الملزمين بهذا الرسم والتي تتجلى في:
– الإقرار بانتهاء أشغال البناء أو تغيير ملكية العقار أو الغرض المخصص له.
– الإقرار بالشغور.

في حين تبقى المادة 32 من نفس القانون التي تتناول الإحصاء .
وترتكز إدارة الضرائب في تقديرها للقيمة الكرائية، بالنسبة للعقارات الخاضعة لرسم السكن، على الشبكة المعدة بتقنية كبيرة، من طرف مصالحها بمشاركة لجنة الإحصاء. لكن أسلوب التقدير المباشر، هو الأسلوب المستعمل حين لا تستوعب الشبكة المذكورة، بعض العقارات المتميزة، مما يجعل المفتش يتخذ صفة الخبير العقاري ،الذي عليه أن يتبع طرقا فنية دقيقة للوصول إلى الحقيقة.

إن هذه الطرق التي تتبعها الإدارة في تقدير السومةالكرائية، ليست مذكورة في القانون، و لكنها طرق فنية تدخل ضمن الأعمال التحضيرية لربط الضريبة، و يمكن للملزم أن يطعن فيها أمام القضاء، لأن الإدارة مع ذلك، ملزمة بأن تبين الطريقة التي اعتمدتها، للرفع من القيمة الكرائية ان فعلت، أو أي زيادة في التقدير، خاصة إذا مثلت أمام القضاء. و للقاضي الحق في أن يقرر فيما إذا كانت هذه الطريقة مناسبة أو لا.

أما الرسم المهني[[3]]url:#_ftn3 فنجد المقتضيات المنظمة له في ما يتعلق بالإقرار تتجلى واجبات الملزم بهذا الرسم والتي تتجسد في:
– التسجيل في جدول الرسم المهني، عن طريق ذلك يسلم لكل ملزم رقم تعريفي ( المادة 12).
– الإقرار بالعناصر الخاضعة للرسم ( المادة 13).
– إشهار رقم التعريف بالرسم المهني وتقديم وثائق التسجيل (المادة 14).
– إقرار عطالة المؤسسة إما عطالة كلية أو جزئية ( المادة 15).
– إقرار بتفويت أو توقف النشاط أو نقله أو تغيير الشكل القانوني للمؤسسة.
وبالنسبة للإحصاء فهو يتم سنويا من طرف لجنة الإحصاء المنصوص عليها في المادة 32 من قانون 47.06 ، و في هذا الإطار يتعين على الملزمين إخبار المفتش الضرائب ب:

ـ ـطبيعة النشاط المهني المزاول،
ـ أهمية النشاط باعتبار عدد العمال والمستخدمين والعناصر الأخرى المميزة له،
ـ الموقع والقيمة الإيجارية للمحلات المشغلة والقرض المخصصة له،
ـ جميع المعلومات الضرورية لتحديد القيمة الإيجارية[[4]]url:#_ftn4 .

أما المعاينة فتكون من طرف مفتشي الضرائب المفوضين لذلك، وذلك لجمع المعلومات الأساسية لتحديد أساس الرسم المهني[[55 .
أما الرسم على الخدمات الجماعية[[6]]، هنا المادة 18 تحيل على الرسم المهني ورسم السكن فيما يتعلق بعدة مقتضيات ومنها الإقرار.
وتبقى الفكرة الأساسية وراء تضمين المشرع المغربي للإقرار بالنسبة للرسوم الإحصائية هو لغاية استئناس واعتياد الملزمين على نظام الإقرار الذي يجب اعتماده، لأنه جاء لتوثيق العلاقة بين الإدارة الجبائية والملزم من جهة ، كما أنه يستجيب لضرورة عقلنة تدبير الرسوم المحولة من خلال تكليف الملزم بنفسه بالإدلاء بجميع المعطيات المتعلقة بتصفية الرسم، وذلك حتى يتم التعود على ذلك.

وما يلاحظ على المقتضيات المنظمة للرسوم الأنفة الذكر ، كثرة هذه المقتضيات الخاصة بالإقرار بالمقارنة مع الإحصاء الذي يتوفر على المادة 17 و 32 و 38 من قانون 06-47 ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن نية المشرع صريحة نحو التخلي عن نظام الإحصاء وحصر الأخذ بالإقرار.

السؤال الثاني: لماذا تم الاحتفاظ بالإحصاء إلى جانب الإقرار؟

فالاحتفاظ بالإحصاء إلى جانب الإقرار سيكون لفترة انتقالية والغاية من ذلك هي توفير ضمانة إضافية لحقوق الملزم وضبط المادة الخاضعة للرسم، والتقليل من المنازعات المحتملة، فبعد انتهاء هذه الفترة الانتقالية سيطبق نظام الإقرار وحده ،وذلك كما هو معمول به في باقي الرسوم والضرائب الأساسية للدولة كالضريبة على الشركات ….الخ.
وتجدر الإشارة إلى أن الإقرار بالنسبة لرسم السكن يتعلق بالإقامة الرئيسية أو الثانوية، ويتم تقديمه مرة واحدة عند انتهاء أشغال البناء أو عند تغيير الغرض الذي خصص له المحل الخاضع للرسم.
أما بالنسبة للرسم المهني فالإقرار يتم تقديمه مرة واحدة عند بداية النشاط المهني أو عند كل تغيير أسس فرض الرسم لتحديد طبيعة العقارات والقيمة التي يطبق عليها معامل 3 في المائة .

ويبقى اعتماد نظام الإقرار بدل الإحصاء بمثابة قفزة نوعية في مجال الجبايات المحلية لما لهذا النظام من تأثير ايجابي على تحسين العلاقة بين الإدارة الجبائية والملزمين ويضمن الشفافية في تدبير مختلف الرسوم بالتالي يدفع بالملزم إلى أداء مبلغ الرسوم عن اقتناع مسبق.

هذا و يعتمد في تقدير وعاء الجبايات المحلية على مشاركة الملزم في الإقرار أو التصريح، المعد كعمل يقوم على مجموعة من البيانات والمعلومات التي يدلي بها الملزم، والذي يعترف بذلك بحق عليه للإدارة الجبائية المحلية، ويساعدها للتوصل إلى قرار احتساب المبلغ الواجب دفعه، مجنبا إياها تكاليف وأعباء التصفية ( تجنب تكاليف تنقل الأعوان، ووسائل النقل وأدوات العمل…)، لذلك فالإقرار عبارة عن آلية تواصلية وأداة للحوار ما بين الملزم والإدارة، والتي من شأنها أن تساهم في تحسين الملزمين بمسؤولياتهم، وبالتالي التعبير بكامل الحرية عن الرغبة في المساهمة في النفقات المحلية[[7]]url:#_ftn7 .
وعلى العموم ترمي مقتضيات القانون رقم 06-47 إلى العمل على نشر ثقافة المواطنة من خلال إشراك الملزم بواسطة الإقرار، لكونه سيسهم في تحسين المردودية المالية للجماعات المحلية.

السؤال الثالث: هل إقحام المشرع لمدلول الإقرار في هذه الرسوم ( الرسم المهني ورسم السكن والرسم على الخدمات الجماعية) هو تهيئ الملزم لتعميم فلسفة الإقرار ؟ أم على أساسه يحتسب الرسم؟ أم يقتصر على مجرد بيانات فقط؟ وهل هي خطوة صائبة من المشرع؟

يسعى المشرع المغربي من وراء إقحامه لمدلول الإقرار من أجل تمكين الملزمين من التعود على نظام الإقرار على اعتبار أن هذا الأخير له من المميزات التي تجعله الأصلح في التطبيق عوض الإحصاء وعدم الجمع بينهما.

فقد جاء نظام الإقرار من أجل:
– تحديث نظام الرسوم العائدة للجماعات المحلية.
– تسهيل مأمورية الجماعة في إصدار الرسوم.
– تلافي الأخطاء في الإصدار المتعلق بالأوامر بالاستخلاص.
– كما أن الإقرار هو أسلوب حضاري لتقدير المادة الخاضعة للضريبة أوالرسم بحيث يترك للملزم فرصة للتعبير عن المواطنة الحقة المتمثلة في إظهار التكلفة الضريبية وأداء الرسم في صندوق الخزينة الجماعية أو خزينة الدولة بكل تلقائية.

وفي نظري تبقى خطوة إدخال الإقرار إلى الرسوم الجبائية المحلية خطوة محمودة وصائبة وخير دليل على ذلك ما يمتاز به هذا النظام من خصائص،كما أنه يمكن الإدارة من تعديل الرسم من خلال المسطرة المعمول بها للحد من التملص الضريبي أو الغش إضافة إلى الغرامات والجزاءات التي ينص عليها قانون 06-47 .

المراجع
كريم لحرش ، التواصل الجبائي المحلي ( مقاربة نقدية لعلاقة الملزم بالإدارة الجبائية المحلية)، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، جامعة الحسن الأول ، كلية الحقوق سطات ، السنة الجامعية 2010- 2009 .
حامد عبد المجيد دراز: الضرائب العقارية الاقتصادية،الدار الجامعية-الطبعة الثانية.1986.
أحمد حضراني ، قانون الجبايات المحلية الجديد وضمانات مبدأ العدالة الجبائية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد مزدوج 78 و 79 ، 2008.
دليل الجبايات المحلية ، سلسلة دليل المنتخب ، المديرية العامة للجبايات المحلية ، وزارة الداخلية المملكة المغربية ، الطبعة الأولى ، 2009

الظهير الشريف رقم 1.07.195 الصادر في 19 من ذي القعدة 1428 الموافق ل 30 نونبر 2007 بتنفيذ القانون رقم 47.06 المتعلق بالجبايات المحلية ، الجريدة الرسمية عدد 5583 بتاريخ 3 دجنبر 2007.
الهوامش
[[1]]url:#_ftnref1 كريم لحرش ، التواصل الجبائي المحلي ( مقاربة نقدية لعلاقة الملزم بالإدارة الجبائية المحلية)، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، جامعة الحسن الأول ، كلية الحقوق سطات ، السنة الجامعية 2010- 2009 ، ص 158.
[[2]]url:#_ftnref2 كان في السابق يسمى بالضريبة الحضرية، و قد خصه المشرع بالباب الثالث من قانون 06-47 و يفرض هذا الرسم على العقارات المبنية، و المباني ، التي يتخذ مالكوها منها جزئيا، أو كليا، سكنا رئيسيا، أو ثانويا لهم، أو يضعونها مجانا تحت تصرف أزواجهم،أو أصولهم، أو فروعهم، ليجعلوا منها سكنا لهم. و يدخل في هذاالإطار الأراضي المقامة عليها العقارات، و المباني المتصلة بها كالساحات، و الممرات، والحدائق.
[[3]]url:#_ftnref3 يخضع له كل شخص ذاتي أو معنوي ذو جنسية مغربية أو أجنبية يزاول في المغرب نشاطا مهنيا وتخضع له كذلك الصناديق المحدثة بنص تشريعي أو باتفاقية وغير متمتعة بالشخصية المعنوية تسيرها هيئات خاضعة للقانون العام أو الخاص والرسم يفرض باسم هذه الأخيرة.

[[4]]url:#_ftnref4 – المادة 17 من القانون الجبائي المحلي رقم 06/47.
[[5]]url:#_ftnref5 – المادة 18 من القانون الجبائي المحلي رقم 06/47.
[[6]]url:#_ftnref6 عوض هذا الرسم، و نسخ ما كان يعرف في السابق بضريبة النظافة، و تعود جذور تطبيق هذه الأخيرة إلى عهد الحماية الفرنسية ،انطلاقا من ظهير 1917 ،و قد خصه المشرع، بالباب الرابع من القانون 06-47. و يفرض هذا الرسم بشكل سنوي، بموقع العقارات الخاضعة للرسم باسم المالك ،أو من له حق الانتفاع، أو باسم حائز العقار، أو واضع اليد عليه، إذا لم يعرف مالكه، أو صاحب حق الانتفاع منه، بالنسبة للعقارات المبنية و المباني، على اختلاف أنواعها، و المعدات، و الأدوات، و جميع وسائل الإنتاج الخاضعة مأخوذ عن حامد عبد المجيد دراز: الضرائب العقارية الاقتصادية،الدار الجامعية-الطبعة الثانية.1986 ص 419.

[[7]]url:#_ftnref7 أحمد حضراني ، قانون الجبايات المحلية الجديد وضمانات مبدأ العدالة الجبائية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد مزدوج 78 و 79 ، 2008 ص 173.