الجريمة والعقاب
القاضي عماد عبد الله

كانت الجريمة والعقاب عنوانا لقصة الكاتب الروسي دستويفسكي عام 1866 والحقيقية ‏اختصر ذلك العنوان قصة الحياة عموما القائمة على العدالة بان لكل جريمة عقابا ‏يستحقه الفاعل لذلك نرى ان العقاب ملاصق للجريمة، ونجد ان الانسان منذ القدم اخذ ‏يؤسس لحياة القانون وبدأ اول شيء بان حدد الافعال المخالفة للقانون والعقاب الذي ‏تستحقه وذلك نجده واضحا منذ الحضارات القديمة حيث نجد الكثير من الافعال ‏المحرمة والعقاب الذي تستحقه في مسلة حمورابي.‏

لقد اختلف الفقه الجنائي في التسمية التي يطلقها على مبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا ‏بنص، اذ اطلق عليه البعض مبدأ الشرعية والآخر أطلق عليه مبدأ قانونية الجرائم ‏والعقوبات وذهب آخرون الى تسميته بمبدأ المشروعية ومؤدى هذا المبدأ (ان على ‏المشرع ان يحدد سلفاً ما يعتبر من الأفعال الصادرة عن الإنسان جريمة، كما يحدد لكل ‏جريمة عقوبتها وعلى ذلك نص قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969، ‏النافذ في المادة الاولى على ان (لا عقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون ينص ‏على تجريمه وقت اقترافه ، ولا يجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازية لم ينص عليها ‏القانون) والملاحظ على موقف التشريع العراقي من هذا المبدأ انه اطلق تسمية قانونية ‏الجرائم والعقوبات على هذا المبدأ ، وذلك في الفصل الاول من الباب الاول الخاص ‏بالتشريع العقابي. واستعماله لعبارة (… الا بناء على قانون …) وذلك إقرار منه بمنح ‏السلطة التنفيذية إصدار أنظمة وتعليمات وبيانات وقرارات تنطوي على تجريم بعض ‏الأفعال والامتناعات.‏

ومن ابرز الاعتبارات التي تدعو الى ذلك كون السلطة التنفيذية اقدر على وضع ‏تفاصيل الأحكام الإجمالية الواردة في القانون لقربها من الجمهور واحتكاكها به خلال ‏ممارستها لوظيفتها في تنفيذ القانون وهذا يعني ان وضع النص العقابي قد يكون من ‏اختصاص السلطة التشريعية أو التنفيذية وعُد المبدأ من المبادئ الدستورية في العراق ‏بعد ان نص عليه في الدستور مما يوجب احترامه من قبل الحكام والمحكومين كافة ‏استنادا الى مبدأ سمو الدستور وعد مبدأ قانونياً بتكرار النص عليه في قانون ‏العقوبات.وعُد التشريع المصدر الوحيد للنص العقابي.‏

‏ان هذا المبدأ يؤمن العدالة عندما يعلم الفرد مقدماً انه يرتكب فعلا من الأفعال المعاقب ‏عليها لكي يبتعد عن ذلك، وان القول ان هذا المبدأ يؤدي بالتشريع إلى الجمود والعجز ‏نتيجة لثبات القواعد الجنائية بسببه: قول مردود لأنه يمكن مواجهة الحالات الجديدة ‏المتطورة المتعلقة بظهور جرائم جديدة لم ينص عليها المشرع في حينها بواسطة ‏التشريع دائما عبر اصدار قوانين عقابية جديدة تواجه تطور الجريمة و ان هذا المبدأ ‏اصبح دولياً عبر النص عليه في الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية عام 1966 ‏الصادرة عن الامم المتحدة.‏

إعادة نشر بواسطة محاماة نت