مبدأ التسويات القانونية و نظام المنافسة السعودي

د. ملحم بن حمد الملحم

كنت قد أشرت في مقالات سابقة بعنوان “اندماجات واستحواذات.. وزارة العدل الأمريكية” و”طلبات التركز الاقتصادي وفرصة التوصل إلى تسوية” و”معارك شركة أوبر مع المنافسة والمستهلك” إلى مسائل متعددة، لكن قد يكون أحد العوامل المشتركة في تلك المقالات الثلاث هو مفهوم وفكرة التسويات القانونية في مجال المنافسة. في هذه المقالة أهدف لأن أتحدث عن هذا المفهوم بشكل عام، آملا أن يمكن تبنيه أو تبني أفكار منه في نظام المنافسة السعودي أو حتى تطويره أو الاستفادة منه في استحداث مفهوم أفضل.

نعني بفكرة التسويات أنه مثلا عندما يقوم مجلس المنافسة السعودي بالتحقيق في مخالفة معينة من مخالفات نظام المنافسة السعودي سواء اتفاق على تثبيت سعر منتج معين، فإن المقترح أن تكون هناك آلية نظامية تسمح للأطراف المتهمين بارتكاب المخالفة أن يتفاوضوا مع المجلس للتوصل لتسوية من خلالها يمكن دفع مبلغ للتسوية إضافة إلى الموافقة أو التعهد باتخاذ إجراءات تحفظية أو تحذيرية لضمان عدم تكرار المخالفة من خلال اتفاقية أو قرار محكم واضح معلن.

هذه الآلية تستخدم في مجموعة من الدول لعدد من الأسباب أحدها أنها تخفف إجراءات وتكاليف الترافع والمحاكمة لا سيما في حالات تكون المخالفات مدعمة بأدلة قوية. نجد أنه هنا في السعودية وإن كان التقاضي بالمجان حاليا لكن هناك توجها حاليا لفرض الرسوم ما يعني أنه سيكون للتقاضي تكلفة لا سيما في المنازعات التجارية وربما القضائية بشكل عام إضافة إلى أن خيار التسويات سيوفر وقتا ومصادر لا سيما في المخالفات الواضحة لكلا الطرفين طرف المجلس وطرف المخالفين.

على الرغم من أن اقتراحي أن تكون هذه الآلية اختيارية لكني عندما أقترحها فإني أؤكد أن خيار تبني آلية التسوية مشروط بأنه لكي تكون له ثمار إيجابية فإنه يجب أن تكون هذه الآلية منصوص عليها في النظام، وأن تشتمل على قواعد واضحة ومفصلة ومبنية على مبدأ الشفافية.

هذا الشرط إن لم يتحقق فأعتقد أن خيار التسوية لن يكون خيارا سليما ولا أعتقد أن يحقق نتائج إيجابية بل ربما تكون له آثار سلبية كثيرة. فهو خيار حساس وينتج عن اتخاذه آثار على القطاعين العام والخاص، حتى الدول التي استحدثته أو تبنته لا تخلو تجاربها من ملاحظات وتعمل على تطوير فكرة التسوية في مخالفات قوانين المنافسة.

وأختم بالقول إن فكرة التسويات وإن كانت ربما تبدو حديثة على النظام السعودي، إلا أني أعتقد أنه مع توسع النشاط التجاري في السعودية ومع ربما إضافة حماية المستهلك للمنافسة ومع تزايد حضور مجلس المنافسة وزيادة فعاليته ورقابته، قد يكون هذا الخيار حلا من الحلول أو أسلوبا من الأساليب الفعالة والعملية للتعامل مع المخالفات، أو على الأقل أن تتم دراسته دراسة عملية من عدة أوجه والنظر في مدى ملاءمته ونجاحه وتحقيقه للأهداف المرجوة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت