يكمل مبدأ الاحتياط مبدأ التناسب في بعض الحالات ويلجأ الى استخدام الجزاء الجنائي قبل السلوك غير المشروع في حالات عدم صلاحية جميع وسائل الرقابة الاجتماعية غير الجنائية لمجابهة السلوك بفاعلية ، فعندئذ يتدخل القانون الجنائي . ففي ضوء هذا المبدأ يعتبر قانون العقوبات الجنائي احتياطي لقانون العقوبات الاداري ، ففي حالة فشل هذا الأخير في مواجهة سلوك غير مشروع يتدخل الأول ، أو يترك قانون العقوبات الأفعال التي يستطيع قانون العقوبات الاداري مواجهتها وردعها بجزاءات فعالة ويبقى احتياطي اذا فشل قانون العقوبات الاداري . وعليه نتصدى لمظاهر هذا المبدأ في منشور أصدره رئيس الوزراء الايطالي حول مدى صلاحية وفعالية بعض قانون العقوبات الاداري عن قانون العقوبات الجنائي ثم نتصدى الى تقدير ما جاء به .

_ أولاً : مظاهر مبدأ الاحتياط في المنشور الايطالي : 

1- فيما يتعلق بموقف الفاعل : 

أ – مبدأ التضامن : الأصل في القانون الجنائي الايطالي عدم تضامن الشخص القانوني مع تابعيه فيما يقع منهم من جرائم جنائية بخصوص دفع الغرامات المحكوم بها ولكن قانون العقوبات الاداري يسمح بهذا التضامن فيتم اقتسام المسؤولية بين مرتكب الجريمة ومن يتبعه وفي كثير من الحالات يزيد التضامن من فعالية الجزاء الاداري عن الجزاء الجنائي .

ب – مبدأ الاسناد : الأصل في القانون الجنائي الايطالي أن من لا تقوم مسؤوليته لا يمكن اسناد الفعل لغيره ولكن استثناء من ذلك فان يرتكب القاصر أقل من 18 سنة جريمة ادارية طبقاً لقانون العقوبات الاداري الايطالي فانه يمكن اسناد الجريمة ومساءلة القائم على رقابة وتربية القاصر الا اذا أثبت عدم تقصيره في الرقابة أو التربية .

ج – حقوق الدفاع : يتضمن قانون العقوبات الاداري أهم المبادئ الاجرائية العامة المنصوص عليها في القانون الجنائي مثل الطعن على قرار الادارة بتوقيع العقوبة ولكن مرتكب الجريمة الادارية لا يتمتع بكل الضمانات التي يتمتع بها المتهم في القانون الجنائي .

2- فيما يتعلق بفعالية الجزاء : 

تتمتع الجزاءات الادارية بفعالية أكبر مما تتمتع به الجزاءات الجنائية فلا يطبق في ظل قانون العقوبات الاداري الايطالي نظام وقف التنفيذ كما أن الجزاءات الادارية تتقادم بمضي خمس سنوات ولكن بعض الجزاءات الادارية تقل فعاليتها كالجزاءات المالية في حالة اعسار مرتكب الجريمة الادارية وعدم تحولها في حالة عدم تنفيذها .

ويلاحظ أن قانون العقوبات الاداري الألماني يسمح للقاضي بتحويل الجزاء الاداري المالي في حالة اعسار مرتكب الجريمة الادارية الى عقوبة سالبة للحرية بحد أقصى 6 أسابيع في حالة طلب الادارة ذلك . ويلاحظ أن تقدير فعالية نظام معين ” جنائي ، اداري ، مدني ، توفيق ” يحتاج لدراسات قياسية وتكلفة مادية وبشرية لبيان قدرة أجهزة كل نظام على مواجهة سلوك معين ويفيد ذلك في جعل الجزاء الجنائي أخر وسيلة في حالة فشل الوسائل الأخرى ، عملاً بقانون أقل مجهود .

_ ثانياً : تقدير ما جاء بالمنشور الايطالي : 

المنشور ليس ملزم لأحد فهو محض اقتراح موجه الى المشرع ويساعد في سهولة التحديد الموضوعي للجرائم الادارية . ويرى البعض أن مبدأ الاحتياط يفترض في مبدأ التناسب وأن الأخير هو المعيار الوحيد الذي يتحدد بناء عليه مضمون الجريمة الادارية في ضوء محاوره الثلاث ، وفي رأينا ان مبدأ التناسب قد يكفي لتحديد مضمون الجريمة الادارية في الحالات التي لا خلاف عليها عندما يكون الاعتداء هام على مصلحة أولية ” تدخل جنائي ” ، أو يكون الاعتداء بسيط على مصلحة ثانوية ” تدخل اداري ” .

أما في حالات العدوان الهام على مصلحة ثانوية والعدوان البسيط على مصلحة أولية وعدم تحديد مدى حمايتها جنائياً أم ادارياً فهنا يتدخل مبدأ الاحتياط ليؤكد على ” عدم الاستعانة بالقانون الجنائي الا في حالة عدم صلاحية كل الوسائل الاجتماعية الأخرى غير الجنائية على مجابهة تلك الحالات أو على الأقل الحالات التي تتساوى فيها ما تقدمه الجزاءات الادارية من فعالية مع فعالية الجزاءات الجنائية ” . وبناء على ذلك يمكن تحديد الخرق الاداري في ضوء المعايير الموضوعية السابقة بأنه ” اعتداء على مصلحة غير مأخوذة في الاعتبار دستورياً أو تعتبر ثانوية في نظام القيم الدستورية أو هو كل اعتداء خطير على مصلحة أولية يناسب لردعه الجزاء الاداري الذي يعد بطبيعته أقل تكلفة من الجزاء الجنائي ” .