ما هي المسؤولية القانونية للبنك عن صرف شيك مزور التوقيع ؟

مقال حول: ما هي المسؤولية القانونية للبنك عن صرف شيك مزور التوقيع ؟

مسؤولية البنك عن صرف شيك مزور التوقيع
زهير بن سليمان الحربش
يتسم العمل التجاري – في عصرنا الحاضر – بالسرعة والثقة والائتمان، وللشيك كورقة تجارية دور جوهري في هذا العمل باعتباره أداة وفاء. ولكن تثور مسألة تكون دائما محل خلاف عند صرف البنك شيك يحمل توقيعاً مزوراً، من المسؤول عندها؟ هل هو البنك الذي قام من خلال موظفيه بالصرف أم الساحب “العميل” الذي استخدم دفتر شيكاته في عملية التزوير؟ لذا سأتطرق من خلال هذه المقالة إلى بيان دور ومدى ومسؤولية كل من الساحب الذي تم تزوير توقيعه والمسحوب عليه أي البنك الذي تم من خلاله صرف الشيك محل التزوير في ضوء ما هو معمول به لدى الجهات القضائية. القاعدة العامة هي أن على البنك قبل الوفاء بمبلغ الشيك واجب التأكد من صحة الشيك من الناحية النظامية ومدى توافر واكتمال البيانات الإلزامية الموضوعية والشكلية والتي نص عليها نظام الأوراق التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/37 وتاريخ 11/10/1383? والمعدل بالمرسوم الملكي رقم م/45 وتاريخ 12/9/1409? .

الأصل أن التوقيع يفيد صدور الشيك من الساحب الذي حرر الشيك وبذلك تنتفي مظنة التزوير ابتدء إلا أنه في حال ما إذا تم صرف شيك مزور التوقيع فهل يعد ذلك الوفاء سليماً ومبرئاً لذمة البنك ومتى تنعقد المسؤولية بحق البنك عند الوفاء بشيك مزور التوقيع .

لقد تناول نظام الأوراق التجارية السعودي في المواد 91 – 121 أحكام الشيك لكن هذه المواد خلت من أي نص يحدد مسؤولية البنك النظامية عند الوفاء بشيك يحمل توقيعاً مزوراً، وهذا هو مسلك أغلب أنظمة الأوراق التجارية في الدول العربية، حيث انتهجت منهج النظام الموحد للشيك الذي أقر خلال مؤتمر جنيف عام 1931، وعليه فإن المسؤولية القانونية للبنك عند الوفاء بشيك مزور التوقيع تحكمها القواعد العامة في المسؤولية إضافة إلى الأعراف المصرفية والقانون المقارن في العمليات المصرفية. تتولى لجنة تسوية المنازعات المصرفية والتي تم إنشاؤها وفقاً للأمر السامي الكريم رقم 729/8 وتاريخ 10/7/1407? البت في القضايا المصرفية ويندرج تحت اختصاصها دعاوى العملاء بشأن التزوير في الشيكات المصروفة وغيرها من المستندات البنكية، كما تُعد مسؤولية البنك في حال صرف الشيك المزور مسؤولية عقدية تستند إلى العقد الموقع بين الساحب “العميل” والمسحوب عليه “البنك”،

فالبنك ملزم بالتحقق من صحة الشيك ومن ضمن ما يتحقق منه مطابقة توقيع الساحب وصحته وهو من أهم البيانات التي يجب التحقق منها، فموظف البنك المختص يجب عليه مضاهاة ومطابقة توقيع الساحب الوارد على الشيك بنماذج التوقيع المعتمدة لدى البنك الأمر الذي يتطلب منه الإطلاع على كلا التوقيعين ومقارنتهما ببعضهما، وهذه العملية (المطابقة) عبارة عن فحص عادي، حيث إن البنك لا يلتزم ببذل عناية خبير الخطوط كما لا تتوافر لديه الأجهزة والإمكانات المتوافرة لدى أقسام الأدلة الجنائية بل يبذل البنك العناية المهنية المعتادة باعتباره مؤسسة مالية محترفة يفترض فيها الحرص والحيطة والحذر والتخصص في الأعمال البنكية، فإذا كان مبلغ الشيك كبيراً خلافاً لما هو معتاد من العميل – وهذه مسألة تختلف من بنك لآخر ومن عميل لآخر (مؤسسة فردية) أو (شركة مساهمة) – تقوم بعض البنوك دون إلزام بالاتصال بالساحب “العميل” لغرض الاطمئنان وهذا يندرج تحت باب الحرص والحيطة والحذر.

تتباين مسؤولية البنك عن الوفاء بشيك مزور التوقيع بحسب مدى دقة التزوير الوارد في التوقيع، حيث يوجد ثلاثة أنواع للتزوير المصرفي أولها التزوير المفضوح، وثانيها التزوير العادي، وثالثها التزوير المتقن. فالتزوير المفضوح هو الذي يمكن للرجل العادي (غير المصرفي) اكتشافه وملاحظته وعليه فإن البنك يكون مسؤولاً مسؤولية كاملة في هذه الحالة لسهولة اكتشاف وملاحظة مثل هذا التزوير.

أما التزوير العادي هو الذي لا يمكن للرجل العادي اكتشافه لكنه لا يفوت على الرجل المصرفي فهو تزوير غير متقن ويمكن لموظف البنك اكتشافه من خلال عملية المضاهاة وبذل العناية المطلوبة والتي يمكن له إجراؤها استنادا إلى التدريب الذي يتلقاه في طرق كشف التزوير المصرفي. فإذا لم يقم البنك من خلال موظفه بعملية المضاهاة وأخذ الحيطة كان البنك مسؤولاً مسؤولية كاملة عن خطأ موظفيه (مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه) وهو ما استقرت عليه قرارات القضاء المصرفي في المملكة ممثلة في ما يصدر عن لجنة تسوية المنازعات المصرفية من قرارات. المسألة تبدو أكثر تعقيداً في حالة التزوير المتقن أي الذي لا يمكن اكتشافه من قبل الرجل المصرفي لدقة إتقانه، حيث لا يمكن إلا لقسم الأدلة الجنائية كشف مثل هذا التزوير وذلك من خلال الخبير الفني المتخصص وما يتوافر لديه من أجهزة فنية

. فعند صرف شيك يحمل توقيعاً متقن التزوير دون حدوث خطأ من قبل الساحب “العميل” يكون عندها البنك مسؤولاً عن الوفاء استناداً إلى نظرية مخاطر المهنة ويختلف الأمر في حال ما إذا كان الساحب قد وقع منه خطأ ما، فإذا أهمل الساحب – في حالة التزوير المتقن – في المحافظة على دفتر شيكاته الأمر الذي ترتب عليه سرقته أو فقدانه وعدم إبلاغه البنك بذلك، يكون الساحب مشتركاً في المسؤولية مع البنك ويتحمل جزءاً من قيمة الشيك المصروف وكذلك الأمر في حال ما إذا كان مزور الشيك يعمل لدى الساحب وتحت كفالته واستغل هذه العلاقة للقيام بعملية التزوير، إلا أننا نرى أنه يفترض في حال التزوير المتقن الذي يعود السبب في ارتكابه إلى إهمال العميل ودون حدوث خطأ من البنك ألا يكون البنك مسؤولاً في هذه الحالة ولا يلزم بسداد جزء من قيمة الشيك المصروف إذ أن البنك في هذه الحالة لا يعد مسؤولاً في نظرنا استنادا إلى نظرية مخاطر المهنة، وهو ما يجرى عليه العمل في الولايات المتحدة، وفرنسا.

والحقيقة إن عملية التزوير وخاصة المتقن عملية غاية في التعقيد تعاني من أضرارها جميع النظم المصرفية في العالم وهذا هو ما حدا بمؤسسة النقد العربي السعودي إلى إصدار العديد من التعليمات والضوابط لغرض الحد من صرف الشيكات المزورة بشكل عام كما تقوم البنوك التجارية بإلحاق موظفيها ذوي العلاقة بالدورات المتخصصة في كشف التزوير والتزييف المصرفي، وذلك لغرض الحد من صرف الشيكات ذات التوقيع المزور.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.