بواسطة noor nazzal
معرفة ما هو القضاء المعمول به في فلسطين فاذا كان قضاء الغاء ما هي الحالتين التي يكون فيها قضاء كامل بحيث لا يتم الاكتفاء بالغاء القرار الاداري بل يتم تقديم تعويض فما هي الحالتين

الإجابة

رأيى الشخصى

هذا بحث قانونى ربما يفيد للأستاذ الدكتور/ رمضان محمد

مفهوم دعوى التعويض و العلاقة

بينها وبين دعوى الإلغاء

القضاء الكامل: هو ذلك القضاء الذى يتيح للقاضى ليس فقط مجرد بحث مدى مشروعية العمل الإدارى، ومن ثم إلغاء أو عدم إلغاء ذلك العمل، أو بمعنى آخر لا يتيح للقاضى فقط مجرد إدانة أعمالها المخالفة للقانون، وإنما يتجاوز ذلك إلى تصحيح وحسم المركز القانونى الذاتى للطاعن وذلك بتعديل العمل الإدارى أو تبديله إذا ثبت – بطبيعة الحال – عدم مشروعيته أو عدم صحته، والحكم له كذلك بالتعويض عن الأضرار الناجمة عنه. وفى كلمة يمكن القول أن القضاء الكامل يتيح للقاضى بيان الحل الكامل والصحيح للنزاع المعروض عليه بما من شأنه حسم كافة عناصر ذلك النزاع بشكل نهائى.

فالقضاء الكامل إذن أوسع مدى وأكثر شمولا من قضاء الإلغاء ومن ثم فهو أكثر فائدة وأعظم نفعا للطاعن، ولذا لنا أن نتساءل، لماذا تقتصر الطاعن فى كثير من الأحيان على الطعن بطريق قضاء الإلغاء دون طريق القضاء الكامل؟ وهذا التساؤل يقودنا فى الواقع إلى تساؤل آخر، هل يستطيع الطاعن أن يلجأ بصدد الحالات التى يجوز له الطعن فى خصوصها بالإلغاء إلى طريق الطعن بالقضاء الكامل؟

بطبيعة الحال لابد وأن تكون الإجابة بالنفى، ذلك أن هناك فرقا بين القضاءين وإلا لما وجد ما يسمى بقضاء الإلغاء والقضاء الكامل(1). هذا الفرق يكمن فى طبيعة المسائل التى جعلها القانون من اختصاص مجلس الدولة. وبمعنى آخر يكمن فى جوهر موضوع النزاع المعروض على القضاء وما إذا كان يتعلق بمركز قانونى موضوعى للطاعن، أم بمركز قانونى شخصى أو ذاتى، بحيث أنه كلما كان من النوع الأول، أى يتعلق بمركز قانونى موضوعى، كلما كنا أمام قضاء موضوعى ومن ثم كانت دعوى الإلغاء هى الواجبة الأتباع؛ أما إذا كان يتعلق بمركز قانونى شخصى أو ذاتى. فإننا نكون أمام قضاء شخصى، وعلى الطاعن أن يسلك من ثم طريق دعوى القضاء الكامل.

ولكن ماذا يقصد بالمركز القانونى الموضوعى وبالمركز القانونى الشخصى أو الذاتى؟ أو بمعنى آخر متى يقال أننا أمام مركز قانونى موضوعى ومن ثم تندرج المسائل المتعلقة به – والتى تكون محلاً للنزاع – فى إطار دعوى الإلغاء ومتى نكون على العكس من ذلك – أمام مركز قانونى شخصى أو ذاتى، بحيث تصبح دعوى القضاء الكامل هى الواجبة الأتباع للفصل فى المسائل المتعلقة به؟

المركز القانونى الموضوعى:

هو المركز الذى لا يختلف فى مضمونه أو فحواه من شخص أو من مجموعة أشخاص لآخرين، أى أنه يتحقق لدى الكافة دون تمييز أو تفرقة طالما أن ظروفهم القانونية تجاه القواعد القانونية التى تقرر ذلك المركز متماثلة. ولذا يقال له المركز القانونى الموضوعى العام. مع ملاحظة أنه لا فرق فى ذلك بين أن يستمد هذا المركز من قواعد القانون بشكل مباشر ومثاله مركز المواطن الذى يرغب فى الاستفادة من إحدى الحريات العامة كما وردت فى القانون الذى يقرر تلك الحريات، وبين أن يستمد بشكل غير مباشر أى من خلال عمل شرطى acte-condition ، مثال ذلك الموظف العام الذى لا يصبح كذلك إلا بصدور قرار إدارى بالتعيين، أو حالة الترقية بالاختيار أو الأقدمية والتى لا تنشأ إلا بقرار يصدر من جانب الإدارة فى إطار سلطتها التقديرية، وكذلك حالة الجزاءات التأديبية – الإحالة إلى المعاش – الاستيداع – الفصل بغير الطريق التأديبى… فى كل هذه الأحوال نكون أمام مركز قانونى موضوعى عام، ذلك أن نتيجة العمل الشرطى أو ما يصدر عن الإدارة من قرارات بمقتضى سلطتها التقديرية، فى المراكز القانونية الموضوعية إنما هو انطباق نفس القواعد القانونية على الجميع دون تمييز أو تفرقة بطريقة عامة وغير شخصية(1).

المركز القانونى الشخصى أو الذاتى:

أو ما يقال له الحق الخاص أو الذاتى، فهو ذلك المركز الذى لا يتحقق إلا فى شخص أو أشخاص محددين، أى لا يقوم إلا لصالح فرد أو أفراد معينين بذواتهم، ولذلك فهو يختلف فى مضمونه أو فحواه من شخص إلى آخر أو من أشخاص محددين إلى أشخاص آخرين وذلك تبعا لحالة كل منهم وظروفه الخاصة. ومثال ذلك، المركز الشخصى أو الذاتى للمتعاقد مع الإدارة، فهو مركز يختلف من متعاقد إلى آخر حيث يعمل كل منهم على تحديد حقوقه الذاتية تجاه الإدارة فى نطاق العقد الذى يبرمه معها. وكذلك المركز القانونى الشخصى أو الذاتى للموظف والذى يتجسد فى الحق الذاتى فى المرتب أو المعاش أو المكافأة أو ضم مدة خدمة معينة…. الخ. فهو مركز يختلف كذلك من موظف إلى آخر تبعا لاختلاف ظروف كل منهم الشخصية والوظيفية؛ ومن المراكز القانونية الشخصية أيضا المركز القانونى للمضرور من جراء عمل مادى صادر عن الإدارة حيث يختلف فى نطاقه ومداه من حالة لأخرى لأن الفعل المادى فى هذه الحالة يختلف فيما يحدثه من أضرار تبعا لكل حالة على حدة…. وهكذا.

مما سبق يتضح أنه كلما كان هناك اعتداء على مركز قانونى عام كانت الدعوى موضوعية وتجسدت فيما يعرف بدعوى الإلغاء، أما إذا كان الاعتداء على حق شخصى كانت الدعوى ذاتية أو شخصية وتجسدت فيما يقال لها دعوى القضاء الكامل، الأمر الذى يعنى أن التفرقة بين الدعاوى التى تعرض على القضاء الإدارى تتعدد – كما ذكرنا من قبل – تبعا لطبيعة وجوهر النزاع المعروض، فإذا كان يمس مركزا قانونيا عاما، فإن الخصومة تصبح ذات طبيعة عينية وتعمل من ثم على قيام الدعاوى الموضوعية، أما إذا تعلق النزاع بحق ذاتى أو شخصى كانت الخصومة ذات طبيعة شخصية أو ذاتية وأدت بالتالى إلى قيام الدعاوى الشخصية.

هذا هو المعيار الذى اعتنقه الفقه الحديث سواء فى فرنسا أو فى مصر للتفرقة بين دعاوى القضاء الإدارى(1) بحيث أصبحت الدعوى الموضوعية تقابل دعوى الإلغاء، والدعاوى الشخصية تقابل دعوى القضاء الكامل. بل لقد تبنت محكمة القضاء الإدارى ذلك المعيار صراحة فى أحد أحكامها مقررة أن الفرق بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الكامل يكمن فى طبيعة وجوهر النزاع المعروض على المجلس(1). وهو ما انتهجته المحكمة الإدارية العليا حينما أعلنت أن اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بنظر المنازعات الإدارية المنصوص عليها فى المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ينطوى على نوعين من الولاية القضائية الأول هو ولاية الإلغاء ومحلها دعاوى الإلغاء المتعلقة بإلغاء القرارات النهائية للسلطات الإدارية… بسبب مخالفة القانون بالمعنى العام، فموضوعها هو شرعية القرار الإدارى…. والنوع الثانى من الولاية القضائية هو ما يعرف بولاية القضاء الكامل ومحلها دعاوى القضاء الكامل وهى تشمل جميع المنازعات التى تختص محاكم مجلس الدولة بنظرها طبقا لنص المادة العاشرة من القانون المشار إليه عدا دعاوى إلغاء القرارات الإدارية النهائية محل ولاية الإلغاء… وموضوع دعاوى القضاء الكامل مركز قانونى فردى حيث يدعى رافعها أنه صاحب مركز قانونى معين ينشىء له حقاً قبل الإدارة وأنها تنازعه فى أصل هذا الحق أو فى مداه.. مطالبا القضاء بأن يحكم له على الإدارة بفعل شىء أو بالامتناع عن فعل شىء وفى غالب الحالات بدفع مبلغ من النقود……”(1).

من الحكم السابق يتضح إذن أن دعاوى القضاء الكامل تشمل جميع المنازعات الإدارية التى تختص محاكم مجلس الدولة بنظرها وهى:

– دعاوى التعويض عن القرارات الإدارية وعن الأعمال المادية المنسوبة لجهة الإدارة.

– دعاوى التسويات أو الاستحقاقات الخاصة بالموظفين العموميين ومن أمثلتها المنازعات المتعلقة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت.

– دعاوى الجنسية.

– دعاوى المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية.

– الطعون الخاصة بانتخابات المجالس المحلية أو البلدية.

– دعاوى الضرائب والرسوم.

وتشكل دعاوى التعويض أو المسئولية(1) فى الواقع أهم حالات القضاء الكامل على الإطلاق سواء من الناحية العملية أو القانونية لدرجة أن القضاء الإدارى قد ابتدع من خلال أحكامه المتعلقة بها مبادئ ونظريات خاصة بها متميزة ومستقلة عن تلك المتعلقة بالمسئولية المدنية التى تحكم مختلف علاقات الأفراد فيما بينهم فى إطار القانون الخاص. ولكن قبل أن نبين مختلف الجوانب التى تحكم هذه الدعاوى نود أن نشير بداءة إلى مدى أهمية قضاء التعويض إلى جوار قضاء الإلغاء إضافة إلى أهم الفروق بين هذين النوعين من أنواع القضاء.

أولا: أهمية قضاء التعويض إلى جوار قضاء الإلغاء:

نظرا لأن قضاء الإلغاء يقتصر – كما بينا من قبل – على مجرد بحث مدى مشروعية القرارات الإدارية النهائية المطعون فيها، وإلغائها إذا ثبت عدم موافقتها للقواعد الموضوعية، أو لمجموعة القواعد القانونية التى تحكمها، دون أن تمتد سلطات قاضى الإلغاء إلى أكثر من ذلك، وقد يكون فى ذلك إجحاف بأصحاب الشأن الذين أصابهم ضرر من جراء تلك القرارات بحيث لا يكفى مجرد الإلغاء، أو بمعنى أدق مجرد تنفيذ الحكم الصادر بهذا الإلغاء فى جبر كافة الأضرار الناجمة عنها؛ ذلك أن إلغاء القرارات المعيبة لا يكفل فى أغلب الأحوال تغطية ما قد يترتب على تلك القرارات من آثار فترة من الزمن، خاصة أن مجرد رفع دعوى الإلغاء لا يؤثر على نفاذ القرارات الإدارية المطعون فيها، فإذا حدث مثلا ونفذت الإدارة قراراً إدارياً مطعون فيه بالإلغاء ثم أصدر مجلس الدولة حكمه بإلغاء ذلك القرار، فما هى الفائدة التى تعود على صاحب الشأن من صدور هذا الحكم؟ خاصة إذا كان من المستحيل تدارك آثار ذلك التنفيذ؟ من هنا تبدو أهمية قضاء التعويض كطريق مكمل لقضاء الإلغاء، إذ يستطيع الأفراد فى هذه الحالة (وقد استحال عليهم إعادة الأمور إلى نصابها) أن يطالبوا الجهات المختصة – من خلال قضاء التعويض – بجبر الضرر الذى أصابهم من جراء ذلك التنفيذ.

كما تبدو أهمية قضاء التعويض إلى جوار قضاء الإلغاء، إذا علمنا أن مدة الطعن بالإلغاء قصيرة نسبيا فهى – كقاعدة- ستون يوماً فى مصر وشهران فى فرنسا من تاريخ نشر القرار المطعون فيه أو إعلانه أو العلم اليقينى به، بحيث أنه إذا انقضت هذه المدة دون رفع الدعوى سقط الحق فى إقامتها وتحصن القرار الإدارى نهائيا رغم عدم مشروعيته، فى حين أن طلب التعويض عن ذلك القرار ممكن فى أى وقت طالما أن الحق المدعى به لازال قائما ولم يسقط بأى من مدد التقادم المحدث لذلك، مع العلم بأن القاعدة فى هذا الشأن أن مدة التقادم هى خمسة عشرة عاما ما لم ينص القانون على ميعاد تقادم آخر للحق المدعى به كما سنبينه فى حينه.

إضافة إلى ذلك فإن قضاء التعويض يتيح للأفراد جبر الأضرار التى تصيبهم ليس فقط من جراء ما تتخذه الإدارة من قرارات غير مشروعة، وإنما أيضا من جراء ما يصدر عنها من أعمال مادية ضارة، ذلك أن قبول دعوى الإلغاء مقيد بأن يكون محل الطعن فقط قرار إدارى مدعى بعد مشروعيته، الأمر الذى يعنى أنه يصعب بل ويستحيل الاستغناء عن قضاء التعويض؟ إذ لو لم يكن متاحا أمام الأفراد هذا النوع من القضاء لا نغلق أمامهم باب جبر الأضرار الناجمة عن أعمال الإدارة المالية وهو ما يتنافى مع مبدأ سيادة القانون وضرورة تحقيق العدالة بين المواطنين.

ثانيا: الفروق الجوهرية بين قضاء الإلغاء وقضاء التعويض:

ترجع هذه الفروق أساسا – وكما ذكرنا – من قبل إلى طبيعة وجوهر النزاع المعروض على القضاء، وما إذا كان نزاعا موضوعيا يتعلق بحق موضوعى عام ويؤدى من ثم إلى قيام دعوى الإلغاء، أم كان نزاعاً شخصياً أو ذاتياً يتعلق بحق شخصى أو ذاتى ويؤدى بالتالى إلى قيام دعوى التعويض، ويترتب على هذه التفرقة الجوهرية بين النزاع الموضوعى والنزاع الشخصى أوجه الاختلاف التالية:

لا يوجد فى قضاء الإلغاء سوى طرف واحد فقط هو المدعى، حيث يقوم هذا القضاء والذى يتعلق- كما ذكرنا- بخصومة موضوعية أو عينية على مخاصمة القرار الإدارى ذاته. وبمعنى آخر يهاجم أصحاب الشأن فى قضاء الإلغاء قرار إدارى معين، بينما يوجد فى دعوى التعويض طرفين هما جهة الإدارة المدعى عليها بالاعتداء على حق شخصى، والمدعى بهذا الحق، أو بأن هناك اعتداء وقع على حق شخصى أو ذاتى له.

– يكفى لقبول دعوى الإلغاء مجرد وجود مصلحة شخصية مباشرة لمدعى، بينما يشترط فى دعوى التعويض أن يكون للمدعى حق أثر فيه القرار المطعون فيه.

– للأحكام الصادرة فى قضاء الإلغاء حجية مطلقة تنصرف إلى الكافة. بمعنى أنه إذا ألغى القرار المطعون فيه، أصبح كأن لم يكن، لا بالنسبة إلى المدعى وحده بل بالنسبة إلى الكافة، بينما يكون للأحكام الصادرة فى قضاء التعويض حجية نسبية مقصورة على أطراف الخصومة دون غيرهم.

– إضافة إلى ماسبق ذكره من أن اللجوء إلى قضاء الإلغاء مقيد بمدة معينة يجب احترامها وإلا سقط الحق فى الدفاع عن مشروعية القرارات الإدارية، بينما لا يتقيد اللجوء إلى قضاء التعويض بهذه المدة طالما أن الحق المتنازع حوله لازال قائما لم يسقط بمدد التقادم المحددة له، نقول إضافة إلى ذلك، فإن القضاء الفرنسى مازال مضطردا على عدم جواز الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض فى عريضة واحدة، بمعنى أن دعوى الإلغاء لا يمكن أن تشتمل إلا على طلب الإلغاء دون أن يكون للمدعى حق طلب التعويض فى ذات طلب الإلغاء مع ملاحظة أن اشتمال دعوى الإلغاء على طلب التعويض لا يؤثر فى قبول هذه الدعوى، ذلك أن مجلس الدولة الفرنسى يكتفى فى هذا المقام بالامتناع عن نظر طلب التعويض ورفضه دون المساس بدعوى الإلغاء والحكم فيها(1). وقد يرجع ذلك إلى ما خص به المشرع الفرنسى دعوى الإلغاء من تيسيرات تتمثل فى عدم اشتراط تقديم عريضة الدعوى عن طريق أحد المحامين، وكذلك إلى إعفائها من رسوم القيد وذلك تشجيعا للأفراد على إقامتها دفاعا عن مبدأ المشروعية. لذلك ونظرا لأن مثل هذه التيسيرات لا وجود لها فى مصر حيث لا تختلف دعوى الإلغاء عن دعوى التعويض من ناحية أداء الرسوم أو من ناحية إجراءات رفع كل منهما كما سنرى، فإن المشرع المصرى قد أباح الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض فى عريضة واحدة هى عريضة دعوى الإلغاء وذلك إذا قام المدعى بالطعن فى قرار إدارى غير مشروع. وفى هذه الحالة يكون طلب الإلغاء طلبا أصليا ويكون التعويض طلبا تبعيا، أما إذا كان طلب التعويض قائما بذاته بعريضة خاصة مما يعتبر معه طلبا أصليا، فإنه لا يجوز أن يتضمن بصفة تبعية طلب الإلغاء؛ بمعنى أن الجمع بين هذين الطلبين وإن كان جائزا فى عريضة دعوى الإلغاء، فإنه غير جائز فى عريضة دعوى التعويض.

وتجدر الإشارة إلى أن قضاء التعويض مقارنا بقضاء الإلغاء إنما يعتبر فى واقع الأمر قضاء حديث نسبيا فهو، أى قضاء التعويض والذى يعنى – كما ذكرنا – مسئولية الدولة أو بمعنى أدق مسئولية الإدارة عن الأضرار التى تصيب الأفراد من جراء أخطاء الموظفين العموميين لم يتقرر فى فرنسا إلا بدءاً من أواخر القرن الماضى، أما قبل ذلك فقد كان المبدأ هو عدم مسئولية الدولة أو الإدارة عن أخطاء موظفيها.

مع ملاحظة أن تقرير المبدأ على هذا النحو لم يحدث طفرة واحدة أو بشكل فجائى وإنما مر بتطورات عديدة إلى أن أصبح بالشكل الذى هو عليه الآن، بل وفى مصر فإنه يلاحظ أن مبدأ مسئولية الإدارة عن أعمالها غير التعاقدية قد مر بذات التطورات التى مر بها فى فرنسا وذلك على ما سنبينه فيما بعد.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يمكن القول أنه إذا كان مبدأ مسئولية الدولة قد أصبح فى الوقت الراهن من المبادئ المسلم بها فى جميع دول العالم تقريباً على الأقل عن تصرفاتها غير المشروعة، إلا أنه لا يغطى فى الواقع كافة أعمال الدولة، إذ لا تزال القاعدة هى عدم مسئولية الدولة عن أعمالها التشريعية والقضائية، بل وحتى بالنسبة للأعمال التى تباشرها السلطة التنفيذية وهى ما يقال لها الأعمال الإدارية، فإنه لازالت بعض هذه الأعمال لا تدخل فى نطاق المبدأ المذكور، وهى الأعمال التى يطلق عليها أعمال السيادة أو الحكومة.

les actes de souveraineté de gouvernément.

فهذه الأعمال لا تخضع لرقابة القضاء إلغاء وتعويضا.

(1) ومع ذلك يذهب جانب من الفقه إلى أن التفرقة بين ولاية قاضى الإلغاء وولايته فى غير دعاوى الإلغاء هى تفرقة غير مبررة وليس لها محل الآن فى ظل النص الدستورى الذى جعل مجلس الدولة هو قاضى القانون العام. فالدعاوى التى تطرح على مجلس الدولة – يضيف هذا الجانب من الفقه – إما أنها متعلقة بقرار إدارى يراد الغاؤه فيجب أن تنطبق مواعيد وإجراءات دعوى الإلغاء المقررة بالقانون وبمبادىء مجلس الدولة، وإما أن محل الطعن ليس قرارا إداريا فى مفهوم قضاء مجلس الدولة، حينئذ لا يكون هناك محل لانطباق مواعيد وإجراءات دعوى الإلغاء، وليس هناك ثمة اختلاف فى ولاية القاضى الإدارى على دعاوى الإلغاء أو دعاوى القضاء الكامل. ففى حالة قضاء الإلغاء يقوم بتطبيق قواعد وإجراءات دعوى الإلغاء تقيداً بطلبات الخصوم فى هذا الخصوص…. ولا يختلف الأمر فى دعاوى القضاء الكامل فلا يمكن للقاضى أن يحكم بما لم يطلبه الخصوم أو يتجاوز فى حكمه ما طلبوه فعلا وإلا كان حكمه معيبا، وكل ما فى الأمر أنه غير مقيد بإجراءات ومواعيد دعوى الإلغاء… وينتهى أنصار هذا الاتجاه إلى القول بأنه “لا يجوز اتخاذ هذه التفرقة سندا للتقليل من مكنات وسلطات القاضى الإدارى فى دعاوى الإلغاء، وأنه لا يجوز تقسيم ولايته على هذا النحو، وإنما يمكن تقسيم الدعاوى التى تقام أمامه بين دعاوى الإلغاء وسائر المنازعات الأخرى. دكتور محمد ماهر أبو العينين، اختصاص مجس الدولة وفقا لأحكام القسم القضائى حتى عام 1992، نقابة المحامين، لجنة المكتبة والفكر القانونى، مكتبة المحامى، بدون تاريخ، ص 337 ومابعدها.

ومع احترامنا وتقديرنا لهذا الرأى إلا أننا نرى أن الفرق بين دعوى الإلغاء ودعاوى القضاء الكامل من الوضوح بما لا يدع مجالا للتشكك فى قيامه فى ذاته ولا فيما يترتب عليه من نتائج سواء من حيث سلطات القاضى الإدارى أو فيما يجب أن يتبع من مواعيد وإجراءات فى خصومهما. مرجع هذه التفرقة كمات ذكرنا فى المتن طبيعة وجوهر النزاع المعروض على القاضى، إذ بينما يكمن فى الحالة الأولى فى مركز موضوعى، نجده فى دعاوى القضاء الكامل يكمن فى حق ذاتى أو شخصى، ولذلك نجد أن القرار الإدارى فى دعوى الإلغاء هو الذى يختصم، فى حين أن الإدارة هى التى تختصم فى دعاوى القضاء الكامل ، مع ما يستتبع ذلك من أن القاضى الإدارى لا يبحث فى دعوى الإلغاء سوى مشروعية ذلك القرار بينما يبحث فى دعاوى القضاء الكامل النزاع برمته واضعا حلا نهائيا وحاسما لكل ما يثيره من مشاكل وعقبات. حقيقة أن القاضى لا يستطيع أن يحكم فى كل من الدعويين إلا بما يطلبه الخصوم أو يتجاوز فى حكمه ما طلبوه فعلا، ولكن ليس معنى ذلك أنه لا فرق بين الدعويين، ذلك أن الخصوم فى دعوى الإلغاء – نظراً لطبيعتها العينية وما يترتب على ذلك من تقييدها لمكنات وسلطات القاضى الإدارى – لا يستطيعون أن يطلبوا أكثر من بحث مدى مشروعية القرارات الإدارية، فى حين أنهم يستطيعون فى أن يطلبوا أكثر من بحث مدى مشروعية القرارات الإدارية، فى حين أنهم يستطيعون فى دعاوى القضاء الكامل – نظرا لطبيعتها الذاتية وتعلقها بحق شخصى لهؤلاء الخصوم- أن يطلبوا ما يشاءون بما يرد لهم كل اعتداء على هذا الحق، الأمر الذى يعنى أن سلطات القاضى الإدارى فى خصوص هذه الدعاوى الأخيرة أوسع مدى من تلك التى يتمتع بها فى خصوص دعوى الإلغاء. وإذ كان صاحب الرأى السابق يرى أنه لا يجوز تقسيم ولاية القاضى الإدارى بين ولاية إلغاء وولاية قضاء كامل، فإننا نجده من ناحية أخرى ينتهى إلى القول – كما رأينا – بأنه يمكن تقسيم الدعاوى التى تقام أمامه بين دعاوى الإلغاء وسائر المنازعات الأخرى. وهنا لنا أن نتساءل على أى أساس يمكن تقسيم الدعاوى الإدارية على هذا النحو؟ وما هى سلطات القاضى الإدارى تجاه كل قسم من هذه الأقسام؟ وهل يختلف الأمر عن التقسيم الذى درج عليه كل من الفقه والقضاء للدعاوى الإدارية من أنها دعاوى إلغاء ودعاوى قضاء كامل؟، وأخيرا فقد ذهب الدكتور ماهر أبو العينين إلى القول بأن القضاء الإدارى “قد يكون فى حاجة إلى هذا التقسيم عندما كان اختصاصه محددا على سبيل الحصر حتى يستعمل الحيل القانونية فى تكييف الدعاوى المقامة أمامه ومحاولة إدخالها فى نطاق اختصاصه، أما بعد أن أصبح القاضى الإدارى صاحب الاختصاص العام فلا يوجد تبرير لهذه التفرقة بين نوعى الولاية”. إن هذا القول عهده بالنسبة للتميز بين نوعى القضاء وذلك على الرغم من اختصاصه (فى مصر) أصبح اختصاصا عاما، إذ لو كان الأمر كذلك وكما يدعى صاحب هذا الاتجاه من أن أساس التمييز بين نوعى القضاء هو ما كان من اختصاص مقيد لقضاء مجلس الدولة ومن ثم اتخاذه من هذه التفرقة حيلة قانونية فى تكييف الدعاوى المقامة أمامه لإدخالها فى اختصاصه، لكان مجلس الدولة قد عدل عن ذلك بمجرد أن أصبح اختصاصه عاما. ولكن لأن أساس التمييز بين نوعى القضاء شىء آخر – كما بينا من قبل – فأن التفرقة لازالت قائمة سواء فى كتابات الفقه الإدارى أم فى أحكام القضاء الإدارى. ففى حكم حديث نسبيا للمحكمة الإدارية العليا (1991) تقول هذه المحكمة أن : “اختصاص محاكم مجلس الدولة… ينطوى على نوعين من الولاية القضائية، الأول هو ولاية الإلغاء ومحلها دعاوى الإلغاء المتعلقة بإلغاء القرارات النهائية للسلطات الإدارية.. بسبب مخالفة القانون بالمعنى العام. فموضوعها هو شرعية القرار الإدارى… والنوع الثانى هو ما يعرف بولاية القضاء الكامل ومحلها دعاوى القضاء الكامل وهى تشمل جميع المنازعات الإدارية التى تختص محاكم مجلس الدولة بنظرها… عدا دعاوى إلغاء القرارات الإدارية النهائية محل ولاية الإلغاء …. فموضوع دعاوى القضاء الكامل مركز قانونى فردى حيث يدعى رافعها أنه صاحب مركز قانونى معين ينشىء له حقا قبل الإدارة وأنها تنازعه فى أصل هذا الحق أو فى مداه….”.

(1) الدكتور/ مصطفى أبو زيد فهمى، المرجع السابق، ص 388.

Duguit, Traité de droit constitutionnel, T.II. P. 458 etss: Hauriou, (1)

Précis de droit administrative. D,12 ém éd. 1938. P. 210 etss: Waline. Précis de droit administrative. Paris. Montchrestien, 1969, P. 112 etss.

الدكتورة/ سعاد الشرقاوى، المسئولية الإدارية، الطبعة الثالثة، 1973، ص 120 ومابعدها؛ الدكتور/ مصطفى أبو زيد فهمى، القضاء الإدارى ومجلس الدولة، الإسكندرية ، 1976/ مرجع سبق ذكره، ص 385 ومابعدها، محمد ميرغنى خيرى، القضاء الإدارى ومجلس الدولة، قضاء التعويض ومبدأ المسئولية المنية للدولة والسلطات العامة، 1994، ص 15 ومابعدها.

هذا وتجدر الإشارة إلى أنه كان هناك معيار آخر للتمييز بين دعوى الإلغاء ودعاوى القضاء الكامل يعتمد على مدى مد للقاضى من سلطات عند نظر الدعوى وبحيث أنه إذا كان يملك حق بحث الوقائع والقانون فإننا نكون أمام دعوى القضاء الكامل، أما إذا لم يكن له من حق سوى بحث النزاع من الوجهة القانونية فقط فإننا نكون بصدد دعوى الإلغاء. وكما هو واضح فإن هذا المعيار معيب من ناحيتين: أولا أنه يصادر على المطلوب، غذ يجب أن نعرف مسبقا وقبل أن نلجأ للقضاء عما إذا كانت المنازعة سوف تشير قضاء الإلغاء أم القضاء الكامل، لا بعد أن يرفع النزاع بالفعل أمام القضاء، فالسلطات التى يملكها القاضى فى هذه الحالة إنما تعد نتيجة وليست سببا، ومن ناحية أخرى، فإن قاضى الإلغاء لا يقف برقابته فقط عند حدث بحث النزاع من الوجهة القانونية وإنما يبحث أيضا الوقائع سوا من ناحية وجودها أم من ناحية التكييف القانونى لها، باعتبار أن هذه الوقائع تشكل ركنا فى القرار الإدارى (ركن السبب) والقضاء الإدارى سواء فى فرنسا أم فى مصر يؤكد صحة القول إذ لم يتردد فى فرض رقابته على صحة الوقائع المادية ووجودها ومراقبة صحة التكييف القانونى لها واعتبار ذلك وجها من أوجه المشروعية الخاصة بسبب القرار الإدارى. من هنا فقد هجر هذا المعيار ولم يعد له وجود الآن حول هذا المعيار وأوجه النقد التى وجهت إليه انظر:

Laferriére, traité de la jurisdiction administrative, I ére éd., P. 15 etss; Bérthélémy, traité élémentaire de droit administrative, 13 éme éd., P. 120 etss; Mohssen Khalil, la notion d’illégalité et son role dans la responsabilité de l’administration en droit administrative Françaic et Egyptien, Etude compare, these, paris, 1953, P. 21 etss.

(1) مجموعة مجلس الدولة لأحكام القضاء الإدارى، القضية رقم 163 لسنة 1 القضائية، السنة الخامسة، ص 343.

(1) الطعن رقم 3142 لسنة 35 قضائية، بتاريخ 27/7/1991، سبت الإشارة إليه.

(1) فقد سبق لنا أن تناولنا بقية هذه الدعاوى وإن كان بشكل موجز، إضافة إلى أن دعاوى التعويض أو المسئولية تستحق المزيد من البحث والدراسة.

Waline, le contrôle juridicionnel de l’administration, paris, 1949, (1)

P. 120 etss.

وانظر أيضا الدكتور/ محسن خليل، القضاء الإدارى ورقابته لأعمال الإدارة، مرجع سبق ذكره، ص 389.