الوكالة في الزواج
أنواع الوكالة في الزواج:

الوكالة في اللغة تطلق على أحد معنيين الحفظ أو الاعتماد والتفويض في الأمر.

وفي اصطلاح الفقهاء: إقامه الشخص غيره مقام نفسه في تصرف يملكه شرعاً مما يقبل الإنابة.

فإذا كان الشخص لا يملك التصرف بنفسه إما لعدم أهليته للتصرف أو عدم ولايته عليه لا يصح له أن ينيب غيره فيه، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

وعقد الزواج في ذاته من التصرفات التي تقبل الإنابة، فإذا كان الشخص يملك عقده بنفسه في موضع جاز له أن يوكل غيره ليقوم بدله في إنشائه.

وهذا قدر متفق عليه بين الفقهاء، ولكنهم اختلفوا فيمن يملكه: أهو كامل الأهلية من الرجال والنساء أم يقتصر ذلك على الرجال فقط؟

ذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنبلية- إلى أنه لا يملك التوكيل في الزواج إلا الرجل سواء بالنسبة لنفسه أو لمن في ولايته.

وذهب الحنفية إلى أنه يصح التوكيل فيه للرجل والمرأة على السواء ما دام كل منهما توفرت فيه أهلية إنشائه.

فيجوز للرجل أن يوكل غيره رجلاً كان أو امرأة في تزويج نفسه أو من في ولايته، وكذلك يجوز للمرأة أن توكل غيرها رجلاً كان أو امرأة في تزويجها أو في تزويج من في ولايتها.

لأن الأصل المقرر في الوكالة : أن كل شخص ملك تصرفاً بنفسه جاز له أن يوكل فيه غيره، فلا يشترط في الوكيل إلا أن يكون أهلاً للتصرف سواء كان ذكراً أو أنثى، كما لا يشترط في الموكل إلا أن يكون مالكاً لهذا التصرف.

ولا يشترط في التوكيل أن يكون مكتوباً بل يجوز مشافهة أو كتابة، ولا تتوقف صحته في الزواج على الإشهاد عليه، بل يجوز بدون شهود، لأنه ليس جزءاً من عقد الزواج المشترط فيه الإشهاد وإن كان الإشهاد عليه مستحسناً حتى لا يكون عرضة للإنكار أو يحصل نزاع في صفة العاقد.

والتوكيل بالزواج قد يكون مقيداً كأن يقول الرجل لآخر: وكلتك في تزويجي بفلانة لامرأة بعينها أو يوكله في تزويجه من أسرة معينة أو بمهر معين، أو تقول المرأة لرجل: وكلتك في تزويجي من فلان أو بمهر معين أو ما شاكل ذلك.

وقد يكون مطلقاً كأن يقول: وكلتك في أن تزوجني دون أن يعين له امرأة أو مهراً، أو تقول لرجل: وكلتك في أن تزوجني دون أن تزيد على ذلك شيئاً.

ومن هنا تنوعت الوكالة إلى نوعين مقيدة ومطلقة.

37- أنواع الوكالة في الزواج:

أما الوكالة المقيدة: فإما أن تكون من جانب الرجل أو من جانب المرأة. فإن كانت من جانب الرجل ولم يخالف الوكيل مقتضى الوكالة فزوجه بالمرأة التي عينها وبالمهر الذي حدده نفذ العقد ولزم الموكل، لأنه ملك الوكيل تصرفاً معيناً فأتى به حسبما رسمه له.

وإن خالف فزوجه بامرأة غير التي عينها أو من أسرة أخرى غير التي عينها أو بمهر أكثر مما حدده توقف العقد على إجازة الموكل، إن أجازه نفذ وإن لم يجزه بطل، لأنه بمخالفته خرج عن مقتضى الوكالة فيكون فضولياً، وعقد الفضولي عند الحنفية موقوف على إجازة صاحب الشأن.

وفي حالة تزويجه بأكثر من المهر يتوقف ولو تعهد الوكيل بدفع الزيادة، لأن الموكل قد لا يرضى بهذا التعهد لما فيه من المنَّة، والإنسان الحر لا يرضى بمنة غيره عليه وبخاصة في مهر زوجته.

أما إذا زوجه بأقل من المهر الذي عينه فإنه لا يتوقف العقد على إجازته لأن المخالفة هنا صورية حيث فيها خير للموكل، لأن من يرضى التزوج بالكثير يرضى به بالقليل.

وإن كانت الوكالة من جانب المرأة بأن وكلت غيرها في تزويجها بشخص معين أو بمهر معين فزوجها بمن عينته وبما حددته من المهر، فإن كان الزوج كفئاً والمهر مهر المثل نفذ العقد ولزم سواء كان لها ولي عاصب أو لا.

وإن كان الزوج غير كفء أو المهر أقل من مهر المثل، فإن لم يكن لها ولي عاصب نفذ الزواج ولزم دون توقف على شيء، لأن الكفاءة والمهر المماثل حقها وحدها وقد أسقطتهما. والوكيل لم يخالف ما رسمته له .

وإن كان لها ولي عاصب لا يصح العقد في حالة عدم كفاءة الزوج، لأنها لا تملك تزويج نفسها بغير الكفء على الرأي المفتى في مذهب الحنفية، وإذا كانت لا تملكه لا يملكه الوكيل، وفي حالة نقصان المهر يلزم العقد في جانبها ولا يلزم وليها فله طلب تكميل المهر فإن لم يفعل الزوج كان له الحق في طلب فسخه.

وإن خالف مقتضى الوكالة بأن زوجها من غير من عينته أو بأقل من المهر الذي حددته توقف العقد على إجازتها حتى ولو كان الزوج كفئاً، لأنه خرج عن مقتضى الوكالة. إذا المرأة أحياناً ترغب في الزواج بمن هو أعلى منها ولا ترضى بزواج من يساويها.

فإن ردته بطل، وإن أجازته لزم في حقها وحق الولي إن كان الزوج كفئاً والمهر مهر المثل، وإن كان الزوج غير كفء بطل رغم إجازتها، لأنها لا تملك ذلك كما قلنا، وإن كان كفئاً والمهر أقل من مهر المثل لزم في جانبها دون جانب الولي. فله حق الاعتراض.

وأما الوكالة المطلقة: وهي التي لم تقيد بزوج ولا بمهر معين.

فإن كان الموكل الرجل: ذهب الحنفية إلى أن العقد لا يلزمه إلا إذا كانت المرأة سليمة من العيوب مكافئة له وبمهر المثل أو يزيد قليلاً مما يتساهل فيه الناس، فإن كان بغير ذلك توقف على إجازتها.

وإن كان التوكيل من جانب المرأة فقد يكون الموكل وليها، وقد تكون هي نفسها إذا كانت بالغة عاقلة. ففي صورة توكيل الولي يملك الوكيل ما يملكه الولي من التزويج، لأن الوكيل يستمد سلطانه من الموكل فإن ملك التزويج بغير الكفء وبأقل من مهر المثل نفذ تزويج الوكيل بهذا.

وإن كان الولي لا يملك إلا التزويج بالكفء وبمهر المثل تقيد الوكيل بذلك وقد سبق مفصلاً في بحث الولاية، وفي صورة توكيلها فإن كان لها ولي عاصب تقيد تزويج الوكيل بالكفء بالاتفاق، فإن زوجها بغير الكفء كان الزواج غير صحيح لأنها لو فعلت ذلك بنفسها كان زواجها غير صحيح على الرأي المفتى به.

وإن لم يكن لها ولي عاصب وزوجها بغير الكفء كان الزواج على إجازتها بالاتفاق.

هل للوكيل بالزواج أن يوكل غيره به؟

جواز ذلك وعدمه يتوقف على صيغة التوكيل. فإذا أطلق له الموكل في توكيله بأن قال له: وكلتك في زواجي ولك أن توكل من تشاء، أو قال: فوضت أمر زواجي إلى رأيك.

ففي هذه الحالة يملك الوكيل توكيل غيره، ويكون الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكل الأصلي، فإذا عزل الموكل الوكيل الأول قبل الزواج فإن الوكيل الثاني لا ينعزل بعزله، لأن وكالته مستمدة من الموكل فيبقى على وكالته ما لم يعزله عنها، أما إذا لم يطلق في وكالته فليس له أن يوكل غيره، لأن ولاية الوكيل مستمدة من الموكل فالولاية له وحده دون غيره. حيث رضي الموكل رأيه هو دون سواه، فإن فعل وتولى وكيل الوكيل العقد كان موقوفاً على إجازة الموكل الأصلي لأن متوليه في هذه الحالة فضولي.

– حكم الوكالة:

الوكيل في عقد الزواج سفير ومعبر عن الموكل ولذلك لا بد من أن يضيف العقد إلى موكله فلا يرجع إليه شيء من حقوق العقد ولا يضمن شيئاً من ذلك إلا إذا تكفل به، وحينئذ تكون الحقوق راجعة إليه باعتباره كفيلاً، لا باعتباره وكيلاً.

وليس للوكيل على الزوجة أن يقبض مهرها إلا إذا كان مأذوناً بذلك صراحة أو دلالة، فلو سلم الزوج المهر إليه ولم يكن مأذوناً في قبضه ولم ترض الزوجة بهذا القبض لا تبرأ ذمة الزوج منه ولها المطالبة به.

أما إذا كان مأذوناً بذلك فإن ذمة الزوج تبرأ منه وليس لها حق المطالبة به بعد ذلك.

ومن الإذن بالقبض دلالة، أن يقبض الأب أو الجد مهر البكر الرشيدة وتسكت عن المطالبة به عند العقد فإن هذا السكوت يعتبر إذناً بالقبض فتبرأ ذمة الزوج به، لأن العادة جرت بأن يقبض الآباء مهور بناتهم الأبكار والجد مثل الأب في ذلك.

أما إذا كانت ثيباً أو كان الوكيل غير الأب والجد فإن السكوت لا يعتبر رضا بل لابد من الأذن الصريح ولا تبرأ ذمة الزوج بتسليم المهر للوكيل.