ماهية أسباب الإباحة وموضعها في القانون

أسباب الإباحة هي الأسباب التي يترتب على توافرها رفع الصفة الإجرامية عن السلوك وصيرورته سلوكا مشروعا لا جريمة فيه , فأثر توفر سبب الإباحة خروج الفعل من دائرة التجريم , لأن سبب الإباحة يخلع عن الفعل صفتةَ غير المشروعة التي أسبغها عليه نص التجريم , ويفترض في سبب الإباحة ارتكاب الفعل في ظروف معينة يقدر المشرع أنها تنفى عنه كونه اعتداء على حق من الحقوق الجديرة بالحماية الجنائية ولذلك يقرر إباحة الفعل في هذه الظروف ، وأيضا علة إباحة بعض الأفعال التي يضفى عليها نص التجريم صفة عدم المشروعية ، هي انتفاء علة تجريم هذه الأفعال , فمثلا ، علة تجريم القتل هي حماية الحق في الحياة ولكن إذا أحاطت بالقتل ظروف معينة يقدر المشرع أنه لا يشكل اعتداء على الحق في الحياة تنتفي منه علة التجريم فلا يكون لتجريمه في هذه الظروف مقتضى فينقلب القتل من سلوك غير مشروع إلى دائرة الإباحة إذا ما ارتُكب دفاعا عن النفس أو المال بشروط معينة. وأيضا أفعال الجرح التي تعتبر في الأصل العام غير مشروعة حماية لحق الإنسان في سلامة جسده تنقلب إلى سلوك مشروع إذا ما صدرت عن طبيب بقصد علاج مريضه وأيضا أفعال الضرب إذا ما صدرت من الزوج استعمالا لحقه في تأديب زوجته وفقا للضوابط التي يقررها القانون

موضع أسباب الإباحة في القانون
نص قانون العقوبات على أسباب الإباحة في مواضع متفرقة منه في المادة 60 و 63 كما نص على سبب ثالث هو حق الدفاع الشرعي ، وقد يتحدد مضمون أسباب الإباحة بالرجوع إلى فروع القانون الأخرى إذا ما نص عليه قانون العقوبات دون أن يحدد مضمون الحق الذي يبيح ارتكاب الأفعال التي يجرمها قانون العقوبات ، وقد يتحدد مضمون سبب الإباحة من العرف بالنسبة لبعض الأفعال مثلا ، مثل تأديب المخدوم لخادمه أو ممارسة الألعاب الرياضية ويذهب الرأي الراجح فقها وقضاءً أن أسباب الإباحة وردت في القانون على سبيل الحصر بينما يذهب رأى أخر إلى عكس ذلك مقررا أنه ليس بشرط أن يستند سبب الإباحة إلى مصدر قانوني معين فقد يرجع إلى المبادئ العامة للنظام القانوني وروحه , ولا يعنى ذلك أن فروع القانون الأخرى لها دور في تقرير الإباحة كل ما هنالك أن دورها ينحصر في تحديد مضمون الإباحة وشروطها إذ لم يكن هذا المضمون قد نص عليه في قانون العقوبات , فمن غير المعقول أن يجرم المشرع الجنائي سلوك يبيح به في فروع أخرى من القانون.

مشروعية استعمال الحق ومصدره
يتضح لنا من خلال تعريف الحق أن المشرع إذا قرر حقا فقد أضفى بهذا القرار المشروعية على استعمال صاحبه له مادام ملتزما بحدوده ولم يتجاوزها وإضفاء هذه المشروعية على استعمال الحق يقتضي اعتراف كل فروع النظام القانوني للدولة بهذه المشروعية فإذا أجاز المشرع للأب أن يؤدب ابنه بالضرب فإنه فضلا على أنه لا تجوز مساءلته جنائيا عن جريمة ضرب لا يُسأل مدنيا ولا إداريا عن ذلك والحكمة من الاحتجاج بمشروعية استعمال الحق في مواجهة سائر فروع القانون ترجع إلى تجنب نشوب تعارض أو تضاد بين هذه الفروع فيقعد القانون عن تحقيق غايته وهي الصالح العام ولذلك نصت المادة 60 من قانون العقوبات على أنه لا تسري إحكام هذا القانون على كل فعل أرتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة ويقصد بالإباحة استعمال الحق للحالات التي ينتفي فيها عدم مشروعية الفعل لكونه قد وقع استعمالا لحق يقرره القانون لمرتكبه سواء كان استعمال الحق لتحقيق مصلحة خاصة أو عامة وأساس هذه الإباحة وجوب تحقيق التناسق بين أحكام القانون وتنزيه المشرع عن التناقض ، ذلك أن قيمة الحق تكمن في استعماله للحصول على ما يتضمنه هذا الاستعمال من مزايا أو تحقيقا للغاية منه. واستعمال الحق كسببٍ من أسبابٍ عامة للإباحة في جميع الجرائم يتطلب توافر شروط معينة ، كما أن استعمال الحق له تطبيقات خاصة بالنظر إلى جرائم أخرى.

مصدر الحق
من المسلم به أن مصدر الحق قد يكون قاعدة شرعية وردت في كتاب الله عز وجل أو في سنه رسوله صلى الله عليه وسلم كما يكون مصدرها قانون صادر من ولي الأمر في هذه الصور الثلاث يكون مصدر الحق مصدرا مكتوبا ومن جهة أخرى فقد يكون مصدر الحق غير مكتوب في العرف أو من مصلحة يعترف بها القانون ويحميها فاستعمال الحق لا يعد سببا للإباحة إلا إذا كان لهذا الحق وجود قانوني ، هذا الوجود معناه أن القانون يعترف بالمصلحة ويضفي عليها المشروعية ويسبغ حمايته عليها ويعني ذلك أن مصدر الحقوق كافة هو القانون الذي عبرت عنه المادة 60 من قانون العقوبات بلفظ الشريعة ونورد فيما يلي أمثلة في ذلك. 1-من الحقوق التي تستمد مشروعية استعمالها من القرآن الكريم نذكر حق تأديب الزوج لزوجته استنادا إلى قوله تعالى ” والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا” فإذا ضرب الزوج زوجته تأديبا فإن فعله هذا لا يعتبر جريمة مادام الزوج قد التزم حدود استعماله لهذا الحق. 2-ومن الحقوق التي تستمد مشروعية استعمالها من السنة النبوية نذكر قوله “صلى الله عليه وسلم” من تطبب ولم يعرف منه طب فهو ضامن” ويكون مخالفة هذا الحكم يفيد أن من تطبب وقد عرف منه طبا لا يضمن . وبهذا تنتفي صفة ألا مشروعية عن فعله فيصبح مباحا. 3-ومن الحقوق التي تستمد مشروعية استعمالها من ولي الأمر نذكر ممارسة بعض الألعاب الرياضية كالمصارعة والملاكمة والمبارزة بالسيف فهذه الألعاب يتمتع من يمارسها بموافقة ولي الأمر فتصبح أفعالا مباحة. 4-ومن الحقوق التي تستمد مشروعية استعمالها من قاعدة شرعية غير مكتوبة نذكر خرم الأم لأذن ابنتها لتثبيت القرط بها ونذكر تأديب المخدوم لخادمه في نظر محكمة النقض المصرية. 5-وإلى جانب المصادر السابقة للحقوق فقد يكون مصدر الحق عقدا من العقود وقد يكون مصدرة إرادة منفردة أو حكما قضائيا.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت