المسئولية الجزائية لإساءة استخدام البلوتوث
تمهيد :
بدأت ملامح ثورة المعلومات والاتصالات- والتي أدخلت العالم في مرحلة جديدة – في الظهور منذ بداية الستينات من القرن الماضي، إلا أنها لم تتبلور بصورة كبيرة سوي في مطلع التسعينات ، فقد تميزت هذه الفترة بتزايد أهمية المعلومات والاتصالات ، إلى درجة تبرر إطلاق تسمية ثورة المعلومات والاتصالات علي المجتمع الحديث ( 1 )

ومن ثم تحول العالم بفضل تكنولوجيا الاتصالات العالمية وانخفاض تكاليف النقل وحرية

التجارة الدولية إلى سوق واحد)، الأمر الذي أدي إلى منافسة أشد وطأة بين الشركات العاملة في مجال الاتصالات للاستحواذ علي قدر أكبر من الأسواق الدولية ، ومن ثم اتجهت هذه الشركات إلى البحث عن تقنيات جديدة تكون أكثر كفاءة واقل سعرا ، ومن هذه التقنيات تقنية ما يعرف “بالبلوتوث ” ، والتي بموجبها تمكن أي جهازين إلكترونيين – أجهزة حاسب آلي أو أجهزة هواتف نقالة بالقيام بعملية اتصال بينهما بدون أسلاك أو كابلات أو أي تدخل من قبل المستخدم ، بحيث تتمكن هذه الأجهزة من تبادل البيانات ونقل الملفات مع بعضها لاسلكياً. ( 2 )
وكلمة (بلوتوث) تعني السن الأزرق، أو الناب الأزرق،و أطلقت على هذه التقنية نسبة إلى موحد الدانمارك والنرويج الملك «هيرالد بلو توث» الذي حكم الدانمارك ما بين عامي 910 -940م، وقتل في معركة جرت بينه وبين ابنه «سفند فور كبيرد»،ويعتبر«بلوتوث» أول من نبذ الوثنية في شمال أوروبا وآمن بالمسيح. واختير هذا الاسم لهذه التكنولوجيا للدلالة على مدى أهمية شركات الاتصالات في الدانمارك والنرويج والسويد وفنلندا ، بالرغم من أن التسمية لا علاقة لها بمضمون هذه التقنية.

فعندما تكون الأجهزة مزودة بتكنولوجيا البلوتوث فإن هذه الأجهزة تتمكن من معرفة المطلوب منها دون تدخل من المستخدم حيث يمكنها الاتصال فيما بينها ،حيث تنشئ شبكة تواصل صغيرة بينهما تعرف باسم الشبكة الشخصية PAN لنأخذ على سبيل المثال جهاز الهاتف النقال فالشركة المصنعة قد وضعت شريحتي بلوتوث في كل منهما، وتم برمجة كل وحدة بعنوان محدد يقع في المدى المخصص لهذا النوع من الأجهزة. فعند تشغيل تقنية البلوتوث فإنها ترسل إشارة راديو لأجهزة الاستقبال التي تحمل نفس العنوان ويتم إنشاء شبكة بينهما ،كذلك الحال مع أجهزة الحاسب الآلي حيث تعمل بنفس الآلية حيث تنشئ شبكات تربط الأجهزة بعضها ببعض. وعندها تتواصل هذه الأجهزة التي تصبح ضمن الشبكة الخاصة وتتبادل المعلومات بينها باستخدام الترددات المتاحة.

أي أن تقنية “البلوتوث” هي عبارة عن معيار( أو طريقه) للاتصال اللاسلكي عبر موجات الراديو(RF) قصيرة المدى، بين أجهزه تشكل شبكه شخصيه محدودة المسافة(PAN) (حوالي 10 أمتار)، وبالتالي أي جاهزين يتبعوا نفس هذا المعيار يمكنهم الاتصال وتبادل البيانات فيما بينهم دون الحاجة إلى اتصال مباشر بينهم

وتعطي تقنية البلوتوث فوائد عديدة لمستخدمها يمكن إجمالها في الآتي :

أ‌- تقنية بدون أسلاك :وهذا يجعل نقل الأجهزة وترتيبها في السفر أو في البيت سهلا وبدون متاعب .فالبلوتوث جهاز لاسلكي، يغني عن حمل الكثير من الأسلاك عند الانتقال من مكان إلى آخر، وأيضا يستطيع الشخص أن يصمم شبكة للحاسب الآلي من دون القلق بشأن الأسلاك

ب‌- تقنية سهلة التشغيل: فأجهزة البلوتوث تجد بعضها الأخر بنفسها، وتقوم بالتحدث إليها بنفسها بدون الحاجة إلى التدخل من قبل المستخدم، فهي تستطيع التواصل ببعضها البعض بدون تدخل المستخدم وكل ما عليه هو الضغط على زر التشغيل وترك الباقي للبلوتوث ليتحوار مع الجهاز المعني بالأمر ،مثل تبادل الملفات بكافة أنواعها بين الأجهزة الإلكترونية.

ت‌- تقنية غير مكلفة بالمقارنة بالأجهزة الأخرى
كما توجد منافع عند استخدام تقنية البلوتوث توجد أيضا أضرار في استخدامها يمكن إجمالها في الآتي :
أ‌- من خلال تقنية البلوتوث يمكن إرسال أي نوع من الرسائل والصور والفيديو, والتي من الممكن أن تحتوي علي أشياء تتنافى مع الأخلاق والشريعة الإسلامية،فيمكن نشر المقاطع المخزية، والأفلام الإباحية، وصور للنساء من حيث يعلمن أو لا يعلمن، فتهتز البيوت، وتعظم المصيبة، ويتخلخل كيان المجتمع ( 3 )

ب‌- تهيئة أسباب الانحراف : فكثيرا من القضايا التي تضبط في ربط العلاقة المحرمة تكون باتصال على رقم لا يعرف من صاحبه يكون قد حصل عليه عن طريق هذه التقنية. كما أن هذه التقنية لها أثر خطير على الأحداث، حيث إن داعي الفضول لديهم أقوى، فوجود مثل هذه التقنية بمتناول أيديهم يهيئ لهم أسباب الانحراف، حيث إن ما ينقل عبر هذه التقنية ليس مجرد كلام مكتوب أو مسموع فحسب بل ينقل عبرها مقاطع الفيديو السيئة فماذا سيكون حال صغير السن الذي يكون في متناول يده تلك الأفلام الخليعة والإباحية ويستطيع النظر إليها بكل سهولة ( 4 )
ت‌- الاعتداء علي حقوق المؤلف من خلال نشر المصنفات محل حماية المنظم بدون موافقة أو إذن المؤلف .

ومن ثم فإننا سنقسم دراستنا لهذا الموضوع الي النقاط الآتية :
أولا :تجريم إساءة استعمال البلوتوث المستخدم في الحاسب الآلي أو الهاتف النقال في نشر ما يتضمن الاعتداء علي الآداب والأخلاق العامة.

ثانيا : تجريم إساءة استعمال البلوتوث بما يخل بحقوق المؤلف .
أولا : تجريم إساءة استعمال البلوتوث المستخدم في الحاسب الآلي أو الهاتف النقال في نشر ما يتضمن الاعتداء علي الآداب والأخلاق العامة

بينا أن تقنية البلوتوث تستخدم كوسيلة حديثة في الاتصال بين أي جهازين إلكترونين، مثل أجهزة الحاسب الآلي ، ومن ثم يمكن للشخص أن يستخدم هذه التقنية في توجيه رسالة عبر الحاسب الآلي تتضمن عبارات فاضحة أو قصصا بذيئة أو حض علي سلوك جنسي مناف للأخلاق ، أو يقوم بإرسال فيلم سينمائي أو تليفزيوني يتضمن مناظر فاحشة، وغيرها من وسائل النشر التي تتضمن اعتداء علي الأخلاق والقيم الدينية ، ومن ثم يثار التساؤل حول مدي المسئولية الجزائية لمرتكب مثل هذه الأفعال.

1-المساس بالنظام العام :
تعد فكرة النظام العام فكرة نسبية مرنة تختلف باختلاف الزمان والمكان مما جعلها مستعصية علي الضبط ، ولعل خير ما يقرب فكرة النظام العام من الأذهان هو ما قيل من أن قوامها هو مجموع المصالح الأساسية للجماعة ، سواء كانت هذه المصالح سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم أدبية ، ومن ثم يترك للقضاء سلطة تحديد ما يعتبر من النظام العام ، والقاضي لا يحل أراءه أو عقائده الشخصية محل رأي الجماعة ، ولكن هو مقيد لا بما يراه هو ولكن بالتيار العام السائد بشأنه في هذه الجماعة المعينة وفي ذلك الزمن المعين ، وللتوصل إلى ذلك عليه أن يتقصي المبادئ الأساسية للنظام الاجتماعي والقانوني في الدولة ،ويستخلص منه ما يعتبر من النظام العام .

ومن ثم تتوافر المسئولية الجزائية للشخص الذي يستعمل تقنية البلوتوث المستخدمة في الحاسب الآلي أو الهاتف الجوال في نشر ما يعد مساس بالنظام العام ، مثال ذلك الأفكار التي تمس بالنظام الاجتماعي القائم عل المساواة بين جميع المواطنين ،أو الأفكار التي تدعو إلى الاعتراف بالعلاقات الجنسية المحرمة

2- المساس بالقيم الدينية :
يقصد بالمساس بالقيم الدينية المساس بالمبادئ الكلية للشريعة الإسلامية التي لا تختلف باختلاف المذاهب الفقهية ، فأحكام الميراث تعتبر من القواعد التي لا تختلف باختلاف المذاهب. ومن ثم تتوافر المسئولية الجزائية للشخص الذي يستخدم تقنية البلوتوث في نشر أفكار تدعو إلى المساواة بين الذكر والأنثي في الميراث بالمخالفة لأحكام المواريث , أو يدعو إلى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية في المملكة بالمخالفة لأحكام الدستور والأنظمة المعمول بها .

3- المساس بالآداب العامة :
فكرة الآداب العامة مثلها مثل فكرة النظام العام فكرة مرنة تستعصي علي التعريف الجامد المحدد ، ويمكن القول أن قوام فكرة الآداب العامة هو الرأي العام في المجتمع ، وما يتأثر به من عوامل أخلاقية واجتماعية ، يجسدها الدين والعرف والتقاليد في المجتمع ،فهي تمثل الحد الأدنى من قواعد الأخلاق التي استقرت في ضمير المجتمع وأصبحت ملزمة طبقا لما يقضي به الشعور العام في الجماعة) .

ومن ثم تتوافر جريمة إرسال ما من شأنه المساس بالآداب والأخلاق العامة للشخص الذي يستعمل تقنية البلوتوث المستخدمة في الحاسب الآلي في نشر أماكن لبيوت الدعارة أو نوادي القمار.

4-المساس بحرمة الحياة الخاصة :
الحق في الحياة الخاصة من الحقوق اللصيقة بالشخصية ،وهو يعطي لصاحبه حق إضفاء طابع السرية علي المعلومات التي تتولد عن ممارسة حياته الخاصة . وهذا المعني الأخير هو الذي يميز الحياة الخاصة عن الحياة العامة التي يعيشها الشخص علي مشهد من المجتمع ، والتي تتميز بالعلانية

وقد عنيت الشريعة الإسلامية بحماية الحياة الخاصة من خلال تقرير حفظ الأسرار وكتمانها ، فمن صفات المسلم الحق كتمان الأسرار، فيحرم إفشاء أسرار الناس وخصوصياتهم التي تضر بسمعتهم وتمس كرامتهم أو تخدش حياءهم , وبصفة عامة كل ما من شأنه المساس بخصوصيات الأشخاص , فقد أمر الرسول صلي الله عليه وسلم بكتمان أسرار الغير بقوله “لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة “.

ومن الجدير بالذكر أن صورة الشخص تعد من البيانات الخاصة فلا يجوز التقاطها ونشرها حتى ولو كان في مكان عام ، ومؤدي ذلك أن الحق في الحياة الخاصة لا يقتصر علي المعلومات المتعلقة بوجوده في مكان خاص وانما تمتد إلى البيانات المتعلقة بتواجده في مكان عام طالما أنها معلومات شخصية ، يحرص صاحبها علي عدم نشرها .

غير أنه إذا كانت القاعدة العامة أنه لا يجوز نشر صورة الشخص بدون موافقته ، إلا أن هذه القاعدة ترد عليها عدة استثناءات بموجبها يجوز نشر صورة الشخص بدون استلزام الحصول علي موافقته ، إذا كان ذلك بمناسبة حوادث وقعت علنا ، مثل اشتراك الشخص في احتفال عام ،أو إذا كانت هذه الصورة تتعلق بموظف عام أو شخص مشهور ، وأخيرا إذا كان في نشر الصورة خدمة للصالح العام مثل نشر صورة محكوم عليه هارب من تنفيذ حكم ضده .

وفي هذا الصدد نصت المادة (17/1) من نظام حماية حقوق المؤلف علي أنه ” لا يحق لمن قام بإنتاج صورة أن ينشر أو يعرض أو يوزع أصل الصورة ، أو نسخا منها دون إذن من الأشخاص الذين قام بتصويرهم ، أو إذن ورثتهم ، ولا يسري هذا الحكم إذا كان نشر تلك الصورة قد تم بمناسبة حوادث وقعت علنا ، أو تعلقت بموظفين رسميين ، أو أشخاص ذوي شهرة عامة ، أو سمحت بها السلطات العامة خدمة للصالح العام ، وللشخص الذي تمثله الصورة أن يأذن بنشرها في الصحف ، والمجلات ، وغيرها من النشرات المماثلة حتى لو لم يأذن بذلك المصور ، وتسري هذه الأحكام على الصورة أيا كانت الطريقة التي عملت بها”

ثانيا :الركن المعنوي :
جريمة إرسال ما من شأنه المساس بالآداب والأخلاق العامة جريمة عمدية ، وقوام الركن المعنوي فيها هو القصد الجنائي القائم علي العلم والإرادة ، العلم بأن ما يقوم به من شأنه المساس بالنظام العام ، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة،وأن تتوافر لديه إرادة ارتكاب فعل الإرسال بصفاته السابقة .

وينتفي القصد إذا جهل المتهم بأن فعله ينطوي علي المساس بالنظام العام ، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة.غير أن هذا الجهل لا ينفي القصد إذا كان الأمر يتعلق بنص في أحد الأنظمة المعمول بها .

وينتفي القصد كذلك إذا كان المتهم قد وقع في خطأ في الإرسال ، إذا كان لم يقصد إرسال ما من شأنه المساس بالنظام العام ، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة ، ولكن جاء ذلك نتيجة إهماله أو عدم خبرته الفنية .

ثالثا : تجريم إساءة استعمال البلوتوث بما يخل بحقوق المؤلف .

بينا فيما سبق أن تقنية البلوتوث يمكن إساءة استخدامها في نشر البيانات التي تتضمن الإساءة للأخلاق والآداب العامة ، غير أن هذه التقنية يمكن أيضا استخدامها في نشر البيانات المشروعة في ذاتها ، إلا أن نشرها يكون غير مشروع لأنه يمثل اعتداء علي حقوق المؤلف .

فالإنتاج الفكري للشخص يعد انبعاثا عنه وانعكاسا لشخصيته ، ومن ثم توجد صلة وثيقة بين الإنتاج الذهني المتمثل في المصنف وبين مؤلفه ، ومن هذه الصلة تنشأ للمؤلف مصلحة معنوية تحتم أن ينسحب هذا الإنتاج إليه ، فللمؤلف وحده سلطة تقرير نشر مصنفه أو عدم نشره ، وفي تحديد طريقة هذا النشر كما أن له وحده تقرير إعادة النشر ، كما أن للمؤلف مصلحة مالية بما يعني أنه وحده له سلطة الاستئثار بثمرات عرض مصنفه ، وله وحده حق استغلاله سواء بنفسه أم عن طريق الغير، لقاء مبلغ يقدر عادة بنسبة مئوية من أرباح الاستغلال أو قيمة المبيعات).

النشر من قبل المؤلف :
يثار البحث حول مدي المسئولية الجزائية في حالة ما إذا قام المؤلف نفسه باستخدام تقنية البلوتوث في نشر مصنفه، بعد التصرف في حقوق الاستغلال لهذا المصنف للغير.

ذهب رأي في الفقه –نتفق معه- أن المؤلف لا تتوافر في حقه المسئولية الجزائية إذا قام بنشر مصنفه بعد نقل حقوق استغلالها للغير وذلك للأسباب الآتية) :

1- أن المستفاد من نصوص نظام حماية حقوق المؤلف أن المعني بالحماية هو المؤلف وحده دون غيره ، وأن الغرض الأساسي والغاية من تجريم أفعال الاعتداء علي حقوق المؤلف سواء الأدبية أو المالية هو حماية حقوق المؤلف قبل الغير وليس حماية حقوق الغير قبل المؤلف .

2- أن حقوق المؤلف الأدبية والمالية التي حمتها المادة التاسعة والعاشرة من النظام أعطت للمؤلف وحده دون غيره الحق في تقرير نشر مصنفه وتعيين طريقة هذا النشر ، كما أن له حق استغلال مصنفه ماليا بأي طريقة من طرق الاستغلال .

3- أن تنازل المؤلف عن حقوقه المالية لا يترتب عليه إسقاط الحقوق الأدبية التي للمؤلف علي مصنفه ، وتظل باقية له وهي التي تخوله حق النشر وسحب المصنف من التداول وإدخال تعديلات جوهرية عليه بالرغم من تصرفه في حقوق الاستغلال. (المادة8/3) من النظام .

وبناء عليه فإن قيام المؤلف باستعمال تقنية البلوتوث المستخدمة في الحاسب الآلي أو الهاتف النقال في نشر مصنفه بعد نقل حقوق استغلاله للغير ، لا يرتب مسئوليته الجزائية ، وإن كان يرتب مسئوليته المدنية المتمثلة في التعويض عن الأضرار التي أصابت من انتقل إليه حق استغلال المصنف وفقا لما قررته المادة (10) من النظام.