حكم دستورى : منح الزوجة جواز سفر

بسم الله الرحمن الرحيم
باسم صاحب السمو أمير الكويت
الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح
المحكمة الدستورية
بالجلسة المنعقدة علناً بالمحكمة بتاريخ الأول من شهر ذو القعدة 1430هـ الموافق 20 من أكتوبر 2009م
برئاسة السيد المستشار/ يوسف غنام الرشيد رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ فيصل عبد العزيز المرشد
وراشد يعقوب الشراح وخالد سالم علي وصالح مبارك الحريتي
وحضور السيد/ علي حمد الصقر أمين سر الجلسة
صدر الحكم الآتي:
في الدعوى المحالة من المحكمة الكلية رقم (3670) لسنة 2008 تجاري مدني كلي حكومة/ 3:
المرفوعة من:
1- فاطمة عبد الله محمد البغلي.
2- يوسف مصطفى حسين البغلي.
3- حسين مصطفى حسين البغلي.
ضد:
1- مصطفى حسين أحمد البغلي.
2- وكيل وزارة الداخلية بصفته.
3- وكيل وزارة الصحة بصفته.
4- مدير عام الهيئة العامة للمعلومات المدنية بصفته.
المقيدة في سجل المحكمة الدستورية برقم (56) لسنة 2008 “دستوري”.

الوقائع
حيث إن حاصل الوقائع – حسبما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – أن المدعين أقاموا على المدعى عليهم الدعوى رقم (3670) لسنة 2008 تجاري مدني كلي حكومة/ 3 بطلب الحكم:

أولاً: بإلزام المدعى عليه الأول بتسليم المدعية الأولى جواز سفرها.

ثانياً: بإلزام المدعى عليه الأول بتسليم الأوراق الثبوتية الخاصة بالمدعيين الثاني والثالث وهي شهادات الميلاد والبطاقات المدنية وشهادات ال***ية وجوازات السفر.

ثالثاً: بإلزام المدعى عليه الأول بتسليم المدعية الأولى الأوراق الثبوتية الخاصة بالصغيرة (زهرة) وهي شهادة الميلاد والبطاقة المدنية وجواز السفر.

رابعاً: في حالة عدم تسليم المدعى عليه الأول جواز السفر للمدعية الأولى التصريح لها باستخراجه في مواجهة المدعى عليه الثاني.

خامساً: في حالة عدم استخراج وتسليم المدعى عليه الأول الأوراق الثبوتية السالفة الذكر للمدعيين الثاني والثالث التصريح لهما باستخراجها في مواجهة المدعى عليهم من الثاني إلى الرابع.

سادساً: في حالة عدم استخراج وتسليم المدعى عليه الأوراق الثبوتية سالفة البيان الخاصة بالصغيرة (زهرة)، التصريح للمدعية باستخراجها في مواجهة المدعى عليهم من الثاني إلى الرابع.

وبياناً لذلك قالت المدعية الأولى إنها زوجة المدعى عليه الأول بصحيح العقد الشرعي المؤرخ في 19/ 10/ 1989، ورزقت منه على فراش الزوجية الصحيح بالأولاد زهرة، ويوسف (المدعي الثاني)، وحسين (المدعي الثالث)، وإذا امتنع المدعى عليه الأول عن تسليمها الأوراق الخاصة بها وبالأولاد وهي عبارة عن جوازات السفر وشهادات الميلاد والبطاقات المدنية وشهادات ال***ية، فقد أقامت الدعوى بالطلبات سالفة البيان. وبجلسة 11/ 11/ 2008 قضت المحكمة بأحقية المدعية الأولى في استخراج جوازات السفر وشهادات ال***ية والبطاقات المدنية وشهادات الميلاد لأولادها من المدعى عليه الأول (يوسف وحسين وزهرة) في مواجهة المدعى عليهم، وإذ تراءى للمحكمة أن نص الفقرة الأولى من المادة (15) من القانون رقم (11) لسنة 1962 في شأن جوازات السفر، والذي يقضي بعدم جواز منح الزوجة جواز سفر مستقل إلا بموافقة الزوج،

تحيط به شبهة عدم الدستورية، فقد قضت المحكمة بوقف نظر طلب المدعية سالف الذكر لحين الفصل في المسألة الدستورية، وإحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية.

وأقامت محكمة الموضوع قضاءها بالإحالة على سند من وجود تعارض بين النص المشار إليه وبين أحكام المواد (29) و(30) و(31) من الدستور، إذا احتوى هذا النص على قيد مبناه إنكار حق الزوجة في استخراج جواز سفر مستقل، وأن النص وإن كان قد قصد تأكيد حق الزوج على زوجته في الإذن لها بالسفر، إلا أن ذلك لا يعني أن يتم إجبار الزوجة على الإقامة وتقييد تنقلها، باعتبار أن واجب الزوجة في طاعة زوجها هو واجب ذو طابع ديني وأخلاقي لا يمكن أن يتم فرضه قسراً عنها دون إرادتها، كما أنه لا يسوغ فرضه جبراً عليها سواء من جانب السلطة العامة أو بقوة القانون،

وأنه مما يؤكد هذا النظر أن المشرع في قانون الأحوال الشخصية رقم (51) لسنة 1984 قد سار على هذا النهج متبنياً ذات الاتجاه إذ نص في المادة (88) منه على عدم جواز تنفيذ حكم الطاعة جبراً على الزوجة، وأنه يكفي أن تعامل الزوجة بآثار نشوزها ويعتبر ذلك إضراراً منها بالزوج يجيز له طلب التفريق مع إلزامها بالآثار المادية حسب أحكام التفريق للضرر، حيث خلصت محكمة الموضوع من ذلك إلى أن ما تضمنه النص المطعون فيه من منح الزوج الحق في الموافقة أو الرفض على استخراج جواز سفر لزوجته دون حدود أو ضوابط، من شأن هذا الإطلاق أن يُمثل في حد ذاته قيداً على حق الزوجة في التنقل وهو حق كفله لها الدستور، وأنه وإن كان رفض الزوج الموافقة لزوجته على استخراج جواز سفر مستقل لها، أو حجبه عنها، أو نزعه منها يخضع حقاً لرقابة القضاء في حالة تعسف الزوج في استعمال حقه، إلا أن من شأن ما جاء بهذا النص وما يستلزمه من تطلب الموافقة المسبقة للزوج على إصدار جواز سفر مستقل للزوجة، وعلى تجديده حال انتهاء مدته، وكذلك لدى استخراج جواز سفر جديد، من شأن ذلك جميعه أن يظل هذا القيد ملازماً لحق الزوجة في التنقل والسفر، مما يشكل إخلالاً بهذا الحق الدستوري، ماساً بجوهره ومضمونه.

وقد ورد ملف الدعوى إلى إدارة كتاب هذه المحكمة حيث قيدت في سجلها برقم (56) لسنة 2008 “دستوري”، وتم إخطار ذوي الشأن، وأودع المدعى عليه الأول مذكرة طلب فيها رفض الدعوى تأسيساً على أنه ليس ثمة تعارض بين النص المطعون فيه وبين أحكام الدستور، وأن حق التنقل يجوز تنظيمه ووضع القيود عليه وفق أحكام القانون، وأن ما تضمنه هذا النص لا يعدو أن يكون محض تنظيم لكيفية استخراج جواز سفر الزوجة، وقد جاء مراعياً لأحكام الشرعية الإسلامية التي اعتبرها الدستور أصلاً ينبغي أن ترد إليه النصوص التشريعية، كما أن ما سعى إليه النص المطعون فيه ليس إلا حفظاً لكيان الأسرة وتقوية لأواصرها، توكيداً لما نص عليه الدستور في المادة (9) منه.

هذا وقد نظرت هذه المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحاضر الجلسات، وقدمت إدارة الفتوى والتشريع مذكرة بدفاع الحكومة طلبت فيها الحكم: أصلياً: بعدم قبول الدعوى الدستورية لانتفاء المصلحة فيها، بمقولة إن الفصل في طلب المدعية لا يتطلب بحكم اللزوم الفصل في المسألة الدستورية، واحتياطياً: برفض الدعوى على أساس أن ما تضمنه النص الطعين إنما قصد التأكيد على حق الزوج بالإذن لزوجته بالسفر باعتبار أن له القوامة عليها شرعاً، مستهدفاً بذلك صون الأسرة وعمادها الأخلاق والتمسك بأهداب الدين ووجوب طاعة الزوجة لزوجها حتى تستقيم الحياة الزوجية ولا تنهار الأسرة التي هي أساس المجتمع، وأن هذا النص وإن نظم موضوع تنقل الزوجة إلا أن هذا التنظيم لم يحظر حق الزوجة في هذه الحالة أو يهدره، كما لم ينل من ولاية القضاء أو يعزل المحاكم عن نظر ما عسى أن يثور من منازعات متمخضة عن إساءة استعمال الزوج لحقه.

كما قدمت المدعية مذكرة عقبت فيها على ما جاء بمذكرة الحكومة، طالبة الحكم بقبول الدعوى لتوافر المصلحة فيها، والقضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه باعتبار أنه أهدر حق الزوجة في استخراج جواز سفر مستقل، ومنح الزوج الحق في الموافقة أو الرفض دون قيد أو ضابط، وفي إطلاق يتنافى مع الحرية الشخصية، ويمثل تقويضاً لحق التنقل، وإخلالاً بمبدأ المساواة وهي حقوق كفلها الدستور.

وقد قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
حيث إنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توفر المصلحة فيها، ومناط ذلك أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع.

لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن ما قدرته محكمة الموضوع من إحالة نص الفقرة الأولى من المادة (15) من القانون رقم (11) لسنة 1992 في شأن جوازات السفر المعدل بالقانون رقم (105) لسنة 1994 إلى هذه المحكمة، يدل على أن وجه المخالفة الدستورية التي ارتأتها محكمة الموضوع في شأن النص التشريعي المحال منها يتمثل فيما تضمنه هذا النص من قيد مبناه إنكار حق الزوجة في استخراج جواز سفر مستقل، وأن مرد الأمر في هذه المخالفة هو وجود تعارض بين هذا النص وبين أحكام الدستور، باعتبار أن ما احتواه هذا النص يتنافى مع الحرية الشخصية ويُخل بمبدأ المساواة وينطوي على انتقاص من حق دستوري كفله الدستور، وهو حق التنقل والسفر الذي لا يتأتى مباشرته إلا بعد الحصول على جواز السفر، وكان النزاع الموضوعي يدور حول حق المدعية في استخراج جواز سفر مستقل لها دون القيد الوارد بالنص المطعون فيه، وكان الفصل في مدى دستورية هذا القيد هو مدار الدعوى الدستورية الماثلة التي يبتغى بها إبطاله وتجريده من كل أثر، فإن أمر الفصل فيها يكون ومن ثم مرتبطاً بالنزاع الموضوعي باعتبار أن الحكم في المسألة الدستورية يؤثر بالضرورة في الطلب الموضوعي المتصل بها، متعلقاً بأبعاده، بما يكفي ذلك بتحقق المصلحة المعتبرة قانوناً لقبول الدعوى الدستورية، وبالتالي فإن الدفع بعدم قبولها المبدى من إدارة الفتوى والتشريع بمقولة إن الفصل في المسألة الدستورية ليس بلازم للفصل في النزاع الموضوعي يكون غير قائم على أساس صحيح متعيناً رفضه.

وحيث إن مبنى النعي على نص الفقرة الأولى من المادة (15) من القانون رقم (11) لسنة 1962 في شأن جوازات السفر المعدل بالقانون رقم (105) لسنة 1994 – حسبما يبين من حكم الإحالة – أن هذا النص قد جاء مخالفاً للمواد (29) و(30) و(31) من الدستور.

وحيث إن حرية التنقل – غدوا ورواحاً – بما تشتمل عليه من حق كل شخص في الانتقال من مكان إلى آخر والخروج من البلاد والعودة إليها تعتبر فرعاً من الحرية الشخصية، وحق أصيل مقرر له حرصت معظم دساتير العالم على تأكيده، وضمنته المواثيق الدولية – التي انضمت إليها دولة الكويت – على نحو ما ورد بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي جاء بديباجته أن الحقوق المنصوص عليها فيه مرجعها إيمان شعوب الأمم المتحدة بالحقوق الأساسية للإنسان وبقيمة كل فرد وكرامته، وضرورة أن يُعامل مع غيره وفقاً لمقاييس تتكافأ مضموناتها فلا يضطر مع غيابها إلى مقاومة القهر والطغيان، وإنما يكون ضمانها كافلاً معايير أفضل لحياة تزدهر مقوماتها في إطار حرية أعمق وأبعد، وكان من بين هذه الحقوق تلك التي نص عليها في المادة (13) منه على أن “لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده، “كما جاء العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية معززاً الاحترام لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، مؤكداً هذا الحق بالنص في البند (2) من المادة (12) منه على أن لكل فرد حرية مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده”.

هذا وغني عن البيان أن الإسلام (ذَلكَ الدِّينُ الْقِّيمُ) سبق الدساتير الوضعية بأكثر من أربعة عشر قَرناً من الزمان، فكفل حرية التنقل لكل فرد حسبما يريد، سواءً كان ذلك داخل أرجاء بلده أو سفراً إلى خارجه، وأباح له التنقل من بلد إلى آخر طلباً لدين أو طلباً لأمر دنيوي، كما دعا الإسلام المسلمين كافة إلى السير في الأرض والمشي في مناكبها والسياحة فيها للتدبر والاعتبار والتعلم وكسب الرزق، بقوله سبحانه وتعالى (التَّائبُونَ الْعَابدُونَ الْحَامدُونَ السَّائحُونَ..) سورة التوبة الآية 112، و(قُلْ سِيروُا في الأَرضِ ثُمَّ انظُروُا كَيْفَ كَانَ عَاقبةُ الْمُكَذِّبينَ) سورة الأنعام الآية 11 و(هُوَ الَّذي جَعَلَ لكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا في مَنَاكبهَا وَكُلُوا منْ رزْقهِ وَإليْه النُّشورُ) سورة الملك الآية 15، وقد جَعَلت الشريعَة الإِسلاَميَّةُ الغراء من حرية التنقل قاعدة عامة وتقييدها هو الاستثناء الذي لا يكون إلا لضرورة – تقدر بقدرها – ولمصلحة عامة، مردها إما حماية العقيدة الإسلامية أو المحافظة على الصحة العامة أو المحافظة على الأعراض والآداب الإسلامية، كما لم تمنع الشريعة الإسلامية السمحاء المرأة من السفر ما دامت مع محرم، أو زوج، أو مع رفقة مأمونة على نحو ما ذهب إليه بعض الفقهاء، والتزمت المرأة الضوابط الشرعية بحدودها وآدابها.

لما كان ذلك، وكان لكل كويتي – ذكراً كان أو أنثى – الحق في استخراج جواز السفر وحمله باعتبار أن هذا الحق لا يُعد فحسب عنواناً عن انتمائه لدولة الكويت الذي يعتز به ويفتخر سواء داخل وطنه أو خارجه، بل يعتبر فضلاً عن ذلك مظهراً من مظاهر الحرية الشخصية التي جعلها الدستور الكويتي حقاً طبيعياً يصونه بنصوصه ويحميه بمبادئه، فنص في المادة (30) منه على أن “الحرية الشخصية مكفولة”، ونص في المادة (31) على أنه “لا يجوز القبض على إنسان أو حبسه… أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون….” دالاً بذلك على اعتبار الحرية الشخصية أساساً للحريات العامة الأخرى وحق أصيل للإنسان. وقوامها الاستقلال الذاتي لكل فرد، وإرادة الاختيار تمثل نطاقاً لها لا تتكامل شخصيته بدونها، ومن دعائمها حرية التنقل وحق السفر المتفرع منها، وهي في مصاف الحريات العامة لا يجوز مصادرتها بغير علة، أو مناهضتها دون مسوغ، أو تقييدها بلا مقتض، وقد عهد الدستور طبقاً للنص سالف الذكر إلى السلطة التشريعية بتقدير هذا المقتضى، ولازم ذلك أن يكون تحديد شروط استخراج جواز السفر – وهو الوثيقة التي بمقتضاها يكون ممارسة الحق، وبدونها يزول هذا الحق ويصبح هباءً منثوراً – الأصل في شأنها هو المنح استصحاباً لأصل الحرية في التنقل والاستثناء هو المنع، وأنه وإن كان تنظيم حق التنقل والسفر يقع في نطاق السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق كما سلف البيان، إلا أنه من غير الجائز أن يفرض المشرع تحت ستار هذا التنظيم قيوداً يصل مداها إلى حد نقض هذا الحق، أو الانتقاص منه، أو إفراغه من مضمونه، كما أنه من المتعين على المشرع ألا يُخل في مجال هذا التنظيم بالتوازن المفروض بين نصوص الدستور وأحكامه التي تتكامل فيما بينها في إطار واحد.

وحيث إنه متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد جرى على غير هذا المنحى، فجعل الأصل هو عدم جواز منح الزوجة جواز سفر مستقل، مشترطاً موافقة الزوج لها بذلك، منكراً النص على الزوجة البالغة الرشيدة، التي شملها النص بعموم عباراته، الحق في استخراج جواز سفر مستقل لها، على الرغم من استقلال شخصها، وبلوغ رشدها، واكتمال أهليتها، ووجوب تمتعها بالحقوق عينها التي كفلها الدستور، على نحو يمثل إهداراً لإرادتها وافتئاتاً على إنسانيتها، مقيداً بذلك حريتها وحقها في التنقل بغير مبرر، فاستقلال شخصها لا يعني بالضرورة خروجها على طاعة زوجها، ولا دليل على أن حصولها على جواز سفر مستقل في حد ذاته يجافي مصلحة أسرتها، أو يوهن علاقتها بزوجها، أو يقلص دوره، أو ينتقص من حقوقه الشرعية، مما يغدو معه النص المطعون فيه مخالفاً لأحكام الدستور المنصوص عليها في المواد (29) و(30) و(31)، ويتعين من ثم القضاء بعدم دستوريته.

وغني عن البيان في هذا المقام أن إبطال النص المطعون فيه واقصاءه عن مجال إعماله نزولاً على حكم الدستور، لا يُخل بحق الزوج طبقاً للقواعد العامة في أن يمنع زوجته من السفر متى قام دليل معتبر على أن من شأن استعمالها لهذا الحق أن يلحق ضرر به أو بأسرتها، باعتبار أنه من غير الجائز أن يكون استخدام الحقوق بقصد الإضرار بالآخرين، كما أن إبطال النص لا يُخل أيضاً بحق المشرع في أن يتولى تنظيم استخراج وتجديد جواز السفر للزوجة وسحبه، موازناً في ذلك بين حرية التنقل بما تتضمنه من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه وبين ما تنص عليه المادة (9) من الدستور من كفالة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة بما يحفظ كيانها ويقوي أواصرها، ومساواتها بالرجل في الحقوق و الواجبات العامة على نحو ما تنص عليه المادة (29) من الدستور، ودون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء وما تقضي به المادة (2) من الدستور من أن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (15) من القانون رقم (11) لسنة 1962 في شأن جوازات السفر المعدل بالقانون رقم (105) لسنة 1994، وذلك فيما تضمنته من النص على أنه
“لا يجوز منح الزوجة جواز سفر مستقل إلا بموافقة الزوج”.
رئيس المحكمة
أمين سر الجلسة