الحيل التي تجعلك فريسة سهلة للنصب على الإنترنت

إذا كان لديك حساب بريد إليكترونيٍ، فمن المرجح أن تتلقى رسائل مزعجةً، كما أن امتلاكك صندوق بريد تقليدي سيجعلك عرضةً لتلقي رسائل غير مرغوب فيها أيضا. أما على الهاتف، فستتلقى غالباً اتصالات تتضمن رسائل مُسجلةً تروج لمنتج ما أو خدمات شركة بعينها، أو لأفكار مرشح سياسي يخوض هذا الاقتراع أو ذاك.

وهكذا ينهمر علينا، وبشكل منتظم، وابلٌ من الرسائل غير المرغوب فيها والعروض الترويجية التي تنطوي على إغراءاتٍ ما. ويفضل غالبيتنا إما تجاهل هذه الرسائل والعروض أو محوها، أو التخلص منها في صندوق القمامة، بفعل إدراك أنها تندرج على الأرجح في إطار ما يُعرف بـ”حيل السوق واسع النطاق”. ولكن آخرين لا يحالفهم الحظ بنفس القدر في التعامل مع هذه الحيل.

وتؤدي عمليات احتيال مثل هذه إلى تكبيد الأفراد والمؤسسات والحكومات تريليونات من الدولارات سنوياً في صورة ما يُعرف بـ”خسائر مُقدرة أو مُحتملة”. كما يعاني الكثير من ضحاياها من الاكتئاب والمشكلات الصحية.

وفي واقع الأمر، ليست هناك جريمةٌ أخرى على مستوى العالم، يقع ضحيتها كل هذا العدد من الأشخاص، ممن يندرجون تقريباً في كل الفئات العمرية، وينتمون تقريباً أيضاً إلى كل الخلفيات الاجتماعية والمناطق الجغرافية.

لكن ما الذي يجعل الناس يسقطون ضحيةً لهذه الحيل؟ سؤالٌ سعيت وزملائي للإجابة عليه. وتتماشى بعض النتائج التي توصلنا إليها مع ما خلصت إليه دراسات أخرى أُجريت في هذا الصدد، بينما تحدى البعض الآخر الافتراضات الشائعة حول عمليات النصب والاحتيال.

الاحتيال والغش في ازدياد
تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر عبر خط “عسقلان-شمال سيناء”، وتفاصيل جديدة عن “الناتو العربي”، وتسونامي جديد في إندونيسيا
في السنوات الأخيرة، أصبحت أمورٌ مثل المراهنات واليانصيب وغيرها من “حيل السوق واسع النطاق” شائعةً، وعلى نحوٍ مفاجئ ومدهش. فقد سجلت مؤسسة “بَتر بيزنس بيرو” المعنية بتعزيز الثقة في الأسواق تلقي نحو نصف مليون شكوى مرتبطة بعمليات احتيال ذات صلة بمجالي المراهنات واليانصيب وحدهما على مدار السنوات الثلاث الماضية. وقد بلغ حجم الخسائر الناجمة عن ذلك قرابة 350 مليون دولار.

لا توجد جرائم أخرى – بخلاف عمليات الاحتيال – تؤدي إلى الإيقاع بكل هذا العدد من الأشخاص ممن يندرجون تقريباً في كل الفئات العمرية وينتمون تقريباً إلى كل الخلفيات الاجتماعية
في الماضي، كانت عمليات نصب مثل تلك تُرتكب على المستوى المحلي من جانب أشخاص ومؤسسات صغيرة الحجم نسبياً، وكانت تتم في الأغلب وجهاً لوجه، كأن تحدث خلال ندوةٍ استثمارية، يُعرض على المرء فيها فرصة وهمية للاستثمار في القطاع العقاري.

وبينما لا تزال هناك عمليات نصبٍ تُرتكب بالنمط التقليدي القديم، فإن عدداً أكبر من هذه العمليات يجري بتنسيقٍ ومشاركةٍ من محتالين يقترفون جرائم عابرةً للحدود في هذا الصدد. ويشمل هؤلاء مجموعاتٍ تتخذ من دول مثل جامايكا وكوستاريكا وكندا ونيجيريا مقار لها.

وخلال السنوات القليلة الماضية، تحول النصب والاحتيال إلى نشاطٍ إجراميٍ متفشٍ على مستوى العالم، في ضوء ما أدت له التقنيات الحديثة من تقليص تكلفته، بالتزامن مع جعل الوصول إلى ملايين الضحايا بشكلٍ فوري، أمراً أسهل من أي وقتٍ مضى.

فضلاً عن ذلك، صار من الأصعب الإمساك بالمتورطين في هذه العمليات وتقديمهم للمحاكمة. فعلى سبيل المثال، قد يظهر على شاشة هاتفك أن الاتصال الذي تلقيته وتضمن رسالةً مسجلةً ترويجيةً، يحمل المفتاح الخاص بالدولة التي تعيش فيها، بينما هو قادمٌ في حقيقة الأمر من الهند.

لماذا يُخدع الناس؟
ولأغراض الدراسة التي أجريتها وزملائي حول مدى قابلية المستهلكين للتعرض للخداع بفعل “حيل السوق واسع النطاق”، عكفنا على مراجعة 25 عملية احتيال “ناجحة” تتضمن عروضاً ترويجيةً تتضمن إغراءً يتمثل في وعدٍ زائفٍ بالحصول على أموال أو جوائز.وقد حصلنا على تفاصيل هذه العمليات من جهاز التحقيق المعني بالجرائم والمخالفات التي تُرتكب من خلال الرسائل البريدية في مدينة لوس أنجليس الأمريكية. واستهدفت هذه المراجعة التعرف على ما إذا كانت هناك موضوعاتٌ مشتركةٌ، تُستخدم في تلك الحيل أم لا.

وقد تبين مثلاً أن العديد من عمليات النصب التي روجعت، تضمنت ذكر أسماء علاماتٍ تجاريةٍ مألوفةٍ مثل “ماريوت”، وذلك لتعزيز فعالية هذه العمليات وتأثيرها، وزيادة مصداقية القائمين بها. كما أن المحتالين يلجؤون في كثيرٍ من الأحيان إلى أساليب إقناعٍ، من قبيل التظاهر بأنهم يمثلون شركةً تعمل بشكلٍ قانوني، واستخدام أرقامٍ هاتفيةٍ تخص المنطقة التي يقطن فيها ضحاياهم المستهدفون، وذلك لكي يعززوا الشعور بالألفة بينهم وبين هؤلاء.

كما يوجه هؤلاء المحتالون مطالب لضحاياهم يتعين الرد عليها قبل موعدٍ معينٍ، وذلك لتحفيز الضحايا بشكلٍ أكبر على التفاعل مع رسائلهم. وكانت بعض الرسائل التي راجعناها مزدانةً بالألوان على نحوٍ كبيرٍ، وتتضمن صوراً لأموالٍ أو جوائز أو لوجوه من قيل إنهم “رابحون سابقون”. على الجانب الآخر، اتسمت رسائل أخرى بطابع عمليٍ بقدرٍ أكبر بكثير، وتضمنت عبارات ذات وقعٍ قانونيٍ، وذلك أيضاً بهدف خلق هالةٍ من المشروعية والاتساق مع القانون حولها.

بعد ذلك، وضعنا نموذجاً تجريبياً لرسالةٍ من صفحةٍ واحدة تتضمن حثاً وإغراءً لمتلقيها وتُعْلِمُه بأنه “فاز بالفعل” بشيءٍ ما. وتتضمن الرسالة رقماً يتعين على المتلقي الاتصال به للحصول على الجائزة المفترضة. وقد أعددنا أربع صيغٍ مختلفةٍ من هذه الرسالة، قمنا بتوزيعها عشوائياً. وتنوعت الأساليب التي استخدمناها في هذه الصيغ، بدءاً من الادعاء بأن لنا سلطةً ما عبر القول مثلاً “لقد حصلنا على اسمك من /شخصٍ أو جهةٍ ما/”، وصولاً إلى ممارسة ضغطٍ على المتلقي من خلال تضمين عبارةٍ من قبيل “عليك التعامل مع هذا الأمر قبل الثلاثين من يونيو/حزيران”. واستهدف ذلك تحديد أيٍ من طرق الإقناع، كانت أكثر فاعلية في دفع متلقي الرسائل للرد عليها.

وتم تصميم الدراسة بحيث تُحاكي سيناريوهاتٍ واقعيةً، برغم أن المشاركين فيها كانوا يعلمون سلفاً أنهم جزءٌ من تجربةٍ علميةٍ. كما كانت تستهدف دراسة العوامل التي نشتبه في أنها تزيد مخاطر السقوط فريسةً للمحتالين، ومن بينها المعاناة من الوحدة والعزلة وتدني مستوى الدخل، فضلاً عن الإحساس بثقة زائدة في التعامل مع الرياضيات والأرقام.

في تجربتنا الأولى، طلبنا من 211 مشاركاً تحديد مدى استعدادهم ونيتهم للاتصال بالرقم الوارد في الرسالة التي تلقوها. ثم طُلِبَ منهم تحديد مستوى المنافع والمخاطر المرتبطة بالرد على الرسالة، وذلك على مقياسٍ مؤلفٍ من عشر درجات، وكذلك ملء استمارة استبيانٍ يستهدف تحديد مستوى المشاركين في التجربة على صعيد فهمهم لقواعد الحساب، والتعرف على ما إذا كانوا يعانون من عزلةٍ اجتماعيةٍ أم لا، واستيضاح موقفهم المالي ووضعهم الديموغرافي.

ووجدنا أن 48 في المئة من المشاركين أعربوا عن استعدادٍ بدرجةٍ ما للتواصل مع هذا الرقم، بغض النظر عن نوعية وطبيعة الرسالة التي تلقوها. وتبين أن أفراد العينة ممن قالوا إنه كان من شأنهم الرد على رسالة مغرية مثل تلك إذ تلقوها في حياتهم الواقعية، كانوا أقل حظاً من التعليم وأصغر سناً من أقرانهم. وكان هؤلاء أكثر ميلاً لاعتبار أن المخاطر المترتبة على الاتصال بالرقم الوارد في الرسالة منخفضة، وأن المنافع التي يمكن أن تعود عليهم من وراء ذلك عالية.

وفي التجربة الثانية التي تضمنت291 شخصاً، استخدمنا رسائل من تلك التي استُخْدِمتْ في التجربة الأولى، ولكننا أضفنا إلى نصفها ضرورة دفع المتلقي رسوم تفعيل، بمعنى أنه تم إبلاغ بعض المتلقين بأنه يتعين عليهم دفع رسومٍ قدرها خمسة دولارات من أجل تفعيل الإجراءات الخاصة بحصولهم على “ما فازوا به”، بينما قيل لآخرين إن قيمة الرسوم تصل إلى مئة دولارٍ كاملة.

يبالغ بعض الناس في تصور مدى قدرتهم على التراجع، إذا ما اتضح أن العرض الذي تلقوه ما هو إلا حيلةٌ أو خداعٌ.
أما باقي أفراد العينة فلم يَخْبروا أي تغيير عما شهدوه في التجربة السابقة. كما كانت كل الجوانب الأخرى المتعلقة بتصميم التجربة مطابقةً لما حدث في نظيرتها الأولى، باستثناء إضافة بضعة أسئلة للاستبيان تتعلق بالموقف المالي للمبحوثين.

وقد افترضنا أن الأشخاص الذين كانوا راغبين في الاتصال بالرقم المذكور في الرسالة ودفع مئة دولار كرسومٍ، هم أكثر عرضة بشكلٍ خاص لهذا النمط من عمليات النصب والاحتيال.

اللافت أنه حتى مع إضافة رسوم التفعيل هذه، أعرب رُبع أفراد العينة عن قدرٍ من النية والرغبة في الاتصال بالرقم المُعطى لهم، بما في ذلك أكثر من 20 في المئة ممن أُخْبِروا بأن ذلك سيكلفهم 100 دولار.

وعلى غرار ما كشفت عنه التجربة الأولى، تبين أن الأشخاص الذين صنفوا الرسالة المغرية التي تلقوها على أنها تنطوي على منافع جمة، هم من كانوا أكثر ميلاً للإشارة إلى رغبتهم في الاتصال بالرقم المعُطى لهم.

وقد حَسِبنا في بادئ الأمر أن التجربة الثانية ستساعدنا على تحديد فئاتٍ فرعيةٍ مُعرضةٍ للخطر بشكلٍ خاصٍ، مثل كبار السن. لكن تبين بدلاً من ذلك، أن المبحوثين المهتمين بالرد على مثل هذه الرسائل في كلا التجربتين، كانوا متشابهي السمات تماماً، إذ تمثلوا في من رأوا أن احتمالات جني منافع كبيرة تَجُبُ أي مخاطر. ولم تكن هناك فروقٌ ملموسةٌ بينهم على صعيد العمر أو النوع، أو غيرها من الاعتبارات الديموغرافية التي وضعناها في عين الاعتبار.

ورغم أن نحو 60 في المئة من المشاركين اعتبروا العروض – التي تنطوي على إغراءاتٍ من تلك التي تُرسل إليهم – احتيالاً مُرجحاً، فإنهم ظلوا يرون أن فيها فرصة استفادةٍ محتملةٍ.

من جهة أخرى، قد تمثل عمليات النصب التي يُطلب في إطارها من ضحاياها دفع رسومٍ مسبقةٍ، شكلاً من أشكال ممارسة اليانصيب ولكن على نحوٍ غير رسميٍ، إذ يقوم الأمر هنا كذلك على تكبد تكلفةٍ محدودةٍ للانخراط فيه، مع وجود فرصةٍ كبيرةٍ للفشل. وفي الوقت الذي يخالج فيه القلق من يتعرضون لمثل هذه المواقف، فإنهم لا يلغون تماماً من أذهانهم احتمالية حصولهم على ربحٍ كبيرٍ. كما أن البعض منهم مستعدون بوضوح للمجازفة.

العزلة الاجتماعية من الأسباب التي قد تجعل الشخص عرضة للنصب
وللأسف، يبالغ الناس في تصور مدى قدرتهم على التراجع، إذا ما اتضح أن العرض الذي تلقوه ما هو إلا حيلةٌ أو خداعٌ. فقد لا يكف القائمون على عمليات النصب هذه، عن استهداف شخصٍ ما بالاتصالات الهاتفية أو الرسائل البريدية أو رسائل البريد الإلكتروني، بمجرد تصنيفهم لهم كـ”أبلهٍ” محتملٍ، نتيجةً لرده في حياته الواقعية على اتصالٍ هاتفيٍ تلقى خلاله عرضاً ينطوي على إغراء زائف، أو نقره على إعلانٍ يتضمن محاولة احتيال على شبكة الإنترنت.

كيف نتعامل مع الحيل وعمليات النصب؟

بالنسبة للكثيرين لا تشكل العروض الترويجية التي تتضمن إغراءاتٍ بأموال أو جوائز سوى أمرٍ مزعجٍ للغاية، سواء كانت في صورة اتصالاتٍ هاتفية تتضمن رسائل مسجلة تروج لمنتجٍ أو لفكرٍ ما، أو في شكل رسائل بريدية، أو في هيئة أخرى إليكترونية تتجه إلى صندوق الرسائل المزعجة الموجود ضمن حساب البريد الإليكتروني. غير أن هذه الحيل تمثل بالنسبة لآخرين فخاخاً منصوبةً لهم وليس مجرد مصدرٍ للإزعاج.

وإذا ما أردت حماية نفسك على الوجه الأمثل من الاستهداف بعمليات نصبٍ مثل هذه، فعليك التحلي بالحرص والحذر، واستخدام الموارد المتاحة لك، لتفادي السقوط ضحيةً لتلك العمليات.

وفي هذا الإطار، هناك بعض الخدمات والتطبيقات، التي يفيد استخدامها في المساعدة على غربلة الاتصالات الهاتفية الواردة، وحماية المرء من عمليات القرصنة التي تستهدف سرقة الهوية. وتتيح بعض شركات الهواتف الفرصة لمشتركيها للاستفادة من مثل هذه الخدمات.

كما أن اكتسابك مزيداً من المعلومات حول مخاطر عمليات النصب والاحتيال سيساعد في حمايتك من الوقوع فريسةً لها.

بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن نقاوم إغراء النقر على إعلانٍ ما، أو الرد على أي مادة مشتبه فيها بأي شكلٍ من الأشكال. ويمكن القول إن الفئة الأقل عرضة للخطر في هذا السياق، هي تلك التي تسارع بتصنيف رسالةٍ ما أو عرضٍ بعينه على أنه خطرٌ، وتتخلص منه دون إبطاء أو إهدارٍ للوقت.

وهكذا لا ينبغي على المرء سوى التركيز تماماً على إيلاء اهتمامه للمخاطر التي قد تترتب على استجابته لعرضٍ ما، وأن يتجنب بشكلٍ كاملٍ التورط فيه سعياً لنيل ما قد ينجم عنه من فوائد محتملة. ويستند الحث على اتباع هذا النهج إلى ما خلصت إليه الدراسة، من أن العامل الأكثر أهمية في تحديد ما إذا كان الإنسان ينوي الإقدام على شيءٍ بعينه أو الإحجام عنه، هو مقارنته بين الفوائد المحتملة لذلك ومخاطره.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت