دستورية نظام التصالح لتصفية المنازعات القضائية بين مصلحة الضرائب والممولين

الدعوى رقم 148 لسنة 32 ق “دستورية” جلسة 6 / 4 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من أبريل سنة 2019م، الموافق الثلاثين من رجب سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمــد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمــد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا. نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 148 لسنة 32 قضائية “دستورية”
المقامة من
محمد السيد غريب سـرج
ضــد
1 – رئيس الجمهوريـة
2 – رئيس مجلس النـــواب
3 – رئيس مجلس الوزراء
4 – وزير الماليـة
الإجـراءات
بتاريخ الرابع من أغسطس سنة 2010، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعــوى وسائـر الأوراق – في أن مأمورية ضرائب الجيزة أول، أخطرت المدعى بتقدير الضريبة المستحقة عليه عن نشاط تشييد وشراء العقارات على وجه الاعتياد بقصد بيعها، عن عام 1994، مما يسرى عليه نص المادة (21) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، فتظلم من ذلك التقدير، وقيد تظلمه برقم 291 لسنة 1996، وأحيل إلى لجنة الطعن الضريبي، فأصدرت قرارها بتاريخ 7/6/1998، بتحديد وعاء الضريبة بمبلغ مليون وخمسمائة ألف جنيه، يستحق عليه ضريبة مقدارها (598465) جنيهًا، سبق للمدعى أن سدد منها مبلغ خمسمائة ألف جنيه. لم يرتض المدعى ذلك القرار، فأقام الدعوى رقم 1835 لسنة 1998 ضرائب كلى، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، طالبًا الحكم بإلغاء قرار اللجنة المطعون فيه، وعدم استحقاق ضريبة على نشاطه، فقضت المحكمة بجلسة 31/3/2002، بخضوع نشاط المدعى لنص المادة (22) من القانون المشار إليه، التي تفرض ضريبة بنسبة 5% من قيمة التصرف العقاري الفردي. لم يرتض وزير المالية ومصلحة الضرائب ذلك الحكم، فطعنا عليه بالاستئناف رقم 1514 لسنة 119 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة، بطلب إلغاء الحكم المطعون فيه وتأييد قرار لجنة الطعن الضريبي، بخضوع نشاط المدعى لنص المادة (21) من ذلك القانون . وأقام المدعى استئنافًا مقابلًا، ناعيًا على حكم محكمة أول درجة إعماله أحكام المادة (22) من قانون الضرائب على الدخل المشار إليه، التي كانت تفرض ضريبة بنسبة 5% من قيمة التصرف العقاري، حال أن هذا النص تم تعديله بالقانون رقم 226 لسنة 1996 بتعديل بعض أحكام قانون الضرائب على الدخل المشار إليه، وصارت الضريبة بنسبة 2,5%، فضلًا عن انتفاء الواقعة المنشئة للضريبة لعدم تسجيل التصرف العقاري محل فرض الضريبة، وحال نظر الاستئناف، صدر القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل، وإعمالًا للمادة السادسة منه، تقدم المدعى بتاريخ 8/3/2006، بطلب لمأمورية الضرائب، لإنهاء المنازعة المطروحة على محكمة الاستئناف، مقابل أداء نسبة من الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء السنوي للضريبة المتنازع عليه، وقدم لمحكمة الاستئناف ما يفيد ذلك، وبناءً على طلبه، أوقفت المحكمة نظر الاستئناف، لحين البت في طلب التصالح. وقد انتهت لجنة التصالحات في قرارها الصادر بتاريخ 18/6/2007، إلى تخفيض قيمة الضريبة المستحق سدادها عن سنة النزاع – وفقًا للنسب المنصوص عليها في المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 المشار إليه – لتصير مبلغ (149386) جنيهًا. وبناءً على ذلك حصل المدعى على شهادة مؤرخة 20/6/2007، من مأمورية ضرائب الجيزة أول، بسداده الضريبة المستحقة، وقدم تلك الشهادة للمحكمة، فقضت بجلسة 29/6/2009، بإلغاء الحكم المستأنف وبانتهاء الخصومة في الدعوى، مستندة في ذلك لنص المادة السادسة من القانون المشار إليه، وقد صار هذا الحكم باتًّا بعدم الطعن عليه بطريق النقض. وإذ ارتأى المدعى أنه يحق له استرداد الفارق بين ما قام بسداده تحت حساب الضريبة، وقدره خمسمائة ألف جنيه، وبين ما انتهت إليه لجنة التصالحات من تقدير الضريبة بمبلغ (149386) جنيهًا، فقد وجه عدة إنذارات لمصلحة الضرائب لاسترداد مبلغ (350614) جنيهًا، وإزاء عدم استجابتها، وصدور قرار من لجان التوفيق بعدم اختصاصها بنظر ذلك الطلب، أقام الدعوى رقم 685 لسنة 2009 مدنى كلى حكومة، أمام محكمة الجيزة الابتدائية، ضد وزير المالية وآخرين، بطلب الحكم بإلزامهم برد ذلك المبلغ. وحال نظر الدعوى، دفع بعـدم دستورية نص الفقـرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل – في ضوء الحكم الصادر من هذه المحكمة بجلسة 2/4/2016، في الدعوى رقم 123 لسنة 31 قضائية “دستورية” – تنص على أنه ” في غير الدعاوى المنصوص عليها في المادة الخامسة من هذا القانون، يكون للممولين في المنازعات القائمة بينهم وبين مصلحة الضرائب، والمقيدة أو المنظورة أمام المحاكم على اختلاف درجاتها، طلب إنهاء تلك المنازعات خلال سنة من تاريخ العمل بهذا القانون مقابل أداء نسبة من الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء السنوي للضريبة المتنازع عليه وفقًا للشرائح الآتية:
1 – (10%) من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء المتنازع عليه إذا لم تجاوز قيمته مائة ألف جنيه.
2 – (25%) من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء المتنازع عليه، وذلك بالنسبة إلى ما تجاوز قيمته مائة ألف جنيه وحتى خمسمائة ألف جنيه من هذا الوعاء، وذلك بعد سداد النسبة المنصوص عليها في البند (1) بالنسبة إلى ما لا يجاوز مائة ألف جنيه من هذا الوعاء.
3 – (40%) من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء المتنازع عليه وذلك بالنسبة إلى ما تجاوز قيمته خمسمائة ألف جنيه من هذا الوعاء، وذلك بعد سداد النسبتين المنصوص عليهما في البندين (1، 2) بالنسبة إلى ما لا يجاوز خمسمائة ألف جنيه من هذا الوعاء.
ويترتب على وفاء الممول بالنسب المقررة وفقًا للبنود السابقة براءة ذمته من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المتنازع عليها، ويحكم بانتهاء الخصومة في الدعوى إذا قدم الممول إلى المحكمة ما يفيد ذلك الوفاء.
وفى جميع الأحوال، لا يترتب على انقضاء الخصومة حق للممول في استرداد ما سبق أن سدده تحت حساب الضريبة المتنازع عليها”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع المطروح على محكمة الموضوع تدور حول مدى أحقية المدعى في استرداد مبلغ (350614) جنيهًا، وفوائده القانونية، بمقولة إنه يمثل الفارق بين ما قام بسداده من مبالغ تحت حساب الضريبة عن نشاطه في سنة 1994، وقدره خمسمائة ألف جنيه، وبين ما انتهت إليه لجنة التصالحات الضريبية من احتساب الضريبة واجبة الأداء عن ذلك النشاط – بعد تخفيضها وفقًا للنسب الواردة في الفقرة الأولى من المادة السادسة من مواد إصدار قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 – بمبلغ (149386) جنيهًا، وكان ما يحول دون إجابة المدعى لطلباته ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة السادسة المشـار إليها، من أنه “وفى جميع الأحوال، لا يترتب على انقضاء الخصومة حق للممول في استرداد ما سبق أن سدده تحت حساب الضريبة المتنازع عليها”، ومن ثم فإن الفصل في دستورية نص تلك الفقرة يرتب انعكاسًا أكيدًا ومباشرًا على الفصل في الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع، وتتوافر للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن عليه.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه – في النطاق السالف تحديده – إيجاده تمييزًا غير مبرر بين الممولين، وبين حق الدولة في تحصيل الضريبة، وحق الممول في استرداد ما سبق سداده زيادة عن الضريبة المستحقة، بما يخل بمبدأ المساواة، ويمثل اعتداءً على الملكية الخاصة، وخروجًا على مبدأ عدالة الضريبة، والعدل الذى أورده الدستور في العديد من مواده، وذلك بالمخالفة لنصوص المواد أرقام (4، 23، 34، 38، 40، 53، 57، 119) من دستور سنة 1971، الذى أقيمت الدعوى المعروضة في ظل العمل بأحكامه.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلًا – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعى إلى النص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستورية النص المطعون عليه في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في النصوص القانونية التي ينتظمها وحدة الموضوع، هو امتناع فصلها عن بعضها، باعتبار أنها تكون فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، وتتضافر معانيها، وتتحد توجهاتها لتكون نسيجًا متآلفًا. وعلى ذات النهج فإن إنفاذ أحد نصوص التشريع الواحد، وتطبيق أحكامه على المخاطبين به، يفترض – أيضًا – العمل به في مجموع أحكامه، دون اجتزاء جزء منه ليطبق دون الجزء الآخر، ذلك أن السياسة التشريعية لا يحققها إلا التطبيق المتكامل لتفاصيل أحكامها، وعدم الاقتصار على جزء منها دون الآخر، لما في ذلك من إهدار للغاية التي توخاها المشرع من ذلك التنظيم.

وحيث إن ما ينعاه المدعى من إخلال النص المطعون عليه- في النطاق السالف تحديده – بمبدأ العدالة الاجتماعية التي يهدف إليها النظام الضريبي، ويتأبى على مفهوم العدل الذى تردد في العديد من مواد الدستور. فمن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن النص في الفقرة الأولى من المادة (38) من الدستور على أنه “يهدف النظام الضريبي، وغيره من التكاليف العامة، إلى تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية” مؤداه: أن اتخاذ العدالة الاجتماعية مضمونًا وإطارًا للنظام الضريبي في البلاد، إنما يقتضى بالضرورة أن يقابل حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها لمواجهة أعباء الإنفاق العــــــام، ولإجــــــراء ما يتصل بالضريبة من آثار عرضية، بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسؤلين عنها، في تحصيلها منهم وفق أسس موضوعية، لا تتبنى تمييزًا غير مسوغ بينهم، يكون إنصافها نائيًا لتحيفها، وحيدتها ضمانًا لاعتدالها، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التي كفلها الدستور للمواطنين جميعًا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها.
وحيث إن من المقرر- كذلك – في قضاء هذه المحكمة، أن الدستور القائم وإن قرن العدل بالعديد من النصوص التي تضمنها، ومن ذلك المواد (4، 8، 27، 38، 78، 81، 91، 99) ، وخـلا في الوقت ذاته من تحـديد معناه، فإن مفهوم العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التي لا تنفصل الجماعة في حركتها عنها، والتى تبلور مقاييسها في شأن ما يعتبر حقا لديها، فلا يكون العدل مفهومًا مطلقًا ثابتًا باطراد، بل مرنًا ومتغيرًا وفقًا لمعايير الضمير الاجتماعي ومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجًا متواصلاً منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التي يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافًا، وإلا صار القانون منهيًا للتوافق في مجال تنفيذه، وغدا القضاء بعدم دستوريته لازمًا.
وحيث إن المشرع رغبـةً منه في تصفية المنازعـات الضريبية المقيدة أو المنظورة أمام المحاكم على اختلاف درجاتها، ضمَّن نص المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل، الضوابط الحاكمة للتصالح بين الممولين ومصلحة الضرائب، وجعل المبادرة الشخصية من قبل الممولين هي أول إجراءات هذا التصالح، والتي تجد سندها في المادة (54) من الدستور، باعتبارها أحد عناصر حرية التعاقد، التي تُعد أحد روافد الحرية الشخصية، التي كفلها الدستور، واعتبرها حقًا طبيعيًّا، لا يجوز المساس به، ومن أجل ذلك استلزم المشرع أن يتقدم الممول بطلب للإدارة الضريبية المختصة لإنهاء المنازعة المرددة بينهما، وتسويتها على أساس سداد النسبة التي عينها القانون من الضريبة والمبالغ الأخرى محل النزاع، طبقًا للشرائح التي تضمنها النص المطعون فيه، ورتب على وفاء الممول بالنسب المقررة وفقًا لتلك الشرائح، وتقديمه ما يفيد ذلك إلى المحكمة المختصة، أثرًا قانونيًّا حتميًّا هو براءة ذمته من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المتنازع عليها، وأوجب على المحكمة في هذه الحالة الحكم بانتهاء الخصومة في الدعوى، وعلى ألا يترتب على ذلك أحقية الممول في استرداد ما سبق أن سدده تحت حساب الضريبة المتنازع عليها، باعتبار أن ذلك هو أحد شروط التسوية التي حددها المشرع، وتضمن الإيجاب المقدم من الممول والمتمثل في الطلب المقدم منه لإنهاء النزاع قبولاً له، وليضحى ما سُدد تحت حساب الضريبة جزءًا من قيمتها المستحقة للخزانة العامة للدولة، وهو الحكم الذى استهدف به المشرع تحقيق التوازن بين أطراف العلاقة الضريبية الذى استوجبته المادة (27) من الدستور، وذلك باستفادة الممول من النسـب التي يقتصر عليه أداؤهـا مـن الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء السنوي للضريبة المتنازع عليه، ومن ثم، إعفاؤه من سداد ما يزيد على تلك النسب من مبالغ الضريبة، وذلك في مقابل عدم جواز استرداده لما سبق سداده من مبالغ تحت حساب الضريبة. واستفادة الإدارة الضريبية من تعجيل تحصيلها مبلغ الضريبة وما يرتبط بها وفقًا للنسب الواردة بذلك النص، وعدم رد ما سبق للممول سداده من مبالغ تحت حساب الضريبة، بما يوفر لخزانة الدولة الموارد المالية التي تعينها على مواجهة أعبائها وتكاليفها العامة، وذلك في مقابل سقوط حقها في تحصيل ما يزيد على النسب المشار إليها من قيمة الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء السنوي للضريبة المتنازع عليه. ومن ناحية أخرى، فإن الولوج إلى تفعيل أحكام التنظيم المتكامل الوارد بالمادة السادسة المشار إليها مرهون بإرادة الممول وحده، وفقًا لما يقدره محققًا لمصلحته، بعد أن يوازن بين ما يجنيه من مغانم، وما يتحمله من مغارم جراء الخضوع الطوعي لأحكامه، بما لا إخلال فيه بمبادئ العدالة الاجتماعية التي أقام عليها الدستور النظام الضريبي، وجعل تحقيقها هدفًا له، أو بما يمس بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور، أو يخل بالتوازن بين أطراف العلاقة الضريبية، وبما لا مخالفة في ذلك لنصوص المواد (4، 8، 27، 38، 54) من الدستور.
وحيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن مبدأ المساواة أمام القانون، إعمالاً للمادتين (4، 53) من الدستور القائم، يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ – في جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة، التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للصالح العام. ومن المقرر- أيضًا- في قضاء هذه المحكمة أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصــرها، فإن قوامهــــا كــــل تفرقــــة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتهــــا على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بهــــا. بما مؤداه: أن التمييز المنهى عنه دستوريًّا هو ما يكون تحكميًّا، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيًا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها، متخذًا من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها، إذ إن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًّا.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان ما ينعاه المدعى على نص الفقرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 المشار إليه، إخلاله بمبدأ المساواة من وجهين، أولهما: تمييزه بغير مبرر موضوعي للإدارة الضريبية على حساب الممول، حال كونهما في ذات المركز القانوني، فكلاهما دائن للآخر، فالإدارة الضريبية تداين الممول بمبلغ الضريبة، والممول يداينها بقدر ما سبق له سداده بالزيادة تحت حساب الضريبة. وثانيهما: تمييز بين الممولين في تطبيق أحكامه، لاقتصار الاستفادة من أحكامه على كل من لم يسبق لهم سداد مبالغ تحت حساب الضريبة، دون غيرهم، فإن ذلك النعى مـردود في وجهـــه الأول بأن ما تغياه المشرع من أحكام التصالح الواردة في نص المادة السادسة المشار إليها، بما في ذلك فقرتها الأخيرة المطعون عليها، يتمثل في تصفية المنازعات القضائية الدائرة بين مصلحة الضرائب والممولين، من خلال تنازلات ومنافع متقابلة، ولا يتم تفعيل أحكام تلك المادة – كما تقدم البيان – إلا بالاختيار الحر وإرادة الممول وحده، وفقًا لما يقدره محققًا لمصلحته، ولا تملك الإدارة الضريبية إلا الانصياع لاختياره، إما بتطبيق أحكام كامل نص تلك المادة، أو الاستمرار في المنازعة القضائية المرددة بينهما. ومن ثم يختلف المركز القانوني للممول في هذا الشأن عن المركز القانوني للإدارة الضريبية، بمـا ليس فيه إخـلال بمبدأ المساواة. ومردود في وجهه الثاني بأن الخيار الذى ضمنه المشرع نص المادة السادسة سالفة الذكر، قد تقرر بقواعد عامة مجردة تنطبق على جميع الممولين في المنازعات الضريبية المرددة بينهم ومصلحة الضرائب أمام المحاكم على اختلاف درجاتها دون تمييز بينهم، ولكـل منهم أن يـوازن بين قدر ما تحققه أحكام ذلك النص له من منافع، وما يلقى على عاتقه من تبعات جراء الخضوع الطوعي لأحكامه، بما ليس فيه إخلال بمبدأ المساواة.
وحيث إنه عما نعى به المدعى من إخلال النص المطعون فيه بالحماية المقررة للملكية الخاصة، بحرمان الممول من استرداد ما سبق له سداده بالزيادة من مبالغ تحت حساب الضريبة، فإنه غير سديد، ذلك أن الإخلال بالحماية المقررة لحق الملكية الخاصة، وفقًا لنص المادتين (33، 35) من الدستور القائم، لا يتحقق – في الأعم من الأحـــــوال- إلا من خـلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلاً بمقدماتها، فلا يكون لها من أساس عادل، ولا سند مبرر لتقريرها. ولا كذلك النصوص القانونية التي تقوم على ترتيب تبعات مالية، تقابلها منافع، متى كانت هذه المنافع وتلك التبعـات المالية متقابلة، وكان زمام الأمر في الخضوع لها – بشقيها – بيد صاحب الشأن وحده، موازنًا بين هذه وتلك، لاختيار ما يحقق مصلحته. متى كان ذلك، وكان الأصل في الضريبة أنها فريضة مالية تجبى جبرًا، وتكون واجبة الأداء متى صار الربط نهائيًا، باستنفاد طرق التظلم منها أو بفواتها، ولو تم الطعن عليه أمام القضاء. ورغبة من المشرع في تصفية المنازعات القضائية الدائرة بين مصلحة الضرائب والممولين، فقد أفرد بنص المادة السادسة من مواد إصدار قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، طريقًا للتصالح فيها، لقاء منافع وتبعات مالية متبادلة بين طرفى العلاقة الضريبية، فإن ما يتحمله الممول من تبعات مالية لإجراء تلك التسوية لا يمثل افتئاتًا على الحماية المقررة للملكية الخاصة، بمقتضى نص المادتين (33 و35) من الدستور.
وحيث كان ما تقدم جميعه، وكان النص المطعون فيه لا يخالف أى حكم آخر من أحكام الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى المعروضة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .