ديمقراطية الشركات وحماية أقلية الشركاء من استبداد الأكثرية
عبد العزيز أحمد المزيني

الفكرة التي بنيت عليها الشركات المساهمة في إدارتها وتنظيمها مشابهة للفكرة التي بنيت عليها الدول الديمقراطية الحديثة، ففي الشركات المساهمة تفصل إدارة الشركة عن ملكيتها، إذ يقوم المساهمون (الشعب) من خلال الجمعية العمومية بانتخاب واختيار مجلس الإدارة بشكل دوري (السلطة التشريعية) الذي يقوم بوضع السياسات العامة للشركة واتخاذ القرارات الرئيسة، والإشراف العام على حسن عمل وإدارة الشركة، وأيضا اختيار المدير التنفيذي (السلطة التنفيذية) الذي يقوم بتنفيذ هذه السياسات العامة ومتابعة العمل اليومي للشركة، وتعيين الموظفين اللازمين لتنفيذ العمل. هذه (الديمقراطية) في الشركات هي محاولة لاستيعاب العدد الكبير من المساهمين الذين يصلون إلى مليون مساهم ويستحيل مشاركتهم كلهم في إدارة الشركة، ووضع آلية تضمن سلامة إدارة الشركة وعدم استغلالها من قبل طرف من الأطراف، من خلال رقابة مجلس الإدارة المنتخب من قبل المساهمين.

ومع ذلك، رغم هذا الفصل بين الملكية والإدارة، وتقسيم الصلاحيات بين مجلس الإدارة والمدير التنفيذي، وإشراف مجلس الإدارة المنتخب من قبل المساهمين على الإدارة التنفيذية، إلا إن هذا ليس بكاف لحماية المساهمين، ذلك لأن الصوت في الشركة مرتبط بالملكية لا بعدد الأفراد، فصاحب الحصة الأكبر له الصوت الأقوى، وبالتالي فلو أن مساهما يملك 51 في المائة من ملكية الشركة فهو الصوت الأقوى على الإطلاق ولو كان الباقي عددهم مليون مساهم. وبناء على ذلك فإن أعضاء مجلس الإدارة سيراعون في قراراتهم هذا المساهم الذي يملك الحصة المسيطرة، لأن عضو مجلس الإدارة بصوت هذا المساهم يضمن بقاءه في مجلس الإدارة ولو كان أداؤه في المجلس غير مرض لباقي المليون مساهم، وكذلك المدير التنفيذي سيسعى لإرضاء المساهم صاحب الحصة المسيطرة ولو كان في ذلك عدم رضا لباقي المساهمين.

في هذا المقام، سيكون الدور الأكبر لحماية الأقلية المساهمة هو للقضاء، فمثلا لو أن الشركة ستقوم بشراء قطعة أرض لبناء أحد المشاريع التجارية عليها، وقررت أن تشتري الأرض من المساهم الذي يملك 51 في المائة من الشركة، ثم هذا المساهم رفع السعر 20 في المائة مثلا عن سعر السوق، لأنه متيقن أن مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لن يعترضوا على السعر، إذ قد يؤدي ذلك إلى فقدهم مناصبهم مستقبلا، حينها ليس أمام الأقلية المساهمة إلا أن ترفع دعوى على إدارة الشركة لإبطال هذا البيع لأنه ليس في مصلحة الشركة، لا سيما أن التحيز هنا واضح وجلي، هذا النوع من القضايا، الدعوى التي ترفع من الأقلية المساهمة على إدارة الشركة، كثير جدا في الفقه القضائي الأمريكي، وهو الذي يشكل عصب قانون الشركات لديهم. من القضايا مثلا، في إحدى الشركات الأمريكية، المساهم الذي يملك 70 في المائة من الشركة وهو رئيس مجلس الإدارة قام بتعيين عدد من أفراد أسرته برواتب عالية أرفع من معدل الرواتب في الشركة بما يعادل 30 في المائة، حينها قام أحد المساهمين برفع قضية على المساهم رئيس مجلس الإدارة بناء على أن هذه الرواتب العالية ليس لمصلحة الشركة حيث إن المعينين ليسوا أصحاب خبرة أو قيمة مضافة للشركة، إنما تم إعطاء هذه الرواتب فقط لأنهم من عائلة رئيس مجلس إدارة الشركة، وبالفعل حكمت المحكمة إما بإعفائهم أو تقليل رواتبهم بما يناسب معدل الرواتب في الشركة.

بل هناك أمثلة أبعد من ذلك في التدخل في تفاصيل صلاحيات مجلس الإدارة، إحدى الشركات المساهمة الأمريكية الكبرى تملك 70 في المائة في شركة مساهمة أخرى، هذه الشركة الأم احتاجت إلى تمويل معين للقيام بأحد المشاريع التجارية، فقررت أن يتم تمويل المشروع من خلال أرباح الشركة التابعة، فاتخذ مجلس إدارة الشركة التابعة صرف أرباح تلك السنة وكانت القيمة عالية نسبيا، رغم أن الربح يوزع على جميع المساهمين إلا أن الأقلية المساهمة في الشركة التابعة رفعت قضية على إدارة الشركة لإبطال توزيع الأرباح، وكان مستندهم أن توزيع الأرباح لم ينظر فيه إلى مصلحة الشركة (التابعة) بل نظر فيه إلى مصلحة المساهم صاحب الحصة المسيطرة (الشركة الأم)، لذلك كانت قيمة توزيع الأرباح عالية نسبيا لتمويل مشروع الشركة الأم، هذه القيمة المرتفعة قد تضر بالشركة (التابعة) مستقبلا، وبالفعل حكمت المحكمة بإبطال توزيع الأرباح، وعلى مجلس الإدارة إعادة النظر في القرار بما يناسب مصلحة الشركة.

في المقابل، من خلال حديثي مع عدد من الزملاء القضاة في الدوائر التجارية في ديوان المظالم وأيضا مع عدد من المحامين المتخصصين في الشركات، ليس لدينا وفرة في هذا النوع من القضايا في واقع الشركات السعودي رغم أن نظام الشركات له نصوص صريحة في هذا المقام، ففي المادة 76 من نظام الشركات: (يسأل أعضاء مجلس الإدارة بالتضامن عن تعويض الشركة أو المساهمين أو الغير عن الضرر الذي ينشأ عن إساءتهم تدبير شؤون الشركة أو مخالفتهم أحكام هذا النظام أو نصوص نظام الشركة)، وفي المادة 78: (لكل مساهم الحق في رفع دعوى المسؤولية المقررة للشركة على أعضاء مجلس الإدارة إذا كان من شأن الخطأ الذي صدر منهم إلحاق ضرر خاص به).

هذا الفارق الكبير له أسباب عديدة ليس هذا مجال حصرها لكن من أهمها، أن الأقلية المساهمة في دول مثل أمريكا هي غالبا إما شركات أو بنوك أو صناديق استثمارية لها مستشاروها المتخصصون، أو أفراد لكنهم على مستوى من الحرفية ولهم مستشارون قانونيون وماليون على مستوى من المهنية، التي تؤهلهم لمتابعة السوق ومراقبة الشركة ورفع الدعوى القضائية متى كانت لازمة ومهمة، بينما في الواقع السعودي الأقلية المساهمة هم غالبا أفراد حصلوا على الأسهم من خلال الاكتتاب العام، أو رجال أعمال لكنهم ليس لديهم مستشارون يتابعون أداء الشركة وتصرفاتها وتقييمها من الناحية المالية والقانونية، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى استبداد الشركاء أصحاب الحصة المسيطرة في شركة مساهمة تقدر أصولها بمئات الملايين في اتخاذ قرارات مصيرية لمصلحتهم الخاصة، وذلك لانعدام الرقيب.

وهنا يأتي دور المحامين والمستشارين الماليين الذين عملاؤهم رجال أعمال مساهمون في شركات مساهمة، يأتي دورهم في متابعة قرارات الشركة وتصرفاتها، وتقييم أثرها على الشركة والمساهمين، فمتى ما وجد خلل أو إساءة تدبير أو تصرف يلحق الضرر بالشركة عموما أو بالمساهمين، سواء من الناحية القانونية أو المالية، ولا يمكن إصلاح الخلل من داخل الشركة، فمن حق المساهم رفع الدعوى القضائية لرفع الضرر وإصلاح الخلل، وإعادة المياه إلى مجاريها. إن في هذه الرقابة القضائية، التي تتم هندستها من خلال محامين متخصصين، مصلحة للشركة عموما، حيث تتم حمايتها من تصرفات قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بها مستقبلا، وفيها مصلحة للمساهمين حيث تتم حماية أموالهم من أن تستغل من قبل بعض المساهمين المسيطرين في الشركة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت