مجرمون يحـوّلون “فايسبوك” إلى فضاء للابتزاز

لم تعد الفضاءات الإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية تستعمل للتواصل بين الأفراد والجماعات فحسب، وهو الغرض الأساسي الذي صممت لأجله، بل أصبحت وسيلة في يد العابثين بحرمات الآخرين وفضاء للابتزاز والتشهير والمساومة، خاصة في ما يتعلق بالفضائح الجنسية التي لا يكون الضحية متورطا فيها بالضرورة، وهو ما تعكسه جرائم الابتزاز الإلكتروني عبر الأنترنت المسجلة يوميا.

نسبة ضئيلة من القضايا تصل إلى العدالة

 تعالج المصالح الأمنية المختصة، بشكل يومي، قضايا الابتزاز والتهديد والتشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ظهر مؤخرا جيل جديد من “المجرمين” المتحكمين في هذه الفضاءات الافتراضية، بما يحتم على الأجهزة الأمنية مواكبة تطور أساليب هذا النوع من الجريمة الذي أضحى يستهدف التماسك والأمن الاجتماعي وحتى الروابط الأسرية، ويلزم الأفراد التزام أقصى درجات الحذر والتأمين الشخصي ضد تجاوزات هؤلاء.

وتطغى جرائم التهديد بالتشهير عبر “الفايسبوك” على القضايا التي تعالجها مصالح الشرطة القضائية ووحدات الدرك الوطني في هذا الاختصاص، حيث تتلخص هذه القضايا في قيام محترفي الجريمة الإلكترونية باستغلال صور الأشخاص، خاصة المخلة بالحياء وكذا الفيديوهات وحتى الوثائق والرسائل النصية، وجعلها وسيلة ضغط وتهديد للأشخاص والعائلات.

وتأتي فئة النساء في مقدمة الفئات المستهدفة من قبل مجرمي مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة “الفايسبوك”، حيث يقوم هؤلاء بالتعدي على حرمتها الجسدية من خلال التصوير المخل بالحياء ثم يقومون بمساومتها على دفع مبلغ مالي مقابل عدم نشر الصور، كما تقع الكثيرات منهن ضحايا للتصوير الخفي.

ومن خلال استعراض بعض الجرائم التي عالجتها مصالح أمنية بولايتي تيبازة والبليدة في الفترة الأخيرة، يتضح أن الكثير من الأشخاص تحولوا من الجرائم التقليدية إلى الجريمة التقنية.

ففي شهر أكتوبر الماضي، أوقفت المصلحة الولائية للشرطة القضائية لأمن ولاية البليدة نصابا خطيرا يبلغ من العمر 38 سنة، احترف جريمة الاحتيال والابتزاز بواسطة التشهير بنشر صور فاضحة عبر “الفايسبوك”، حيث أوقع بمجموعة من النساء اللواتي كان يخطبهن بنية الابتزاز المالي ثم يستغل صورهن ويستولي بعدها على أموالهن عن طريق التهديد.

خطبة مزيفة فابتزاز
ولم تخف مصادر أمنية، في تصريح لـ”الخبر”، الجوانب الخفية لنفسية هؤلاء المجرمين، حيث ذكرت في هذه القضية أن هذا المنحرف اعتمد في مخططه على حيلة تقتضي انتقاء الفتيات الموظفات والميسورات، وكان يستهدف أكثر فئة العوانس، فيقوم بخطبتهن بالطرق المتعارف عليها، وبعدها تقع “الخطيبات” فرائس في فخ عنوانه الابتزاز، فحينما يتمكن هذا الأخير من كسب ثقة خطيباته، يستدرجهن إلى أماكن معزولة ويتعمد بطرق مختلفة تجريدهن من ثيابهن، وهناك يختلس هاتفه النقال ويلتقط صورا فاضحة.

تتحول تلك الصور الخاصة سلاحا في يد هذا المحتال، خصوصا أنه يتعمد اختلاق مشاكل مع ضحاياه، ويختفي لبضعة أيام، ثم يظهر ويعيد الاتصال بتلك الخطيبات ويخضعهن للترهيب والتخويف بالتشهير، ويطلب منهن مبالغ مالية معتبرة.

آخر الضحايا كانت فتاة ميسورة، تبلغ من العمر 29 سنة، مقيمة بمدينة بوعرفة، خطبها المتهم لمدة ثلاثة أشهر فقط، بعدها التقط صورها وأسقطها في مخططاته الابتزازية، حيث طلب منها في البداية مبلغ 20 مليون سنتيم مقابل حذف تلك الصور الخاصة بها، فلم تتردد في منحه المبلغ المطلوب، وبعدها بأيام أعاد الاتصال بها وطلب مبلغا ثانيا بنفس القيمة، فاستجابت لطلبه الثاني، ثم أعاد الاتصال بها وطلب منها حليا ذهبية تفوق قيمتها 35 مليون سنتيم، فقامت الضحية بجمع حليها وجميع مصوغات والدتها ومنحتها لــه وطلبت منه تسليمها الهاتف الحامل للصور لكنه رفض، وفي الأخير تمادى المجرم في شروطه وطلب منها مبلغ 5 ملايين سنتيم.

مــصادر “الخبر” كشفت أن الضحية تأكدت من النوايا الإجرامية لخطيبها، فأسرعت إلى مقر المصلحة الولائية للشرطة القضائية وقصت عليهم تفاصيل اللعبة التي وقعت فيها مع الخطيب المزعوم، فلم يبلث أفراد فرقة البحث والتحري أن تعرفوا عليه كونه مسبوقا في ثماني قضايا سابقة مشابهة، لتتم ملاحقته إلى أن تمت الإطاحة به في أولاد يعيش بالبليدة وهو متلبس بمحاولة ابتزاز الضحية ذاتها حين أعاد الاتصال بها وطلب منها مبالغ مالية إضافية، فتظاهرت هذه الأخيرة بإحضار المبلغ في مكان كان أفراد الفرقة يترصدونه فيه، ليتم إلقاء القبض عليه وحجز هاتفه النقال.

وبفضل عملية التفتيش التي خضع لها منزل المتهم، استرجعت عناصر الشرطة مبلغ 45 مليون سنتيم عبارة عن عائدات الابتزاز، كما استرجعت الحلي التي استولى عليها من الضحية وتمكنت أيضا من حذف الصور التي كانت مخزنة بذاكرة هاتف الموقوف.

يختطف فتاة ويهددها بنشر صورها

من جهتها، أوقعت فرقة الدرك الوطني بالداموس أقصى غرب ولاية تيبـــازة، شهر أوت الماضي، بمجرم خطير مستفيد من مركبة تشغيل الشباب، كان محل تحقيقات بعدما تورط في جناية اختطاف فتاة وإبعادها عن منزلها والتعدي على حرمتها الجسدية قبل أن يلوذ بالفرار، إلى أن تم التعرف عليه بواسطة السجل الإلكتروني المدعم بالصور الفوتوغرافية.

وقائع الجريمة تعود إلـــى صبيحة يوم عيد الفطر 2015، حينمــا كانت الفتاة تسير بمفردها في حي الشهداء بتيبازة، عندما باغتها المتهم الذي كان يقود سيارة نفعية مغطاة، حيث تعمد مضايقتها وعرقلة تحركاتها، إلى أن دفعها إلى التوقف في زاوية مغلقة، ثم نزل إليها وهددها بواسطة سلاح أبيض وأمرها بركوب سيارته، حيث قام بنقلها في الجهة الخلفية واختلى بها في منطقة تبعد بحوالي 4 كلم في أعالي البلدية، وهناك اعتدى عليها ثم قام بتصويرها بواسطة هاتف نقال، واتخذ تلك التسجيلات وسيلة لتهديدها بنشر تفاصيل الجريمة الأخلاقية عبر صفحات التواصل الاجتماعي، كما أمرها بكتمان الفضيحة.

وفور عودة الضحية إلى أهلها بعدما تمكنت من الفرار في تلك الليلة بأعجوبة، سارع وليها إلى الاتصال بعناصر الفرقة الإقليمية للدرك، فاستمعوا إلى أقوالها وروايتها، لكنهم لم يتعرفوا على هوية الفاعل المجهول لديها، غير أن التحريات المتواصلة بالاستناد إلى بنك الصور والمعلومات المتعلقة بالمركبات السياحية والنفعية المتداولة في المنطقة، مكّنت المحققين من التوصل إلى الفاعل المشتبه فيه، وذلك بفضل تقنيات متطورة، حيث تم تحديد صورته الشخصية وخضع لمطاردة إلى أن تم توقيفه، وبمجرد عرضه أمام الضحية تعرفت عليه، فتمت متابعته بملف جنائي يتضمن تهمة الاختطاف وتصوير مقاطع فيديو بغرض الابتزاز والتهديد.

صور مفبركة على “يوتوب”
وأحالت فرقة التحري والبحث للمجموعة الولائية للدرك الوطني بالعاصمة سابقا شابا في الرابعة والعشرين من عمره على وكيل الجمهورية لدى محكمة الشراڤة، لضلوعه في جريمة معلوماتية باستعماله شبكة التواصل الاجتماعي “فايسبوك” و«يوتوب” كوسيلة لابتزاز صديقته السابقة، من خلال عرض صور تظهر فيها بطريقة مخلة بالحياء، وهذا بعدما قام بتركيبها وتعديلها عن طريق برمجيات خاصة، حيث وصل عدد مشاهديها ومتصفحي الموقع 960 مشاهد.

وكان قائد فرقة بالمجموعة الولائية قد استعرض وقائع هذه القضية التي تحركت بناء على شكوى أودعتها طالبة جامعية ضد مجهول، تضمنت أنها تعرضت لعملية ابتزاز باستعمال صورها الفوتوغرافية مأخوذة في وضعيات غير أخلاقية، تلقتها عبر بريد إلكتروني مجهول الهوية، واتهمت في شكواها صديقا لها كانت قد انفصلت عنه منذ ستة أشهر. وبناء على الشكوى، فتحت العناصر المختصة في جرائم الإعلام الآلي والأنترنت للمجموعة الولائية لدرك ولاية الجزائر، تحقيقا معمقا دام 20 يوما لتحديد هوية الموقع، ليتم خلاله تتبع وتحديد عنوان الأنترنت المستعمل في عملية إرسال الصور، ومن ثم تحديد هوية مالكه، وهو ما استدعى الحصول على أمر بتفتيش المنزل الكائن ببلدية الجزائر الوسطى، وعندها صرّح مالك البيت بأنه لا يستعمل خدمات الأنترنت بمفرده وإنما يشاركه في ذلك جاره الشاب الذي كان محل اشتباه الضحية، ما جعل رجال الأمن يباشرون عملية تفتيش في كمبيوتر الشاب انتهت باكتشاف أنه صاحب رسائل الابتزاز والصور التي تظهر فيها الفتاة.

الرقابة القضائية لفتاة شهّرت بصديقتها
أوقفت فرقة الشرطة القضائية ببوحنيفية بمعسكر، نهاية الأسبوع، فتاة تبلغ من العمر 19 سنة في قضية تشهير عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي، بعد ما قامت بنشر صور صديقتها مكتوب عليها عبارات قبيحة وسب وشتم. تعود وقائع القضية إلى شهر ماي من السنة الجارية، عندما تقدمت الضحية بشكوى ضد مجهول قام بنشر صورها عبر الأنترنت، بعدما فتح صفحة تواصل “فيسبوك” باسمها واضعا صورا خاصة بها، مستغلا بطاقة ذاكرة سرقت منها سابقا. وباشرت فرقة الشرطة القضائية بمدينة بوحنيفية بولاية معسكر تحرياتها لتتوصل إلى المتهم باستعمال أحدث تقنيات البحث والتحري، حيث دام البحث خمسة أشهر لتحديد هوية الفاعل، واتضح أنه زميلة الضحية. وبعد جمع كل الأدلة تم توقيفها ومباشرة التحري بشأن ما أقدمت عليه من أفعال، ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية، حيث قدمت أول أمس أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة بوحنيفية الذي أحال الملف على قاضي التحقيق الذي أمر بوضعها تحت الرقابة القضائية.

200 جريمة إلكترونية منذ بداية السنة
كشف المقدم عزالدين عزالدين من مركز الوقاية من جرائم الإعلام الآلي والجرائم المعلوماتية ومكافحتها التابع لقيادة الدرك الوطني، عن تسجيل ما يقارب 200 قضية خلال العام الجاري، كلها ترتكز على المساس بالحرية الشخصية عبر التهديد بالأنترنت بمختلف الطرق الإلكترونية المتاحة كمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.

قال المقدم عزالدين، على هامش الملتقى الوطني حول الجريمة المعلوماتية بين الوقاية والمكافحة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة بسكرة، إن جل القضايا يخص سرقة الصور ونشرها دون إذن صاحبها من أجل التهديد والابتزاز للحصول على أموال. وأرجع نفس المصدر تكرر هذه القضايا بالدرجة الأولى إلى سوء استعمال الأنترنت وعدم احترام الترتيبات الأمنية والأخطر “هو التعامل مع الغرباء، حيث يتم التواصل مع شخصيات افتراضية مجهولة قد تلحق الأذى بصاحبها”. وفي سياق تحليله لهذا النوع من الجريمة، قال إنها حديثة ظهرت مع التطور التكنولوجي، ناهيك عن أنها معقدة ترتكز على سرعة إخفاء الأثر لذلك فمكافحتها تتطلب جهدا مضاعفا.

وفي نفس السياق، أوضح رئيس خلية مكافحة الجرائم الإلكترونية بأمن بسكرة، الملازم الأول حملاوي عبد الرحمن، أن الجريمة الإلكترونية مازالت تعرف عدة صعوبات بسبب قلة وعي المواطن قبل وبعد حدوثها، إذ لا يحافظ على مسرح الجريمة ويقوم بخطوات فردية تنعكس سلبا على مسار التحقيق “الأدلة الرقمية” و”البصمة الرقمية”، إضافة إلى أن المواطن مازال يجهل هل القانون يعاقب على مثل هذه الجرائم أو لا؟

إعادة نشر بواسطة محاماة نت