لجنة استئنافية للمنازعات المصرفية
زهير بن سليمان الحربش
استكمالاً لمسيرة تطوير مرفق القضاء في المملكة العربية السعودية التي بدأها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فقد صدر بتاريخ 11 شعبان 1433هـ الموافق الأول من تموز (يوليو) 2012 أمر ملكي كريم تم بموجبه إنشاء لجنة استئنافية للمنازعات المصرفية وتعديل مسمى اللجنة الحالي إلى لجنة المنازعات المصرفية بدلاً من لجنة تسوية المنازعات المصرفية مع تحديد فترة لعدم سماع الدعوى في المنازعات المصرفية مدتها خمس سنوات من تاريخ استحقاق المبلغ محل المطالبة وذلك وفقاً للشرح أدناه.

لقد جاء الأمر الملكي البرقي في عشرة بنود نص أولها على تعديل اسم اللجنة الصادر بشأنها الأمر السامي رقم 729/8 وتاريخ 10/7/1407هـ ليصبح مسماها الجديد (لجنة المنازعات المصرفية) وليحسم هذا المسمى الجدل الدائر منذ سنوات حول الاختصاص القضائي للجنة وأنها لجنة تسوية لا فصل، كما نص البند نفسه على اختصاص لجنة المنازعات المصرفية بالفصل في المنازعات المصرفية الأصلية (أي العمليات المصرفية والحوالات والاعتمادات المستندية…)، والفصل في المنازعات المصرفية بالتبعية (أي كفالات الغرم والأداء المصرفية سواء الصادرة من أشخاص طبيعيين أو معنويين) شريطة عدم تعارض ذلك مع اختصاص الجهات القضائية الأخرى كلجان الأوراق التجارية مثلاً التي تنظر دعاوى السندات لأمر المحررة من مقترض وكفلاء. كما تضمن البند ثانياً تكوين اللجنة وقضى بأن تتألف لجنة المنازعات المصرفية من دائرة أو أكثر من ثلاثة أعضاء وعضو احتياطي تتوافر فيهم الخبرة والتأهيل النظامي والإلمام بالمعاملات المالية على أن يكون أحد الأعضاء على الأقل ذا تأهيل شرعي، وحيث يعين رئيس كل دائرة وأعضاؤها بأمر ملكي لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد.

أما البند ثالثاً فنص على كيفية نظر اللجنة للمنازعات المصرفية وحدد أن يكون نظر الدعاوى استناداً إلى المعلومات والبيانات الثابتة في ملف الدعوى، والاتفاقات المبرمة بين طرفي النزاع (اتفاقيات التسهيلات واتفاقيات الحساب الجاري) على أن تصدر قرارات لجنة المنازعات المصرفية بالأغلبية وتكون قابلة للطعن أمام اللجنة الاستئنافية خلال 30 يوماً من التاريخ المحدد لتسلم نسخة القرار وإلا أصبح القرار غير قابل للطعن أمام أي جهة أخرى وهو ما يقفل الباب نهائياً أمام الطعون التي كانت تقدم على سبيل المثال لديوان المظالم أو غيره. كما نص الأمر الملكي المشار إليه إلى إنشاء لجنة استئنافية للمنازعات والمخالفات المصرفية وتختص هذه اللجنة الاستئنافية للمنازعات والمخالفات المصرفية بالنظر في الاعتراضات المقدمة ضد قرارات لجنة المنازعات المصرفية، كما تختص أيضاً بالنظر في الاعتراضات المقدمة ضد قرارات لجنة الفصل في مخالفات نظام مراقبة البنوك على أن تصدر قرارات اللجنة الاستئنافية بالأغلبية وتكون غير قابلة للطعن أمام أي جهة أخرى.

وهذا يجعل التقاضي في المنازعات المصرفية على درجتين مما يحقق مزيداً من استقرار الأحكام والعدالة. كما حدد الأمر الملكي فترة لعدم سماع الدعاوى مدتها خمس سنوات، حيث لا يجوز سماع الدعوى في المنازعات المصرفية بعد مضي خمس سنوات من تاريخ استحقاق المبلغ محل المطالبة أو من تاريخ العلم بالواقعة محل النزاع ما لم يقدم صاحب الشأن عذراً تقدره اللجنة، أي أنه لا يجوز للبنك المقرض المطالبة بتسهيلات بنكية مضى على استحقاقها خمس سنوات، كما لا يجوز للبنك مطالبة كفيل تسهيلات مصرفية في حال مضي خمس سنوات على استحقاق تلك التسهيلات خلافاً لما كان معمولا به في السابق من سقوط الكفالة وانقضائها في حالة مرور عشر سنوات على تحريرها (قرار لجنة تسوية المنازعات المصرفية رقم 38/1423)، وكذلك الأمر بالنسبة للعميل، حيث لا يجوز له رفع دعوى ضد البنك بشأن صرف شيك مزور التوقيع بعد مرور خمس سنوات على تاريخ العلم بواقعة الصرف.

أبقى البند ثامناً من الأمر الملكي للجنة المنازعات المصرفية حق وصلاحية اتخاذ الإجراءات التحفظية والتنفيذية كما كان سابقاّ وذلك بأن تقوم اللجنة في سبيل إلزام المدين بتنفيذ القرارات القطعية بإصدار قرارات بالحجز على حساباته المصرفية والاستثمارية سواء كان المدين عميلا أو بنكا محكوما عليه لصالح أحد العملاء، كما قرر الأمر الكريم بأحقية اللجنة في الحجز على مستحقات المدين لدى الجهات الحكومية ومنعه من التعامل مع الجهات الحكومية والبنوك، وكذلك منعه من السفر دون أن يضع الأمر الكريم حداً أدنى للمبلغ المدين به المحكوم عليه.

كما أعطى اللجنة حق تضمين قراراتها النفاذ المعجل وفق حالات معينة على أن تطبق لجنة المنازعات المصرفية واللجنة الاستئنافية للمنازعات والمخالفات المصرفية نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية، وذلك فيما لم يرد فيه نص في قواعد عمل اللجنتين التي ستعدها اللجنة الاستئنافية. على أن تستمر اللجنة الحالية (لجنة تسوية المنازعات المصرفية) في نظر ما يعرض عليها من القضايا الداخلة في اختصاصها إلى حين صدور قواعد وإجراءات عمل اللجنتين مع تعديل اسم (الأمانة العامة للجنة تسوية المنازعات المصرفية) ليصبح (الأمانة العامة للجان المنازعات والمخالفات المصرفية).

ختاماً، إن الأمر الملكي قد حسم الجدل القائم منذ زمن حول الاختصاص القضائي للجنة، وأيضاً حسم نهائية قرارات اللجنة وما إذا كانت قابلة للطعن أمام جهة أخرى، كما أنه حسم مسألة تنفيذ القرارات التي توقف تنفيذها أخيرا لدى إمارات بعض المناطق، كما سيساعد في تنفيذ القرارات النهائية في بعض الدول العربية التي كانت تمتنع عن تنفيذ قرارات اللجنة. هذه مقالة قصدت منها فقط استعراض أهم نصوص الأمر الملكي البرقي ولا شك أنه بمرور فترة زمنية سيتضح الكثير من الجوانب العملية لهذا الأمر الملكي خاصة بعد أن تصدر القواعد والإجراءات التي تنظم عمل اللجنتين.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت