نبذة عن الباحث
الأستاذة / آية أحمد السعيد

ماجستير في القانون بتقدير جيد جداً – جامعة الإسكندرية

خطة البحث

المقدمة
تكمن العلة في وجوب استدراك الأخطاء المادية أو المطبعية التي تكتنف نشر القانون بالجريدة الرسمية، في أن قرينة العلم بالقاعدة القانونية توجب أن يكون هذا العلم قد انصب على قاعدة قانونية صحيحة حسبما أصدرها المشرع، ويقتضي ذلك تصويب ما قد يرد من أخطاء ونشر هذا التصويب في الجريدة الرسمية وهو ما يطلق عليه اصطلاح “الاستدراك التشريعي”.

ومن ناحية أخرى، فإن صحة القاعدة القانونية وخلوها من الأخطاء إنما يحقق ما يعرف “باليقين القانوني”، ومعناه ثقة المخاطبين بأحكام القانون في فاعلية القانون بما يترتب عليه من لجوئهم إليه وعدم تحايلهم عليه هذا من ناحية، وشعورهم بإلزامه وعلو شأنه بما يدفعهم لاحترامه من ناحية أخرى[1].

لذلك رأينا من الضروري أن نبحث في هذا الموضوع، الذي قد يعتبر مدخلاً للتهرب من أحكام القانون والتحايل عليها إذا ما وعي إليها المتقاضين، استناداً إلى عدم تحقق العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة لما اعتراها من أخطاء مادية لم تستدرك.

وقد رأينا بحث هذا الموضوع من عدة جهات، أولها ماهية الخطأ المادي المستوجب للاستدراك، ثم نتطرق الميعاد الذي يصبح فيه النص المصحح ملزماً للمخاطبين بأحكامه، والجهة المنوط بها استدراك الخطأ وما هو الأثر المترتب على عدم استدراكه.

ونعرض بعد ذلك للنطاق الذي يجوز فيه الاستدراك وما أثر تجاوز هذا النطاق، وأخيراً سلطة القاضي في تطبيق النص القانوني الصحيح الذي لم يستدرك الخطأ المادي فيه.

وقد استخدمنا في ذلك محرك البحث القانوني المتوفر في منظومات شبكة قوانين الشرق المحملة على Flash Memory .

[1] جمهورية مصر العربية، إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، رقم 0 لسنة 2008، بتاريخ 07-05-2008، تاريخ الجلسة 7/5/2008 رقم الملف 73/ 62 رقم الصفحة 1238 “العبرة بالعقوبة التأديبية المقررة قانوناً وقت وقوع الفعل التأديبي؛ وليس في أي وقت آخر؛ ويستند هذا الاتجاه – بصفة أساسية – إلى ما تقضي به الأصول العامة التي تحكم توقيع العقوبة بصفة عامة – وفي المجال التأديبي بصفة خاصة – من وجوب أن تتحدد العقوبة – مقدماً – بنصوص صريحة وقاطعة؛ فلا يترك أمرها لتحكم سلطات التأديب أو أهواءها؛ لما ينطوي عليه الأمر من مساس بحقوق وحريات الأفراد؛ ويعرف ذلك في المجال التأديبي بمبدأ «شرعية العقوبة» – ويقابله في المجال الجنائي مبدأ «شرعية الجرائم والعقوبات«؛ وكلا المبدأين يتحدان فيما يستهدفانه من بلوغ وجه العدالة في توقيع العقاب على مرتكب الجريمة؛ إلا أنهما يختلفان في وسيلة تحقيق هذا الهدف، ففي حين يتخذ مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في المجال الجنائي، من تحديد الجريمة وبين أركانها بنصوص صريحة وواضحة؛ منفذاً للوصول إلى يقين قانوني لدى المخاطب بالنص العقابي”

أولاً: ما المقصود بالخطأ المادي؟!

1- ما يدخل ضمن الخطأ المادي في التشريع المنشور:

المقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن الأخطاء المادية في نشر التشريع على نوعين:

النوع الأول: “الأخطاء التي لا أثر لها في العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة”، مثل “الأخطاء اللغوية أو النحوية التي تخل بمبنى الكلمة دون أن تخل بمعناها المقصود ولا تؤثر بالتالي في المركز القانوني للمخاطبين بأحكامها”.

والنوع الثاني: الأخطاء التي “قد ترتب عليها غموض أو تجهيل أو لبس بالنص المراد استحداثه أو تعديله وتؤثر في المركز القانوني للمخاطبين بأحكام القانون، ….. بما ينفي توافر العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة التي أصدرها المشرع حتى يحاج بها الكافة”.

2- ما لا يدخل ضمن الخطأ المادي في التشريع المنشور:

أ‌- انتهت محكمة النقض المصرية في حكم لها حول قضية عرضت عليها وكان من وقائعها أن حجبت جداول تعهدات جمهورية مصر العربية في مجال تجارة السلع والخدمات الملحقة باتفاقية الجات عن النشر الذي اقتصر على مجرد الموافقة على الانضمام لهذه الاتفاقية، ثم في وقت لاحق نشرت هذه الجداول بتاريخ 29 من أغسطس تحت مسمى استدراك، إلى أن استدراك الخطأ المادي كعوار يصيب نشر التشريع لا ينصرف إلى إرجاع نشر جزء من القانون إلى وقت لاحق لنشر مضمون الاتفاقية[1].

ب‌- الخطأ الذي يتطلب تغيير في النص المنشور لفظاً ومعنى لا يعتبر خطأ مادي مما يمكن تصحيحه باستدراك وإنما تعديل له لا يجوز إلا بصدور قانون آخر[2].

[1]جمهورية مصر العربية – محكمة النقض – مدني، [الطعن رقم 2345 – لسنة 75 – تاريخ الجلسة 8 / 5 / 2012 – مكتب فني 63 رقم الصفحة 724 ]

[2] جمهورية مصر العربية – محكمة النقض – مدني، [الطعن رقم 393 – لسنة 44 – تاريخ الجلسة 3 / 1 / 1982 – مكتب فني 33 رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 58 ]

جمهورية مصر العربية – محكمة النقض – مدني – طلبات رجال القضاء، [الطعن رقم 37 – لسنة 29 – تاريخ الجلسة 18 / 1 / 1966 – مكتب فني 17 رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 27 ]

جمهورية مصر العربية – محكمة النقض – مدني، [الطعن رقم 2230 – لسنة 78 – تاريخ الجلسة 21 / 1 / 2010 – مكتب فني 61 رقم الصفحة 112 ]

ثانيا: الميعاد الذي يصبح النص المستدرك فيه ملزماً:

نفرق بين حالتين:

الأولى: الأخطاء التي لا أثر لها على العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة (وبالتالي لا تؤثر في المراكز القانونية):

إذا اكتنف نشر القانون بالجريدة الرسمية أخطاء مادية أو مطبعية فإنه من المتعين التزاما بوجوب توافر قرينة العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة حسب ما أصدرها المشرع تصويب هذه الأخطاء وذلك بنشرها بالجريدة الرسمية وهو ما يطلق عليه اصطلاحا “الاستدراك التشريعي” والذي يجب ألا يجاوز هذا النطاق حتى لا يترتب عليه تغيير في النص المنشور لفظا ومعنى ويصبح في حقيقته تعديلا للقانون لا يجوز إلا من السلطة المختصة بذلك، ويعتبر الاستدراك بمعناه سالف البيان جزءا من النص المصوب وتكون له نفس قوته ويعمل به من تاريخ سريان القانون وليس من تاريخ نشر الاستدراك بالجريدة الرسمية – التزاما بالأصل العام – طالما أن هذه الأخطاء رغم وجودها لا أثر لها في العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة وبالتالي لا تؤدي إلى نفي القرينة المفترضة بالعلم بالقانون وذلك مثل الأخطاء اللغوية أو النحوية التي تخل بمبنى الكلمة دون أن تخل بمعناها المقصود ولا تؤثر بالتالي في المركز القانوني للمخاطبين بأحكامها[1].

الثانية: الأخطاء التي يترتب عليها غموض أو تجهيل أو لبس بالنص المراد استحداثه أو تعديل (وبالتالي تؤثر في المراكز القانونية):

إذا كانت الأخطاء المادية أو المطبعية – المنشور بشأنها الاستدراك – يترتب عليها غموض أو تجهيل أو لبس بالنص المراد استحداثه أو تعديله وتؤثر في المركز القانوني للمخاطبين بأحكامه فإن قرينة العلم لا يمكن افتراضها، ومن ثم فإنه يتعين في هذه الحالات وجوب توافر العلم بالقاعدة القانونية التي أصدرها المشرع متى يحاج بها الطاعن واعتبار نشر الاستدراك هو الوسيلة الوحيدة لذلك وبالتالي فإن الاستدراك – استثناء من الأصل – لا يسري إلا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية ولا يطبق إلا على التصرفات اللاحقة عليه دون تلك التي تمت في ظل النص قبل تصويبه ونشره[2].

[1] جمهورية مصر العربية – أحكام غير منشورة – محكمة النقض – مدني، [الطعن رقم 21260 – لسنة 77 – تاريخ الجلسة 13 / 1 / 2009 ]

[2] جمهورية مصر العربية – أحكام غير منشورة – محكمة النقض – مدني، [الطعن رقم 21260 – لسنة 77 – تاريخ الجلسة 13 / 1 / 2009 ]

ثالثا: الجهة المنوط بها استدراك الخطأ وأثر عدم استدراكه:

1- الجهة المختصة باستدراك الخطأ:

أغفل المشرع النص على تحديد الجهة المنوط بها استدراك الخطأ الذي يعتري التشريع، إلا أن حكماً لمحكمة النقض يمكن تحديد الجهة المختصة بهذا النشر استناداً إليها فقد قضت بأن “عند نشر هذا القانون -القانون رقم 76 لسنة 2007 والذي يسري اعتبارا من 1/ 10/ 2007- في الجريدة الرسمية في العدد رقم 22 مكرر بتاريخ 6/ 6/ 2007 وقع به خطأ مادي، مما دعا السلطة المختصة بالنشر إلى تداركه بنشر استدراك في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 27 بتاريخ 3/ 7/ 2008”.

ويمكننا أن نستنتج من ذلك أن السلطة المختصة بنشر التشريع هي الجهة المختصة بتدارك ما قد يعتريه من أخطاء.

ويؤكد منطقية استنتاجنا هذا ما ورد بنص قرار مجلس الوزراء السعودي بشأن الجريدة الرسمية من التزام على عاتق الجهات المعنية –يقصد به الجهة التي عينتها الوزارات والمصالح الحكومية والأجهزة ذات الشخصية المعنوية العامة لتكون مسئولة عن إرسال المواد الواجب نشرها ومتابعة النشر والتأكد من سلامته وفقاً لنص المادة الثالثة من ذات القرار- مضمونه ضرورة تأكدهم من وصول النصوص إلى الجريدة الرسمية، ومن نشرها في الوقت المناسب ومن خلوها من الأخطاء، وألزمها كذلك بان تتصل بالجريدة الرسمية إذا رأت في النص المنشور أي خطأ لتصحيحه دون تأخير[1].

ولا يناقضه ما نص عليه المشرع القطري في قانون الجريدة الرسمية من أن “تتولى الإدارة المختصة بالوزارة –وزارة العدل كما هو مشار في المادة الأولى من القانون ذاته- اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحضير إصدارات الجريدة الرسمية واستلام المواد المطلوب نشرها ومراجعتها وتدقيقها”[2].

واستناداً إلى ما ورد في قانون الجريدة الرسمية العماني في المادة العاشرة منه إذ جاء نصها مطابق للنص القطري في إيكاله مهمة استلام المواد المطلوب نشرها ومراجعتها وتدقيقها إلى المدير العام المسئول عن تحضير إصدارات الجريدة الرسمية، ويؤكد ذلك نص المادة التاسعة من القانون ذاته حيث أكد فيها المشرع على أن وحدات الجهاز الإداري للدولة طالبة لنشر في الجريدة الرسمية يتولى تقديم نسخة ورقية عن النص المطلوب نشره إلى جانب النسخة الالكترونية على أن تكون النسخ مقروءة وبحالة جيدة وإلا جاز للمسئول عن استلام النسخ إرجاء النشر لحين استيفاء ما تقدم، بما يؤكد أن صحة مضمون ما يطلب نشره إنما يقع على عاتق وحدة الجهاز الإداري طالب النشر[3].

2- أثر عدم استدراك الخطأ المادي:

لم يعنى المشرع ببحث هذه المسألة ووضع حل قانوني لها، ولم تتطرق أحكام القضاء لها بصورة مباشرة، إلا أن قضاء لمحكمة النقض نصت فيه على أن الخطأ المادي في التشريع المنشور له أثره على قرينة افتراض العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة وفرقت في ذلك ما بين نوعين من الأخطاء المادية.

أولاً:الأخطاء اللغوية أو النحوية التي تخل بمبنى الكلمة دون أن تخل بمعناها وهذه الأخطاء رغم وجودها لا أثر لها في العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة وبالتالي لا تؤدي إلى نفي القرينة المفترضة بالعلم بالقانون.

ثانياً:الأخطاء التي ترتب غموض أو تجهيل أو لبس بالنص المراد استحداثه أو تعديله وتؤثر في المركز القانوني للمخاطبين بأحكام القانون وفي هذه الحالة فإن قرينة العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة – المستحدثة أو المعدلة – لا يمكن افتراضها، ومن ثم فإنه يتعين في هذه الحالات وجوب توافر العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة التي أصدرها المشرع حتى يحاج بها على الكافة ويكون ذلك بنشر الاستدراك هو الوسيلة الوحيدة لذلك.

وحيث أن الدستور المصري بعد تعديله عام 2014 اهتم بإتاحة المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية للمواطنين، وجعلها ملكاً للشعب واعتبر الإفصاح عنها حقا من حقوق المواطن[4].

وطالما أن قرينة العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة لا يمكن افتراضها إلا من خلال النشر في الجريدة الرسمية، فإن أي خطأ مادي ينفي هذه القرينة –كما في الحالة الثانية- يترتب عليه حتماً اعتبار واقعة النشر كأن لم تكن مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها أنه لا يمكن الاحتجاج بالقانون الذي اعتراه خطأ مادي يحول دون تحقق العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة في مواجهة المخاطبين بأحكام هذا القانون.

حتى ولو ثبت تحقق العلم اليقيني بالقاعدة الصحيحة بأي وسيلة أخرى، إذ أن محكمة النقض المصرية قد أرست قاعدة مفادها أنه “لا يغني عن هذه الوسيلة العلم بالقاعدة القانونية بطريق آخر ولو توفر العلم اليقيني، ولما كانت قرينة العلم بالقانون أو إمكانية العلم به مفترضة، فإذا انتفى ذلك لم يعد للافتراض مكان احتراما للقاعدة الشرعية أنه “لا تكليف بمستحيل”[5].

وقد نخلص من هذا إلى أحد نتيجتين:

الأولى:أن المخاطب بأحكام التشريع الذي اعترى نشره خطأ مادي لم يصحح، وإن كان لا يخاطب بالقاعدة القانونية الصحيحة إلا أنه لا يزال مخاطب بالنص كما ورد في الجريدة الرسمية وبما يعتريه من أخطاء، ولا يجوز له الادعاء بأن النص يخالف مقصود المشرع، ونستنبط ذلك من نص المادة رقم 2 في قانون الجريدة الرسمية اليمني ومفادها “النشر في الجريدة الرسمية إجراء رسمي يفترض به علم الأشخاص بالمادة المنشورة فيها”[6]، ويقابله في دولة قطر ” وتكون المادة المنشورة حجة على الكافة”[7].

فتنطبق بالتالي قاعدة عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون على النص المنشور بالكيفية التي نشر بها دونما اعتبار لما اتجهت إليه إرادة المشرع فعلاً طالما لم يُصدر بها استدراك.

الثانية: أن من حق المخاطبين بأحكام القوانين التي لم يصدر بشأنها استدراك لتصحيح الأخطاء المادية التي ترتب عليها غموض أو تجهيل أو لبس بالنص المراد استحداثه أو تعديله، التمسك أمام محكمة الموضوع بانتفاء العلم بالقاعدة القانونية[8]، والنعي بذلك أمام محكمة النقض باعتباره من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض، استناداً إلى نص المادة 225 من دستور مصر الساري لسنة 2014 والتي نصت على أن “تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إصدارها، ويُعمل بها بعد ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتاريخ نشرها، إلا إذا حددت لذلك ميعاداً آخر”.

[1] نص الفقرة الثالثة من المادة الثانية من قرار مجلس الوزراء رقم 16 لسنة 1425 هـ، نشر بتاريخ 4/ 3/ 1425 بشأن ما تنشره الجريدة الرسمية، صادر في المملكة العربية السعودية.

[2] نص المادة 9 من القانون رقم 12 لسنة 2016 الصادر بتاريخ 27 / 10 / 2016 نشر بتاريخ 04 / 10 / 2017، بشأن الجريدة الرسمية، دولة قطر.

[3] نص المادة 9، 10 من مرسوم سلطاني رقم 84 لسنة 2011 الصادر بتاريخ 13 / 09 / 2011 نشر بتاريخ 17 / 09 / 2011، بشأن إصدار قانون الجريدة الرسمية

[4] جمهورية مصر العربية – أحكام غير منشورة – محكمة القضاء الإداري [الحكم رقم 63089 – لسنة 66 – تاريخ الجلسة 24 / 6 / 2014 ]

[5] جمهورية مصر العربية – محكمة النقض – مدني، [الطعن رقم 2230 – لسنة 78 – تاريخ الجلسة 21 / 1 / 2010 – مكتب فني 61 رقم الصفحة 112 ]

[6] الفقرة الأولى من المادة الثانية من القرار الجمهوري رقم 27 لسنة 1992 نشر بتاريخ 15 / 04 / 1992، بشأن الجريدة الرسمية، الجمهورية اليمنية.

[7] نص المادة 3 من القانون رقم 12 لسنة 2016 الصادر بتاريخ 27 / 10 / 2016 نشر بتاريخ 04 / 10 / 2017، بشأن الجريدة الرسمية، دولة قطر.

[8] جمهورية مصر العربية – محكمة النقض – مدني [الطعن رقم 256 – لسنة 24 – تاريخ الجلسة 24 / 6 / 1958 – مكتب فني 9 رقم الجزء 2 – رقم الصفحة 639 ] “مجرد نشر القانون في الجريدة الرسمية لا يكفي في حد ذاته دون ضوابط أخرى محددة للقول بتحقق علم المخاطبين بأحكامه علماً حقيقياً أو حكميا، وإنما يلزم لافتراض هذا العلم واقعاً وقانوناً أن يتم توزيع الجريدة الرسمية التي نشر فيها القانون بحيث يكون في مقدور المخاطبين بالقانون الحصول عليها بوصفها وسيلة العلم بالقانون حتى يتاح لهم العلم بمضمون القانون، فإذا نشر القانون بالجريدة الرسمية وتم حجب أعدادها عن التوزيع في جميع أنحاء الدولة، أو لم تصل أعداد الجريدة الرسمية إلى جزء معين من إقليم الدولة بسبب قوة قاهرة فإن الغاية من النشر في الجريدة الرسمية لم تتحقق ولا محل في هذه الأحوال للقول بتحقق العلانية الحكمية بأحكام القانون، ولا إلزام على المخاطبين بالقانون بالخضوع لأحكامه التي لم يتح لهم الإحاطة والعلم بها، وقد قضت محكمة النقض بأن افتراض علم الكافة بالقانون مرهون بعد قيام أسباب تحول حتماً دون قيام هذا الافتراض”.

رابعاً: نطاق الاستدراك وأثر تجاوزه:

1- نطاق الاستدراك:

للاستدراك نطاق لا يجوز تجاوزه وهي وجوب أن يقتصر على تدارك ما عسى أن يكون قد اكتنف النص الأصلي من أخطاء مادية أو مطبعية عند نشرة بقصد تصويبها[1]، وهذا هو الحد الإيجابي الذي يوضح ما يدخل في نطاق الاستدراك الجائز قانوناً.

أما الحد السلبي فيتمثل في تجاوز الاستدراك لهذا النطاق بانطوائه على تغيير في النص المنشور لفظاً ومعنى.

2- أثر تجاوز نطاق الاستدراك:

يعتبر تجاوز نطاق الاستدراك تعديلا له من جهة لا تملكه ولذلك فإن هذا الاستدراك يكون غير جائز ولا ينال من النص الأصلي الذي يتعين إعمال أحكامه.

[1]جمهورية مصر العربية – محكمة النقض – مدني – طلبات رجال القضاء، [الطعن رقم 37 – لسنة 29 – تاريخ الجلسة 18 / 1 / 1966 – مكتب فني 17 رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 27 ]

خامساً: سلطة القاضي في تطبيق النص القانوني الصحيح الذي لم يستدرك الخطأ المادي فيه:

تمخض البحث في خاصية البحث العام في برنامج شبكة قوانين الشرق بكلمتي بحث (استدراك\تصحيح خطأ) عن 9592 نتيجة بحثية لمعلومات قانونية ورد فيها لفظ “الاستدراك” أو لفظ “تصحيح خطأ”، عثر فيها على 6566 تشريع صدروا لاستدراك أخطاء مادية اعترت التشريع أو الحكم في الحالات التي ينص فيها المشرع على لزوم النشر.

إلا أن خاصية تتيحها شبكة قوانين الشرق، هي خاصية التنويه عن وجود خطأ مادي في التشريع لم يستدرك كانت أكثر لفتاً للانتباه، فبالبحث باستخدام صيغة شبكة قوانين الشرق للتنويه عن وجود خطأ غير مستدرك (يوجد خطأ مطبعي) عثر على 2306 معلومة قانونية ما بين (تشريعات، وأحكام صادرة عن المحاكم العربية العليا، ونصوص فتاوى إدارات الفتوى والتشريع)

مثال/ ورد في نص الفقرة الثانية من المادة رقم 143 من القانون 11 لسنة 2018 بشأن إعادة الهيكلة والصلح الواقي من الإفلاس والإفلاس ونصه كالتالي “وإذا كان المؤجر قد بدأ في التنفيذ على المنقولات الموجودة في العقار ولم يكن التنفيذ قد تم عند صدور الحكم بشهر الإفلاس وجب التنفيذ لمدة تسعين يوما من تاريخ هذا الحكم”.

وقد أشارت الشبكة إلى وجود خطأ مادي في هذه الفقرة مستندة في ذلك إلى النص الملغي لذات المادة وإلى المعنى المفهوم من الصياغة، فأشارت في تنويه إلى أن النص الصحيح هو “وإذا كان المؤجر قد بدأ في التنفيذ على المنقولات الموجودة في العقار ولم يكن التنفيذ قد تم عند صدور الحكم بشهر الإفلاس وجب وقف* التنفيذ لمدة تسعين يوما من تاريخ هذا الحكم”.

وقد يخيل إلى البعض أن حداثة النص هي المبرر لعدم استصدار استدراك للخطأ الوارد فيه حتى الآن، رغم عدم معقولية التبرير خاصة أن الخطأ لا يسهل إدراكه للمطلع لأول مرة على القانون.

إلا أن كثرة التشريعات التي لم يصدر بخصوصها استدراك رغم ما يعتريها من خطأ يؤكد أن الجهة المختصة قد غفلت عنها، إذ أن من ضمن إجمال نتائج التشريعات التي لم يصدر في خصوص ما اعتراها من أخطاء استدراك يصححها وعددها 495 كان لمصر فيهم الصدارة بإجمالي 172 تشريع في عدد 40 نوع تشريعي في حين ان إجمالي الدول التي لم يستدرك فيها الخطأ المادي وفق الإحصاء الرقمي لشبكة قوانين الشرق 16 دولة، بما يوحي بأن علاقة جهة إصدار النص التشريعي بالنص تنقطع بمجرد إرساله إلى الجريدة الرسمية للنشر.

حتى أن 7 تشريعات صدرت عن رئيس الجمهورية بقرار منه في عام 2017 صدرت جميعها بذات الخطأ المادي حيث أشير في ديباجتهم جميعاً إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 448 لسنة 1988 على أنه القرار رقم 488 لسنة 1988 ولم يستدرك هذا الخطأ حتى في التشريعات اللاحقة.

ونظراً لأن أغلب الأخطاء المادية قد وردت في القوانين المحال إليها بخطأ في أرقام المواد أو أرقام التشريعات فلم يتسنى لنا مراجعة أحكام قضائية صدرت بخصوص نصوص ورد فيها خطأ يحتاج لاستدراك ولم يستدرك حتى نتمكن من بحث كيفية تعامل القاضي مع هذه النصوص.

إلا أن القاضي الأقرب إلى المنطق أن قضاء القاضي باستخدام النص الذي لم يستدرك مستدركاً هو في عقله وفي ضميره للخطأ الذي ورد فيه لا يمكن اعتباره قضاءً بعلمه الشخصي، حيث أن المبدأ الأساسي الذي يحكم النظرية للإثبات هو مبدأ حياد القاضي، ومعناه أنه لا يجوز للقاضي أن يعتمد على معلوماته الشخصية كعنصر من عناصر الإثبات أو النفي في الدعوى، ولذلك فلا يعتبر من قبيل قضاء القاضي بعلمه الشخصي ما يحصله استقاء من خبرته بالشئون العامة المفروض إلمام الكافة به، ويكون علمه بالنص القانوني الواجب التطبيق من قبيل هذه الشئون العامة المفروض علم كل قاضي بها[1].

[1] المستشار/ محمد وليد الجارحي، النقض المدني تأصيل وتطبيق نظام الطعن بالنقض في الأحكام المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية، ص 662

الخاتمة

إن كل ما يهدد تحقق العلم بالقاعدة القانونية الصحيحة يهدد فكرة اليقين القانوني ككل، ويزعزع بلا شك ثقة المواطن العادي بالمشرع وبمدى اتقانه لأدواته التشريعية.

لذا فإن عدم تدارك الأخطاء المادية التي تعتري التشريعات والتي يؤثر عدم تداركها على المراكز القانونية للمخاطبين بأحكام القانون وعلى تحقق علمهم بالقاعدة القانونية لهو أمر غير محمود بل مذموم.

لذا كان حتماً علينا وقد تطرقنا لنظرة عامة وسريعة عن الموضوع أن نوصي المشرع سواء في إصداره للقوانين أو القرارات واللوائح أن يعين إدارة مختصة بالتعامل مع جهة النشر الرسمية في الدولة بإرسال التشريع ابتداء ومتابعة نشره ومراجعته بعد النشر لتحقيق سرعة استدراك ما قد يعتريه من أخطاء.

وتلك التوصية نتاج استقراء نظام معمول به في بعض الدول العربية، فقد سبق وأن أسند المشرع القطري للإدارة المختصة بوزارة العدل سلطة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحضير إصدارات الجريدة الرسمية واستلام المواد المطلوب نشرها ومراجعتها وتدقيقها

كما ألزم قانون الجريدة الرسمية العماني وحدات الجهاز الإداري للجهة طالبة النشر في الجريدة الرسمية بتقديم نسخة ورقية عن النص المطلوب نشره إلى جانب النسخة الالكترونية على أن تكون النسخ مقروءة وبحالة جيدة وإلا جاز للمسئول عن استلام النسخ إرجاء النشر لحين استيفاء ما تقدم، بما يؤكد أن صحة مضمون ما يطلب نشره إنما يقع على عاتق وحدة الجهاز الإداري طالب النشر.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت