نظام المنافسة السعودي والضبابية
د. ملحم بن حمد الملحم
صدر نظام المنافسة السعودي عام 1425هـ وعدل، وصدرت لائحته التنفيذية في عام 1435هـ، فالنظام حوى 21 مادة بينما حوت اللائحة التنفيذية 87 مادة. وفي عام 1439هـ صدر تنظيم الهيئة العامة للمنافسة، الذي أعطى دعما واستقلالا لجهاز المنافسة بشكل عام. هذه الوثائق الثلاث، وهي النظام واللائحة والتنظيم، هي الوثائق القانونية الأساسية والمهمة التي يرتكز عليها فيما يتعلق بالهيئة العامة للمنافسة وعملها.

قد يتشابه النظام مع تجارب الدول، فصياغة المواد فيه، ولا سيما المواد الأساسية التي تتحدث عن المخالفات، يظهر فيها التقارب من قوانين المنافسة الأمريكية والأوروبية، فعبارات النظام قد تكون جمعت في موادها شيئا من الأسس أو المفاهيم المشابهة له من القانون الأمريكي والأوروبي. هذه قراءة تحليلية لنصوص نظام المنافسة. ولعلي أمهد للفكرة التي يسعى المقال إلى إيصالها بشيء من الاعتبارات التي ينبغي مراعاتها في هذه المسألة.

من المعلوم أن قانون المنافسة الأمريكي، وتحديدا قانون شيرمان، صدر عام 1890، أي قبل 128 سنة، وفي صياغته كان نصا عاما واسعا؛ ما دفع بالنقاش حوله بين المتعاملين به والمهتمين والمنفذين له طوال هذه السنين. بل هذا العموم دفع بعدد لا بأس به من المهتمين إلى انتقاد هذه العمومية التي أسهمت في زيادة تعقيد وضبابية هذا القانون. لكن من أسباب استمرار هذا القانون هو أن النظام الأمريكي هو نظام أنجلوساكسوني يعتمد بشكل كبير على السوابق القضائية، فمن خلال القضاء والأحكام الكثيرة التي صدرت ونشأت إضافة إلى التشريعات التي أضيفت، استطاع هذا القانون رغم شيخوخته أن يواكب ويتواءم مع هذه السنوات الطويلة. لو قرأ شخص القانون وحده وطبقه بنصه، لأحدث هذا إشكالا كبيرا، لكن بوجود السوابق نشأ فكر لقانون المنافسة الذي لا يزال المشتغلون به يناقشون أفكارا كثيرة فيه، ويسعون إلى تطويره.

أما في قوانين المنافسة الأوروبية، فهي بدأت تجوزا عام 1957، التي استفادت بشكل أساسي من قوانين المنافسة الأمريكية، إلا أنها تفردت بجوانب وخصوصيات، بما في ذلك الجوانب التطبيقية، إلا أنهما يشتركان ويتفقان في مسائل جوهرية في المنافسة. مما اختلفت به قوانين المنافسة الأوروبية، أنها اشتملت على تفاصيل أكثر في تشريعاتها، كما اشتملت على جملة من التشريعات والإرشادات فيما يتعلق بالمنافسة.

في المقابل، نجد أن نظام المنافسة السعودي، الذي يشابه في مسائل بعض قوانين المنافسة الأمريكية والأوروبية من الناحية التشريعية، إلا أننا نجد أن هناك شيئا من الضبابية التي تكتنف نظام المنافسة السعودي، فمع عمومية النص، التي كانت شاقة في تجارب الدول الأخرى، ليس فقط على الجهات التنفيذية، بل على القطاع الخاص، فلا يوجد غير النظام واللائحة وتنظيم الهيئة، والتوجه في النظام يبدأ أساسا من النص القانوني والتشريع. الضبابية والعمومية لنظام المنافسة بشكل عام وغياب التشريعات الإضافية والسوابق القضائية التي تؤسس لمبادئ في الموضوع، ينتج عنه إشكالات عملية علاوة على أنه يسهم في ظهور التفسيرات البعيدة للنظام، وينتح عنه التوسع في تفسيره والتردد في التعامل مع النظام من القطاع الخاص.

وقد يكون غير عملي، وربما المجهد على الهيئة العامة للمنافسة، أن يتم توجيه الأسئلة للهيئة في كل إجراء تحتاج الشركات إلى اتخاذه، ولا سيما في ظل عدم وجود إجراء معين منشور حيال الأسئلة والتساؤلات وآليته وإلزاميته. هذا يعني أن المشاركين في القطاع الخاص – بشكل عام – في حاجة إلى جملة من التشريعات والإرشادات التي تمكنهم من توفيق أوضاعهم وفق ما يطلبه النظام، ويمكنهم من الالتزام بالنظام، ويبدأ التأسيس لمنهج نحو المنافسة وما يتعلق بها من مسائل.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت