يشترط لتحقق مسؤولية الولي التقصيرية، بالاضافة الى الأركان العامة في المسؤولية توافر شرطي القصر والمساكنة بالنسبة للمشمول بالرعاية. وما يتعلق بالأركان العامة في المسؤولية فهذه مرجعها الى الشروحات القانونية في المسؤولية المدنية، من حيث مفهوم الضرر الذي يصيب الغير نتيجة للفعل الضار الصادر ممن هو تحت الولاية، والخطأ الذي ينسب الى متولي الرعاية والعلاقة السببية بينهما. وجدير بالذكر، إن مسؤولية متولي الرعاية القائمة على الخطأ المفترض لا خروج فيها على القاعدة العامة في المسؤولية، التي تقضي بأن المرء لا يسأل عن خطأ غيره وإنما يسأل عن خطئه الشخصي. ولكن يقتصر خروج هذه المسؤولية على القاعدة العامة في الإثبات، وذلك بإعفاء المضرور من إثبات الخطأ حيث يفترضه القانون في جانب متولي الرعاية إفتراضاً. وهذا الافتراض يمتد ليشمل علاقة السببية لأنه إذا لم نفترض علاقة السببية- كما يقول الأستاذ السنهوري- تبعاً لافتراض الخطأ لكان إفتراض الخطأ عبثاً. لان طبيعة الأشياء تقضي بأن من يثبت العلاقة ما بين أمرين عليه أن يثبت في الوقت ذاته الأمرين اللذين تقوم بينهما العلاقة(1). لأما فيما يتعلق بشرطي القصر والمساكنة، فهذا ما سنبينه على النحو الآتي:

أولاً- القصر.

يجب أن يكون الشخص الذي صدر عنه الضرر، وهو الشخص المشمول بالرعاية، قاصراً. وهذا الشرط هو تحصيل حاصل لأن الشخص لا يوضع تحت الولاية ما لم يكن قاصراً. والقاصر كما بينته المادة (3/ثانيا) من قانون رعاية القاصرين العراقي(2). والمادة (147) من المشروع العربي الموحد لقانون الأحوال الشخصية، هو من لم يبلغ سن الرشد أو من كان عديم التمييز أو ناقصه لعاهة عقلية كالجنون أو العته(3). وقد إختلفت القوانين في تحديد سن الرشد، فمنها من حددته بتمام الثامنة عشرة من العمر كما هو الحال بالنسبة للقانون العراقي، ومنها من حددته بسن الحادية والعشرين كالقانون المصري ومشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية(4). ويلاحظ على المشرع العراقي في هذا الخصوص، انه قد قصر الرقابة على الصغير دون غيره من الاشخاص الآخرين الذين هم في حاجة الى الرقابة بسبب حالتهم العقلية أو الجسمية. حيث جاء نص المادة (218) من القانون المدني على النحو الآتي: (1- يكون الأب ثم الجد ملزماً بتعويض الضرر الذي يحدثه الصغير). كذلك يلاحظ على هذا النص انه قد قصر المسؤولية على الأب والجد فقط(5). وذلك بخلاف ما ذهب اليه المشرع المصري من إقرار قاعدة كلية في مسؤولية متولي الرقابة أياً كانت صفته عن أفعال من هم في حاجة اليها بسبب صغرهم أو بسبب حالتهم العقلية أو الجسمية. حيث نص في المادة (173) من القانون المدني على إنه: (1- كل من يجب عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة الى الرقابة، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية يكون ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع)(6). وهذا ما أخذت به ورقة عمل قانون إصلاح النظام القانوني في العراق رقم 35 لسنة 1977، حيث جاء فيها: (… ويكون كل من يجب عليه قانونا أو إتفاقاً رقابة شخص في حاجة الى الرقابة بسبب قصره أو حالته الجسمية أو العقلية، مسؤولا عن تعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير)(7).

ثانياً – المساكنة.

لا شبه في إن المسؤولية المبنية على واجب الرقابة، يشترط لقيامها، إقامة الصغير- أو من في حكمه- في كنف متولي الرعاية كي يتمكن هذا الأخير من تسليط رقابته عليه. وهذا ما نص عليه المشرع المدني الفرنسي في المادة (1384/2)، (8). كما نص على هذا الشرط المشرع المصري في المادة (173) من القانون المدني بقوله: (2- ويعتبر القاصر في حاجة الى الرقابة إذا لم يبلغ خمس عشرة سنة، أو بلغها وكان في كنف القائم على تربيته…). فالرعاية التي يجعلها القانون المصري أساساً للمسؤولية، لا تتحقق إلا إذا كان محدث الضرر مقيماً مع المسؤول عنه. ومن قرارات القضاء المصري بهذا الخصوص، قضي بأنه: (لما كان منشأ مسؤولية الآباء عن أعمال أبنائهم سلطة الآباء ، فتكون هذه المسؤولية ملازمة لهذه السلطة، فتزول بزوالها وتقوم بوجودها. ولهذا قيد المشرّع الفرنسي هذه المسؤولية في المادة 1384 بقيدين، الأول إقامة الولد مع أبيه، وثانيهما كون الإبن قاصراً. فإذا كان الولد رشيداً يدير أمور نفسه، أو كان الولد غير مقيم مع والده كإن ألحق بالجيش قبل بلوغه سن الرشد، أو كان والده غائبا عنه غيبة منقطعة، فلا سلطة للأب في هذه الأحوال، وبالتالي فلا مسؤولية)(9). وظاهر من نص المادة (173) من القانون المدني المصري السالفة الذكر، إن القاصر الى سن الخامسة عشرة يكون في حاجة الى الرقابة إطلاقاً، ويعتبر حتى بلوغه هذه السن في رعاية أبيه بقوة القانون. فيسأل عنه أبوه- أو غيره من الأولياء عند عدم الأب- ولو كان القاصر خارجاً بالفعل عن سلطة الأب، لان الأب يكون في هذه الحالة مقصراً في عدم الإحتفاظ بسلطة الرقابة على إبنه. فإذا بلغ الإبن الخامسة عشرة فلا يسأل عنه أبوه إلا إذا ثبت إنه ما زال في كنف أبيه وخاضعاً لرعايته. وغني عن البيان إن عبء إثبات ذلك يقع في هذه الحالة على المدعي بالتعويض(10). وإن شرط المساكنة المنصوص عليه في كل من القانون الفرنسي والمصري، ليس لازماً لتحقق مسؤولية الأب أو الجد في ظل القانون العراقي. فسلطة الرقابة التي تكون للأب أو الجد على الصغير تكفي وحدها لمساءلته عن أفعال هذا الصغير الضارة بالغير(11). وكما هو معروف إن الصغير حتى يبلغ التمييز يكون في حضانة الأم، وبالتالي تكون لها الرقابة على ولدها، فمتى إنتهت سن الحضانة بقيت الرقابة للأب وحده(12). وقد تطرق المشرع المصري الى حالة إنتقال الرقابة على القاصر. حيث نص في المادة (173) من القانون المدني على ما يلي: (2-… وتنتقل الرقابة على القاصر الى معلمه في المدرسة أو المشرف على الحرفة ما دام القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف). فالقاصر وهو في كنف القائم على تربيته يكون في مرحلة التعليم، فإن ذهب الى المدرسة إنتقلت الرقابة عليه الى معلم الصف ما دام فيه أو الى مدير المدرسة ما دام فيها(13). كذلك قد يدفع الولي القاصر الى تعلم حرفة، فهنا تنتقل الرقابة عليه الى المشرف على تعليمه الحرفة مدة وجوده تحت إشرافه. ومتى فرغ المولى عليه من المدرسة أو من تعلم الحرفة عادت الرقابة عليه الى القائم على تربيته، وكان هذا هو المسؤول عنه(14). أما بالنسبة للقانون المدني العراقي، فلم يشر الى حالة إنتقال الرقابة، ولهذا لا يمكن مساءلة هؤلاء الأشخاص عن الأضرار التي يحدثها المولى عليه للغير مدة بقائه تحت رقابتهم طبقاً للمادة (218) من القانون المدني العراقي، على اعتبار ان نص المادة (218) قد جاء على خلاف القواعد العامة في المسؤولية، لذا لا يجوز التوسع في تفسيره وجعله يشمل غير الأب والجد (15).

______________

[1]-أنظر: د. عبد الرزاق احمد السنهوري- الوسيط- ج1- مصدر سابق- ف673- ص1007، د. سليمان مرقس- مسؤولية الراعي المفترضة- مصدر سابق- ص104 و ص236، د. حلمي بهجت بدوي- تعليقات على الأحكام في المواد المدنية- حول قرينة تقصير الشخص في مراقبة من يكونون تحت رعايته إذا تسببوا في الإضرار بالغير- مجلة القانون والاقتصاد- س2- ع1- 1932- ص155.

2-رقم 78 لسنة 1980.

3-أنظر: المادة (147) من مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية- المجلة العربية للفقه والقضاء- الأمانة العامة لمجلس وزراء العدل العرب- مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء- المملكة المغربية- س2- ع2- 1985- ص19.

4-أنظر المواد: (106) من القانون المدني العراقي و (44/2) من القانون المدني المصري و (146) من مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية. وقد أورد المشرع العراقي إستثناء على سن الرشد وأعتبر من أكمل الخامسة عشرة من العمر وتزوج بإذن من المحكمة كامل الأهلية، أي بمنزلة البالغ سن الرشد. حيث نص في المادة (3/أولاً) من قانون رعاية القاصرين على ما يلي: (أ… ويعتبر من أكمل الخامسة عشرة وتزوج بإذن من المحكمة كامل الأهلية). ولم يقيد النص هنا كمال الأهلية بعقد الزواج وما ينشأ عنه من إلتزامات، وإنما جاء مطلقاً. أي إن هذا الشخص يعتبر كامل الأهلية بالنسبة لجميع التصرفات سواء ما يتعلق منها بعقد الزواج أم غيره. وعليه فان مثل هذا الشخص لا يدخل ضمن مفهوم القاصر، وبالتالي يكون مسؤولاً عن جميع تصرفاته شأنه في ذلك شأن البالغ سن الرشد. أنظر: د. عصمت عبد المجيد بكر- مصدر سابق- ص42. وبهذا الصدد قضت محكمة التمييز بأنه: (يعتبر من أكمل الخامسة عشرة سنة وتزوج بإذن من المحكمة كامل الأهلية). قرار رقم: 598/ شخصية/ 982- تاريخه: 10/5/1982- مجموعة الأحكام العدلية- س13- ع2- 1982- ص12.

5-وقد ورد لفظ (الجد) هنا مطلقاً منصرفاً الى كل من أب الأب و أب الأم، ولكن بالرجوع الى المادة (102) من القانون المدني نفسه نجدها تقيد لفظ (الجد) بكونه الجد الصحيح وهو (أبو الأب) الذي يكون وحده من دون (أب الأم) مسؤولاً عن تعويض الضرر الذي يحدثه الصغير عند عدم وجود الأب. أنظر: أستاذنا- الدكتور مصطفى ابراهيم الزلمي- دلالات النصوص وطرق استنباط الأحكام في ضوء الفقه الإسلامي- مطبعة اسعد- بغداد- 1983- ص95، د. عبد الباقي البكري و د. زهير البشير- المدخل لدراسة القانون- دار الكتب للطباعة والنشر- جامعة الموصل- 1989- ص128.

6-أنظر: المادة (173) من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948.

7- الوقائع العراقية- وزارة العدل- 1977- س19- العدد- 2576- ص362.

8-راجع في ذلك ص102 من الأطروحة.

9- المحاماة- مصر- س14- ع6- 1933- 1934- قرار رقم- 222- تاريخه: 8/11/1933- ص425، وانظر في هذا المعنى أيضاً: استئناف مصر- رقم 178- تاريخه: 7/3/1933- المحاماة- مصر- س14-ع5- 1933- 1934- ص351. ومن قرارات محكمة النقض الفرنسية في هذا الخصوص، قضت بأنه: (تنقضي القرينة القانونية لمسؤولية الأب والأم بإنقضاء السكن المشترك إذا وجد سبب شرعي وقانوني لهذا الأمر). مدني- 24/4/1989- القرار- 519/1990- مجموعة داللوز- مصدر سابق- ف67.

(La prèsomption lègale de responsabilitè du père et de la mère cesse avec la cohabitation s¢ily a une cause lègitime à cette cessation). Civ.، 24 avr. 1989: D. 1990. 519.

وفي قرار آخر لها جاء فيه: (في حالة الإنفصال الواقعي (الفعلي) للآباء، فإن الأب يبقى ملزماً طبقاً لأحكام المادة 1384 حتى وإن كان الطفل مقيماً مع والدته، أو إذا انعدم السكن المشترك بسبب خطأ الأب). مدني- 4/12/1963- قرار رقم 159/1964- مجموعة داللوز- مصدر سابق- ف69.

(En cas de sèparation de fait des parents، le père demeure tenu dans les termes de l¢art. 1384، que lènfant continue à demeurer avec lui ou habite avec sa mère ou que le dèfaut de cohabitation de lènfant rèsulte de la faute du père). Civ. 4 dèc. 1963: D. 1964. 159.

0[1]- أنظر: د. عبد الرزاق احمد السنهوري- الوسيط- مصدر سابق- ف667- ص997، د. سليمان مرقس- تعليقات على الأحكام في المسؤولية المدنية- مسؤولية الأب عن أعمال إبنه ومتى تنتهي- مجلة القانون والاقتصاد- القاهرة- س19- ع1-2- 1949- ص233.

1[1]-أنظر: د. عبد المجيد الحكيم وعبد الباقي البكري و محمد طه البشير- مصدر سابق- ف70- ص255، د. حسن علي الذنون- مصدر سابق- ف299- ص284، د. غني حسون طه- مصدر سابق- ف930- ص494، فريد فتيان- مصادر الإلتزام- شرح مقارن على النصوص- مطبعة العاني- بغداد- 1956- ص313. وانظر بحثه في المسؤولية عن الغير- مصدر سابق- ص49. وقد أيدت محكمة التمييز هذا الاتجاه في قرارها السابق الاشارة اليه، حيث جاء فيه: (يكون الأب قد أخل بواجب الرقابة على أفعال ولده الصبي إذا ترك معرض السيارات تحت تصرفه مدة غيابه عن العراق…). مجموعة الأحكام العدلية- س13- ع4- 1982- رقم القرار: 654/ هيئة موسعة أولى/ 81 -تاريخه: 23/10/1982- ص29.

2[1]-وهذا ما أشار اليه القضاء المصري في القرار رقم: 191- تاريخ: 15/6/1929. حيث جاء فيه: (الأب دون الأم هو المسؤول عن أفعال ولده عندما يبلغ سن التمييز- سبع سنوات- لان الأب هو وحده الذي يتولى الرقابة على ولده منذ ان يبلغ هذه السن). مشار اليه في السنهوري- الوسيط- مصدر سابق- ص999- هامش رقم (1). وانظر كذلك: محمد فؤاد حسني- مسؤولية الآباء والأمهات والقامة والأوصياء عن أعمال الصبي أو المحجور- بحث منشور في- مجلة المحاماة- مصر- س8- 1927- 1928- ع4-5- ص454، د. عبد السلام ذهني- النظرية العامة في الإلتزامات- مصر- بلا سنة طبع- ف831- ص764.

3[1]-فقد قضت محكمة النقض المصرية: (بألا خطأ إذا نفي الحكم تقصير الوالد في ملاحظة إبنه بناء على ان الحادثة التي وقعت من هذا الإبن قد حصلت أثناء وجوده في المدرسة بمنأى عن والده الذي يقيم في بلد آخر وفي رعاية غيره من القائمين بشؤون المدرسة). المحاماة- س15- ع6- 1934- رقم القرار: 94- تاريخه: 19/11/1934- ص198. كما قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن: (مسؤولية الوالد عن أفعال إبنه المضرة بالغير ترتفع عنه متى كان إبنه بعيداً عن رقابته، مشمولا برعاية المدرسة التي تتولى أمر تعليمه، فالإعتداء الذي يقع من إبنه أثناء وجوده بالمدرسة بسبب عدم المراقبة والملاحظة لا يجعل الوالد مسؤولاً بطريق التضامن مع إدارة المدرسة لانها هي المسؤولة عن تلاميذها من وقت دخولهم المدرسة الى وقت إنصرافهم). قرار رقم: 128- تاريخه: 13/5/1931- مجلة المحاماة- مصر- س12- ع3- 1931- ص239. ومع ذلك قد تتحقق مسؤولية الأب عن خطأ يرتكبه الإبن وهو في المدرسة، إذا كان خطأ الإبن مسبوقاً بخطأ إرتكبه الأب نتيجة سوء تربيته. راجع في ذلك قضاء محكمة السين الفرنسية الآنف الذكر- ص103- هامش رقم (1).

4[1]-أنظر: د. عبد الرزاق احمد السنهوري- الوسيط- مصدر سابق- ف667- ص999، د. سليمان مرقس- مسؤولية الراعي المفترضة- مصدر سابق- ف86- ص201.

5[1]- أنظر: د. عبد المجيد الحكيم- الموجز في شرح القانون المدني- ج1- مصادر الإلتزام- مطبعة نديم- بغداد- ط5- 1977- ف929- ص570، د. غني حسون طه- مصدر سابق- ف931- ص495، فريد فتيان- المسؤولية عن الغير- مصدر سابق- ص39. وأنظر عكس ذلك: د. محمود سعد الدين الشريف- مصدر سابق- ف438 –ص422.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .