شروط جمع ، مفرده شرْط وهو في اللغة إلزام الشيء والتزامه ، وكذا (الشَّريطة) وجمعُها (شَرائِط) ، وقد (شرَطَ) عليه كذا من باب ضرب ونصر و (أشترط) أيضاً . و(الشَّرَط) بفتحتين العلامة ، و(أشْراط) الساعة علاماتها(1). أما في الاصطلاح فهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته ، فتحقق موت المورث مثلاً لا يلزم من وجوده تحقق ميراث القريب لأنه قد يكون محجوباً بمن هو أقرب منه درجة ، على حين يلزم من عدم تحقق موتهِ عدم استحقاق القريب للميراث أصلاً ، وعلى هذا يتفق الركن والشرط في ان الحكم يتوقف وجوده على وجودهما وعدم كل منهما يستلزم عدم الحكم ، ويختلفان بعد ذلك في ان الركن جزء من حقيقة الشيء وماهيته في حين ليس الشرط كذلك لأنه خارج عن الحقيقة والماهية(2).أما عن شروط الميراث التي يجب توافرها لإمكان تحقق الحكم بالميراث بأحد اسبابه فهي ثلاثة شروط ، أولاً : تحقق وفاة المورث ، ثانياً : تحقق حياة الوارث بعد وفاة المورث ، ثالثاً : العلم بجهة الارث(3).وهذه هي الشروط العامة للميراث ، التي تنطبق على كل سبب من اسبابه ويوجد الى جانبها شروط خاصة بكل سببٍ منها ويعد البعض(4).انتفاء الموانع شرطاً من شروط الميراث وهو قد لا يكون كذلك وذلك لاختلاف معنى الشرط عن معنى المانع ، فالمانع هو الامر الذي يترتب على وجوده عدم الحكم او بطلان السبب ، وبهذا يتضح من التعريف ان انتفاء هذا الامر ليس هو شرط بالضرورة من شروط بناء الحكم .

اولاً – شرط تحقق وفاة المورث

إن هذا الشرط من شروط الميراث يشترط في المورث باعتباره السلف الذي يخلفه غيره ، فلكي يتحقق معنى الخلافة بالتوريث منه ما يصح ان يورث عنه ، فأنه لا بد من تحقق موته او وفاته . لأن الانسان ما دام على قيد الحياة فهو قادر على التصرف فيما يملك ، وملكه للمال ثابت لا يزول عنه ، ولكن اذا مات اصبح عاجزاً عجزاً كلياً عن التصرف في ملكه مثلما اصبح عاجزاً عن اداء أي مظهر من مظاهر الحياة(5). اذ لا قدرة مع الموت فيزول به ملكه ، وينتقل به ما كان يملكه حال حياته الى ورثته الذين يخلفونه بحكم الشرع . وعلى هذا الاساس فأن واقعة الموت واقعة طبيعية حتمية يترتب عليها الكثير من الآثار والنتائج الشرعية والقانونية ومنها زوال الشخصية القانونية للشخص الطبيعي وانعدام الاهلية والذمة المالية والحكم بالميراث(6). والانقطاع عن عالم الدنيا والالتحاق بالعالم الاخر ، وفي هذا يقول الرسول الكريم e : ((خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث ولد صالح يدعو له وصدقة تجري يبلغه أجرها وعلم يعمل به من بعده))(7). لذلك فقد عنيت القوانين بهذه الواقعة ونظمت كل الاحكام التي تترتب على حدوثها(8). ومن أهمها مسألة إعلانها لإعلام الجمهور بها فصدرت قوانين بهذا الشأن ، ومنها قانون تسجيل الولادات والوفيات العراقي المرقم (148) لسنة 1971م والتعديلات الواردة عليه ، وقانون تسجيل المواليد والوفيات المصري المرقم (130) لسنة 1946م والتعديلات اللاحقة به .حيث فصل هذان القانونان في كيفية اثبات واقعة الوفاة ، وجعلاه اثباتاً رسمياً وذلك من خلال تقيد هذه الوفيات في سجلات خاصة اعدت لذلك وباتباع سلسلة من الاجراءات المحددة قانوناً.

والموت اما ان يكون موتاً حقيقياً او موتاً حكمياً او موتاً تقديرياً(9).أما الموت الحقيقي فهو ما يكون بفقدان الحياة المؤكد وثبت ذلك بالمشاهدة والمعاينة بالنسبة الى الذين يحضرون الشخص حال موته ويشاهدون وفاته ، وبالبينة الشرعية بالنسبة الى غيرهم اذا اتصل بها حكم القضاء في الحالات التي يثار فيها خلاف حول اثبات واقعة الوفاة او تحديد تاريخ حدوثها ، وان هذا الحكم يعتبر مظهراً للوفاة التي حدثت في الماضي قبل الحكم ومقرراً لها وليس منشئاً لها ويترتب على ذلك ان القاضي اذا حكم بموت شخص معين في تاريخ معين استناداً الى البينة المثبتة لذلك ، فأنه يتحقق موته في الوقت الذي قامت البينة على موته فيه ، فيورث من ذلك الوقت ، ويكون ميراثه لورثته الشرعيين الموجودين آنذاك ، لأن العبرة بالوقت الذي عينه الحكم تاريخاً للوفاة وليست بوقت صدور هذا الحكم. وهذا هو معيار التمييز بين الموت الحقيقي والموت الحكمي والذي هو موت الشخص بحكم قضائي ، اذا حكم القاضي بموته حكماً اجتهادياً بناءً على ما ترجح لديه من الظروف والقرائن والاحوال المرجحة لموته ، وبعد التحري عنه باستعمال جميع الطرق والوسائل الموصلة الى معرفة كونه حياً او ميتاً ، وليس استناداً على الادلة او البينة القطعية المثبتة لموته في تاريخ سابق . لذلك فأن هذا الحكم يكون منشئاً للوفاة ، أي ان الشخص يعتبر قد مات من لحظة اصدار الحكم، وتترتب الاثار القانونية على هذه الوفاة منذ تلك اللحظة(10). كما هو الحال بالنسبة الى المفقود(11). اذا حكم القاضي بموته ، والاسير الذي تكون غيبته منقطعة ويغلب فيها الهلاك ، والمرتد اذا التحق بدار الكفر(12). أما الموت التقديري ، فلا يمكن تصوره الا في حالة الجنين او الحمل في احشاء أُمه اذا اسقط او أجهض نتيجة اعتداء وقع عليها.حيث يعتبر الجنين قد مات موتاً تقديرياً وذلك لعدم تحقق حياته بعد(13).

أما عن موقف تشريعات الاحوال الشخصية والمواريث حيال هذا الشرط ، فان اغلبها قد نص على الموت الحقيقي او الموت الحكمي شرطاً للميراث ، ومنها قانون الأحوال الشخصية العراقي في المادة (86/جـ) بقولها ” جـ- شروط الميراث ثلاثة هي :- 1- موت المورث حقيقة أو حكماً . 2- تحقق حياة الوارث بعد موت المورث . 3- العلم بجهة الإرث . ” . ومدونة الأحوال الشخصية المغربية المرقمة (190 ، 57 ، 1 ) لسنة 1957م ، في الفصل (226) منها ، وقانون المواريث المصري في المادة (1) منه ، وقانون الاحوال الشخصية اليمني في المادة (300) منه ، ومشروع قانون الاحوال الشخصية العربي الموحد في المادة (242) منه ، وقانون الاسرة الجزائري في المادة (127) منه ، وقانون الاحوال الشخصية الصومالي في المادة (152) منه ، ومجلة الاحوال الشخصية التونسية المرقم 66 لسنة 1956م في الفصل (85) منها . اما الموت التقديري فأن تلك التشريعات لم تنص عليه وذلك استبعاداً منها لاعتبار الجنين مورثاً لغيره ما لم يولد حياً ، وهو رأي جمهور الفقهاء في المسألة ، التي سنفصلها مبينين اراء مذاهب الفقه الاسلامي التي قيلت فيها وذلك عند الكلام عن ميراث الحمل

ثانياً – شرط تحقق حياة الوارث

ان تحقق حياة الوارث بعد موت المورث ولو بلحظة يعتبر شرطاً من شروط الميراث(14). حيث ان الميراث خلافة حي لميت في ماله لذا يجب ان يكون الوارث حياً بعد موت المورث او وقت موته على الاقل وذلك لإمكان تحقق معنى الخلافة التي هي اساس الملكية في الوراثة . وتكون حياته متحققة بوجوده على قيد الحياة فعلاً وثبوتها بالمعاينة او البينة(15). في حين تكون حياة الوارث اعتبارية عندما يكون ملحقاً بالاحياء تقديراً ، كما في حالة الحمل المستكن في بطن امه ، اذ اعتبره الفقهاء المسلمون حياً اذا ولدته أمه حياً وثبت انها كانت حاملاً به وقت وفاة مورثه(16). وتتفرع عن هذا الشرط مسائل اخرى(17). منها مسألة من يموت من ورثة المفقود قبل الحكم بموته فأنه لا يستحق شيئاً من تركة هذا المفقود ، وذلك لعدم تحقق حياته فعلاً او اعتبارها تقديراً وقت موت المورث الحكمي ، الذي كانت للمفقود قبله حياةٍ اعتبارية باستصحاب حاله السابق وامتدت الى وقت الحكم به(18).

هذا وقد نصت تشريعات الاحوال الشخصية والمواريث على شرط تحقق حياة الوارث وقت موت المورث وهي بصدد كلامها عن شروط الميراث ، ومنها قانون الاحوال الشخصية العراقي في المادة (86/جـ) المذكورة آنفاً ، ومدونة الاحوال الشخصية المغربية ، وقانون الاحوال الشخصية اليمني ، ومجلة الاحوال الشخصية التونسية ، وقانون الاحوال الشخصية الصومالي ، وقانون المواريث المصري ، وقانون الاسرة الجزائري ، ومشروع قانون الاحوال الشخصية العربي الموحد(19). أما عن الحياة التقديرية فان قانون الاحوال الشخصية العراقي لم ينص عليها ، وهو لم ينص كذلك على أي حكم خاص بميراث الحمل وهذا نقص تشريعي واضح(20). في حين انقسمت التشريعات المقارنة الى اتجاهين ، الاتجاه الاول لم ينص على الحياة التقديرية ولكنه نص على شروط ميراث الحمل بدلاً منها اعترافاً منه بهذه الحياة وبنفس الوقت ابتعاداً منه عن الخلاف الفقهي المتعلق بميراث الحمل الذي ينزل ميتاً ، سواء بجناية وقعت على امه ام بغيرها . ويمثل هذا الاتجاه قانون الاحوال الشخصية السوري المرقم 59 لسنة 1953م ، ومدونة الاحوال الشخصية المغربية ، وقانون الاحوال الشخصية اليمني ، ومجلة الاحوال الشخصية التونسية . اما الاتجاه الثاني فانه كان اكثر دقةً وتنظيماً وذلك عندما نص على الحياة التقديرية فضلاً عن نصه على شروط ميراث الحمل لينهي بذلك الخلاف الفقهي المذكور آنفاً ، وليجعل معالجته التشريعية سليمة ومتكاملة ، ويمثل هذا الاتجاه قانون الاسرة الجزائري ، وقانون الاحوال الشخصية الصومالي ، وقانون المواريث المصري ، ومشروع القانون العربي الموحد للاحوال الشخصية.

ثالثاً – شرط العلم بجهة الإرث

ان شرط العلم بجهة الارث هو احد شروط الميراث وهو شرط ضروري للتوريث وذلك لاختلاف اسباب الميراث ، حيث لا بد من العلم بجهة ميراث الوارث من قرابة او زوجية او ولاء(21).لاختلاف الاحكام الخاصة بكل منها. اما العلم بدرجة القرابة التي يجتمع فيها المورث مع الوارث وتحديد ما اذا كان الوارث من اصحاب الفروض ام من العصبات ام من ذوي الارحام وما اذا كان محجوباً بمن هو اقرب منه ام لا، فأنه شرط خاص بالقضاء لاستحقاق الوارث لميراثه استناداً على حكمه وليس شرطاً في الميراث نفسه(22) . وهذه هي التفرقة التي وضعها قانون الاحوال الشخصية العراقي عندما نص على العلم بجهة الارث باعتباره شرطاً من شروط الميراث العامة وهو ذات الاتجاه لمدونة الاحوال الشخصية المغربية ، وقانون الاسرة الجزائري(23). على حين جاء على العكس منه اتجاه التشريعات المقارنة الاخرى التي لم تقم هذه التفرقة واعتبرت العلم بجهة الارث شرطاً خاصاً بالقضاء لذلك فأنها لم تنص عليه عند ايراد شروط الميراث ، وهذه التشريعات هي قانون المواريث المصري وقانون الاحوال الشخصية اليمني ، وقانون الاحوال الشخصية الصومالي، ومجلة الاحوال الشخصية التونسية ، ومشروع قانون الاحوال الشخصية العربي الموحد . وللترجيح بين ما تقدم يمكن القول ان التفرقة التي اقامها قانون الاحوال الشخصية العراقي تعتبر تفرقة دقيقة ومتميزة ، واتجاهه وما معه من التشريعات المقارنة اتجاه حسن يثنى عليه لانه يعبر عن رأي راجح في الفقه الاسلامي(24).

_____________________________

[1]- محمد بن ابي بكر الرازي ، المصدر السابق ، مادة (شرط) ، ص334.

2- حمد عبيد الكبيسي ، محمد عباس السامرائي ، مصطفى الزلمي ، المصدر السابق ، ص67

3- محمد قدري باشا ، الاحكام الشرعية في الاحوال الشخصية على مذهب الامام ابي حنيفة النعمان، ط1 ، مطبعة محمد عطية الكتبي ، القاهرة ، 1327هـ ، المادة 582 ، ص96 .

4- محمد ابو زهرة ، احكام التركات والمواريث ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1950 ، ص80 .

5- عبد الحي حجازي ، المدخل لدراسة العلوم القانونية ، ج2 ، الحق ، مطبوعات جامعة الكويت ، الكويت ، 1970 ، ص492 .

6- احمد علي الخطيب ، حكمان خاصان بالجنين والميت بحث في اهليتهما وذمتهما ، مجلة العلوم القانونية والسياسية ، المجلد الاول ، العدد الثالث ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 1977 ، ص130 .

7- اخرجه ابن ماجة في سننه عن عبد الله بن ابي قتادة عن أبيه y ، وهو صحيح ، (20) باب ثواب معلم الناس الخير ، الحديث 197 في (1/46) .

8- للمزيد من التفصيل . يراجع : حسام عبد الواحد كاظم ، الموت وأثاره القانونية ، أطروحة دكتوراه ، جامعة بغداد ، كلية القانون ، بغداد ، العراق ، 1999م ، غير منشورة .

9- بدران ابو العينين بدران ، المصدر السابق ، ص77.

0[1]- عمر عبد الله ، احكام المواريث في الشريعة الاسلامية ، ط4 ، دار المعارف ، مصر ، 1966م، ص65 .

1[1]- المفقود هو الغائب الذي انقطعت اخباره ولا تعرف حياته او مماته . المادة 86 من قانون رعاية القاصرين العراقي المرقم 78 لسنة 1980م .

2[1]- وسنبحث في ميراث المفقود والاسير والمرتد في المباحث اللاحقة من الفصل الثاني (الارث بالاحتياط) من هذه الدراسة .

3[1]- وفي هذه الجزئية تفصيل سنعود اليه عند الكلام عن ميراث الحمل في الفصل الاول (الارث بالتقدير) من هذه الدراسة .

4[1]- محمد الشربيني الخطيب ، مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج ، على متن المنهاج للامام النووي ، ج3 ، الناشر المكتبة الاسلامية ، مصر ، دون سنة طبع ، ص28.

5[1]- احمد علي الخطيب ، شرح قانون الاحوال الشخصية ، القسم الاول في احكام الميراث ، المصدر السابق ، ص19 .

6[1]- وبتفصيل سنورده عند الكلام عن شروط ميراث الحمل في الصفحات المقبلة من هذه الدراسة .

7[1]- ومن هذه المسائل ايضاً مسألة ميراث الموتى جملة (الغرقى والحرقى) فيما اذا كانوا يتوارثون فيما بينهم وماتوا بحادث واحد كالغرق او الحرق بحيث لا يعلم السابق في الوفاة من اللاحق فيها، وبذلك يتخلف شرط تحقق الوارث وقت موت المورث .

8[1]- بدران ابو العينين بدران ، احكام التركات والمواريث في الشريعة الاسلامية والقانون ، مؤسسة شباب الجامعة ، الاسكندرية ، مصر ، 1981 ، ص80 .

9[1]- المواد (226 المغربية ، 300 اليمني ، 85 التونسية ، 153 الصومالي ، 2 المصري ، 128 الجزائري ، 245 المشرع العربي الموحد) .

20- على الرغم من احالة القانون المدني الصريحة لمسألة تنظيم حقوق الحمل الى قانون الاحوال الشخصية ، وذلك في المادة (34) منه والتي تنص على ” 1. تبدأ شخصية الانسان بتمام ولادته حياً وتنتهي بموته . 2. ومع ذلك فحقوق الحمل يحددها قانون الاحوال الشخصية ” . فأن قانون الاحوال الشخصية قد سكت عن تنظيم هذه الحقوق ومنها حقه في الميراث .

21- احمد عبيد الكبيسي ، الاحوال الشخصية في الفقه والقضاء والقانون ، ج2 في الوصايا والمواريث والوقف ، مطبعة الارشاد ، بغداد ، 1974م ، ص163.

22- احمد الحصري ، المصدر السابق ، ص81 .

23- المواد (86/جـ العراقي ، 226 المغربية ، 128 الجزائري ) .

24- محمد الشربيني الخطيب ، المصدر السابق ، ج3 ، ص28.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .