واقع الإنتقال من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية

محمد الهشامي، باحث في المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية؛ جامعة الحسن الأول كلية الحقوق سطات.

لم تلي الدولة أي اهتمام للمجتمع المدني عندما كانت التجارب المقارنة تؤسس لهذا المولود منذ زمن، لأنها كانت على بينة من أن المجتمع المدني سيصبح ورقة رابحة وبديل لا يستغنى عنه لممارسة الديمقراطية التشاركية.

وظهور تيمة المجتمع المدني كبديل، كانت وراءه عدة أسباب عجلت بالعمل به وتنزيله وايلائه أهمية قصوى، لعل أبرز هذه الأسباب، الفشل الدريع الذي عرفته الديمقراطية التمثيلية في جل الأنظمة السياسية العالمية – مع أن فشلها يبقى بدرجات متفاوتة – إضافة إلى أن بعض الدول حققت نجاحا كبيرا عبر هذه الآلية، لتنتقل إلى تبني مفاهيم ونظريات أخرى بديلة، تسعى من خلالها إلى التفوق وتحقيق ديمقراطية أكثر من السابق. في المقابل من هذا هناك تجارب سياسية أخرى تبنت تلك المفاهيم الجديدة – المجتمع المدني/ الديمقراطية التشاركية- بهدف المحاكاة ليس إلا، وسد فراغ عائق مفهوم التنمية، الذي عجزت على تحقيقه عبر وسائل أخرى سابقة كما هو الشأن لدول شمال إفريقيا والمغرب على وجه الخصوص.

قبل الخوض في الحديث عن وعي التجربة الوطنية بضرورة تنزيل الديمقراطية التشاركية كآلية لاشراك المواطينن في تدبير الشأن العام/ المحلي، وضرورة إعطائها حيزا كبيرا على مستوى النصوص القانونية، لابد من التوقف على آلية الديمقراطية التمثيلية، التي من خلالها يخول للافراد اختيار من يمثلهم عبر انتخابات مباشرة، سواء كانت تمثيلية محلية/جماعية، أو تمثيلية تهم تدبير الشأن العام.

إلا أن تنامي العزوف السياسي والمشاركة في الانتخابات عبر شريحة كبيرة من المجتمع، أضعف بشكل كبير من شهرتها (الديمقراطية التمثيلية)، لأن المواطن أصبح يفرق بين نوع الخطابات الموجهة إليه، ولم يعد تؤثر فيه الخطابات الرنانة، بقدر ما أصبح يطرح السؤال بلغة الأرقام: كم وصلتم في نسبة تنميتكم لهذا المجال؟! وإلى أي نسبة ستصلون اليها في برنامجكم هذا ؟! فتحولنا بذلك من مواطن مستهلك إلى مواطن يحلل البرنامج الذي يتلقاه، قبل السؤال عن صاحب البرنامج أو من سيمثله، مع أن هذه الفئة المتلقية الواعية تبقى هي الأخرى جد قليلة.

كل هذا دفع بالنخب (السياسية ) الحزبية إلى خلق قاعدة وتكتلات موالية لها، تشكل خلفية يعتمد عليها، يتم الرجوع اليها لبلوغ النصاب وتجاوز العتبة، لضمان مقاعد تتربع من خلالها تلك النخب السياسية باسم الديمقراطية التمثيلية. وبالتالي نصبح تحت تمثيلية صعدت باسم نسبة معينة من الأصوات لتنوب وتمثل أكبر قاعدة من الأصوات، لنجد أنفسنا أمام السؤال العريض للآن تورين: هل الديمقراطية ؛ حكم الأكثرية..أم ضمانات الأقلية !؟

هذا الاهتمام بالديمقراطية التشاركية، ومحاولة تفعيل الأدوار الجديدة للمجتمع المدني، يتماشى ويستند الى ما جاءت به الوثيقة الدستورية، والخطب الملكية، بحيث أكد ملك البلاد محمد السادس في خطاب العرش ل 30 يوليوز 2007 “مهما كانت مشروعية الديمقراطية النيابية التقليدية، فإننا نرى من الضروري استكمالها بالديمقراطية التشاركية العصرية، الأمر الذي يمكننا من الإفادة من كل الخبرات، الوطنية والجهوية، والمجتمع المدني الفاعل، وكافة القوى الحية للأمة”.

إن العمل على إنجاح هذا المسار يتطلب دمج التمثيليتين معا؛ وفي آن واحد، عن طريق اعطاء أهمية كبرى للديمقراطية التشاركية دون التخلي عن الديمقراطية التمثيلية والتي يبقى لها الفيصل والمتحكمة في الديمقراطية التشاركية.

دستور 2011 أو ما يسمى بالوثيقة المرجعية للمجتمع المدني، فسح المجال بشكل كبير أمام المواطنين والمواطنات قصد الانخراط في هذا الورش المهم، كما تمت ترجمة هذه الرؤية الاصلاحية بعد إقرار القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض الى السلطات العمومية، وكذلك القانون التنظيمي رقم 64.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تقديم الملتمسات في مجال التشريع، على اعتبار ممارسة هذه الحقوق حقوقا مكفولة دستوريا.

إلا أن تنزيل النص وترجمته على أرض الواقع تعترضه عدة عوائق، وذلك راجع بالأساس إلى سببين رئيسيين:

– السبب الأول يعود للشروط المجحفة التي تحملها النصوص القانونية، وتكون أول عقبة أمام الفاعل المدني الذي يجد نفسه عاجزا غير قادر على ترجمة ما تتضمنه.

– السبب الثاني، والذي يطرح عدة أسئلة، يتمثل في ضعف بنية المجتمع المدني، وضعف تكوينه، وعدم رُقيه ليلعب هذه الأدوار الدستورية، لافتقاده لِنُخَبٍ قوية ذات مستوى عالٍ، قادرة على الترافع والدفاع على القضايا التي تهم مكونات المجتمع.

إن تنزيل ما أكد عليه الملك في خطاب العرش أعلاه، يطرح إشكالية عريضة تتمثل في الوفرة والندرة، فالنصوص القانونية كثيرة وغنية مزدهرة، لكن الساحة تفتقد إلى التنمية بمعناها الصحيح، تحتاج مجتمعا مدنيا على علم بمدى الأدوار المنوط بها، والموضوعة على كاهله. كما يلزم الدولة من الجانب الآخر تغطية ذلك النقص الذي يعاني منه المجتمع المدني، ومحاولة فك الطريق أمامه بجعل النصوص القانونية أكثر ليونة .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت