الضرائب على الأموال :

بسبب الانتقادات الموجهة الى الضرائب على الأشخاص اتجهت الدول الى الأخذ بالضرائب على الأموال إذ أصبحت الثروة هي وعاء الضريبة في النظم المالية العامة المعاصرة وفي نطاق الضرائب على الأموال قد تفرض الضريبة على رأس المال أو الدخل . والسؤال الذي يطرح نفسه أيهما أكثر تعبيراً عن المقدرة التكليفية للأشخاص رأس المال أم الدخل ؟ ويقصد برأس المال بالمعنى القانوني ، مجموع ما يملكه الفرد من قيم استعمال في لحظة زمنية معينة ويستوي في ذلك أن تأخذ الشكل العيني لأرض أو عقار أو مبنى أو سلع إنتاجية أو سلع استهلاكية أو أوراق مالية (أسهم وسندات) أو مبلغ من النقود . أما الدخل فهو ما يحصل عليه الفرد بصفة دورية على نحو مستمر من مصدر معين قد يتمثل بملكيته لوسائل الانتاج أو في عمله أو فيهما معاً ، ونحن نعرف أن الصور التي يأخذها توزيع الدخل على عوامل الانتاج هي (الاجور ، الفوائد ، الريع والأرباح) ، والدخل يأخذ كقاعدة عامة ، صورة نقدية في المجتمعات الحديثة ، إلا أن هذا لا ينفي إمكانية الحصول على بعض أجزاء الدخل في صورة عينية ومثل ذلك حصول العامل على جزء من أجره من السلع التي يقوم بإنتاجها وكذلك استبقاء المنتجين (خاصةً المزارعين والحرفيين) جزءاً من إنتاجهم لاستهلاكهم الذاتي . ويمكن القول أن التاريخ المالي للمجتمعات الحديثة شهد تطوراً يتمثل بالازدياد المستمر في أهمية الدخل(1). أساساً لفرض الضريبة ، بعد أن كانت هذه الثروة هي الأساس الأول لفرضها ، خاصةً في العصور الوسطى وحتى مطلع القرن التاسع عشر ، إذ كانت الملكية هي المعبرة عن المقدرة التكليفية . ولكن ابتداءً من النصف الأخير من القرن التاسع عشر ، وخاصةً النصف الأول من القرن العشرين ، انتقل وعاء الضريبة من الثروة الى الدخل ، وذلك للأسباب الآتية(2). :-

أولاً – استتبع تطور الاقتصاد من العيني الى الاقتصاد النقدي تطوراً يتمثل بأهمية الثروة المنقولة عن الثروة العقارية ، وهذه الأخيرة يصعب على الإدارة المالية تقدير قيمتها وإن كان يسهل تقدير الدخل الناجم عنها .

ثانيا – أما عن الثروة العقارية ، فقد تناقصت أهميتها نظراً للقيود المتزايدة على حق الملكية ، وما يتفرع عنه من حق استغلال قيود أخذت شكل تنظيم علاقات استثمار الأرض والمباني للأغراض السكنية وغيرها .

ثالثا – وأخيراً فإن الدخل الناجم عن العمل أخذ يتزايد في أهميته على هذا النحو أصبح الدخل أساساً هو معيار المقدرة التكليفية أي أنه الوعاء الأساسي للضريبة . ومجمل القول أن أساس فرض الضريبة في المجتمعات المعاصرة هو الدخل كقاعدة عامة والثروة كأستثناء . مما تقدم يتضح أن الضرائب على الأموال أكثر تحقيقاً للعدالة من الضرائب على الأشخاص لأنها تقتطع من الدخول العالية ومن ثم فهي تقضي على الثروات الكبيرة وتخفف من حدة التفاوت بين الطبقات .

__________________

[1]- لقد أجمع الفقه المالي على أن الدخل يمتاز بصفات معينة تميزه من رأس المال بوصفها وعاء للضريبة هي:-

1-صفة الدورية :- فالدخل يتأتى في مدد متتالية بصورة دورية أو على الأقل احتمال الدورية كبدل الإيجار الذي يتأتى لمالك العقار في كل استحقاق سواء أكان شهرياً أم سنوياً كالراتب الذي يتقاضاه الموظف كل شهر … الخ .

2- صفة استمرار المصدر :- من أجل المحافظة على صفة الدورية لابد أن يكون المصدر الذي ينتج الدخل مستمراً وباقياً أو قابلاً للبقاء وقد يكون هذا المصدر مادياً كالعقار المؤجر أو يكون معنوياً كالعلامات التجارية .

3-صيانة هذا المصدر :- حتى يبقى مصدر الدخل مستمراً في انتاج ثماره لابد من لمحافظة عليه وذلك بصيانته باستمرار . فالعقار المؤجر حتى يبقى ينتج دخلاً لابد من صيانة وتصليح ماتلف منه فالمصنع من خلال عمله يعطي دخلاً باستمرار إذا استغل وانفق عليه النفقات التي تتلاءم مع الغاية من وجوده ومن ثم يجب استبعادها من الدخل عند الحصول عليه . أنظر : د. رشيد الدقر ( علم المالية ) الطبعة الثانية ، مطبعة الجامعة السورية، دمشق ، 1955 ، ص347 ؛ د. حسن عواضة ( المالية العامة ) ط4 ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1978 ، ص429 وما بعدها .

2- د. محمد دويدار ( مبادئ المالية العامة ) المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر ، الاسكندرية ، 1968 ، ص ص178-179 .

الضرائب على الأشخاص :

لا يقصد بالضرائب على الأشخاص أن الملتزم بدفع الضريبة للدولة هم أشخاص، وذلك لأنه أمر بديهي إذ لا يمكن أن نتصور أن الجمادات والحيوانات تلتزم بدفع الضريبة، بل يقصد بالضرائب على الأشخاص تلك الضرائب التي تتخذ من الوجود الآدمي أو الإنساني للفرد في اقليم الدولة وعاء للضريبة بصرف النظر عن امتلاكهم للثروة فهي تعرف بضريبة ( على الرؤوس أو بالفردة ) لأنها تفرض على كل فرد بسبب وجوده على أرض الدولة وقد عرفت قديماً عند العرب والرومان ، وتنقسم الى :-

أولاً – ضريبة الفردة البسيطة(1) :-

وهي الضريبة التي كانت تفرض بسعر موحد على جميع الأفراد دون تمييز بسبب الجنس أو السن أو بسبب الغنى أو الفقر ، فلا يختلف ما يدفعه فرد عن الفرد الآخر ، ومع تقدم المجتمعات البدائية ووضوح الاختلاف بين الأفراد أصبحت ضريبة الفردة البسيطة غير عادلة كونها تفرض بسعر واحد على جميع الأشخاص على الرغم من اختلاف الأشخاص حسب درجة ثرائهم ويسارهم فضلاً عن أن حصيلتها كانت منخفضة لتركين الفقراء من دفعها . ونظراً للعيوب السابقة هجرت الدول هذه الضريبة واتجهت الى الأخذ بـ ( ضريبة الفردة المدرجة ) .

ثانياً – ضريبة الفردة المدرجة(2) :-

وعاء هذه الضريبة يتمثل في الأشخاص أي أن شأنها شأن ضريبة الفردة البسيطة ، اتخذت من الوجود الآدمي محلاً لها ولكنها تختلف عن ضريبة الفردة البسيطة من حيث مراعاتها للفوارق الاجتماعية ، فقد قسمت المكلفين الخاضعين للضريبة الى طبقات اجتماعية مختلفة تبعاً للثروة أو لنوع العمل ، وتفرض الضريبة على كل طبقة بصورة تختلف عما تفرض به على الطبقات الأخرى على أن تفرض هذه الضريبة على كل طبقة من هذه الطبقات بنفس القدر ، وعلى الرغم من أن ضريبة الفردة المدرجة أكثر عدالة من سابقتها ضريبة الفردة البسيطة أو الموحدة ، فإن عدالتها غير كاملة ، وذلك لأن أفراد كل طبقة يدفعون نفس المبلغ مع أن دخولهم وثرواتهم قد تختلف من فرد الى آخر بالرغم من انتمائهم الى الطبقة نفسها . وعموماً فإن هذا النوع من الضرائب أصبح لا محل له في العصر الحديث نتيجة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والمالي الذي أدى الى أن تفرض الضريبة تبعاً للمقدرة التكليفية للأفراد وليس على الرؤوس ، كذلك فأن الضريبة على الأشخاص تتنافى مع الكرامة الإنسانية لأنها تجعل من الانسان صفة السلعة ، وعلى الرغم من هذه العيوب فإنها ما زالت تطبق في ولايات معينة من الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا بحيث يعتبر دفعها شرطاً لممارسة حق الانتخاب ، والحقيقة أن دفعها في الولايات المتحدة الأمريكية هو من أجل وضع العقبات في سبيل تمتع الزنوج بحق الانتخاب(3) . أما في الدول العربية فإن لهذا النوع من الضرائب آثاراً في الوقت الحاضر في الاردن بما يعرف بالضريبة الشخصية التي تستوجب على كل من بلغ سن (18) سنة في القرى أن يدفع مبلغ دينارين في السنة وهذا ما نص عليه القانون الاردني لإدارة القرى مما يستوجب إعادة النظر في هذا النوع من القانون وإلغاء هذا النص …..(4) .

__________________________

[1]- انتشرت هذه الضريبة في المجتمعات القديمة البدائية مع ظروفها الاقتصادية والاجتماعية ، وكان من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهورها هو التقارب بالنسبة إلى دخول الأفراد وثرواتهم وكذلك سهولة جبايتها لأنها كانت تفرض بسعر واحد على جميع لأفراد .

انظر في ذلك : د. السيد عبد المولى (المالية العامة ) دار وهدان للطباعة والنشر ، القاهرة ، بت ، هامش ص237 .

2- تم الأخذ بهذا النوع من الضريبة مع تقدم المجتمع وظهور الفوارق الاقتصادية بين الأفراد ، وقد عرف النظام المالي الاسلامي الجزية المفروضة على الرجال من أهل الكتاب دون النساء والصبية وكان الملتزمون بدفع الجزية ينقسمون الى ثلاث فئات (تدفع كل فئة منها مبلغاً يتناسب مع حالتها ) فالموسرون الذين كانوا يحترفون التجارة والصناعة يدفع الواحد منهم 48 درهماً ، والمتوسطون من أرباب الصناعة والتجارة يدفع الواحد منهم 24 درهماً ، أما العمال اليدويون فكان يدفع كل واحد منهم 12 درهماً ويعفى من دفع الجزية الفقراء والمساكين والمقعدون والعمي الذين لا حرفة لهم ، وبهذا المعنى اخذت فرنسا عام 1695 وقسمت المجتمع الفرنسي الى (22) فئة بحيث تلتزم كل فئة بضريبة خاصة بها . كذلك الضريبة التي فرضها بطرس الأكبر قيصر روسيا ، إذ تم تقسيم المجتمع الى (4) أقسام ( الفلاحون ، الحرفيون، الطبقة البرجوازية ، طبقات اخرى ) وقد فرضت ضريبة خاصة لكل طبقة من الطبقات الثلاثة الأولى واعفيت الطبقات الأخيرة . وكذلك عرفت مصر هذا النوع من الضرائب ففي عام 1875 صدر مرسوم قسم الأهالي الى ثلاث طبقات، يدفع الفرد من الطبقة الأولى 45 قرشاً ، ومن الثانية 40 قرشاً ، ومن الثالثة 15 قرشاً ولكنها ألغيت عام 1880 وعرفت سوريا أيضاً ضريبة الفردة البسيطة في شكل ضريبة بدل الطريق الملغاة سنة 1948 . انظر في ذلك:-

– د. سالم الشوابكة ( قرار تقدير ضريبة الدخل وطرق الطعن به ) ، مصدر سابق ، ص ص182-183.

– د. السيد عبد المولى (المالية العامة ) بت ، مصدر سابق ، هامش ص237 .

– د. رفعت المحجوب (المالية العامة ) ج1 ، القاهرة ، 1964 ، ص176 .

3- د. محمد سعيد فرهود ( مبادئ المالية العامة ) ، مصدر سابق ، ص177 .

4- د. سالم الشوابكة ( قرار تقدير ضريبة الدخل والطعن به ) مصدر سابق ، ص183 .

المؤلف : عبد الباسط علي جاسم الزبيدي
الكتاب أو المصدر : وعاء ضريبة الدخل في التشريع الضريبي العراقي
الجزء والصفحة : ص12-14

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .