جرائم الاعتداء على الأحداث إعلامياً

القاضي ناصر عمران

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

تشكل الطفولة مرحلة عمرية مهمة حظيت باهتمام تشريعي باعتبارها حقا للأطفال والشباب وكان من اولويات المجتمعات المحلية والدولية تحقيق طفولة هادئة وسليمة ومستقرة وقد اعترفت الاتفاقيات الدولية بذلك ومن ضمن حقوق الطفولة هو حق الاطفال في الدخول الموسع لوسائل الاعلام وهو ما اقرته المادة (17) من اتفاقية نيويورك لعام 1990.

ومفهوم الحدث بشكل عام هو الصغير او حديث السن الذي لم يتجاوز مرحلة الطفولة والمراهقة وليس اهلا لتحمل المسؤولية الجزائية، ووسائل الإعلام والاتصال متعددة وهي : اداة من الادوات المؤثرة في تكوين شخصية الفرد وتحديد سلوكه منها ما هو مقروء كالصحف والمجلات والكتب ومنها ما هو مرئي او مسموع كالراديو والتلفزيون والسينما والفيديوهات ودور العرض المسرحية والتمثيلية وبما انها اداة فبالتأكيد ان لها دوراً ايجابياً اذا تم توجيهها بالشكل السليم ودوراً سلبياً وكارثياً مدمراً اذا أسيئ استخدامها او توجيهها.

والجرائم الإعلامية الخطرة ضد الأحداث كثيرة ومتعددة منها (جريمة اضطراب الأحداث) وهذه الجريمة يتمثل ركنها المادي في محتويات النصوص الإعلامية التي تتضمن دلالات ومضامين خطرة تكون منصبة في تأثيرها بشكل مباشر او غير مباشر على الحدث الامر الذي يعطي نتائج سلوكية للحدث بحسب التأثير، وهذه المحتويات تكون ذات دلالات تتنافى مع القيم الاجتماعية والإنسانية وتشكل صورة من صور الإعلام المحرّمة قانوناً ومن هذه الوسائل قد تكون الاقوال المتعلقة بالألفاظ غير المستخدمة اجتماعيا او التي لا تعبر عن واقع التربية الاخلاقية والاجتماعية للحدث او ان تكون مقالات وكتبا تحمل مفاهيم ورؤى غير سليمة لعمر الاحداث او قد تتمثل بالكتابة والطباعة او عن طريق التهديد او اتيان افعال خارجة عن السلوك الاجتماعي مثالها الشتائم وحركات الجسم والجوارح التي تدل على العيب والاحتقار بالإضافة الى تأثير الرسوم المتحركة والصور الشمسية والنقوش وغيرها وكل ذلك يشكل اضطرابا في المنظومة السلوكية والاجتماعية والأخلاقية للأحداث.

وهناك أيضاً جرائم لتحريض الاحداث على ارتكاب الجرائم والتحريض معناه : حمل شخص لآخر على ارتكاب جريمة والتي تتجسد بنقل فكرة الجريمة من عقل المحرِض الى عقلية الحدث المحرَض بفتح الراء عن طريق وسائل وادوات يمتلك المحرِض خلالها القدرة على السيطرة على ارادة الحدث غير المكتملة اصلا فيقع على أساسها الحدث تحت السيطرة فيقدم على ارتكاب الجريمة والتي تكون جنحة او جناية ولنا ان نتصور حجم الكارثة اذا كانت وسيلة الاعلام هي المحرِض بكسر الراء والمحرَض حدثاً.

ومن صور التحريض مثلاً تعاطي المخدرات والتحريض على الفسق والفجور والدعارة والفساد الاخلاقي وبخاصة حين يكون عمر الحدث لا يتجاوز الثامنة عشر او الواحد والعشرين ودخوله مرحلة الشباب والصورة الابرز اليوم نشاهدها في جرائم التسول، وهناك جريمة مهمة لا تختلف عن غيرها من الجرائم الاعلامية التي تقع على الاحداث لكنها الاكثر حضورا والاشد تأثيراً كونها تصيب مراكز التنشئة البيولوجية والنفسية والأخلاقية والتربوية للحدث.

وهذه الجرائم مرتبطة بالاعتداء على الحدث في صورته من جانب والاعتداء عليه بالصورة من جانب آخر، فجريمة الاعتداء على حق الحدث في صورته ترتبط ارتباط مهما بالذات النرجسية للحدث وتتمثل بسلوك إعلامي يلتقط صورة او وضع للحدث فاحشاً او مخلا بالحياء او يثير الحدث طبقا للتركيبة النفسية والاجتماعية له وتكون الصور الملتقطة اما ثابتة او متحركة او ان يتم نقلها وهذه الصور مرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة الحدث الخاصة وتشكل انتهاكا صارخا لحق الانسان فضلا عن الحدث بحقه في حياته الخاصة المحاطة بالسرية.

اما الجريمة الاخرى جريمة الاعتداء على الأحداث فتتمثل ببث او نشر صور او مقاطع مخلة بالحياء او فاحشة او مواد عنيفة وصور دموية لاعتداءات شديدة يتعرض لها الإنسان وتختلف هذه الجريمة عن الجريمة الخاصة بالاعتداء على صورة الحدث كون الجريمة الاولى تتمثل باستغلال وسائل الاعلام لصورة الحدث او الاوضاع الشخصية التي يكون عليها الحدث في ممارسة حياته الخاصة وهي اعتداء عليه اما الجريمة الأخيرة فهي الاكثر خطورة فوسائل الاعلام او الاتصال تقوم بنشر صور او مقاطع او اوضاع مخلة وفاحشة يتلقاها الاحداث عن طريق ممارسة حقهم بالاطلاع على وسائل الإعلام.

بالمقابل تصادر وسائل الاعلام والاتصالات هذا الحق عبر الاعتداء على الحدث بنشر صور ومقاطع فاضحة او اباحية او مشاهد مخلة بالحياء او صور ومقاطع عنفية تهدر القيمة الانسانية وتمس مفهوما تربويا للحدث يصيب التنشئة الاجتماعية بمقتل.

إن الجرائم الإعلامية ضد الأحداث لم تكن بعيدة عن لحاظ المشرعين فقد جرمها القانون العقوبات الفرنسي في المادة (227 _ 24) بالنص على ان (كل فعل يقصد به تصنيع او نقل او نشر بواسطة اي وسيلة وايام اكان المحرض عليه، رسالة تحمل خاصية العنف او الفحش او الاخلال بالحياء أو منى كانت طبيعتها تمثل اعتداءً شديداً على حرمة وكرامة الانسان وكذا كل فعل يقصد به التجارة في هذه الرسالة، يعاقب بثلاث سنوات حبس وغرامة 75000(خمس وسبعون الف يورو)، وذلك متى كانت تلك الرسائل من المحتمل ان تكون مرئية او مستلمة من حدث )اضافة الى غرامات مالية على الشخص المعنوي وتعطيل عمل الصحيفة او وسيلة الاعلام والاتصال وفي القانون العراقي نستطيع تلمس ذلك من الدور الوقائي لقانون رعاية الاحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل وبخاصة عن طريق الاكتشاف المبكر للحدث المعرض للجنوح ومعالجة ظاهرة التشرد وانحراف السلوك للصغير او الحدث عبر اعتبار الحالات السلوكية الواردة في المادة (24 و25 ) من القانون حالات تشرد او انحراف للسلوك.

واذا كان قانون الاحداث قانونا للرعاية والاهتمام بالأحداث أكثر منه قانونا لفرض التدابير والايداع في المؤسسات الإصلاحية فان قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل تطرق لذلك في نصوص العقابية وفي باب الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة وبخاصة الفصل الثالث تحت عنوان الفعل الفاضح المخل بالحياء ومثالها المادة (403) التي تنص (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع او استورد او صدر او حاز او احرز او نقل بقصد الاستغلال او التوزيع كتابا او مطبوعات او كتابات اخرى او رسوما او صورا او افلاما او رموزا او غير ذلك من الاشياء اذا كانت مخلة بالحياء او الآداب العامة).

(ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من أعلن عن شيء من ذلك او عرضه على أنظار الجمهور او باعه او أجره او عرضه للبيع او الايجار ولو في غير علانية. وكل من وزعه او سلمه للتوزيع بأية وسيلة كانت. ويعتبر ظرفا مشددا اذا ارتكبت الجريمة بقصد افساد الاخلاق ) والنص لا يستثني الوسيلة الاعلامية او الشخص المعنوي الذي تقع أفعالهما المجرمة بالاعتداء على الاحداث تحت طائلة أحكام النص العقابي، وبالنظر لتعدد وسائل الاتصالات والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي نرى من الضرورة تشريع قانون لجرائم المعلوماتية وبشكل أدق يتضمن حماية الأحداث من الجرائم الإعلامية.