القضاء العراقي بين الساهرين عليه والمتلاعبين فيه/ للكاتب صادق اطيمش

مرة أخرى كسابقتها تُثبت المحكمة الاتحادية العليا برئيسها عالم القضاء الأستاذ القاضي مدحت المحمود وأعضائها أهمية مرجعيتها القضائية وأهليتها لِتحَمُّل أعباء هذه المرجعية بكل جدارة وثقة ، خاصة في هذه الظروف العصيبة المعقدة التي يمر بها وطننا الذي هو بأمس الحاجة إلى من يفقه القضاء حقاً نظرياً وعملياً ، عاكساً فهمه هذا على ارض الواقع العراقي الذي يحاول بعض الجهلة بهذا الجانب الحيوي تجاهله أو التنكر له إذا ما ارتبط هذا الواقع بمصالحهم الذاتية وشهواتهم التي لا حدود لها لكسب المال والجاه على حساب إحقاق الحق وبلوغ العدالة .

لقد تجلت أهلية وقدرة المحكمة الاتحادية العليا وسهرها على القضاء العراقي هذه المرة بالحكم الصادر عنها يوم أمس الاثنين ، الرابع عشر من حزيران ، حول عدم دستورية تعديل قانون الانتخابات ، القاضي بمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة . لقد جاء هذا القرار بناءً على الشكوى التي قدمها بعض النواب في المجلس السابق والتي إنتقدوا فيها آلية العمل بقانون الانتخابات الذي يتجاهل بعض المكونات السياسية في الوطن وبذلك فإنه يشكل تناقضاً مع مضمون الدستور العراقي ويجانب روح العدالة . لقد عبر أحد النواب المشتكين على قرار المحكمة الاتحادية العليا هذا بأنه ” انتصاراً للديمقراطية ولمبادئ الدستور وثوابته ” .

وهذا هو الحق بعينه إذا ما أردنا فهم المؤسسة القضائية العراقية وسلطتها المستقلة بأنها الساهرة على تطبيق هذا الدستور والتي تعمل على عدم التلاعب بمفرداته حسب الأهواء الشخصية والتفسيرات اللاعلمية لبعض مواده وفقراته مِن قِبَل مَّن لا عِلمَ لهم في هذا الشأن ، فيخلقون بذلك ضجيجاً لا مبرر له على الساحة السياسية العراقية التي هي اليوم أحوج ما تكون إلى الحكمة ونكران الذات وتقديم مصالح الشعب والوطن على المصالح الحزبية الطائفية الشوفينية.

إن المسرحية التي قدمها للشعب سياسيو هذا الزمان في الأشهر الأخيرة التي تلت الانتخابات البرلمانية في السابع من آذار الماضي حول الكتلة التي ينبغي لها أن تُكلَّف بتشكيل الوزارة ، دَلّت على وجود ممثلين بارعين على المسرح السياسي العراقي ، قاموا بأدوارهم التوفيقية وتصريحاتهم الغوغائية التي تجاهلت شروحات المحكمة الاتحادية العليا ، هذه الشروحات والإيضاحات التي صِيغت بنصوص يستطيع حتى مَن له عِلم بالقضاء أن يهضم محتواها والمراد منها حول مفهوم ” الكتلة الأكبر ” التي خلق منها الجهلاء ليس بالقانون وحسب ، بل بالسياسة أيضاً ، معضلة لا زال الوطن وأهله يعانون منها ولا يرون منفذاً يلوح في هذا النفق الأسود للخروج منها .

فهل سيتعامل هؤلاء الساسة مع هذا القرار من المحكمة الاتحادية بنفس الأسلوب الذي تعاملوا به مع القرار السابق …؟ سؤال يجب ان يطرحه الشعب العراقي هذه المرة ويلح في طرحه على سياسي الصدفة هؤلاء ، فيصون بذلك سمعة هذه المحكمة ويدعم العاملين فيها ويشعرهم بأن قراراتهم تصب في صميم أمانيه ، يعيش معها ولا يتجاهلها كما يتجاهلها سياسيوه .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت