آليات تفعيل دور الادعاء العام في ظل التحولات القانونية في العراق /للقاضي ناصر عمران الموسوي

لا يمكن لنا ونحن نحاول ان نبين الآليات التي تجعل من هذا الجهاز الحيوي والمهم في العملية القضائية وبشقها الجزائي أكثر فاعلية ,الا ان نمر وبعجالة ,على تاريخ مسيرة الادعاء العام في العراق , لايخفى على كل ذي لب ‘ان العراق مهد القانون الأول ,وهو الذي وضع أسس التشريعات الحياتية الأولى , فلا غرابة ,ان نجد فكرة الادعاء العام متمثلة في شريعة حمورابي .

عن طريق (نظام الاتهام)بواسطة الدولة ,إلى جانب (نظام الاتهام الفردي).وبعد ان شع نور الإسلام على هذا البلد ,وأصبحت (بغداد) حاضرة الدنيا , وجدنا فكرة الادعاء العام موجودة ومتداخلة في وظيفة (المحتسب).وإذا عرفنا ان إدارة الدولة كانت وراثية,وهناك عدم تخصيص أو رؤية واضحة في عمل المحتسب ,فان ذلك ينسحب ايضاً ,على فكرة الادعاء العام .والحقيقة ,ان الرأي يجمع على ان وظيفة الادعاء العام ,ظهرت لاول مرة في العراق ,بعد تشريع قانون اصول المحاكمات الجزائية العثماني في عام1879, ابان الاحتلال العثماني للعراق,والذي كان متاثراً بشكل كبير بقانون العقوبات الفرنسي ,فشهد القانون تشكيلات مثل المدعيين العاميين ,والمحققيين والمستنطقين ,وحين احتل البريطانيون العراق اصدر القائد البريطاني ,قانون اصول المحاكمات الجزائية البغدادي في تشرين الثاني سنة1918,وحل هذا القانون محل قانون اصول المحاكمات الجزائية العثماني, واستحدثت لاول مرة وظيفة (النائب العمومي) والذي تتلخص مسؤليته بتعقيب الدعاوى والطعن بالاحكام اضافة الى تمثيل الاتهام , ثم مارس هده الصلاحيات ضباط التحقيق , وفي 1931صدر ذيل قانون اصول المحاكمات الجزائية البغدادي بالرقم42لسنة 1931 ,وفيه تم تشكيل (دائرة الادعاء العام) مرتبطة بوزارة العدل يرأسها مدعي عام ومنح الوزير صلاحية تعيين نواب المدعي العام . اما بعد صدور قانون اصول المحاكمات الجزائية النافذ بالرقم 23 لسنة 1971فقد افرد فصلا خاصا تضمن صلا حيات الادعاء العام واختصاصه الا انها لم تكن بمستوى طموح الادعاء العام وبخاصة ان الدستور اعتبره مفصلا مهما من مفاصل القضاء ,فتوج ذلك بصدور قانون الادعاء العام رقم159 لسنة 1979 ‘الذي لما يزل ساري المفعول ,وتعزز ذلك بعد مرحلة التغيير بقانون التعديل رقم (10)لسنة 2006,والذي جاء نتيجة لجهود رئاسة الادعاء العام وتفهم تشكيل مجلس القضاء لاهمية الجهاز ودورهم ومنحه فاعلية ,على قدم المساوات مع القضاة , وتضمن التعديل اعتبار الادعاء العام جزء من تشكيلا ت مجلس القضاء,والمدعييتن العاميين ونوابهم قضاة حسب صنوفهم وترقياتهم ,ولأهمية دور الادعاء العام في مرحلة التحول الجديد في العراق ‘يمكن مطالعة قانون الادعاء العام لنرى المبادىء الاساسية التي من اجلها شرع هذا القانون,

وهي كالاتي: _1-حماية الدولة وامنها ومؤسساتها والحرص على الديمقراطية والمصالح العليا للشعب والحفاظ على اموال الشعب.

2-دعم النظام الديمقراطي الاتحادي,وحماية اسسه ومفاهيمه ,في اطاراحترام المشروعية وتطبيق القانون.

3-الاسهام مع القضاء والجهات المختصة في الكشف السريع عن الافعال الجرمية والعمل على سرعة حسم القضايا وتحاشي تأجيل المحاكمات بدون مبرر لا سيما في الجرائم التي تمس امن الدولة ونظامها الديمقراطي الاتحادي .

4-مراقبة تنفيذ القرارات والاحكام والعقوبات وفق القانون.

5- الاسهام في تقييم التشريعات النافذة لمعرفة مدى مطابقتها للواقع المتطور.

6-الاسهام في رصد ظاهرة الاجرام والمنازعات وتقديم المقترحات العلمية لمعالجتها وتقليصها.

7-الاسهام في حماية الاسرة والطفولة.

ان المتتبع وبأمعان الى اهمية الهدف وعبء المهمة يدرك ان الدور الذي يلعبه الادعاء العام دورا حيويا في تحقيق العدالة ,عبر ثنائيات مهمة جدا ,هي ان الادعاء العام يمثل الحماية الحقيقية لنظام الدولة الديمقراطي ,ولعلنا نسأل كيف يكون ذلك..؟

ولا نعدم الجواب اذا استرسلنا في اهداف قانون الادعاء العام ,حيث حماية نظام الدولة يكون عبر الحفاظ على انجازات التطور القانوني ,المتمثلة في الوقت الحاضر باستقلالية القضاء ,والتي تجد مشروعيتها في نص الدستور الدائم .وفي حماية المصالح العليا الاخرى للشعب واهمها احترام القانون والمحافظة على امواله, ومثلما شرع القانون نظريا لا بد من رؤية تطبيقية , تتمثل هذه الرؤية في مجالات ثلاث مرتبطة بصميم عمل الادعاء العام كونه ممثل الهيئة الاجتماعية والمطالب بحقوقها,والمجالات الثلاث هي: اولا:-دور الادعاء العام في الدعوى المدنية تشير المادة (13)من قانون الادعاء العام ,اولا_للادعاء العام الحضور امام محاكم الاحوال الشخصية,او المحاكم المدنية في الدعاوى المتعلقة بالقاصرين والمحجور عليهم والغائبين والمفقودين والطلاق والتفريق والاذن بتعدد الزوجات وهجر الاسرة وتشريد الاطفال ,واية دعوى يرى الادعاء العام ضرورة تدخله فيها لحماية الاسرة والطفولة . ثانيا_للادعاء العام ,بيان مطالعة وابداء الرأ ي في الدعاوى المذكورة في الفقرة(اولا) من هذه المادة ومراجعة طرق الطعن في القرارات والاحكام الصادرة فيها ومتا بعتها .

المادة-14- اولا-للادعاء العام الحضور في الدعاوى المدنية التي تكون الدولة طرفا فيها او المتعلقة بحقوق مدنية ناشئة للدولة عن دعاوى جزائية لبيان اقواله ومطالعته ومراجعة طرق الطعن في القرارات والاحكام الصادرة في تلك القضايا ومتا بعتها. ثانيا _على المحكمة اخبار الادعاء العام في المنطقة بالقضايا المبينة في الفقرة(اولا) من هذه المادة قبل نظرها بثلاثة ايام على الاقل وتزويده بصورة عريضتها ومستنداتها والحقيقة,ان دور الادعاء العام في الدعاوى المدنية,مضمحل وان كان بنسب متفاوته بين المحاكم ,واليات تفعيله ليس بكونه جزء مكمل لاحد اطراف الدعوى او ضيف شرف,كما نراه عمليا في الدعاوى المدنية,الادعاء العام يجب ان ياخذ ويجمع بين صورتين مهمتين اولا هو ممثل الهيئة الاجتماعية,ولا بد ان يكون رأيه في الدعوى قبل ان تدخل الحيز القضائي,فدخول الدعوى الحيز القضائي يعني انها اخذت اطارا على الادعاء العام ان يكون مثله مثل أي مدع اخر,اما لوكان للادعاء العام اليد الطولى في الدعوى فانه سيكون أكثر من دور محامي للهيئة الاجتماعية,ثانيا ان الادعاء العام صار يحمل الصفة القضائية ووجوده في المرافعة وتقديمه للطلبات ,غير مستساغ في الاطار العملي واذا كان في الجانب الجزائي له ما يبرره ربما اما في الجانب المدني فليس هناك من مبرر له,ان الدعوى المدنية التي تكون فيها المصلحة العامة هي العليا يجب ان تحاط باطر من الضما نا ت ووجد الادعاء العام ليكون معبرا عنها,قد يكون الجانب التشريعي لدور الادعاء العام رسم بعضاً منها تشريعياً الا ان الواقع العملي يقول غير ذلك ,وتحقيق ذلك وتفعيله يتم عبر ارسال الدعوى الى الادعاء العام وابداء رايه بمطالعة مثل الموقف في الواقع العملي الجزائي.

ثانياً_دور الادعاء العام في الدعوى الجزائية:_ الحقيقة ان قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23لسنة1971 لم يضع تعريفاً ,للدعوى الجزائية مثلما فعل قانون المرافعات المدنية حيت اعطى في المادة الثانية منه تعريفاً للدعوى المدنية بأنها (طلب شخص حقه من آخر امام القضاء) ,والدعوى الجنائية وان لم يرد فيها تعريفا ,فهي دعوىالتي تتولاها الجماعة لجريمة ارتكبت ,بواسطة من تنيبه عنها وتهدف الى معرفة الجاني لمحاكمته وتنفيذ العقوبة التي يستحقها قانونا ,وتحريكها ذكرته المادة(الأولى) من قانون اصول المحاكمات الجزائية ,بشكوى شفوية او تحريرية تقدم الى (قاضي التحقيق او المحقق اواي مسؤول في مركز الشرطة او أي من اعضاء الضبط القضائي او من المتضرر من الجريمة او من يقوم مقامه قانونا او أي شخص علم بوقوعها او باخبار يقدم الى أي منهم من الادعاء العام ما لم ينص القانون خلاف ذلك .

ودور الادعاء العام في مرحلة التحقيق من الادوار المهمة والحيوية والتي نطالب ان تفعل ,حيث تشير المادة (2) من قانون الادعاء العام اولاً_اقامة الدعوى بالحق العام ،ما لم يتطلب تحريكها شكوى او اذنا من مرجع مختص وعليه فاقتراحنا على هذه المادة (ان تصبح مطلقة كون الادعاء يمثل المصلحه العامة )وتقيده باقامة شكوى التي اشارة اليها المادة (3)الاصولية والتي جعلت المصلحة والحق الشخصي فوق الحق العام واذا كان له مبرر ارتآه المشرع فما الذي يضر اذا كان الامر متروك اسذيضا لتقدير الادعاء العام وبخاصة انه جهاز يمثل مصلحة المجموع التي تتضائل مصلحة الفرد امامها واحيانا هناك جرائم تقع على الافراد ولجهلهم بالقانون ولضعف الثقافة القانونية ,كثيرا ما تضيع حقوقهم وهو امر يسوغ لمن ارتكب مثل هكذا جريمة ان يفلت من العقاب ,هذا من جانب ومن الجانب الاخر من الضروري جدا تعديل المادة (36) الاصولية وجعل الادعاء العام اختصاص مهم حيث كثيرا ما يتهاونون وخا صة في الفترة الحالية ممثلين الدوائر الخدمية على حساب اموال وحقوق الدولة وتعديل مثل هكذا تعديل يكسر الجمود القانوني لدور الادعاء العام ويعزز صفته القضائية ونقترح تبني الادعاء العام لمثل هكذا موافقات وبضمانات , لا تؤدي الى تعطيل وتلكؤ العمل الاداري . ثانيا _مراقبة التحريات عن الجرائم وجمع الادلة التي تلزم للتحقيق فيها .

واتخاذ كل ما من شانه التوصل الى كشف معا لم الجريمة . وهنا نرى بان تكون آليات العملية التحقيقية بيد الادعاء العام وتطبيق التعليمات رقم (2) لسنة 2001, والتي تضمنت تسهيل وتنظيم عمل الادعاء العام وبخاصة (المادة الرابعة) والمتضمنة_يتوجب على القائمين بالتحقيق تقديم الاوراق التحقيقية الى عضو الادعاء العام في محكمة التحقيق المختصة خلال اوقات الدوام الرسمي والى عضو الادعاء الخفر اذا كان وقت تقديم الاوراق بعد اوقات الدوام الرسمي ,ويطلب القائم بالتحقيق بعد تقديم مطالعته الى عضو الادعاء العام تدقيق الاوراق التحقيقية_ وكذلك المادة (5)من التعليمات والتي تا بعت المادة (4) حيث تضمنت _بعد اطلاع عضو الادعاء العام على الاوراق التحقيقية المقدمة اليه من القائمين بالتحقيق فله اعادتها اليهم بعد ابداء توجيهاته تحريريا عليها لاكمال التحقيق ,فاذا لم يتطلب الامر ذلك ,قام عضو الادعاء العام بتقديم ارائه وطلباته التحريرية الىقاضي التحقيق لغرض اكمال التحقيق .كا صدار اوامر القبض او التوقيف او تمديد التوقيف او اخلاء السبيل بكفاله او بدونها او الافراج او تدوين اقوال ذوي العلاقة او غيرها من الاجراءات والقرارات _

والمادة (6) اذا وجد عضو الادعاء العام بعد اطلاعه على الاوراق التحقيقية ان هناك قرارات لقاضي التحقيق لم تنفذ اعادها الى القائم بالتحقيق مع توجيهاته التحريرية بما يكفل تنفيذ تلك القرارات .

كما تا بعت المواد (8,7)التي رأت عرض الاوراق من قبل المعاون القضائي على الادعاء العام لابداء رايه في القرارات المتخذة ,وتاشيره عليها بالمصادقة بمطابقتها للقانون او بحاجتها الى طعن تمييزي , ان تفعيل هذه التعليمات هو تفعيل للتعديل الاخير لقانون الادعاء العام حيث سيكون للادعاء العام دورا مهما وحيويا يليق بمكانته باعتباره ممثل للهيئة الاجتماعية وباعتباره يحمل الصفة القضائية ,ومن جانب اخر ردم الهوة بين عمل الادعاء العام والقضاة ,وان يتم اعتبار التنقلات الخاصة بالادعاء العام مثل تنقلات القاضي بين فترة زمنية واخرى ‘بحيث ان صفة عضو الادعاء العام تكون مثلها مثل تنقلات القضاة الاخرين بين البداءة والشرعية والجنح ,ويمكن الجمع بين صفة الادعاء العام وقاضي التحقيق حسب تقسيم العمل حيث من الممكن ان يكون قاضي التحقيق مدعى عام في دعوى يتخذ القلرار فيها زميله الاخر وبالعكس وهذا يخلق حالة حراك قانوني مهم جدا ,يخدم العملية التحقيقية وبخاصة في المحا كم التي تفتقر الى عدد كاف من القضاة واعضاء الادعاء العام , وهذا التفعيل لا ينقص من دور الادعاء العام في المحاكمة وتنفيذ الاحكام ,وزيارة السجون وتعزيز مفاهيم حقوق الانسان .

ورؤاه التي يقدمها لمعالجة حاله اجرامية تشكل ظاهرة او اعادة النظر في بعض القوانين التي لا تتلائم مع متطلبات المرحلة الحالية ,

3-دور الادعاء العام في الجنا يات والجنح التي تقع في الدوائر والمؤسسا ت التابعه للدولة او الهيئات التحقيقية المشكلة بصفة قضائية. رغم ان للادعاء العام الصلاحيات الخاصة بالجرائم التي تقع على المال العام او دوائر الدولة الا اننا لا نرى هذا الدور لعدم تفعيله من جانب ومن جانب اخر ان التوسع في خلق هيئات ذات طابع قضائي وهذا من الخطورة جداحيث وتكون هذه الهيئات تا بعة الى جهات غير قضائية مما يؤدي الى عطل عمل مهم للا دعاء العام في حماية المصلحة العامة, ويؤدي لى المس باستقلال القضاء ومخالفة للدستور الذي الغى تشكيل محاكم خاصة اوهيئات خاصة ذات طابع قضائي وخضوعها لجهات غير قضائية .

وما هيئة النزاهه وهيئة منا زعات الملكية الا محاولة للنأي بعيد عن سلطة القضاء ,واقترابا من عمل السلطة التنفيذية ,ان وجود ثقافة قانونية امر مهم وحيوي جدا ووجود هذه الثقافة سيكون لعضو الادعاء العام اليد الطولى في تحقيق العدالة ولعب دور مهم وحيوي وحساس ,ان السنوات الاخيرة شهدت ومن خلال رئاسة الادعاء العام وبدعم مهم من رئاسة مجلس القضاء اعطت ثمار كثيرة لعل التعديل الاخير ابرز انجازاتها . ان دور الادعاء العام هو دور حيوي بحاجة الى التفعيل والدعم بالشكل الذي يتناسب وتطورات التشكيل القانوني الجديد والمرحلة الحاضرة .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت