موقف القانون الدولي من استهداف المستشفيات الميدانية في سوريا

إعادة نشر بواسطة محاماة نت
عاصم الزعبي

تدهور الوضع الطبي في سورية، منذ بداية حرب النظام على الشعب السوري، ووصل إلى درجة من الخطورة اضطرت بسببها الأُطُر (الكادرات) الطبية، من أطباء وممرضين، ومنظمات طبية، إلى العمل في أماكن غير عادية، كالمعامل القديمة والأقبية وغيرها، نتيجة استهداف النظام المتعمد للمنشآت والأُطُر (الكادرات) الطبية.

جرّم النظام السوري أي مساعدة طبية تقدم لمن يعارضه، بموجب قوانين مكافحة الإرهاب الثلاثة، التي صدرت في العام 2012، وتحمل الأرقام 19 – 20 – 21، ويُعد ذلك انتهاكًا للقاعدة العرفية الموجودة في القانون الدولي الإنساني، التي تنص على أنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال، معاقبة أي شخص لقيامه بأنشطة طبية تتفق مع الأخلاق الطبية، بغض النظر عن الشخص المستفيد من هذه الأنشطة”، وكانت قوانين الإرهاب الثلاثة، إحدى الأسس التي يستند إليها النظام باستهداف الأُطُر (الكادرات) الطبية، كالأطباء والممرضين وسائقي سيارات الإسعاف.

في عام 1863، أطلق هنري دونانت، مؤسس الصليب الأحمر الدولي، حركة لسنّ قوانين دولية، تضمن حماية الجنود الجرحى، وبعد ذلك امتدت القائمة التي وضعها دونانت، لتشمل حماية الطواقم الطبية والمستشفيات، التي تقدم الرعاية الطبية المحايدة للمقاتلين والمدنيين المصابين.

لكن تكمن المشكلة في الغموض الذي يكتنف بعض جوانب القانون الدولي الإنساني، فهو لم يوضح القواعد التي تجعل وحدات طبية أهلًا لتلقي الحماية التي يوفرها، وتبعًا للبروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف، توفر الحماية للطواقم الطبية إذا “لم تستخدم لارتكاب أعمال بعيدة عن نطاق وظيفتهم الإنسانية، بما في ذلك أعمال تؤذي العدو”.

ترك هذا الغموض الباب مفتوحًا، لوجود تأويلات كثيرة، وخاصة العبارة التي وردت في البروتوكول؛ ما جعل النظام السوري والروس يستندون إلى هذه الثغرة القانونية لعدّ المستشفيات الميدانية، تُستخدم لارتكاب أعمال عدوانية مؤذية بالنسبة إليهم؛ ما يجعلها هدفًا مشروعًا لا يستحق الحماية التي أشارت إليها القوانين المختلفة.

إضافة إلى أن “الصليب الأحمر الدولي” أشار إلى أن القانون الدولي “لا يحدد مفهوم الأعمال الضارة بالعدو، ولا النتائج المترتبة على فقدان حماية محددة أو مدتها”، وذلك يؤدي إلى النتيجة نفسها القائلة بأن هذه المستشفيات تنفذ عمليات ضارة بالعدو تلقائيًا؛ ما يجعلها عرضة لأعمال وهجمات عسكرية مشروعة.

اعتمد النظام والروس على هذه النقاط التي تعدّ خللًا واضحًا في القوانين الدولية، لتسويغ وشرعنة الهجمات الممنهجة على المستشفيات الميدانية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بذريعة أن تلك المناطق تخضع لسيطرة الجماعات الإرهابية المتشددة، وعلى رأسها “فتح الشام” المرتبطة بتنظيم القاعدة، ومن ثمّ؛ فهي أهداف مشروعة.

عمليات الاستهداف للمستشفيات الميدانية والأُطُر (الكادرات) الطبية، هي عمليات ممنهجة نفّذها النظام منذ الأيام الأولى للثورة، عندما قتل قناصته أول طبيب في محافظة درعا، وهو علي غصاب المحاميد، كما قتل كثيرًا من الممرضين والأُطُر (الكادرات) الأخرى، ومنذ العام 2012، بدأ النظام باستهداف المستشفيات الميدانية بالطائرات وغيرها من الأسلحة الثقيلة، واستمرت هذه الأعمال بعد انخراط روسيا في الحرب إلى جانب النظام.

ستة مستشفيات ميدانية في محافظة درعا، أعلن القائمون عليها خروجها عن الخدمة خروجًا تامًا، أو جزئيًا، نتيجة الغارات التي شنها عليها الطيران الحربي الروسي، وطيران النظام، وبتعمد، وسُجلت من الناشطين، في ظل صمت من المجتمع الدولي، ممثلًا بالأمم المتحدة، وهيئاتها التي أثبتت فشلها في التعامل مع الحال السورية، وحماية المدنيين، والمنشآت والأُطُر (الكادرات) الطبية وطواقمها.