يقصد بقانون الصرف مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أحكام الأوراق التجارية، وتوضح الحقوق والالتزامات الناشئة عن هذه الأوراق. وسمي هذا القانون بهذا الاسم، لأن الكمبيالة – وهي أساس الأوراق التجارية – نشأت في الأصل لتنفيذ عقد الصرف، بل أن هذه الوظيفة هي سبب نشأة الكمبيالة(1) ، ويطلق اصطلاح الالتزام الصرفي أيضاً على الالتزام الناشئ عن التوقيع على الورقة التجارية. وتهدف قواعد قانون الصرف إلى تحقيق شرعة تداول الورقة التجارية، وإلى بعث الثقة في نفس الدائن حتى يقبل على قبول الورقة التجارية كأداة للوفاء بدلاً من النقود، وأداة ائتمان، إذ يمنح الدائن ائتمانه للمدين بقبوله الوفاء بطريق الكمبيالة أو السند الأذني. والقانون الذي يحكم الأوراق التجارية هو التقنين التجاري المصري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م الصادر في ١٧ مايو ١٩٩٩ م، وقد تم نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به اعتباراً من أول اكتوبر ١٩٩٩ ما عدا الأحكام الخاصة بالشيك . حيث يعمل بها اعتباراً من أول اكتوبر سنة ٢٠٠٦ م(2)

وقد كانت منظومة النشاط التجاري في مصر يحكمها تشريع وضعت أحكامه في القرن التاسع عشر تجميعاً لشتات أحكام وأعراف ترجع أوصولها للقرون الوسطى، أيام أن كان يغلب على العمل التجاري أسلوب المقايضة في السلع أو البيوع التي لا تتعدى قيمتها في كثيراً من الأحيان عدة مئات أو بضعة آلاف من الجنيهات، غذ كان ينظم المعاملات التجارية آنذاك الأمر العالي الصادر في ١٣ نوفمبر ١٨٨٣ م ، والمأخوذ عن قانون التجارة الفرنسي الذي صدر عام ١٨٠٧ م بعد قيام الثورة الفرنسية وظلت المجموعة التجارية المصرية الصادرة عام ١٨٨٣ م، سائدة حتى تاريخ العمل بالقانون التجاري في أول أكتوبر عام ١٩٩٩ م، على الرغم من التحول الكبير الذي حدث ويحدث لمفهوم التجارة واتساعها. وقد كانت الحاجة ملحة لإصدار قانون التجارة الجديد رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م، حيث كشف التطبيق العملي لهذا الأمر العالي الصادر في ١٣ نوفمبر ١٨٨٣ م أن أحكامه قاصرة ولم تعد تساير ما حدث في مجال التجارة من تطورات سريعة، وخاصة ما يحدث الآن من تطور للمجتمع في مجال الإصلاح الاقتصادي وإعادة البناء والتنمية المتزايدة ونحن في الألفية الثالثة للتقويم الميلادي، وذلك في شتى مجالات هذا النشاط الحيوي نتيجة لما حدث من اختراعات علمية حديثة وأنشطة لم تكون موجودة من قبل أثرت على كافة نواحي الحياة البشرية في شتى بقاع العالم. لذلك كان إصدار قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م الذي يتسم بالسمات والمقومات الآتية :

– الحفاظ على جوهر التقنين القديم مع استكمال مواطن النقص فيه وتحديثه تلافياً لزعزعة المعاملات المستقرة، وحفاظاً على المبادئ التي أقرها القضاء المصري لفترة زادت عن قرن من الزمان.

– تحقيق وحدة القانون التجاري بجميع قواعده في تقنين واحد.

– مراعاة ما يتفق مع تقاليد البلاد وعاداتها من مبادئ دون التقيد بنظريات أو مذاهب معينة.

– مراعاة الاتفاقات الدولية والأحكام التي جمعتها المنظمات الدولية المعنية بهذا الأمر.

– تبسيط الإجراءات حسبما تمليه طبيعة الأعمال التجارية.

– تحقيق قدر من المرونة يتمثل في ترك بعض التفصيلات للاجتهاد منعاً لتجمد النصوص وعدم مسايرتها للتطورات المنتظرة في عصر يتميز بسرعة التطور إلى حد كبير.

– استحداث أحكام بشأن موضوعات تبينت الحاجة إلى تنظيمها بعد أن كانت محلاً للإغفال في التقنين السابق والقوانين المكملة له.

– مسايرة التحول الكبير في النظام الاقتصادي المصري، وما لحق به من إصلاح اقتصادي شامل.

وقد جاء قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م في أبواب خمسة أولها :

يتناول التجارة بوجه عام، والثاني يتناول الالتزامات التجارية، أما الثالث فيتناول عمليات البنوك والرابع الأوراق التجارية والخامس والأخير يتناول الإفلاس والصلح الواقي منه.

وتناول القانون التجاري أحكام الأوراق التجارية في الباب الرابع وقد جاء378- ٥٤٩ وذلك في فصول أربعة، تناول أولها الكمبيالة من حيث – في المواد من إصدارها وتظهيرها ومقابل الوفاء بها وقبولها والضمان الاحتياطي الخاص بها واستحقاقها والوفاء بقيمتها وأحكام الرجوع على المظهرين والساحب وغيرهم من الملتزمين بها، ثم عرض لأحكام التدخل والقبول به والوفاء به، ثم القواعد المنظمة لتعدد نسخ الكمبيالة وصورها وما قد يقع فيها من تحريف ثم تقادم دعاويها وذلك في المواد 379-466 كما تضمنت المواد التالية من ٤٦٧ -471 القواعد والاحكام الخاصة بالسند لأمر.

وأفرد المشرع للشيك المواد من ٤٧٢ – 539 وقد عمل المشرع على حماية الشيك كورقة تجارية والحرص على اعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في التعامل، ووضع من النصوص ما يحقق ذلك ويحول دون ما كان يجري عليه العمل من استغلاله كأداة ائتمان بعدا عن طبيعته التي استقر عليها في العالم أجمع، فنص بدءاً من المواد ٤٧٢ من القانون على كيفية إصداره، وحدد البيانات التي يجب أن يتضمنها ووضع حلولاً لبعض المشكلات التي تثور في العمل، وحرص المشرع على النص في المادة ٤٧٥ على أنه لا يجوز سحب الشيك إلا على بنك حتى يحقق الغاية التي سلف الإجماع عليها من اعتباره أداة وفاء لا ائتمان، كما نصت المادة ٤٨٢ من القانون التجاري على حظر القبول في الشيك تحقيقاً لتلك الغاية كما نصت المادة

٤٨٣ على اعتبار شرط الفائدة في الشيك كأن لم يكن دون مساس بصحة الشيك، وهو ذات الحكم الذي وضعته المادة ٤٨٥ من القانون بالنسبة لشرط عدم الضمان في الشيك كما عالج المشرع عناصر تظهير الشيك وشكله وأحكامه وآثاره في المواد ٤٨٧ إلى ٤٩٣ ، وعالج كذلك التظهير التوكيلي للشيك في المواد ٤٩٥ من القانون، ٤٩٩ وذلك كله على – كما عالج مسألة مقابل الوفاء في الشيك في المواد من ٤٩٧ نحو ما جرى عليه العمل بالنسبة للكمبيالة. ٥١٧ على – ونظم القانون التجاري كذلك وفاء الشيك في المواد من ٥٠٣ نحو مفصل، كما عالج مسألة رجوع الحامل بسبب عدم وفاء الشيك في المواد من ٥٢٨ كما عالج مسألة تقادم دعوى رجوع حامل الشيك على نحو مساير -٥١٨ . لطبيعته باعتباره أداة وفاء في المادتين ٥٣٢ ،٥٣١ ٥٣٩ للعقوبات – هذا وقد أفرد المشرع في القانون التجاري من المواد ٥٣٣ المتعلقة بجرائم الشيك فنص على مسئولية المسحوب عليه الذي يدلي بوقائع غير صحيحة لحامل الشيك عن مقابل الوفاء، ونصت المادة ٥٣٤ من القانون على الجزاء الجنائي الذي يوقع على الساحب بالنسبة للشيك الذي ليس له مقابل وفاء أو الذي يحول دون الوفاء بقيمته، ونصت الفقرة الثانية من تلك المادة على أن يعاقب بذات العقوبة مظهر الشيك في الحالات السابقة، كما شدد المشرع العقوبة في حالة العود واعتبر تصالح المحكوم عليه مع حامل الشيك ظرفاً مخففاً يوجب القضاء بوقف تنفيذ العقوبة تشجيعاً على الوفاء ولو أثناء تنفيذ العقوبة، كما نص في المادة ٥٣٥ من القانون على عقوبة المستفيد الذي يحصل على الشيك مع علمه بعدم وجود مقابل وفاء له. أما المادة ٥٣٦ فقد نصت على عقاب من يدعي بسوء نية تزوير شيك إذا ما حكم نهائياً بصحته منعاً للتحايل الذي شهده الواقع العملي من ادعاءات كاذبة بالتزوير كانت السبب في تعطيل اقتضاء المستفيد لحقه وإطالة لأمد النزاع بغير مبرر. كذلك فقد أجازت المادة ٥٣٧/1 من القانون للمحكمة في حالة الحكم بالإدانة أن تأمر بنشر الحكم في إحدى الصحف اليومية وأجازت الفقرة الثانية من ذات المادة للمحكمة أن تأمر بسحب دفاتر الشيكات من المحكوم عليه وتحريم إعطائه دفتراً جيداً لمدة تعينها.

وأجازت المادة ٥٣٩ من القانون كذلك لحامل الشيك إذا رفع دعوى جنائية ضد من سحب شيكاً ليس له مقابل وفاء أن يطلب من المحكمة الحكم بإلزام الساحب أن يدفع قيمة الشيك أو القدر غير المدفوع منه. وكما هو واضح قد حرص المشرع في القانون التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م على الاهتمام بالشيك ووضع تنظيم شامل له لكي يعالج أوجه القصور في المجموعة التجارية الملغاة الصادرة عام ١٨٨٣ التي اقتصر تنظيمها للشيك على المواد من ١٩١ إلى ١٩٣ حيث لم تهتم به إلا بتنظيم قانوني ضئيل، وإذا كان هذا يتناسب مع الواقع العملي الذي صدرت فيه المجموعة التجارية الملغاة إلا أنه لا يتناسب مع الوضع القائم حالياً حيث يحظى الشيك بأهمية بالغة في الحياة الاقتصادية عامة والتجارية خاصة، لذلك كان حرص المشرع في القانون التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م على إعادة تنظيم الشيك بما يتناسب مع أهميته. وفي الفصل الرابع من ذلك الباب نص القانون التجاري على أحاكم مشتركة لتلك الأوراق التجارية تضمنتها المواد من 540-549.

__________________

1- تطورت وظيفة الكمبيالة بعد ذلك بحيث أصبحت تهدف إلى أن تكون أداة ائتمان ووفاء في نفس الوقت، فبعد أن كان التقنين التجاري الفرنسي الصادر سنة ١٨٠٧ يشترط أن تكون الكمبيالة مستحقة الدفع في مكان آخر غير الذي سحبت فيه، صدر في فرنسا قانون ٧ يوليو ١٨٩٤ يلغي هذا الشرط ويجيز أن تكون الكمبيالة مستحقة الدفع في نفس مكان السحب.

2- راجع : المادة ٣ من القانون التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م المعدلة بالقانون رقم ١٥٧ لسنة ٢٠

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .