إذا كان شخص نائباً عن آخر نيابة قانونية أو قضائية أو إرادية وابرم التصرف القانوني المناب فيه مع نفسه كان متعاقداً مع نفسه لنفسه في الحال (1). مثال ذلك ما إذا أناب شخص شخصاً آخر لشراء ارض له ، وكان النائب يريد ان يبيع ارض له فقام ببيعها لموكله ، لا شك انه سيحصل تعارض بين مصلحة الأصيل كمشترٍ ومصلحة النائب كبائع ، وان خطراً محققاً قد يلحق الأصيل في هكذا تصرف قانوني . لذلك كان الأصل في هذه الصـورة من صور التعاقد مع النفس عـدم الجواز إلا إذا أجازه الأصيل (2). وقد تحصل هذه الحالة من حالات التعاقد مع النفس في تقرير الضمان لدين مستقبل ولدائن غير معلوم . فمثلاً إذا عمل شخص بعمل يكثر فيه الخطر على الغير ويطلب منه رب العمل ضماناً عقارياً يطمئن إليه فيكون مقدم الضمان في عمل الرهن نائباً عن هذا الغير الذي لم يكن معلوماً في وقت ترتيب الرهن . أو إذا أمرت إدارة الشركة بعمل رهن لحملة سنداتها ضماناً للوفاء ، هنا يكون الدائن غير متعين ويكون مدير الشركة أو الوكيل الذي يحضر عنها في عمل الرهن نائباً عن هذا الغير الذي لم يتعين ووكيلاً عن الشركة أو عن رأي الأغلبية فيها (3).

وإذا أراد نائب قانوني أو قضائي ان يتعاقد مع نفسه نيابة عن المحجور الذي تحت وصايته أو قيمومته ، كما لو أراد الوصي ان يشتري لنفسه مال القاصر الذي تحت وصايته مثلاً ، ففي هذه الحالة يكون الخطر في أوجه ، لما يتسم به الأصيل من الضعف والحاجة الى الرعاية ، لذلك نجد ان المشرع يتشدد في ذلك ويمنع إبرام مثل هذا التصرف إلا بعد الحصول على موافقة جهات معينة كالمحكمة أو مديرية رعاية القاصرين ، واحياناً يتطلب نصب وصي خاص لغرض التعاقد (4). ولا يخفى ما في هذه الصورة من صور التعاقد مع النفس من خطر يحيق بمصلحة الأصيل لذلك فقد ذهب جانب من الفقه الى عدم جواز هذا التعاقد محتجين بحجتين أولاهما نظرية تتمثل في ان النائب يعبر عن إرادته هو لا عن إرادة الأصيل ، فاجتماع طرفي العقد في شخص واحد يضعنا من الناحيتين القانونية والواقعية أمام إرادة واحدة هي إرادة النائب ، والعقد كما هو معلوم لا يتم إلا بتوافق إرادتين ، أي ارتباط الإيجاب والقبول على نحو ينتج أثره في المعقود عليه .وهذا يقودنا الى ان الشخص الذي اجتمعت فيه الصفتان لا يستطيع ان يجري تعاقداً وانما إرادته المنفردة هي التي تنتج الأثر القانوني المنسوب الى العقد .ولما كانت الإرادة المنفردة لا تنتج أثراً قانونياً إلا في حالات معينة ليس منها تعاقد الشخص مع نفسه ، فقد كان من الواجب منع تعاقد الشخص مع نفسه ، إذ لا توجد إلا إرادة واحدة هي التي تنشأ آثار التصرف القانوني في ذمتي الطرفين (5).

إلا ان هذه الحجة لم يكتب لها النهوض بوجه هذا التصرف القانوني لحاجة الواقع العملي إليه . ان ثم فان التشريعات قد أقرت هذا التصرف القانوني ، وبعد إقرار التشريعات لـه ، أضحى من واجب الفقه إيجاد التكييف القانوني السليم له . والحجة الثانية عملية تتمثل في الخطر الذي قد تتعرض له مصلحة الأصيل نتيجة انفراد النائب وحده بإبرام العقد مع نفسه . ذلك ان العقد غالباً ما ينطوي على مصالح متعارضة ، وان الإنسان مجبول على حب نفسه وتفضيل مصلحته . مما يخشى معه إساءة النائب لاستعمال الثقة التي وضعت فيه وممالأة نفسه ومحاباتها على حساب الأصيل حين تتعارض مصلحة النائب ومصلحة الأصيل الذي ينوب عنه (6). وهذه الحجة هي الأخرى يمكن دفعها وتجنب الخطر الذي قيل بالمنع لأجله ، من ذلك إجازة الأصيل للنائب ان يتعاقد مع نفسه مسبقاً ، فقد يزن الأصيل مصلحته – وهو أدرى بها دون شك – ويرى ان يجيز للنائب ان يتعاقد مع نفسه فله ذلك . كما ان له ان يقر التصرف الذي أبرمه النائب مع نفسه بعد إبرامه (7.) كما وان الاعتراض العملي المتمثل في تعارض مصلحة النائب مع مصلحة الأصيل يثير مسألة ذات طابع تنظيمي وهي مدى ملائمة ان يترك لشخص واحد البت في مصلحته ومصلحة غيره ، لاسيما إذا كان من صفات الضعف البشري ان يضحي الشخص بمصلحة غيره إذا تعارضت مع مصلحته الشخصية . مع ان القاعدة الأساسية والتي يقتضيها حسن الذوق هي ان النائب يجب ان يحرص على تحقيق مصلحة الأصيل . على ان خطر تعارض المصالح لا يجب ان يترتب عليه حتماً منع تصرف إذا أمكن ان يكون هذا التصرف مفيداً من الناحية العملية كما وان الغش الذي يخاف منه يتكفل القضاء بمنعه (8).

ونجد ان هذا المنع يكون في اوجه عندما يكون النائب هو وصي منصوب أو قيّم أقيم من قبل المحكمة (9). أو قاضٍ يقوم ببيع ماله للمحجور ، أو ان يشتري مال المحجور لنفسه (10). والعلة في ذلك هي المحافظة على هيبة القضاء من ان تمس ، خاصة وان مصلحة القاضي متعارضة مع مصلحة المحجور . وقد الحق تصرف الوصي المنصوب والقيّم المقام من قبل المحكمة بحكم بيع القاضي ماله للمحجور أو شراؤه مال المحجور لنفسه لأنه منصوب من قبل القاضي . فهو بالتالي نائب عن القاضي في إدارة أموال المحجور . وجزاء مخالفة المنع في الحالتين هو البطلان (11). يذهب اتجاه في الفقه العراقي الى انه كان من الأجدر بالمشرع العراقي ان يعامل الوصي المنصوب والقيم المقام من قبل المحكمة معاملة وصي الأب أو الجد وذلك بالسماح لـه بالتعاقد مع نفسه نيابة عن المحجور بشرط تحقق الخيرية وبعد استئذان المحكمة (12). يمكن ان يرد على هذا الرأي ان المشرع أراد بهذا المنع المحافظة على أموال أولئك الضعفاء الذين هم بحاجة الى الرعاية ومن اجل ذلك نصّب الوصي . ومن ناحية ثانية ان الوصي المنصوب هو نائب عن القاضي ، وحيث ان القاضي لا يملك ذلك فوصيه لا يملك ذلك من باب أولى ، وإجازة هذا التصرف لهؤلاء النواب قد يؤدي الى إثارة الشبهة حول القاضي نفسه لان الوصي معين من قبل القاضي ، خاصة وان الأخير هو المرجع في إعطاء الأذن على التصرف . وهذه الشبهة هي التي حرص المشرع على تفاديها لما لها من تأثير على هيبة القضاء (13).

ونرجح الرأي الأخير ونتفق مع ما ذهب إليه المشـرع العراقي ، لما في ذلك من ناي بمال القاصر من التبديد والضياع ، ومن إبعاد الوصي المنصوب والقيم المقام من قبل المحكمة عن الشبهات .ورغم الاعتراضات التي أثيرت ضد هذه الصورة من صور التعاقد مع النفس ، إلا اننا لا نذهب مع الرأي الذي يقول بالمنع المطلق ، لما فيها من فائدة عملية وأهمية كبيرة في بعض الأحيان ، كما انها توفر الى حد كبير زمناً يمكن صرفه فيما هو لازم له من النفع وانها تستبقي نشاطها ذاتياً شخصياً لأمور أخرى .وفضلاً عن هذا قد تستلزمها رعاية الحالة الاقتصادية بالنسبة الى الطرفين . كما لو كان نصيب القاصر في العقار يقع شائعاً في مجموع العقار المملوك للوصي وإذا عرض نصيب القاصر على الغير لاستئجاره فانه يضع له أجراً بخساً لان الانتفاع بنصيب القاصر سيوقعه في تنازع جم مع الوصي مالك بقية العقار على الشيوع .أو كما لو عرض الوصي شروطاً اسخى لاستئجار نصيب القاصر . ولا نقول بالجواز لما فيها من خطر قد يلحق الأصيل إلا اننا نتفق مع من يقول بأن الأصل في هذه الصورة من صور التعاقد هو المنع و الاستثناء هو الجواز عندما ينتفي الخطر إذا أجاز الأصيل ذلك ، أو إذا قضت قواعد التجارة بها . فتعاقد الشخص مع نفسه لنفسه صورة من صور التعاقد التي لا غنى عنها ، رغم ما تنطوي عليه من خطورة على مصالح الأصيل في بعض الأحيان .

وهذا يستدعي تنظيمه بدقة وسن القواعد القانونية التي تكفل الموازنة بين ما ينطوي عليه من خطر وما يحققه من فائدة . وهذه هي وظيفة التشريع . قد منعت الفقرة ( ج ) من م / 31 من قانون الولاية على لمال المصري الوصي من التعاقد مع نفسه نيابة عمن هو تحت وصايته ، وإذا أراد الوصي ذلك يتعين عليه ان يطلب من محكمة الأحوال الشخصية تعين وصي خاص لغرض التعاقد معه ، وذلك لتعارض مصلحة الوصي مع مصلحة القاصر . وفي هذه الحالة لا نكون أمام تعاقد الشخص مع نفسه لتعدد العاقد (14).ومنع المشرع العراقي الوصي المنصوب والقيم المقام من قبل المحكمة(15). والقاضي(16).من التعاقد مع نفسه نيابة عن المحجور مطلقاً سواء أكان في ذلك خير للمحجور أم لا . كما منع الوكلاء ان يشتروا الأموال الموكلين ببيعها ، ومنع مديري الشركات ومن في حكمهم والموظفين من شراء هذه الأموال ووكلاء التفاليس ، والحراس والمصفين من شراء أموال التفليسة او أموال المدين المعسر ، ومنع مصفي الشركات والتركات من شراء الأموال التي يصفونها (17). وهذا المنع لم يتقيد بمصدر نيابة النائب ، فهو يشمل النواب المذكورين في النص سواء كانت نيابتهم اتفاقية كالوكلاء أو قانونية أو قضائية كما في حالة امين التفليسة والحارس القضائي أو بناء على أمر من السلطة الإدارية كما في حالة الموظف العام الذي ينوب عن الدولة في بيع أموالها بموجب أمر من السلطة الإدارية . كل هؤلاء ممنوعون من شراء ما يعهد إليهم ببيعه ولو بطريق المزاد العلني (18). إلا ان المنع في الأحوال المتقدمة يزول بإجازة الأصيل لتعاقد نائبه مع نفسه (19). ومنع المشرع العراقي الأولياء غير الأب كالجد والوصي ان يعقد مع نفسه رهناً تأمينياً أو حيازياً نيابة عن المحجور (20).

وصور المنع المتقدمة دفعت بجانب من الفقه العراقي الى القول ان المشرع أراد بها منع تعاقد الشخص مع نفسه لنفسه من حيث الأصل(21). إلا انه وحيث ان المشرع العراقي أجاز تعاقد الشخص مع نفسه لنفسه من حيث الأصل – في فروض معينة – كما في حالة الأب والجد(22) .أو بعد الحصول على إذن المحكمة وتحقق الخيرية للقاصر كما في حالة الوصي المختار(23). ومن ناحية أخرى فان نصوص الحظر المتقدمة منعت البيع دون سواه من العقود الأخرى . إضافة الى ان المشرع لو أراد منع تعاقد الشخص مع نفسه لنفسه من حيث الأصل ، فأن منعه له على هذا الشكل لا يتفق مع حسن الصياغة التشريعية . إذ كان الأولى ان يورد نصاً عاماً يمنع فيه تعاقد الشخص مع نفسه . ومن ثم يستثني الحالات التي ينتفي فيها الخطر على مصلحة الأصيل . عليه نعتقد ان ما ذهب إليه هذا الجانب من الفقـه العراقي هو ترجيح دون مرجح ، وهو غير جائز في منطق القانون ، عليه فأننا نعتقد ان المشرع منع الحالات التي أراد منعها واباح الحالات التي أراد إباحتها ، خصوصاً وانه لا يجوز حظر تصرف دون نص إلا إذا كان هذا التصرف مخالفاً للنظام العام والآداب . لنا على نص م / 592 من القانون المدني العراقي الملاحظات الآتية :

1-ان المنع الوارد في هذه المادة نص على منع الوكلاء من شراء الأموال الموكلين هم ببيعها … وهذا النص كما هو واضح يمنع الشراء .. ترى ما هو الحكم لو ان الوكيل باع مال نفسه للأصيل ؟ ان النص لم يتطرق لهذا الفرض . وهذا نقص تشريعي خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار ان القانون المدني العراقي لم يورد نصاً عاماً ينظم تعاقد الشخص مع نفسه . وإذا ما اعترض على ذلك بان هذا النص يشمل البيع كما يشمل الشراء فاننا نجيب على ذلك بان النصوص القانونية الأخرى ( م / 588 ، م / 589 ، م / 590 ، م / 591 ) التي وردت في هذا الباب نصت على منع أو إجازة البيع والشراء . فلو أراد المشرع منع النائب من بيع ماله للأصيل لنص عليه كما فعل في النصوص الأخرى .

2-ان هذا النص انطوى على تعداد لا يتفق مع حسن الصياغة التشريعية وقد كان الأجدر صياغة هذا النص على نحو آخر يشمل الطوائف التي عددتها هذه المادة . ومن ناحية ثانية ان هذه المادة قد تضمنت طوائف متعددة كان الأولى ان تتولى تنظيم كل طائفة مادة أو فقرة مستقلة .

3-ان الفقرة الثانية من هذه المادة نصت (( ان الشراء في الأحوال السابقة يصح )) ونحن نعلم ان الذي يقابل العقد الصحيح في القانون المدني العراقي هو العقد الباطل (24). والعقد الباطل لا ينعقد ولا يفيد الحكم ولا تلحقه الإجازة (25). وبالتالي فاستخدام المشرع لتعبير يصح لا يتفق مع منهجه في تقسيم العقود . فإذا كان هذا العقد صحيحاً ولكنه موقوف كان عليه ان يقول ينفذ . اما إذا كان باطلاً فالباطل لا يصححه الإقرار ( الإجازة ) .

لذلك فاننا نقترح تغيير نص المادة / 592 وان يحل محلها ما يأتي :

م / 592 / 1. (( لا يجوز لمن ينوب عن غيره بمقتضى اتفاق أو نص قانوني أو أمر من السلطة المختصة ، ان يشتري باسمه مباشرة أو باسم مستعار ولو بطريق المزاد العلني ما كُلِفَ ببيعه بموجب هذه النيابة ، كل ذلك ما لم يأذن القضاء بذلك مع مراعاة الأحكام الخاصة الواردة في نصوص قانونية أخرى )). 2. (( وليس لأي ممن ذكروا ان يبيع مال نفسه لمن ينوب عنه )) . م / 593 (( لا يجوز للسماسرة ولا للخبراء ان يشتروا الأموال المعهود إليهم في بيعها أو تقدير قيمتها ، سواء كان الشراء بأسمائهم مباشرة أم باسم مستعار )) .م / 594 1. (( ينفذ العقد في الأحـوال المنصوص عليها في المادتين السابقتين إذا اقره من تم البيع أو الشراء لحسابه )) 2. (( اما إذا لم يقره وبيع المال من جديد تحمل المشتري الأول مصروفات البيع الثاني وما عسى ان يكون قد نقص من قيمة المبيع )) . ومنع المشرع في قانون التسجيل العقاري الوكيل من التعاقد مع نفسه وذلك بمنعه من إبرام التصرف القانوني المناب فيه لمصلحة نفسه مباشرة أو باسم مستعار وأورد قرينة قانونية مفـادها ان ولد الوكيل القاصر يعد اسـماً مستعاراً (26). وأجازت م / 200 من هذا القانون للوكيل إذا ورث الموكل ان يوكل من يقوم بالإقرار بقبول التصرف والتسجيل باسمه ( الوكيل ) . وهذا ما حدى بجانب من الفقه الى القول ان هذه المادة منعت تعاقد الوكيل مع نفسه لعدم تعدد العاقد (27). ونعتـقد ان هذا الرأي محل نظر ، ذلك ان نص المادة جوازي ( فله ان يوكل ) وعليه فقد لا يوكل الوكيل وكيلاً عنه . كما ان القانون المدني العراقي أجاز ، في فروض معينة ، تعاقد الشـخص مع نفسه ، كما وان الفقرة الأولى من م / 205 من قانون التسجيل العقاري أجازت ان يتم البيع وكالة . وبالتالي امكن ان ينوب وكيل واحد عن طرفي العقد .عليه فاننا نعتقد ان هذه الفقرة من باب التزيد ولا داعٍ لها ، وندعو المشرع الى حذفها وقد سنحت الفرصة للقضاء لتطبيق الأحكام المتقدمة في مناسبات متعددة .

فقد قضت محكمة النقض المصرية في قرار لها (( ان قيام المدين المتضامن بتسوية الدين ونزع ملكية أطيان المدينين الآخرين وشرائها بالمزاد لنفسه وانه أوفى مقابل التسوية لحسابهم جميعاً ومن المال المشترك فان النيابة التبادلية في الالتزامات التضامنية أو الوكالة الضمنية التي قررتها تلك المحكمة في هذه الحالة تمنع من إضافة الملك الى الوكيل أو النائب الراسي عليه المزاد ، بل ويعتبر رسو المزاد وكأنه لم يكن إلا في خصوص إنهاء علاقة الدائن بالمدينين المنزوعة ملكيتهم ))(28). وقضت هذه المحكمة ايضاً (( ان توقيع مدير الشركة على الإيصال ( سند الدعوى ) نيابة عن الشركة بوصفه ممثلاً لها المتضمن إقراره باستلام الشركة منه بصفته الشخصية المبلغ المثبت في الإيصال ، يكون قد ابرم عقد الوديعة مع نفسه نيابة عن الشركة ، وهو ما منعته م / 108 من القانون المدني ، إلا بترخيص من الشركة أو بإقرارها لهذا التعاقد ))(29). وقضت محكمة استئناف البصرة بصفتها التمييزية (( ان المميز عليها ( الوصية على القاصرين ) لا تملك حق بيع سهام القاصرين لنفسها ولا تعتبر فضولية في تصرفها لان تصرف الفضولي يكون موقوف على الإجازة وهذا لا ينصرف الى مال القاصر لان التصرف في عقار القاصر من قبل الوصية لنفسها يتطلب الإذن المسبق ))(30).وقضت هذه المحكمة ايضاً (( ليس للولي شراء مال القاصر الذي تحت ولايته دون الحصول على موافقة مديرية رعاية القاصرين ))(31). وقد اتفق الفقهاء المسلمون على حظر تعاقد الوكيل مع نفسه في حالة نهي الموكل وكيله من التعاقد مع نفسه . كأن ينهاه عن شراء المال الذي وكله في بيعه لنفسه ، ففي هذه الحالة ليس للوكيل شراء مال موكله لنفسه (32). اما إذا أطلق الموكل الوكالة فلم يأذن لوكيله بالبيع من نفسه وكذلك لم يمنعه من ذلك فقد ذهب جانب من الفقهاء المسلمين الى منع الوكيل من التعاقد مع نفسه لنفسه على النحو الآتي :

أولاً : ذهب الحنفية الى ان ليس للوكيل بالبيع ان يبيع من نفسه ، بتولية طرفي العقد ، لتعلق حقوق العقد بالعاقد ، ولان ذلك يؤدي الى تعارض الأحكام ، إذ يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلِماً ومتسلماً مطالِبَاً ومطالَباً ، وهذا محال ، كما وانه متهم في ذلك لان الوكيل في البيع يقتضي البيع ممن يستقصي في الثمن عليه ، والشخص في البيع من نفسه لا يستقصي في الثمن فلم يدخل هذا البيع في التوكيل . وحتى لو أذن الموكل لا يعتد بهذا الإذن في المذهب الحنفي(33). فقد ورد في هذا الفقه (( لو باعه الوكيل بالبيع من نفسه أو من ابن له صغير لم يجز وان صرح الموكل بذلك لان الواحد في باب البيع إذا باشر العقد من الجانبين يؤدي الى تضاد الأحكام فانه يكون مسترداً مستقضياً قابضاً مخاصماً في العيب ومخاصماً وفيه من التضاد ما لا يخفى ))(34).

بيد انه يؤخذ على هذا المذهب ما يأتي :

1-ان التسليم والرد والمخاصمة في العيب تعتبر اثر التصرف الشرعي الذي يبرمه النائب ( الوكيل ) مع نفسه ، وان دور النائب في التعاقد مع النفس يقتصر على إبرام التصرف ، من حيث الأصل ، اما اثر التصرف فيتعلق بالأصيل كما هو معلوم . وبالتالي لا علاقة للنائب من حيث الأصل بالتسليم والقبض والمخاصمة في العيب ، التي احتجوا بتضاد الأحكام فيها .

2-انهم لم يثبتوا على حجة تضاد الأحكام بشكل مطلق وفي جميع التصرفات حيث نجدهم أجازوا تعاقد الشخص مع نفسه في عقد النكاح وفي العقود التي لا تتم إلا بالقبض وفي تولي الأب والجد العقد أصالة عن نفسه ونيابة عن ولده القاصر (35).

3-في حالة إطلاق الأصيل للوكالة أو إذنه للوكيل لا نعتقد ان هناك ما يبرر المنع لان إطلاق الوكالة أو إذن الوكيل يسقط الحجة الثانية لهم المتمثلة في عدم استقصاء الوكيل في البيع من نفسه (36). عليه فاننا نعتقد ان ما ذهب إليه الفقهاء الأحناف محل نظر .

ثانياُ : والى مذهب الحنفية ذهب الشافعية معللين مذهبهم بنفس العلة التي استند إليها الأحناف ، وذلك لعدم انتظام الإيجاب والقبول من شخص واحد ولتعارض مصالح الموكل ( الأصيل ) والوكيل ( النائب ) في هذه الحالة . إلا ان للشافعية روايتان في حالة ما إذا أذن الوكيل لوكيله إبرام العقد مع نفسه . ففي إحداهما لا يجوز تعاقد الوكيل مع نفسه وفي الأخرى يجوز ذلك (37). فقد ورد في هذا الفقه (( … وان وكل في بيع سلعة لم يملك ببيعها من نفسه من غير إذن لان العرف في البيع ان يوجب لغيره ….))(38).

ثالثاً : ذهب الزيدية (39). وفي رواية للإمامية (40). الى منع تعاقد الشخص مع نفسه عند إطلاق الوكالة .

____________________

– د. برهام محمد عطا الله ، عقد البيع ، مؤسسة الثقـافة الجامعية بالاسـكندرية ، 1983 ، ص 43 – 44 . انـور طلبه ، الوسيط في القانون المدني ، ج2 ، العقود المـسماة ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1987 ، ص 10 .د . عبدالعــزيز عامر ، عقد البيع ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1387 هـ – 1967 م ، ص 109 .

2- السيد علي السيد ، عقد البيع ، مكتبة عبدالله وهبه ، القاهرة ، 1942 – 1943 . ص 252 . د . جعفر الفضلي ، الوجيز في العقود المدنية البيع والإيجار والمقاولة ، نشر مكتبة الثقافة ، عمان ، 1997 ، ص 162 . د . منذر الفضل و د . صاحب عبيد الفتلاوي ، العقود المسماة ، البيع والإيجار في ضوء الفقه الإسلامى والقوانين المدنية ، دار الثقافة ، عمان ، 1996 ، ص 152 .

3-Demogue . Trait des obligations of cit ، T.2 . P . 113 .

4 – د . سليمان مرقس ، العقود المسماة ، عقد البيع ، مطبعة النهضة الجديدة ، القاهرة ، 1968 ، ص 255 . د . مصطفى الجمال ، البيع في القانونين اللبناني والمصري ، الدار الجامعية ، 1986 ، ص 81 . د . آدم وهيب النداوي ، العقود المسماة في القانون المدني ، البيع والإيجار ، ط1 ، دار الثقافة ، عمان ، 1999 ، ص 90 . على اننا في هذه الحالة لا نكون أمام تعاقد الشخص مع نفسه لآن العقد قد تم بين الوصي ( الأصلي ) والوصي الخاص الذي نصبته المحكمة لإبرام هذا التصرف .

5- د. عبدالحي حجازي ، المصدر السابق ، ص 780 . د . محمد شريف احمد ، لمصدر السابق ، ص 72 . د . أمجد محمد منصور ، المصدر السابق ، ص 66 . د . عبدالمجيد الحكيم ، الكافي ، المصدر السابق ، ص 237 . د . عدنان إبراهيم السرحان و د . نوري حمد خاطر ، المصدر السابق ، ص 87 .

6- د. كمال ثروت الونداوي ، شرح أحكام عقد البيع ، ط1 ، مطبعة دار السلام ، بغداد ، 1973 ، ص 368 . د. غني حسون طه ، الوجيز في العقود المسماة ، عقد البيع ، ج1 ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1969 – 1970 ، ص 361 . د . سعدون العامري ، الوجيز في العقود المسماة ، ج 1 ، البيع والإيجار ، ط2 ، دون ذكر الناشر ومكان الطبع ، 1970 ، ص 174 . الاستاذ ضامن خشاله عبود ، النيابة في التعاقد، رسالة مقدمة إلى المعهد القضائي كجزء من متطلبات دورة الدراسات القانونية المتخصصة العليا ، 1988 ، ص 95 .

7- د . السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، ج4 ، العقود التي تقع على الملكية ، المجلد الأول ، البيع والمقايضة ، مطابع دار النشر للجامعات المصرية ، القاهرة ، 1960 ، ص 107 . د ، سليمان مرقس ، البيع ، المصدر السابق ، ص 256 . د . توفيق حسن فرج ، عقد البيع والمقايضة في القانون المدني ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1968 ، ص 135 .

8- د . عبدالحي حجازي ، المصدر السابق ، ص 781 . د . بدر جاسم اليعقوب ، عقد الهبة في القانون المدني الكويتي ، ط1 ، جامعة الكويت ، 1986 ، ص 234 .

9- انظر نص م / 589 من القانون المدني العراقي .

10- أنظر نص م / 591 من القانون المدني العراقي .

11- د.كمال ثروت الونداوي ، المصدر السابق ، ص 365 . د . جعفر الفضلي ، المصدر السابق ، ص 165 .

12- د . سعدون العامري ، المصدر السابق ، ص 175 . د . غني حسون طه ، المصدر السابق ، ص 364 . د . عباس حسن الصراف ، شرح عقدي البيع والإيجار في القانون المدني العراقي ، دون ذكر الناشر ومكان الطبع ، 1956 ، بند 597 .

13- د . حسن علي الذنون ، المصدر السابق ، ص 50 . د . مالك دوهان الحسن ، المصدر السابق ، ص 249 . د . كمال ثروت الونداوي ، المصدر السابق ، ص 365 .

14- انظر نص الفقرة ( ج ) من م / 31 من قانون الولاية على المال المصري رقم 119 لسنة 1952 . ولمزيد من التفاصيل انظر محمد كمال حمدي ، المصدر السابق ، ص 99 . احمد نصر الجندي ، المصدر السابق ، ص 113 . ويقابلها في التشريعات العربية المادتين 175، 179 من قانون الأحوال الشخصية السوري . م / 378 موجبات وعقود لبناني .

15- انظر نص م / 589 من القانون المدني العراقي .

16- انظر نص م / 591 من القانون المدني العراقي .

17- انظر نص م / 592 من القانون المدني العراقي .

18- د . مالك دوهــان الحسن ، المصـــدر السابق ، ص 247 – 248 . د . كمال ثروت الونداوي ، المصدر السابق ، ص 359 . د . جعفر الفضلي ، المصدر السابق ، ص 167 .

19- انظر نص الفقرة الثانية من م / 592 من القانون المدني العراقي .

20- انظر نص الفقرة الثانية من م / 1289 من القانون المدني العراقي .

21- د. محمود سعد الدين الشريف ، المصــدر السابق ، ص 138 . د . عبدالمجــيد الحكيم ، نظرية العقد ، المصـــدر السابق ، ص 190 . د. حسن علي الذنون ، المصدر السابق ، ص 50 . د . مالك دوهان الحسن ، المصدر السابق ، ص 247 – 248 .

22- انظر نص م / 588 من القانون المدني العراقي .

23- انظر نص م / 590 من القانون المدني العراقي .

24- د . السنهوري ، نظرية العقد ، المصدر السابق ، ص 328 . د . انور سلطان و د . جلال العدوي ، الموجز في العقود المسماة ، ج1 ، البيع ، دار المعارف ، 1963 ، بند 67 . د . عبدالمجيد الحكيم ، مصادر الالتزام ، المصدر السابق ، ص 267 .

25- انظر نص م / 138 من القانون المدني العراقي .

26- انظر نص م / 198 من قانون التسجيل العقاري العراقي رقم 43 لسنة 1971 . ولمزيد من التفاصيل انظر د. سعيد عبدالكريم مبارك ، المصدر السابق ، ص 104 . د. مصطفى مجيد ، شرح قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 ، ج2 ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1978 ، ص 408 .

27- مصطفى مجيد ، المصدر السابق ، ص 422 . وانظر بهذا المعنى د . عدنان إبراهيم السرحان و د . نوري حمد خاطر ، المصدر السابق ، ص 87 .

28- انظر حكم محكمة النقض المصرية جلسة 9 / 2 / 1985 . منشــور في مجـموعة المستشار معوض عبدالتواب ، المصدر السابق ، ص 317 .

29- حكم محكمة النقض المصرية جلسة 19 / 12 / 1983 ،منشور في مجموعة القاضي انور العمروسي ، المصدر السابق ، ص 271 .

30- قرار محكمة استئناف البصرة بصفتها التمييزية بالعدد 112 / حقوقية / 2002 في 27 / 2 / 2002 . القرار غير منشور . ويلاحظ على هذا القرار عدم اعتبار المحكمة الوصية عند تجاوز حدود نيابتها فضولية . وهذا غير صحيح فالنائب عند تجاوز حدود نيابته يكون فضولياً .

31- قرار محكمة استئناف البصرة بصفتها التمييزية بالعدد 17 / حقوقية / 2003 في 13 / 2 / 2003 ، القرار غير منشور .

32- العلامة الحلي ، تذكرة الفقهاء ، ج2 ، المصدر السابق ، ص 121. السرخسي ، المبسوط ، ج 19 ، المصدر السابق ، ص 32 . الخرشي ، ج6 ، المصــدر الســابق ، ص 77 . ابن قدامـة ، المغني ، ج5 ، ص 107 . الشـــيرازي ، المهذب ، ج1 ، المصــدر السابق ، ص 352 . زين الدين الجبعي ، مسالك الافهام ، ج3 ، المصدر السابق ، ص 157 .

33- الكاساني ، بدائع الصنائع ، ج6 ، المصدر السابق ، ص 28 . ابن الهمام ، فتح القدير ، ج6 ، المصدر السابق ، ص 76 .

34- السرخسي ، المبسوط ، ج19 ، المصدر السابق ، ص32 .

35 الميرغناني ، الهداية ، ج1 ، المصدر السابق ، ص 189 .

36- انظر بهذا المعنى زين الدين الجبعي ( الشهيد الثاني ) شرح اللمعة ، ج4 ، المصدر السابق ، ص 384 .

37- ابن حجر الهيثمي ، تحفة المحتاج ، ج5 ، المصدر السابق ، ص 318 . الرملي ، نهاية المحتاج ، ج 5 ، المصدر السابق ، ص 34 .

38- الشيرازي ، المهذب ، ج 1 ، المصدر السابق ، ص 352 .

39- المرتضى ، البحر الزخار ، ج5 ، المصدر السابق ، ص 60 .

40- زين الدين الجبعي ( الشهيد الثاني ) ، الروضة البهية ، ج 4 ، المصدر السابق ، ص 384 . ولنفس المؤلف ، مسالك الافهام ، ج 5 ، المصدر السابق ، ص 295 . محمد الجواد العاملي ، مفتاح الكرامة ، ج 7 ، المصدر السابق ، ص 550 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .