قراءة متأنية في قانـون إيجار العقارات الجديد

{ بقلم: القاضي سعيد الحميدي *

رأيت من واجبي بعد صدور قانون إيجارات العقارات رقم (27) لسنة 2014م أن أبين بعض النزاعات المتعلقة بأطرافه، وذلك مساهمة مني في إيضاح هذه المنازعات وكيفية مواجهتها.

لقد صدر قانون الإيجارات رقم (27) لسنة 2014م، بتاريخ 7/أغسطس/2014م، بعد انتظار طويل، ونص في المادة الثانية منه على إلغاء جميع قوانين الإيجار الصادرة بالإعلانات رقم..، وفي المادة الثالثة نص على الرجوع إلى أحكام القانون المدني الصادر عام 2001م، فيما لم يرد في شأنه نص خاص في هذا القانون، ويعمل بالقانون طبقا لنص المادة السادسة منه بعد مضي ستة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية أي بتاريح 8/فبراير/ 2015م، وتظل عقود الإيجار الخاضعة لأحكام المرسوم بقانون رقم (9) لسنة 1970م، سارية مدة ثلاث سنوات، ويبدأ سريان مدة الثلاث سنوات من تاريخ 8 فبراير/2015م، وتنتهي في 7/فبراير/2018م، وتبرم بعد ذلك عقود جديدة بحسب القانون والاتفاق بين المؤجر والمستأجر، بما مفاده أن عقود الإيجار الخاضعة لأحكام المرسوم بقانون رقم (9) لسنة 1970م، سوف تتجدد وتمتد بقوة القانون إلى مدة ثلاث سنوات، وتخول المستأجر الاستمرار في شغل العين، ما دام يقوم بالوفاء بالتزاماته على النحو الذي فرضه عقد الإيجار، وأحكام القانون، إلا إذا رغب هو في النزول عن تلك الرخصة، وترك العين المؤجرة مراعيا في ذلك مواعيد التنبيه بالإخلاء.

والحتمي والأكيد أنه طبقا لحكم المحكمة الدستورية رقم د/2/6. لسنة (4) قضائية الصادر بتاريخ 24/نوفمبر/ 2008م، وغيره من الأحكام الدستورية فإن جميع العقارات سواء أكانت خاضعة لأحكام المرسوم بقانون رقم (9) لسنة 1970م، التابعة لمحافظتي المنامة والمحرق أم غير خاضعة له سوف تستفيد من امتداد مدة العقد المقررة بثلاث سنوات طبقا للمرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2014م بعد نفاذه.

وتسري أحكام هذا القانون على العقارات وأجزائها، المعدة للسكنى أو للأغراض الصناعية أو التجارية أو المهنية أو الحرفية، أو لغير ذلك من الأغراض، كما تسري على عقود الإيجار القائمة، وقد استثنى المشرع البحريني في المادة الثانية من القانون العقارات:

1) الأراضي والمنشآت الصناعية الثابتة وغير الثابتة الخاضعة للمرسوم بقانون رقم (28) لسنة 1999م، بشأن إنشاء وتنظيم المناطق الصناعية.
2) الأراضي الزراعية.
3) العقارات المؤجرة للأغراض الفندقية والسياحية.
4) الشقق المفروشة التي لا تتجاوز فترة تأجيرها شهرا.
5) الوحدات السكنية التي تشغل لظروف العمل.
6) الأراضي المؤجرة بعقود المساحة بغرض التطوير.
7) امتداد عقد الإيجار وانتهاؤه.
نص المشرّع على امتداد عقد الإيجار في المادة (34) من المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2014م،على أنه:
‌أ) ينتهي عقد الإيجار بانتهاء مدته المحددة فيه، فإذا انتهت وظل المستأجر منتفعاً بالعين المؤجرة مع علم المؤجر بذلك ومن دون اعتراض منه، اعتبر العقد ممتداً مدة مماثلة بذات شروطه.
‌ب) إذا رغب المستأجر في إخلاء العين المؤجرة وجب عليه إخطار المؤجر بكتاب مسجل بعلم الوصول برغبته في الإخلاء، قبل انتهاء العقد بثلاثة أشهر على الأقل.
‌ج) لا يعتبر استمرار المستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة امتداداً أو تجديداً للعقد بعد إخطاره بالإخلاء.

مفاد ما تقدم، أن المشرّع البحريني ميّز بين تجديد الإيجار تجديداً ضمنياً وبين امتداد الإيجار، فإذا كان الإيجار مدة محددة وانقضت انتهى الإيجار بانقضائها من دون حاجة إلى تنبيه، فإذا بقي المستأجر مع ذلك منتفعاً بالمأجور من دون رضا المؤجر فإنه يكون مغتصباً للعقار المأجور، ويجوز الحكم عليه برد المأجور والتعويض وفقا للقواعد العامة إن كان هناك مقتضى لذلك، أما إذا بقي المستأجر منتفعاً بالمأجور بعلم المؤجر ومن دون اعتراض منه، فإن هذا يكون تجديداً للإيجار السابق أي إيجار جديد بشروط الإيجار الأول.

فإذا اتفق المتعاقدان على وجوب مراعاة التنبيه حال الرغبة في إنهاء العقد ولم يقم المؤجر بمراعاة ذلك التنبيه اعتبر العقد ممتداً إلى مدة مساوية للاتفاق الأول بذات الشروط، وينتهي العقد بانتهاء هذه المدة ولا يتجدد مدة أخرى حال عدم التنبيه، بل يصبح عقدا غير محدد المدة يجوز للأطراف إنهاؤه في أي وقت، وإذا اتفق الطرفان على إفراغ التنبيه في شكل معين فيتعين الالتزام به لإنتاج هذا الأثر.

أما إذا استمر المستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة على الرغم من إخطاره بالإخلاء فلا يعتبر امتداداً أو تجديداً للعقد، بيد أنه إذا استمر المؤجر باستلام الأجرة من المستأجر مرارا وتكرارا لمدة معينة بعد إخطاره بالإخلاء اعتبر ذلك السكوت بمثابة نزول المؤجر عن الإشعار الذي وجهه إلى المستأجر، ويعطي الحق للأخير بالاستمرار في العلاقة العقدية التي أصبحت لمدة مماثلة للاتفاق الأول وبذات الشروط.

ثم استطرد المشرع في نص المادة (35) من القانون بالقول:
‌أ) «مع عدم الإخلال بنص المادة (39) من هذا القانون والصحيح هو نص المادة (38) مما يجب إجراء استدراك في الجريدة الرسمية، وعلى كل حال نص المشرع على أنه لا يجوز للمؤجر أن يطلب من المستأجر بالنسبة إلى العقود المبرمة بعد نفاذ هذا القانون إخلاء العين المؤجرة لغرض السكنى قبل مضي ثلاث سنوات، وسبع سنوات للأغراض التجارية أو الصناعية أو المهنية أو الحرفية أو غيرها من تاريخ استلامها، ما لم يتفق الطرفان كتابةً على غير ذلك».

‌ب) «يجوز للمستأجر تجديد عقد الإيجار الذي تقل مدته عن المدة المشار إليها في الفقرة (أ) من هذه المادة لمدة أو لمدد أخرى بما لا يجاوز تلك المدة، وذلك بإخطار المؤجر بكتاب مسجل مع علم الوصول برغبته في التجديد قبل ثلاثة أشهر على الأقل من انتهاء العقد الأصلي». الملاحظ من الفقرة الأولى من النص أن المشرع البحريني نهى بشكل صريح وواضح المؤجر من طلب الإخلاء وإنهاء العلاقة الإيجارية مع المستأجر بعد سريان القانون بدءا من تاريخ 8/فبراير/ 2015م، وحدد مدة ثلاث سنوات للعقارات لغرض السكنى، وسبع سنوات للعقارات لأغراض تجارية أو صناعية أو مهنية أو حرفية وذلك من تاريخ استلامها، ثم أعطى المشرع المستأجر في الفقرة الثانية الحق في تجديد عقد الإيجار بذات الشروط إذا كان الإيجار عقدا لمدة أقل من مدة ثلاث سنوات بالنسبة إلى السكن، وسبع سنوات لأغراض تجارية… ومثاله إذا اتفق المؤجر والمستأجر في عقد الإيجار على مدة سنة ينتهي فيه العقد، يجوز للمستأجر قبل نهاية مدة السنة بثلاثة أشهر أن يطلب من المؤجر برغبته في تجديد العقد وذلك بموجب إخطار كتابي مسجل مع علم الوصول، بحيث لا يتجاوز التجديد المدد المذكورة، وكل ذلك ما لم يتفق طرفا العقد كتابةً على غير ذلك.

وحقيقة الأمر أن ما جاء بعجز المادة بالقول «ما لم يتفق على غير ذلك» أفرغ القانون من مضمونه والفائدة العملية التي سوف تعود عليه، مادام باستطاعة المؤجر فرض شروطه في العقد والتحكم في المدة والأجر فمثلاً لو اتفق في عقد الإيجار على مدة سنة فإن العقد سوف ينتهي بانتهاء السنة المتفق عليها في العقد، فإذا أخطر المؤجر المستأجر بعدم الرغبة في التجديد واستمرار العلاقة الإيجازية، أصبحت يد المستأجر على العقار يد غاصب..، لا يستطيع المستأجر التمسك بعدم جواز طلب الإخلاء إلا بعد ثلاث سنوات أو سبع سنوات وفقا للنص ما دام قد أعطي الطرف القوي التحكم في شروط العقد، وبالتالي فإن رغبة المستأجر وحده في تجديد العقد لا تكفي من دون موافقة المؤجر ومن ثم لا طائل من صيغة الأمر والنهي والنص بعدم جواز طلب الإخلاء.

كما أن ذات المشكلة وقعت في نص المادة (27) حيث يقضي القانون في الفقرة الأولى منه بأنه «لا يجوز للمؤجر زيادة الأجرة المتفق عليها في العقد إلا بعد مضي سنتين من تاريخ بدء العقد، أو من تاريخ آخر زيادة للأجرة أيهما أقرب، وتكون نسبة الزيادة 5% من الأجرة للعين المؤجرة لغرض السكنى، و7% للأغراض التجارية والصناعية والمهنية والحرفية أو غيرها، وذلك بحد أقصى خمس مرات طوال مدة التعاقد، ما لم يُتفق كتابةً على غير ذلك».

وعلى الرغم من صيغة الأمر والمنع في صياغة النص إذ جاء القول إنه «لا يجوز للمؤجر زيادة الأجرة المتفق عليها في العقد إلا بعد مضي سنتين من تاريخ بدء العقد..، إلا أن النص بهذه الصياغة، بإمكان المؤجر فرض زيادة أكثر من 5% التي حددها القانون وبأقل من سنتين وبأكثر من خمس مرات طوال مدة التعاقد إذا اتفق على ذلك، إذا كان المؤجر في وضع أفضل من المستأجر، والعكس صحيح فإذا كان وضع المستأجر أفضل من وضع المؤجر عند التعاقد فباستطاعته فرض شروطه على المؤجر بأن يكون العقد من دون زيادة 5% وبسنوات أطول أو أقل وبالتالي لا طائل من القانون بصيغته الحالية.

* الأمين العام للمحكمة الدستورية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت