عيوب قانون الخدمة المدنية المصري بقلم المستشار د. إسلام إحسان :

انتظرنا طويلا إصلاح أحوال الوظيفة العامة في مصر.. وتفاءلنا خيرا عندما أعلن عن إعداد مشروع قانون جديد ينظم الخدمة المدنية.. لكن التفاؤل تبدد بعد اإعلان عن مواد مشروع القانون المقترح التي وردت بها العديد من المثالب والعيوب القانونية الخطيرة.. يمكن رصد أهمها في الآتى:

أولا: أغفل مشروع القانون الجديد بيان مدى سريانه على العاملين ذوى الكادرات الخاصة، الذين تنظم شئونهم وتوظفهم قوانين خاصة فيما لم تنص عليه هذه القوانين الخاصة، وذلك قصور يتنافى وطبيعة قانون الوظيفة العامة الذي يعد الشريعة العامة لشئون الوظيفة العامة في مصر.. وسيترتب على ذلك القصور فراغ تشريعى بعد إلغاء قانون العاملين المدنيين بالدولة الحالى في العديد من الموضوعات التي لم تنظمها القوانين الخاصة.

ثانيا:أغفل المشروع أن يضم مستشارا من النيابة اإدارية إلى عضوية لجنة الخدمة المدنية، رغم أن إبداء الرأى في القضايا المتعلقة بأخلاقيات موظفى الخدمة المدنية من بين اختصاصات اللجنة كما بينتها المادة 3 من مشروع القانون، وهو ما يرتبط ارتباطا مباشرا بما تكشف عنه التحقيقات الإدارية عن التزام الموظفين بواجبات وظائفهم من عدمه بما لا يتأتى العلم به إﻻ للمتخصصين من الهيئة القضائية المنوط بها دستوريا التحقيق في المخالفات التأديبية بما يستوجب أن يتضمن تشكيل اللجنة أحد نواب رئيس هيئة النيابة الإدارية.

ثالثا: ابتدع مشروع القانون معيارا جديدا لتحديد المخالفات المالية التي تختص النيابة الإدارية وجوبيا بالتحقيق فيها، بالمخالفات التي يترتب عليها ضرر مالى يتعذر اقتضاؤه من الموظف، وذلك بهدف تقليص اختصاص النيابة الإدارية في هذا الصدد، دون مبرر مقبول أو سبب سائغ، وقد تذرع واضعو المشروع بأن ذلك التقليص بهدف تخفيف العبء عن النيابة الإدارية.. التي لم يصدر عنها أية مطالبة بذلك من قبل، والتي تحمل وحدها دون غيرها أمانة التحقيق في المخالفات المالية كاملة منذ عام 1983 وتصل نسبة إنجازها للقضايا إلى 96% سنويا، الأمر الذي يلقى بالكثير من الشكوك حول دواعى هذا التعديل والرغبة الحقيقية من ورائه.

بالاضافة إلى ما سيثيره المعيار الجديد من مشكلات عملية، إذ إن تحديد عجز الموظف عن سداد قيمة الضرر المالى الناتج عن المخالفة التأديبية هو أمر قد لا يتضح فور اكتشاف المخالفة، وإنما قد يتأخر إلى بعد انتهاء جهة الإدارة من التحقيق وتوقيع جزاء إداري على الموظف بناء على تحقيقاتها التي قد يتعهد فيها المتهم بسداد قيمة الأضرار التي تسبب فيها ثم يتعسر في السداد لأى سبب من اأسباب فيكون من المحتم في هذه الحالة إبلاغ النيابة الإدارية وجوبيا بذات المخالفة المالية.. فماذا سيكون مصير قرار الجزاء السابق صدوره عن جهة الإدارة عن ذات المخالفة.. وكيف سيعاد التحقيق فيها.. رغم سبق مجازاة الموظف عنها وهو ما يتعارض ومبدأ عدم جواز العقاب على الجرم الواحد مرتين.

رابعا: أغفل المشروع النص على غل يد جهة الإدارة عن مباشرة التحقيق في ذات المخالفات التي تباشر النيابة الإدارية التحقيق فيها على النحو المنصوص عليه في قانون العاملين المدنيين بالدولة الحالى لمنع ازدواج التحقيقات بين النيابة الإدارية وجهة الإدارة، وهي ضرورة عملية لا مناص من النص عليها لمنع ازدواج التحقيقات وتكرارها.

خامسا: رغم أن الجرائم التأديبية غير محصورة على سبيل الحصر.. إﻻ إن المشرع كان يتجه في كافة قوانين الوظيفة العامة السابقة إلى تحديد الصور الشائعة للأفعال المحظورة وللواجبات الأساسية للموظف العام وهو ما تخلى عنه واضعو المشروع الجديد دون مبرر مقبول.. مكتفين ببيان بعض الأفعال المحظورة والإشارة إلى ضرورة اﻻلتزام بلائحة ميثاق شرف الوظيفة، وهو لائحة مبهمة بما يجعل “منصور” السلوك المحظور شركا قد يقع فيه الموظف دون أن يكون على بينة من أمره.. كما أن الإحالة إلى لائحة تحدد المحظورات والواجبات الوظيفية أمر مخالف لما هو مستقر عليه من أن التأثيم من عمل المشرع وحده ولا يجوز بأداة أدنى من القانون.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .