من أجهض أنظمة الرهن العقاري؟

وهل من المعقول أن تصدر أنظمة ضخمة ومهمة بحجم أنظمة الرهن العقاري الخمسة بدون متابعة حثيثة من جهة مسؤولة لإزالة العقبات من أمامها والعمل على إنجاحها؟ فصدور تلك الأنظمة لم تأتي إلا في إطار تيسير المساكن للمواطنيين، وتمكينهم من التملك، ورفع نسبة تملك المساكن إلى نسب عالية. لذلك أنشئت وزارة الإسكان ودعمت بمبلغ ضخم جداً يعادل موازنة الحكومة السعودية في 2002 تقريبا، ودعم رأسمال صندوق التنمية العقارية ليصل إلى نحو 200 مليار ريال.

كل هذه الخطوات لتمكين المواطن من تملك مسكن بأسهل الطرق وأقلها تكلفة، وبالتالي رفع مستواه المعيشي وحياته الكريمة. ويتساءل البعض الآن عن ماهي تلك العوائق؟ ولماذا ظهرت في هذا الوقت بالذات؟ فقبل صدور أنظمة الرهن العقاري وفي مراحل الترقب لصدورها كانت تلد متعسرة -كما لاحظ المراقبون في حينه- جراء التردد في إصدارها انتظاراً للتوقيت المناسب.

فبينما كانت المسودة الأولى لهذه الأنظمة ضعيفة كفكرة قبل نحو ثمانية أعوام، كانت المملكة تمر بانتعاش عقاري جيد في 2007 بعد انهيار سوق الأسهم الشهير في 2006، وكانت معظم شركات التمويل والتطوير العقاري تتهيأ لدخول السوق بشركات محلية وبعضها أجنبية، وكانت معظم تلك الشركات تترقب عن كثب صدور أنظمة الرهن العقاري التي كانت ضروروية جدا لرسم ووضع خطط تلك الشركات، بل ومعرفة كيف يمكن الاستفادة من أنظمة الرهن العقاري في التوقع بأرباح وعوائد الشركات، لكن الأزمات تتوالى، فبدأت أزمة الرهن العقاري الأمريكي في 2008 ثم أزمة الشركات العقارية في دبي في 2009، وأصبح ذلك مبرراً لعدم الاستعجال في إصدار أنظمة الرهن العقاري، وإعطائها مزيداً من الوقت للدراسة والاستفادة من تلك الأزمات، وبالتالي تأخر صدورها حتى وقت قريب، فصدرت وهناك مشروع لأنظمة الزكاة والدخل يدرس في مجلس الشورى، وهذا النظام يحتوي على بنود للزكاة على عروض التجارة من العقار، وبند عن آلية الزكاة على الذمم المدينة لشركات التمويل العقاري، ورغم أن موضوع بند فرض الزكاة على عروض التجارة لن يؤثر كثيراً على القطاع العقاري، فإن آلية تحصيل الزكاة على شركاة التمويل العقاري ستخفض أرباحها وقد تدخلها في خسائر محققة ما يثبط من إنشاء شركات تمويل عقاري، بل يعتبر من أكبر العوائق الآن في إنشاء شركات تمويل عقاري، وهو الأمر الذي يجعل من المهم تدخل مؤسسة النقد وكذلك وزارة المالية في هذا الموضوع الذي اختلف الفقهاء في آلية تطبيقه قبل صدوره المحتمل قريباً.

ونعرج الآن على العائق الثاني الذي ظهر بعد صدور أنظمة الرهن العقاري وصدور لوائحه التنفيذية؛ فبينما بدأت شركات التمويل العقاري في تنفس الصعداء بعد نجاح الاقتصاد السعودي في تفادي أزمات الرهن العقاري الأمريكية وأزمة دبي، وعودة أموال العقار من دبي إلى المملكة ما أنعش السوق العقارية، وبدأت عملية إقراض المساكن تتزايد بنسب غير مسبوقة، صدرت لائحة شركات التمويل العقاري والتي تنص إحدها على ضرورة سداد 30% من قيم المنزل عند الاقتراض، الأمر الذي أثبط عملية التمويل السكني لتنخفض الطلبات بعد تطبيقه بنسب عالية قد تصل إلى 70% من مجمل الطلبات، وهذان العاملان (آلية احتساب زكاة شركات التمويل، وتحديد سداد 30% لإقراض المساكن) ساهما في مرور القطاع العقاري بركود واضح مع عوامل أخرى تتمثل في انخفاض أسعار النفط وتقاعس وزارة الإسكان عن الإنجاز، ويترقب المستثمرون والعاملون في القطاع العقاري مسألة رسوم الأراضي البيضاء وكيفية تأثيرها على السوق، خصوصا في مسألة إنشاء شركات تمويل وتطوير عقاري، فبغض النظر عن الأراء التي ترى أن السوق العقارية ستشهد انخفاضاً في الأسعار أو صعودا فيها، فإن مسألة فرض الرسوم بحد ذاتها تضيف عاملا مهما يتعلق بتأثيراته المحتملة والتي شكلت غموضا لدى المستثمر والمواطن على حد سواء، وقد تحدثت عن الآثار المحتملة للرسوم في عدة مقالات سابقة منذ 2011 ولا أرى داعٍ لإعادتها هنا، وبنفس الكلام، تحدثت عن آلية الزكاة ومسألة ال30% أيضا في عدة مقالات سابقة.

إن أهمية المقال هذا يكمن في دعوته إلى التأمل كيف أن أنظمة ضخمة بحجم أنظمة الرهن العقاري تتعرض للإجهاض بقصد أو غير قصد، وقد يكون ذلك لغياب الأب الروحي عند صدور هذه الأنظمة التي ضاعت بين مؤسسة النقد ومصلحة الدخل والزكاة ووزارة العدل وغيرها من الوزارت، إن الأمل معقوداً على مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في النظر بعين الاستراتيجي والمخطط والمنفذ لهذه الأنظمة ودراسة آثار العوامل الثلاثة التي ذكرتها في هذا المقال، والعمل على تخفيف آثارها على أقل تقدير حتى يمكن إنقاذ مايمكن إنقاذه من أنظمة الرهن العقاري الخمسة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت