قراءة في القانون المنظم للديوان العام للمحاسبة – السعودية


ديمه بنت طلال الشريف
‏مستشارة قانونية، عضو الاتحاد الدولي للمحامين


يعتبر المال العام أحد أهم أساسات الحركة الاقتصادية في كل دولة، وتتعاضد الجهود المختلفة والمشتركة في حمايته والحرص على إنفاقه بالآليات المحددة والتي تعود على الشعب بشكل عام واقتصاد الدولة بالنفع والربح. ولأن هذا النوع من الأموال يتميز بطبيعة حساسة تتحكم بها عدة جهات ومصادر، كان للقانون كلمته في تعزيز حماية هذا المال وتنظيم آليات صرفه والتصدي كذلك لأي محاولات استغلال، اختلاس أوتلاعب تمسه.

أعلن الديوان العام للمحاسبة عن استرجاع أكثر من 20 مليار ريال خلال العام المالي المنصرم، بزيادة 11 مليار ريال عن العام الذي يسبقه، أما فيما يخص القانون المنظم، فتم إقراره من قبل مجلس الشورى من خلال مشروع النظام الجزائي للاعتداء على المال العام، وذلك بعد مداولات استمرت لأكثر من 16عاماً بين أروقته وأروقة مجلس الوزراء.

تعتبر من أبرز العقوبات التي وضعها مشروع النظام هي تلك التي تطال الموظف العام في حال اختلاسه مالاً عاماً حصل عليه بسبب وظيفته أو صرفه، أو فرّط فيه، أو حتى تصرف فيه بغير وجه حق، عندها سيستحق عقوبة السجن لمدة لا تتجاوز عشر سنوات، أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال، أو حتى بهما معاً!

والجدير بالذكر أن مشروع النظام لايستهدف فقط حالات الاختلاس والاستيلاء، بل حدد ايضاً حالات التخريب والإتلاف، حيث عاقب كل موظف عام خرَّب أو أتلف أو أحرق مالاً عاماً تملكه الجهة التي يعمل بها، أو يتصل بها بحكم عمله بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات، أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معاً.

وللحد بشكل صارم من الشبهات الداعية لهذا النوع من الجرائم، فرض مشروع النظام ايضاً عقوبة على كل من يشرع في أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى المقرر لعقوبة الجريمة، ويعاقب ايضاً كل من يشترك في ارتكاب هذه الجرائم بالعقوبة المقررة لها، ويشمل ذلك الموظف العام وغيره.

وشمل مشروع النظام ايضاً التستر وعدم الإبلاغ، حيث تم فرض عقوبة على الموظف العام الذي لم يبلغ عن جرائم الاعتداء على المال العام أو تستر عليها، بالسجن سنة وغرامة لا تزيد على 100 ألف ريال.

ولأن تدارك خسائر إهدار المال العام والاستيلاء عليه يحظى بأهمية كبيرة، يشمل الحكم على من تثبت إدانته أن يرد المال محل الجريمة أو رد قيمته. ومراعاةً لبعض الحالات الاستثنائية، يعفى كل من بادر من غير المحرضين بإبلاغ السلطات المختصة عن إحدى الجرائم هذه قبل علم السلطات ذات العلاقة بها، وذلك بشرط آخر ايضاً يشمل إعادة ماتم التحصل عليه في الجريمة. أما فيما يخص المهمة الصعبة في عملية التحقيق وتوجيه التهم، فالمسؤول عن هذه المهمة هو جهاز النيابة العامة والذي أعطاه مشروع النظام سلطة اتخاذ الإجراءات التحفظية اللازمة لمنع التصرف في الأموال محل الجريمة.

تعتبر أحد أبرز مميزات الأنظمة والقوانين وضعها وتحديدها للمخالفات والعقوبات، مما يسهل بكل تأكيد عملية رصد المخالفات والحد منها بل والحفاظ على أموال الدولة واسترجاع المنهوب منها، إذاً هي عملية تكاملية تبدأ في جهة وتصب في مصلحة وطن بأكمله. ولأن المال العام جزء لايتجزأ من اقتصاد الدولة، فتشريع هذه الأنظمة الصارمة سيساهم بكل تأكيد في تعزيز قوة الاقتصاد وحماية موارده.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت