بحث حول عقود الاذعان (عقد الإذعان)

Contract of compliance

عقود الإذعان والممارسات المعيبة المصاحبة له

[أنموذج الهيئة القومية للكهرباء]

فضيلــة الأستاذ
محمــود حمـــودة صالـــــح

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وبعد،،،
فما من يوم تطلع فيه الشمس إلاَّ ويُجري فيه الإنسان عِدة عقود في مختلف مجالات الحياة، لأنَّ العقود ظاهرة مدنية اجتماعية أُبتليَ بها المجتمع البشري.
وقد عالجتْ كل شريعة من الشرائع، أحكام العقود سواء أكانت تلك الشريعة إلهية أم وضعية، فوُضِعت لها الأسماء وصُنِّفت في شكل مجموعات متميِّزة بعضها عن بعض، ورُتِّبت لها القواعد العامة التي تحكمها، والقواعد التي تحكم كل مجموعة بعينها، والقواعد التي تحكم كل عقد بمفرده، وكذلك نُظِّمت أحكامها في الشريعة الإسلامية وقُننت في التشريعات الحديثة.
ولئن كانت القواعد العامة التي تحكم العقود تقتضي أنْ يكون المتعاقدان حُرَّين في اشتراط الشروط، وترتيب الآثار العقدية عليها، إلاَّ أنَّ عقود الإذعان تخرج عن هذا المقتضى، حيث إنَّ أحد الطرفين يملي الشروط، والطرف الآخر يقبلها دون مناقشة لها، بل لا يحق له المناقشة، أو الاعتراض عليها.
هذا النوع من العقود ابتُلُيِتْ به المجتمعات البشرية في العصور الأخيرة، وكَثُرَ التعامل فيه بعد الثورة الصناعية في الغرب، وتبدُّل الأوضاع الاقتصادية، وتغيُّر العلاقات الاجتماعية.
وقد اختلفت أنظار الفقهاء القانونيين في تكييف هذا الصنف من العقود، أهي عقود حقيقية؟ أم أنها مراكز قانونية منظمة؟ واختلفوا تبعاً لذلك في كيفية معالجة الشروط التعسُّفية الواردة فيها. هل تُطبَّق عليها قاعدة: “العقد شريعة المتعاقدين”؟ أو يتدخل القضاء لتعديل الشروط التعسُّفية، أو إلغائها، أو التخفيف من حدة تعسفها؟
وهذا الصنف من العقود لا يوجد إلاَّ حيث تكون السلع والخدمات المعروضة على الجمهور، مُحتَكَرَة لجهةٍ ما، ويكون المستهلك في حاجة ماسَّة إليها.
وقد لاحظتُ أثناء عملي في لجنة تطوير سوق الشيخ (أبو زيد)( ) أنه بالإضافة للشروط التعسُّفية الواردة في هذه العقود، فإنَّ الجهات العارضة للسلع والخدمات المُحْتَكَرَة، تمارس بعض الممارسات التي لم ينص العقد عليها، وفيها تعسُّف وإجحاف في حق المستهلك، ولم أجد ـ فيما اطّلعتُ عليه ـ في كتب الفقه الإسلامي والقانوني معالجة لهذه المسألة، لهذا رأيتُ عرضها ومناقشتها ثم اقتراح الحلول المناسبة لها.
وهذه الممارسات منتشرة في تعاملات معظم الجهات التي تحتكر سلعاً وخدمات يتم التعاقد عليها عن طريق عقود الإذعان. فهي موجودة في عقود النقل المختلفة، وعقود خدمات الاتصالات الحديثة، وعقود إيجارات أراضي الأسواق بالمحليات، وغيرها. ولكنها ظاهرة في عقود الإذعان التي تبرمها الهيئة القومية للكهرباء، وهذا ما حدا بي لعرضها كأنموذج لتلك العقود، لا سيما وأنَّ هناك بعض الممارسات المعيبة المصاحبة لها، وذلك بُغية الوصول إلى مقترحات مناسبة لمعالجة تلك الممارسات المعيبة التي تصاحب عقود الإذعان.

.. والله وليُّ التوفيق ..

الفصل الأول تعريف العقد في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي

المبحث الأول: التعريف بالعقد

[أ] تعريف العقد لغةً:
المعنى الأصلي للعقد في اللُّغة هو: الجمع بين أطراف الشيء وربطها معاً. والعقد ضد الحل. وتُطلق كلمة “عقد” لتعبِّر عن الإحكام والتقوية. وتأتي كلمة “عقد” بمعنى العهد، ومن معانيها: العزم والتصميم، والإبرام والإحكام، والانضمام( ).
فالمعنى الأصلي لكلمة “عقد ومشتقاتها” هو الربط الحسِّي، ولكن نُقلت دلالة معنى هذه الكلمة إلى الربط المعنوي بين كلامين. والربط يدلّ على وجود أكثر من طرف في العقد.

[ب] تعريف العقد في الاصطلاح الشرعي الإسلامي:
عرَّف الحنفية العقد بأنَّه: “انضمام كلام أحد العاقدين إلى الآخر، على وجهٍ يظهر أثره في المحل شرعاً”( ).
وعرَّفوه أيضاً بأنه: “ارتباط أجزاء التصرُّف الشرعي”( ).
وعرَّفوه بأنه: “ارتباط الإيجاب الصادر من أحد العاقدين بقبول الآخر على وجهٍ يثبت أثره في المعقود عليه”( ).
وعرَّف جمهور الفقهاء ـ المالكية والشافعية والحنابلة ـ العقد بأنه: “كل تصرُّف ينتج عنه التزامٌ شرعيٌّ”( ). ولهذا قالت المالكية العقد هو: “ربط القول بالقصد القائم بالقلب”( ).
يتضح من التعريفات السابقة أنَّ فقهاء الشريعة الإسلامية انقسموا إلى مذهبين في تعريفهم للعقد. فقد ذهبت الحنفية إلى حصر معنى العقد فيما يكون بين طرفين، ولم يعتدُّوا بوقوع العقد بالإرادة المنفردة، وإنْ كانوا يعدون الهبة “عقداً مشروعاً مندوباً إليه”( )، وهي تقع من طرف واحد.
أمَّا جمهور الفقهاء فقد ذهبوا إلى تعريف العقد بمعناه العام. فعندهم أنَّ كل ما ينتج عنه التزامٌ شرعيٌّ يُسمى عقداً، سواء أَوقع بإرادة منفردة، أم بارتباط إرادتين راضيتين مختارتين، أم أكثر. بل إنَّ المالكية ذهبوا إلى أبعد من ذلك، إذ أنهم رتَّبوا على النية المستكنة في النفس أحكاماً عملية، فقد أورد الإمام ابن العربي( ) ـ رحمه الله ـ أنَّ مالكاً( )
ـ رحمه الله ـ سُئِلَ: “إذا نوى رجل الطلاق بقلبه، ولم يلفظ به لسانه، يلزمه ذلك أم لا؟ فقال: يلزمه، كما يكون مؤمناً بقلبه، وكافراً بقلبه…[فإنه] عقد لا يفتقر المرء فيه إلى غيره في التزامه، فانعقد عليه بنيته، أصله الإيمان والكفر”( ).
وقد وَهِمَ أحد القانونيين المحدثين( ) وذهب إلى أنَّ جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية يحصرون العقد في المعنى الخاص الذي ذهبت إليه السادة الحنفية. وهذا الوهم منشؤه سيادة المذهب الحنفي إبَّان حقبة الخلافة العثمانية، خاصة في مجال المحاكم والقضاء، فعرفه القضاة وأهل مهنة القانون، حتى بدا وكأنه هو مذهب جمهور الفقهاء، والأمر ليس كذلك.

[ج] تعريف العقد في الاصطلاح القانوني:
عرَّف القانونيون العقد بأنه هو: “توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني”( )، وعرَّفوه كذلك بأنه: “توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني معيَّن”( ). وعرَّفوه كذلك بأنه: “اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر، نحو شخص آخر أو أكثر، بإعطاء شيء، أو بفعله، أو الامتناع عن عمل شيء”( ).
يُلاحظ أنَّ كلمة “توافق” الواردة في التعريفين الأولين غير دقيقة في التعبير عن حقيقة معنى العقد، فإنَّ الإرادتين قد تتوافقان وتتجهان نحو إحداث الأثر القانوني، ولكن قد لا يحدث الترابط بينهما، فلا يتكون العقد بالتوافق، بل يتكون بارتباط الإرادات.
وقد ذهبت بعض القوانين في البلاد العربية إلى تعريف العقد وفقاً لتعريف الأحناف له، فقد عرَّف القانون المدني العراقي العقد بأنه: “ارتباط الإيجاب الصادر من أحد العاقدين بقبول الآخر على وجهٍ يثبت أثره في المعقود عليه”( ).
وعرَّفه قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م بأنه:

1- ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر على وجهٍ يثبت أثره في المعقود عليه، ويترتب عليه التزام كل منهما بما وجب عليه للآخر.

2- يجوز أنْ تتطابق أكثر من إرادتين لإحداث الأثر القانوني( ).
فقول المشرِّع (الشارع) السُّـوداني في الفقرة (1): “ويترتب عليه التزام كل منهما بما وجب عليه للآخر”؛ يفصح عن قصد المشرِّع في تأكيد مبدأ المسؤولية العقدية.

أمَّا الفقرة الثانية مع ما يلاحظ فيها على كلمة “تتطابق” من عدم الدقة في التعبير عن معنى الارتباط بين أطراف العقد، إلاَّ أنَّها تضيف إضافة مهمة للتعريف، وهي التنبيه على أنَّ العقد كما أنه يتكون بارتباط إرادتين، فإنه يمكن أنْ يتكوَّن بارتباط أكثر من إرادتين.
والقانونيون ـ في الراجح ـ لا يرون أهمية عملية للتمييز بين العقد والاتفاق. بل لا يرون أي فرق بين أنْ تُسَمَّى عقود التبرعات “كالهبة”، وعقود المعاوضات المالية “كالبيع”، وعقود المكارمات “كالزواج” عقوداً، سواءً أَتكوَّنت بإرادة منفردة، أم تكوَّنت بإرادتين أو أكثر( ).
وهذا النظر القانوني يكاد يطابق نظر جمهور الفقهاء الذين أخذوا بالمعنى اللغوي العام للعقد.

المبحث الثاني: التعريف المختار للعقد

ممّا سبق عرضه من تعريفات فقهاء الشريعة الإسلامية لمعنى كلمة “عقد”، وتعريفات القانونيين لها، يتضح أنهم مجمعون على أنَّ العقد يتكون بارتباط إرادتين أو أكثر، إلاَّ أنهم اختلفوا في تكوين العقد بإرادة منفردة، وإنْ كانوا كلهم يقرون بانعقاد العقد بإرادة منفردة، ولهذا قال فقيه شرعي معاصر: “ومهما يكن من أمر الاختلاف في معنى العقد بين العموم والخصوص، فمن المقرر بلا خلاف أنَّ التصرفات الشرعية التي تنشأ عنها التزامات للشخص، قد تنشأ بإرادة منفردة، وقد تنشأ بتوافق إرادتين”( ).
ولهذا أرى أنَّ التعريف المختار للعقد هو: “كل ارتباط ينشأ عن إرادة منفردة، أو أكثر، على وجهٍ مشروع، يثبت أثره في المعقود عليه”.
وهذا قريب مما عليه قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م، الذي جعل عقود الإرادة المنفردة عقوداً ـ مثل عقد الهبة وغيرها ـ تترتب عليها آثارها القانونية( ).
هذه هي تعريفات العقد عند الفقهاء والقانونيين، وسأتناول في الفصل التالي عقود الإذعان في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية.

الفصل الثاني عقود الإذعان في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية

عقود الإذعان من العقود المستحدثة التي جاءت وليدة التطور الصناعي، والاقتصادي، الذي نشأت عنه الشركات الكبرى، وتراجعتْ بموجبه الصناعات الْحِرْفِيَّة. علاوة على تبدُّل العلاقات الاجتماعية، الذي اقتضى المزيد من السلع والخدمات المُحْتَكَرَة للحكومة، أو للشركات الكبرى، مما انعكس على إرادة المتعاقدين، فحدَّ من إرادة الشخص في إبرام العقود، وقيَّد حريته في مناقشة الشروط الواردة في العقد، التي يمليها الطرف المُحْتَكِر للسلعة أو الخدمة. فنتج عن ذلك عقود الإذعان( ). وفي ما يلي أعرِّف بعقود الإذعان.

المبحث الأول: التعريف بعقود الإذعان

[أ] تعريف عقد الإذعان في اللُّغة:
العقد: هو الربط بين طرفي الشيء، أو هو الربط بين كلامين. والإذعان معناه: الانقياد، والرضوخ. وأذعن بالحق: أقرَّ به( ). فعقد الإذعان معناه: عقد الرضوخ والانقياد.

[ب] تعريف عقد الإذعان في الاصطلاح:
لم أجد في كتب القانون وشروحه التي اطّلعتُ عليها تعريفاً لعقد الإذعان، لذا قمت بتعريف عقد الإذعان بالآتي: “هو العقد الذي يملي شروطه، ويُرتِّب آثاره طرف واحد، ويُذعن له الطرف الثاني”( ).
فليس للطرف الثاني الحق في مناقشة شروطه، فإنْ قبلها، ووافق قبـوله إيجاب الطرف الأول، واختار الدُّخول في التعاقد، وارتبط قبوله بالإيجاب تكوَّن العقد، وترتبت عليه آثاره. وإنْ رفض الشروط فَقَدَ الخدمة أو السلعة محل التعاقد.
ويقابل عقود الإذعان عقود المساومة التي تقوم على حرية طرفي العقد في تحديد الشروط، وترتيب الآثار العقدية( ). ويقابلها من جهة أخرى العقود الرضائية، التي تقوم على مبدأ سلطان الإرادة العقدية، الذي يعني: مدى حرية المتعاقدين في اشتراط الشروط، وتحديد الآثار( ). أمَّا عقود الإذعان فإن رضا الطرف المُذْعِنْ ـ وإنْ كان موجوداً ـ تكتنفه بعض عيوب الرضا.

[ج] نماذج من عقود الإذعان:
لقد كَثُرَ التعامل اليوم بعقود الإذعان، حتى صارت في مصاف العقود المسماة. والعقود المسماة هي التي خصها الشارع “المشرِّع” بنصوص تفصِّل أحكامها، ووضع لها اسماً خاصاً بها( )، كعقد البيع والإيجار وغيرها.
ومن أبرز نماذج عقود الإذعان، عقود إيجارات الأراضي الحكومية “سكن، زراعة، واستثمار وغيرها”، وعقود بيع الكهرباء، وعقود خدمة المياه، وعقود شركات الاتصال، وعقود النقل “سكك حديدية، وطائرات، وعربات،….إلخ”، وعقود العمل وغيرها. وتعد الدولة الحديثة أكبر متعاقد عن طريق عقود الإذعان.

[د] مميزات عقود الإذعان:
العقود بصفة عامة تشترك في بعض القواعد التي تميزها عن غيرها من التصرفات التي يجريها الشخص مع غيره، مثل قاعدة الإباحة الأصلية التي تعني: “أنَّ الأصل في الأشياء الإباحة”( )، ومنها العقود. فإنَّ الأصل فيها الإباحة إلاَّ عقداً منع الشارع التعاقد عليه. وقاعدة الرضائية، إذ: “الأصل في العقد رضى المتعاقدين، ونتيجته ما التزماه بالتعاقد”( ). وقاعدة حرية التعاقد التي تعبِّر عن مبدأ سلطان الإرادة العقدية، الذي يعني مدى مقدرة المتعاقدين على إجراء العقود، وتحديد الشروط، وترتيب الآثار على العقد( )، وغيرها من القواعد التي تنتظم العقود جميعاً.
وتمتاز كل مجموعة من العقود ـ من وراء هذه القواعد العامة ـ بقواعد خاصة تميزها عن غيرها من المجموعات العقدية. فلعقود المعاوضات المالية ـ كالبيع والإيجار ـ قواعد تميزها عن غيرها، مثل قاعدة: “التعادل في التبادل”( )، وقاعدة: “الغرم بالغنم”( ) التي تعني أنَّ من يَنَل نفع شيء يجب عليه تحمُّل ضرره( )، وغيرها.
وعلى المنوال ذاته جرت عقود الإذعان إذ أنها تمتاز بمميزات تميزها عن غيرها من العقود، وأهم هذه المميزات هي:

[1] ميزة التكوين:
ونعني بذلك كيفية عرض الإيجاب وارتباط القبول بالإيجاب. فالإيجاب في عقود الإذعان معروض على كافة الأشخاص، وبصورة مستمرة، وبشروط معتبرة، سواء أصدرت بصورة صريحة، أم ضمنية. ويكون الإيجاب ملزماً للموجب. ويجب أنْ يُمكِّن الموجب الجميع من الاطّلاع على شروط العقد( ).
أمَّا القبول فهو عبارة عن رضوخ وإذعان لما ورد في الإيجاب من شروط، دون أنْ يكون للقابل حق أو حرية في مناقشتها، أو الاعتراض عليها. فإنْ رغب في العقد قبلها، وربط قبوله بالإيجاب فيتكون العقد. وإنْ لم يرغب في العقد تركها ومضى لحاله( ).

[2] طبيعة عقد الإذعان( ):
عقود الإذعان تتعلّق بسلع وخدمات ضرورية ومهمة للمستهلكين، ولا غنى لهم عنها، مثل: خدمات المياه والكهرباء، وعقود العمل، والنقل وغيرها. هذه العقود يجد المستهلك نفسه مضطراً لعقدها مهما كانت الشروط الواردة فيها مجحفة في حقه.
إنَّ من طبيعة السلع والخدمات التي ترد عليها عقود الإذعان، أنها سلع وخدمات مُحْتَكَرة ـ غالباً ـ للجهات التي تتولى عرض الإيجاب، أو تقدم تلك السلع والخدمات للجمهور. واحتكارها إمّا أنْ يكون احتكاراً فعلياً، أو احتكاراً قانونياً. ولهذا تنعدم المنافسة بشأن هذه السلع والخدمات غالباً.
أمَّا طبيعة الشروط الواردة في عقود الإذعان، فإنها شروط يضعها المُذْعَن له، خدمةً لمصلحته الخاصة غالباً.

[3] الآثار المترتبة على عقود الإذعان:
اعتبر قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م عقود الإذعان عقوداً حقيقية( ). فإذا انعقد العقد صحيحاً لزم المتعاقدين التقيُّد بما ورد فيه من شروط، والالتزام بتنفيذ ما ينتج عنه من آثار. ولهذا جاءت المادة (45) من قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م توضِّح ذلك حيث نصت على أنه: “يعتبر التسليم بشروط يضعها الموجب في عقد الإذعان قبولاً، مع مراعاة أي قيود مقررة لعقود الإذعان في القانون”.
وقد وضع قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م، قيوداً على عقود الإذعان في المادتين (102)، (118)، اللتين سأتطرّق إليهما عند الحديث عن معالجة القانون لعقود الإذعان ـ بإذن الله ـ.

المبحث الثاني: تكييف عقود الإذعان في القانون الوضعي

بدأتُ بالقانون الوضعي، لأنّ عقود الإذعان لم تعرف بهذا الاسم في الشريعة الإسلامية وإنما هي عقود مستحدثة. فهل عقود الإذعان عقود حقيقية ملزمة لأطرافها بكل ما جاء فيها ؟ وهل لا يجوز مخالفة ما ورد فيها من شروط على الرغم من أنَّ القبول فيها تَمَّ عن طريق الإذعان؟ أم أنها عقود غير حقيقية ولها طبيعة خاصة تقتضي إخضاعها لقواعد عقدية غير قواعد العقود المعروفة؟
انقسمت آراء فقهاء القانون الوضعي في تحديد طبيعة عقود الإذعان إلى عدة مذاهب، أشهرها مذهبان:
• يرى أحدهما أنها عقود حقيقية، وملزمة لأطرافها بكل ما جاء فيها، وأنها لا تخالف القواعد العامة للعقد.
• بينما يذهب المذهب الآخر إلى أنها مراكز قانونية منظمة.
وفيما يلي أوضِّح رؤية كل مذهب:

المذهب الأول: عقود الإذعان عقود حقيقية:
يرى أصحاب هذا المذهب أنَّ عقود الإذعان عقود حقيقية، لأنها تتكون بترابط إرادة أطرافها، وتخضع للقواعد التي تخضع لها كل العقود.
وحجة هؤلاء أنَّ أكثر العقود يتحقق فيها اضطرار أحد أطرافها، أو كلهم للتعاقد. فعدم التساوي، أو التعادل بين أطراف العقد لا يمكن توقيه.
ويذهب هؤلاء ـ أيضاً ـ إلى القول بأنَّ الضرر الواقع على طرف من أطراف العقد في عقود الإذعان أقلَّ بكثير من الضرر الواقع عليه في العقود الأخرى.
واحتجوا بأنَّ الضرر في عقود الإذعان يعم جميع من يبرم عقداً مع المُذْعَن له، فالكل فيه سواء، فالإيجاب في عقود الإذعان معروض على الكافة.
وهذا نظر ـ في رأيي ـ غير سليم، لأن “الضرر يزال شرعاً”( )، إذا كان خاصاً، فإزالته إذا كان عاماً أوْلَى. فمسألة عموم الضرر الذي يلحق بالكافة تُعدُّ من عوامل ضعف هذا الضرب من العقود.
واحتجوا بأنَّ الطرف الذي يملي شروط العقد هو نفسه خاضع للملابسات الاقتصادية المحيطة به، فهي التي تملي عليه تلك الشروط التعاقدية، وليس هو الذي يمليها على الطرف الآخر، فهو مضطر إلى مراعاة ما تقضي به الأحوال الاقتصادية.
وهذه حجة داحضة ـ في نظري ـ لأنَّا بهذا نكون قد أثقلنا على الطرف الضعيف، لأنه خاضع للأحوال الاقتصادية ذاتها، فهو يحمل عبء الشروط التعسفية الواردة في العقد، ويضيف إليه عبء الأحوال الاقتصادية المحيطة به وبالمُذْعَن له.
واحتجوا ـ أيضاً ـ بأنَّ المستهلكين ربما تألبوا ضد المُذْعَن له فحاربوه بمقاطعة سلعه التي يعرضها عليهم، فيقع عليه الضرر جرَّاء صنيعهم هذا.
وخلاصة مذهب هذا الفريق: أنَّ عقود الإذعان عقود حقيقية، لأنها أُبرمت بارتباط إرادات أطرافها، وعزمهم على إمضاء العقد، وأنها تخضع للقواعد العامة للعقود. وهم يرون أنَّ ضعف أحد أطراف العقد لا يقوم مبرراً لتدخل القضاء حمايةً للطرف الضعيف، ما دام الطرف القوي لم يستغله، وأنَّ تدخل القضاء لا يجوز إلاَّ في بعض الحالات منها: حالة استغلال الطرف القوي للطرف الضعيف.
والواقع أنَّ عقود الإذعان تقوم ـ أساساً ـ على استغلال ضعف الضعيف، لأنها عقود لا تنشأ ـ في الغالب ـ إلاَّ في حالات احتكار الطرف القوي للسلعة أو الخدمة، الضرورية المقدَّمة للطرف الضعيف، وهو في حال حاجة ماسَّة إليها، فيضطر إلى إبرام العقد رغماً عنه( ).

المذهب الثاني: عقود الإذعان مراكز قانونية منظمة( ):
يذهب أصحاب هذا المذهب إلى أنَّ عقود الإذعان عقود غير حقيقية، ويرون أنها عبارة عن مراكز قانونية منظمة، وأنها ليست بعقود، لأنَّ العقد لا ينعقد صحيحاً، ولا تترتب عليه آثاره، إلاَّ إذا توافرت في أطرافه حرية الإرادة، والاختيار. وعقود الإذعان لا تتوافر فيها حرية الإرادة، وإنْ توافرت حرية اختيار العقد. فأحد أطراف العقد يمضيه وهو غير مكتمل الرضا، لأنه لا يستطيع الاعتراض على أيّ شرط من الشروط التي يمليها الطرف القوي. فالرابطة القانونية بينهما أملتها إرادة الطرف القوي (المُحْتَكِر) وحده.
وهؤلاء يذهبون إلى أنَّ هذه الإرادة المنفردة التي يملي بها المُحْتَكِر شروطه، تُعدُّ بمثابة قانون ينظِّم هذا الضرب من العقود. وهذا ما أخذت به شركات الاحتكار الناس، شأنه شأن كل قانون يطبَّق على المجتمعات.
ولهذا فإنهم يرون أنَّ تفسير عقد الإذعان، وتحديد ما يولّده من التزامات، يجب أنْ يكون في ظل هذه الاعتبارات. فيفسَّر العقد كما يُفسَّر القانون، ولا يُفسَّر بحسبان أنه وليد إرادة الأفراد، بل يفسَّر بحسبان أنه رابطة قانونية تنظم المصلحة العامة لمجموع الأفراد الذين يخضعون لها. “فيُطبَّق هذا القانون التعاقدي تطبيقاً تراعى فيه مقتضيات العدالة، وحسن النية، ويُنظر فيه إلى ما تستلزمه الروابط الاقتصادية التي وُضع لتنظيمها”( ).
وأصحاب هذا المذهب يرون أنَّ فكرة العقد وحدها غير كافية لتفسير هذه الروابط التي تقوم بين الشركات والأفراد، بل يرون أنَّ تفسيرها يقتضي النظر إلى “حاجة الصناعة، ومصالح العمال، ورب العمل في وقت واحد”( ). وهم يرون أنَّ العامل ينضم إلى نظام لا يد له في وضع شروطه، ولا في تحديد آثاره، ولا يحق له مناقشة تلك الشروط. فهو يقبل قانوناً ما يُعرض عليه، ولا يناقش شروطه. “وهذه ظاهرة قانونية أصبحت معتادة في الوقت الحاضر، وقد حل فيها محل توافق الإرادتين، انضمام الإرادة إلى القانون المعروض”( ).
وهؤلاء عندهم أنَّ عقد الإذعان مركز قانوني منظم، يطبق لصالح العمل أولاً، ثم يراعى ما يستحق الحماية من مصالح طرفي العقد.
هذان هما أشهر مذاهب القانونيين في نظرهم لعقود الإذعان، وفيما يلي أتناول عقود الإذعان في نظر الشريعة الإسلامية.

المبحث الثالث: تكييف عقود الإذعان في الشريعة الإسلامية

الأصل في الشريعة الإسلامية إباحة جنس العقد مطلقاً، إلاَّ عقداً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء “الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة ـ عليهم رحمة الله ـ( )، وذهبت الظاهرية( ) إلى أنَّ الأصل في العقود المنع والحظر إلاَّ عقداً دلَّ دليل من الكتاب والسُّـنَّة أو الإجماع على إباحته( ).
لم تعرف الشريعة الإسلامية عقود الإذعان باسمها( )، ولكن “العبرة في العقود [في نظر الشريعة الإسلامية] للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني”( ). ولهذا تعترف الشريعة الإسلامية بأيّ عقد يقع بين الناس، إذا كان مشروعاً، وإنْ لم تُسَمِهِ باسمه. والشريعة الإسلامية تضع ضابطاً عاماً للمعاملات، وهو أنَّ كل معاملة جلبتْ نفعاً للمجتمع أباحتها الشريعة الإسلامية، وكل معاملة جلبتْ ضرراً منعتها( ). “والمشروعات [أي ما شرعه الشارع الحكيم] إنما وُضِعَتْ لجلب المصالح ودرء المفاسد”( ).
والأصل في الشريعة الإسلامية أنَّ العقد يتم برضا المتعاقدين، وأنَّ آثاره تترتب بناء على ارتباط إرادتيهما( ). وأنَّ العقود “تنعقد بكل ما دَلَّ على مقصودها من قولٍ أو فعل، فكل ما عدَّه الناس بيعاً أو إجارةً، فهو بيع وإجارة، وإنْ اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال، … ليس لذلك حَدّ مستقر، لا في شرع ولا في لغة)( ).
كما أنَّ الشريعة الإسلامية أباحتْ بعض المعاملات في حالة الضرورة أو الحاجة الماسة، فقد أباحتْ “زمرة من العقود والتصرفات خلافاً للقياس، ومقتضى القواعد العامة، لحاجة الناس العامة إليها، مثل: عقد السلم مع أنه بيع معدوم مشتمل على غرر( ) منهي عنه، وعقود الإقالة، والحوالة، والرهن، والقرض، والشركة، والصلح، والوكالة، والإجارة، والمساقاة، والمزارعة، والمضاربة، والعارية، والإيداع”( ).
فالشريعة الإسلامية تجيز مثل هذه العقود مراعاةً لبعض القواعد العامة، مثل قاعدة: “مراعاة الحاجة، ورفع المشقة”، وقاعدة: “عموم البلوى”، وقاعدة: “الضرورة”، وغيرها. كما أنها تنظر إلى مقتضى القواعد العامة: مثل أنَّ الإنسان لا ينتفع إلاَّ بما هو ملكه، ولا يستوفي حقه إلاَّ ممن هو في ذمته، ولا يؤاخذ بكلام غيره، ولا يتصرف في أموره إلاَّ بنفسه.
ومع هذا كله نرى الشريعة الإسلامية أجازتْ الانتفاع بملك الغير، بطريق الإجارة، والإعارة، والقرض. وأجازتْ الاستعانة بالغير، وكالةً، وإيداعاً، وشركةً، ومضاربةً، ومساقاةً، ومزارعة. وأجازتْ أنْ يستوفي الشخص حقه من غير المدين، حوالةً، وشرعتْ طرق الاستيثاق للديون بطريق الرهن، والكفالة، وغير ذلك من الطرق التي تخالف مقتضى ظاهر القواعد العامة للعقود( ).
وعقد الإذعان يخالف قاعدة حرية التعاقد( )، ويخالف قاعدة الرضائية( ). فالأصل في الشريعة الإسلامية إجراء العقود، وإبرامها برضا المتعاقدين، وكذلك الأمر في القانون الوضعي. ولا يخرج العقد عن هذه القواعد ومقتضياتها، إلاَّ لمصلحة تقتضيها الضرورة، أو الحاجة الماسة، أو عموم البلوى( ).
وقد كَثُرَ التعامل في عقود الإذعان، وشاركتْ فيها الشركات والحكومات، ونظمها القانون وأفرد لها أحكاماً خاصة بها، مثال ذلك المادة 45 من قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م( ) والتي نصها: “يعتبر التسليم بشروط مقرّرة يضعها الموجب في عقد الإذعان قبولاً، مع مراعاة أي قيود مقرّرة لعقود الإذعان في القانون”.
وقد وردتْ المادة (118) من القانون المذكور نفسه، واضعةً بعض القيود على عقود الإذعان، فنصت على أنه: (إذا تَمَّ العقد بطريق الإذعان، وتضمنَّ شروطاً تعسفية، جاز للمحكمة أنْ تعدِّل هذه الشروط، أو أنْ تعفي الطرف المذعن منها، وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة. ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك).
وبهذا النص حَدَّ الشارع (المشرِّع) السُّـوداني من الشروط التعسفية التي ترد في عقود الإذعان، وهذا النص يُعدُّ “أداة قوية في يد القاضي يحمي بها الطرف المذعن من جشع التجار، ويكسر بها شوكة شركات الاحتكار، وذلك إمّا عن طريق تعديل الشروط الواردة في العقد، أو عن طريق إعفاء الطرف المُذْعِن من تنفيذ هذه الشروط”( ).
ونظراً لعموم البلوى، بعقود الإذعان، واضطرار طالب السلعة أو الخدمة المُحْتَكَرة إلى إجراء العقد عن طريق الإذعان. وبناءً على ما قَدَّمْتُ من أنظار الفقهاء في إباحة العقود أو منعها، فإنه يمكن تخريج مذاهب الفقهاء الإسلاميين بالنسبة لإباحة عقود الإذعان أو منعها، على النحو التالي:

[أ] مذهب جمهور الفقهاء( ):
وهذا المذهب يُخَرَّجُ على قواعد جمهور الفقهاء، وفحواه أنه يجوز التعاقد عن طريق الإذعان، وذلك مراعاةً للمصلحة التي تقتضيها الضرورة، والحاجة الماسة، ومراعاةً لعموم البلوى بعقود الإذعان في هذا العصر الذي تعقَّدت فيه صور المعاملات، بل أساليب الحياة عامة.
ولا بُدَّ لمن يقول بهذا المذهب من مراعاة القواعد الفقهية، والضوابط التي قرَّرها القانون للحد من الشروط التعسفية التي ترد في العقد، وذلك بهدف إزالة الغبن الذي يقع على الطرف المُذْعِن، وإعادة التوازن إلى العقد، وهذا المذهب مبنيٌّ على قاعدة: “أنَّ الأصل في العقود الإباحة، إلاَّ ما دَلَّ الشارع على تحريمه”( ).

[ب] مذهب الظاهرية:
وهذا المذهب يمكن تخريجه على ما قرَّره الإمام ابن حزم الظاهري( ) بقولـه في إباحة العقود وحظرها: “إنَّ كل عقد، أو شرط، أو عهد، أو نذر التزمه المرء، فإنه ساقطٌ مردود، ولا يلزمه منه شيء أصلاً، إلاَّ أنْ يأتي نص، أو إجماع على أنَّ ذلك الشيء الذي التزمه بعينه واسمه، لازم له. فإنْ جاء نص، أو إجماع بذلك لزمه، وإلاَّ فلا. والأصل براءة الذمم من لزوم جميع الأشياء إلاَّ ما ألزمنا إيَّاه نص أو إجماع، فإنْ حكم حاكم بخلاف ما قلنا فسخ حكمه، ورُدَّ بأمر النبي  الذي يقول: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)( ).
وهذا المذهب فحواه أنَّ الأصل في العقود والشروط الحظر والمنع إلى أنْ يقوم دليل الإباحة. وعلى هذا فإنَّ عقد الإذعان يُعَدُّ عند الظاهرية عقداً ممنوعاً، ويبطل إجراؤه، ولا تترتب على انعقاده أي آثار عقدية، فهو باطل، إذ لم يرد به نص من قرآن أو سنة أو إجماع، لا باسمه، ولا بعينه، ولا بوصفه.
والراجح ـ عندي ـ هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وذلك لأنَّ نصوص الكتاب والسُّنَّة محدودة ومتناهية، وأقضية الناس غير محدودة ولا متناهية، ولأن كثيراً من الأقضية قد حدثتْ بعد عصر النبي ، ولم يرد بها نص من قرآن ولا سنة، ولا إجماع، فإذا لم يجتهد فقهاء عصر الحادثة الجديدة في البحث لها عن حكم شرعي وفق ضوابط الشرع، يقع الناس في حرج ومشقة شديدين، ورفع الحرج ودفع المشقة أمرَ بهما الشارع الحكيم.
كما أنَّ الحكمة من فتح باب الاجتهاد اقتضتها صلاحية الشرع الإسلامي لكل زمان ومكان، وهذا ما قرَّره النبي ، فيما يرويه عنه عمرو بن العاص ، إذ قال عليه الصلاة والسلام: (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ، فاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ،وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)( ).
فبذل الجهد وإفراغ الوُسع، وإعمال الفكر، والتنقيب في النصوص لفهمها، وسبر غورها، وعرض محدثات القضايا عليها، والاجتهاد في البحث لها عن أحكام شرعية، أمرٌ تقرُّه نصوص الشارع الحكيم، وجرى عليه العمل منذ عصر النبوة وحتى يوم الناس هذا( ).

الفصل الثالث معالجة قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م للشروط التعسُّفية الواردة في عقود الإذعان

المبحث الأول المرجعية الشرعية لقانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م

في ظل التطوُّر التشريعي في السُّـودان، الذي انتهى باعتماد الشريعة الإسلامية أصلاً لجميع التشريعات في السُّـودان، ابتداءً من النصف الثاني من عقد السبعينات، والذي تُوِّج بإصدار تشريعات متتالية بلغتْ قمتها في سبتمبر 1983م؛ بإصدار قانون العقوبات السُّوداني لسنة 1983م، الذي أثار ضجة كبيرة داخل السُّـودان وخارجه. في ظل هذه التطوُّرات صدر قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م، الذي أُلغيتْ بموجبه عدة قوانين( )، وهي:
[أ] قانون تقييد تصرُّف السُّـودانيين في الأراضي لسنة 1918م.
[ب] قانون التصرُّف في أراضي المدن والقرى غير المأهولة لسنة 1922م.
[ج] قانون استرداد الأموال الضائعة والمسروقة لسنة 1924م.
[د] قانون الشُّفعة لسنة 1928م.
[هـ] قانون التقادم المُكسِب للملكية والتقادم المُسقِط لسنة 1928م.
[و] قانون الأراضي غير المسجَّلة لسنة 1970م.
[ز] قانون تقييد الإيجارات لسنة 1982م.
[ح] قانون البيع لسنة 1974م.
[ط] قانون الوكالة لسنة 1974م.
[ق] قانون العقود لسنة 1974م.
[ك] الفصل الخامس من قانون تسوية، الأراضي وتسجيلها لسنة 1925م.
ظهر قانون المعاملات المدنية السُّـوداني مستنداً إلى توجه الدولة آنذاك نحو تطبيق الشريعة الإسلامية، مما حدا بها إلى مراجعة القوانين لتتماشى مع الشريعة الإسلامية( )، ووفقاً لما جاء في دستور السُّـودان الدائم لسنة 1973م، من أنَّ دين الدولة هو الإسلام.
وقد حسم دستور جمهورية السُّـودان لسنة 1998م مسألة مصادر التشريع، إذ نص صراحةً على أنَّ: “الشريعة الإسلامية وإجماع الأمة استفتاءً، ودستوراً، وعرفاً، هي مصادر التشريع، ولا يجوز التشريع تجاوزاً لتلك الأصول، ولكنه يهتدي برأي الأُمَّة العام، وباجتهاد علمائها ومفكريها، ثم بقرار ولاة أمرها”( ).
والدستور في أيّ دولة يُعدُّ هو أبو القوانين، ولهذا فإنَّ مواد قانون المعاملات المدنية السُّـوداني يجب ألا تخرج عن ما قرَّرته المادة (65) من دستور جمهورية السُّـودان لسنة 1998م، التي تنص على أنَّ الشريعة الإسلامية تُعدُّ المصدر الأول للقوانين، وهذا ما أشارتْ إليه المـادة (3) من قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م، التي تنص على الآتي: “تسترشد المحاكم في تطبيق هذا القانون، وتفسير الكلمات والعبارات الواردة فيه، وكذلك في حالات غياب النص؛ بالمبادئ الشرعية، وتتبع القواعد المنصوص عليها في قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م”.
وقانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م( )، حدَّد مبدأً عاماً يتبعه القضاة عند تطبيقهم للتشريع، وهو أنْ يستصحب القاضي: “أنَّ المشرع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية تعطيلاً لواجب قطعي، أو إباحة لمحرَّم بيِّن، وأنه يراعي توجيهات الشريعة في الندب والكراهة”( ).
وقد أفصحتْ المادة 3-(أ) من قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م عن مرجعية الشريعة الإسلامية، فنصت على الآتي: “يُطبِّق القاضي ما يجد من حكم شرعي ثابت بنصوص الكتاب والسُّنَّة”. هذا في حالة غياب النص التشريعي الذي يحكم تلك الواقعة.
هذه هي المرجعية الشرعية التي استند عليها قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م.
إذا كان هذا هو منطلقه، فكيف عالج هذا القانون مسألة الشروط التعسُّفية التي ترد في عقود الإذعان؟ هذا ما سأبحثه فيما يلي.

المبحث الثاني: معالجة القانون للشروط التعسُّفية الواردة في عقود الإذعان

بما أنَّ قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م يأخذ مشروعيته من الشريعة الإسلامية، وبما أنَّ مبادئ الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة تمنع الظلم، وتوجب رفعه عن المظلومين، فقد قرَّر قانون المعاملات المدنية رفع الظلم الذي يقع على الطرف المُذْعِن، وإقامة العدل، بهدف رَدّ العقد إلى أصله، إذ أنه من القواعد المقررة للعقود: “تساوي الطرفين في الأخذ والإعطاء، وتمام رضاهما بالعقد، وحرية إرادتيهما في اشتراط الشروط، وترتيب الآثار العقدية على العقد”.
فإعمالاً لهذه المبادئ، وضع قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م، قيوداًَ تحد من أثر الشروط التعسُّفية الواردة في العقد أو تلغيها كليةً أو تعدّلها، فقد أجاز القانون للمحكمة التدخُّل لتعديل الشروط التعسُّفية الواردة في العقد، أو إعفاء الطرف المذْعِن منها، وهذا ما نصت عليه المادة (118) التي جاء فيها: “إذا تَمَّ العقد بطريق الإذعان، وتضمَّن شروطاً تعسُّفية، جاز للمحكمة أنْ تُعدِّل هذه الشروط، أو أنْ تعفي الطرف المُذْعِن منها، وذلك وفقاً لِمَا تقضي به العدالة، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك”( ).
هذه المادة تُعَدُّ أداةً قوية في يد المحكمة تستخدمها لإعادة العقد لطبيعته، وتطبق من خلالها قواعد العدالة، حتى لو اتفق الطرفان على عدم تعديل الشروط، ورضيا بها وكان فيها إجحاف في حق الطرف المذعِن، فإنَّ اتفاقهما لا يكون حجة على المحكمة، بل يحق لها التدخُّل إمّا لتعديل الشروط التعسُّفية، أو إعفاء الطرف المُذْعِن منها( ).
وهذا الأمر يحقق المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، ومقاصدها، من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد أنَّ من القواعد المعلومة في الفقه الإسلامي والقانوني أنَّ الشك يُفسَّر لمصلحة الطرف الذي يقع عليه الضرر. غير أنَّ الشارع (المشرِّع) السُّـوداني استثنى عقد الإذعان من ذلك، فقرَّر أنَّ الشك الناتج عن الغموض المصاحب للشروط الواردة في عقود الإذعان يُفسَّر في مصلحة المذعِن لا غيره( ). وهذا ما نصت عليه المادة (102) من قانون المعاملات المدنية السُّوداني لسنة 1984م: “يُفسَّر الشك في مصلحة الطرف الذي يُضار من الشرط، ومع ذلك لا يجوز أنْ يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المُذعن”.
فهذه المادة قرَّرتْ المبدأ العام في حالة الشك، وهو أنَّ الشك يُفسَّر لمصلحة الطرف المتضرر. واستثنتْ منه حالة عقود الإذعان، مراعاةً لخصوصية هذا النوع من العقود، ولأن الطرف القوي هو الذي يملي تلك الشروط.
من هذا العرض يتضح أنَّ قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م قد سعى لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، وتحقيق مقاصدها العامة، المتمثلة في: جلب المصالح، ودرء المفاسد، وإقامة العدل. وذلك من خلال القيود التي وضعها لضبط المعاملات المدنية عامةً، وعقود الإذعان خاصةً. وبهذا يكون القانون قد عالج الشروط التعسُّفية الواردة في عقود الإذعان، وأعاد العقد إلى طبيعته.

الفصل الرابع الممارسات المعيبة المصاحبة لعقود الإذعان

(أنموذج الهيئة القومية للكهرباء)
في هذا الفصل أشير إلى بعض الممارسات المصاحبة لعقود الإذعان، في مبحثين:
أحدهما: في ممارسات الهيئة القومية للكهرباء المصاحبة لعقود الإمداد بالتيار الكهربائي.
والثاني: في المعالجة المقترحة للممارسات المعيبة المصاحبة لعقود الإذعان.
المبحث الأول: بعض ممارسات الهيئة القومية للكهرباء المصـاحبة لعـقود الإمـداد بالتيار الكهربائي
لم ينص قانون الكهرباء لسنة 2001م صراحةً على إمداد الزبون( ) بالكهرباء، ولكنه أشار إلى ذلك ضمناً في مواضع متفرقة منه. من ذلك
ما ورد في اختصاصات الجهاز(2)، فقد نص القانون على الآتي:
أ- “وضع السياسات والقواعد العامة المتعلقة بتوليد الطاقة الكهربائية ونقلها وتوزيعها، ورفعها للوزير للموافقة عليها”. فكلمة توزيعها تَدُلُّ على الإمداد بالكهرباء( ).
هـ- “التوصية للوزير للموافقة على أسعار الطاقة الكهربائية وقوائم الأسعار”.
وكذلك نصت المادة 5-(1) على أنه: “يجوز للوزير بالتشاور مع الهيئة الترخيص لأي جهة، أو شخص بتوزيع الطاقة الكهربائية في المناطق التي توزع فيها الهيئة”.
هذه النصوص تَدُلُّ على توزيع وإمداد المستهلكين بالكهرباء، يُضاف إلى ذلك الواقع العملي، الذي يتمثل في حاجة الناس كافةً للكهرباء، وانتشار استخدامات الكهرباء في دواوين الدولة، ومدخلات الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي والطبي وغيرها. والمقصد الفعلي من توليد الطاقة الكهربائية هو الاستفادة منها في المصلحة العامة.
هذا بعض ما ورد في القانون من إشارات ضمنية خاصة بالإمداد الكهربائي.
أمَّا اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء لسنة 1993م؛ فقد أشارتْ صراحةً إلى الإمداد بالكهرباء، وكيفية تقديم طلبات الإمداد بها، والضمانات المطلوبة من طالب الإمداد بالكهرباء. وأشارتْ اللائحة إلى كيفية فحص الطلبات، ومتى يتم تزويد مقدِّم طلب الإمداد بالكهرباء بها، إلى غير ذلك من المسائل( ).
وقد أكَّدت اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء رغبتها في مَدّ المستهلكين بالطاقة الكهربائية، إذ نصتْ صراحةً على مساهمة مقدِّم الطلب في التكلفة الكلية للكهرباء في المادة 12-(1) التي تنص على أنه: “يجوز للهيئة أنْ تَمُدَّ مقدم الطلب بالتيار الكهربائي متى ما اكتملت إجراءات الطلب، وتَمَّ دفع مساهمته في تكلفة المعدات( ) الخاصة بالتوصيل حسب جدول المساهمات المقررة السارية المفعول، أو التكلفة التي تُحدِّدها الهيئة من وقت لآخر، وتعتبر جميع المعدات الخاصة بالتوصيل ملكاً للهيئة على أنْ تتولى الهيئة مستقبلاً تشغيل وصيانة وتجديد تلك المعدات متى ما استدعى الأمر”.
فالمساهمة التي صارتْ أمراً ملزماً للمستهلك بما يُفهم من نص المادة 12-(1) ذاتها، حيث ورد فيها “… وتم دفع مساهمته في تكلفة المعدات الخاصة بالتوصيل حسب جدول المساهمات المقررة السارية المفعول …”، والتي لا يستطيع الزبون أنْ يصل إلى غرضه ـ وهو مَدّه بالتيار الكهربائي ـ إلاَّ إذا دفعها، وهي تُمثِّل تكلفة الشبكة الخارجية للإمداد بالكهرباء، مثل: المحوِّلات في الحالة التي يقتضي الأمر فيها شراء محوِّل، وأعمدة الكهرباء، والأسلاك، وجميع المعدات الكهربائية الخاصة بالشبكة الخارجية( ). ثم بعد ذلك يدفع الزبون قيمة التوصيلات الداخلية الخاصة بمنزله. كل هذا يدفعه الزبون( ) جبراً عنه، وتسميه الهيئة مساهمة.
ومن الممارسات المصاحبة لعقود الإمداد بالتيار الكهربائي الآتي:

[1] تكرار مساهمة الزبون في الشبكة الكهربائية:
[أ] الزبون الذي يقوم بدفع المساهمة المفروضة عليه، هو ذاته دافع الضرائب للدولة، التي يُفترض أنْ تُسخَّر لمصالحه، من خدمات مثل: التعليم، والطرق، والمياه، والصحة، والكهرباء، وغيرها.
فالزبون دفع مساهمته أصلاً لإنشاء تلك الخدمات، عبر دفعه للضرائب الاتحادية، والولائية، وضرائب المحليات( ). وبهذا يكون الزبون قد ساهم في تكلفة الشبكة القومية للكهرباء مرتين، مرة عند دفعه للضرائب، وأخرى عند دفعه لمساهمته الخاصة بالإمداد الكهربائي.
[ب] أيّ منظمة عند وضعها لموازنتها السنوية، تؤسس مصروفاتها على إيراداتها، ولا أشك في أنَّ أكبر بند للإيرادات في الهيئة القومية للكهرباء، هو بند الاستهلاك الشهري للزبائن. ومعلوم أنَّ أهم مصروفات لأيّ منظمة هي: مصروفات الفصل الأول “الأجور والمرتبات”، ثم الفصلين الثاني والثالث، الخاصيْن بالتسيير والتنمية.
والهيئة القومية عند وضعها لتعريفة( ) الاستهلاك الشهري، تضع في اعتبارها بنود الصرف المختلفة، فتحسب على المستهلك قيمة تكلفة تلك البنود ومن بينها شبكات التوصيل الكهربائي، وبهذا يكون المستهلك قد دفع قيمة الشبكة القومية للمرة الثالثة.

[2] بيع الشبكة الكهربائية ذاتها لأكثر من زبون:
إنَّ أغرب ممارسة تمارسها الهيئة القومية للكهرباء تجاه زبائنها؛ هي أنها تقوم ببيع الشبكة الخارجية للتوصيلات الكهربائية ـ في بعض الأحيان ـ لأكثر من زبون. وسَمَّيتُ المسألة بيعاً؛ لأن الممارسة الفعلية تَدُلُّ على البيع، إذ تقوم الهيئة بتحديد أسعار المعدات الخاصة بالشبكة الكهربائية، ثم تطلب من طالب الإمداد بالكهرباء دفعها، فإنْ لم يدفع لا يتم إمداده بالكهرباء، في حين أنَّ اللائحة تسميها مساهمة ولكنها في حقيقتها بيع.
ولأدُلِل على ذلك أسوق المثال الآتي:
نفرض أنَّ شخصاً يريد مَدَّ عقاره بخدمات الكهرباء ـ وبالطبع له جيران ـ عند تقديمه لطلب الإمداد بالكهرباء حسب نص المادة (6) من اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء لسنة 1993م( )، يُفتح له ملف، ثم تُوجِّه إدارة الهيئة القومية للكهرباء جهات الاختصاص بها لزيارة الموقع، بغرض تحديد المعدات الكهربائية المطلوبة للتوصيل، ثم يُصدَّق له فيما بعد. بعد تسلُّمه للتصديق يُوجَّه لإدارة الحسابات لدفع المساهمة المطلوبة منه، وهي تعادل قيمة المعدات المطلوبة لتوصيل الشبكة الخارجية لعقاره من أقرب شبكة كهربائية للعقار. يقوم الزبون بدفع المساهمة، وبعدها تقوم إدارة الهيئة بتوصيل الكهرباء له.
إذا رَغِبَ أحد جيران الشخص المذكور أعلاه في توصيل الكهرباء لعقاره المجاور، ولم يكن قد اشترك مع جاره في دفع قيمة الشبكة الخارجية التي دفع قيمتها جاره المذكور آنفاً، تأمره الهيئة القومية للكهرباء بدفع قيمة تلك الشبكة مرةً أخرى، وهذا الأمر يسري على جميع الجيران الآخرين إذا طلبوا مَدَّهم بخدمات الكهرباء، فلو كان العمود الواحد يَمُدُّ أربعة من الجيران بالكهرباء، فإنهم إنْ لم يكونوا قد اشتركوا في دفع قيمة الشبكة الكهربائية معاً، فإنَّ كل واحد منهم يكون ملزماً بدفع قيمتها مرةً أخرى.
هذا الأمر يضاعف من قيمة الشبكة الخارجية بطريقة غير معقولة، وفيه أكل لأموال الناس بالباطل، لأن الهيئة القومية كان يلزمها أنْ تعيد جزءً من المبالغ التي قام بدفعها جيران مَنْ تَمَّ إمداده بالكهرباء أولاً إليه، إلاَّ أنَّ هذا لا يحدث.
قُمْتُ بمناقشة مدير إدارة التشغيل بالرئاسة، ومدير إدارة التعريفة بها، وبعض مهندسي رئاسة إدارة الهيئة القومية للكهرباء بأم درمان( ) في هذه المسألة، فوجدتهم كلهم مقتنعين بها، بل قال أحدهم: إذا لم نفعل هذا كيف نستطيع تسيير أمورنا؟ قلت له: التسيير مضمن في بند الاستهلاك الشهري للزبائن، وغيره من بنود الموازنة. والحق يُقال: إنَّ الشخص الوحيد الذي اقتنع بأنَّ في المسألة شيء يحيك في النفس هو مدير إدارة التعريفة، وبعض المحاسبين.

هذه الطريقة في المعاملات لم ينص عليها قانون الكهرباء، ولا قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م، ولا اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء، ولا مستند لها على الإطلاق، تعتمد عليه. ولم أجد لذلك تخريجاً في فقه الإسلام.
من هذا يبدو أنَّ إدارة الهيئة القومية للكهرباء قد توسَّعت في فهمها للمادة 12-(1) من اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء، التي ورد فيها: “يجوز للهيئة أنْ تَمُدَّ مُقدِّم الطلب بالتيار الكهربائي متى ما اكتملتْ إجراءات الطلب، وَتَمَّ دفع مساهمته في تكلفة المعدات…”. فطبَّقتْ هذا النص بطريقة لم تُراعِ فيها قواعد العدالة، ولم تُراعِ القواعد العامة التي تحكم العقود، وأطلقتْ يدها في أموال الناس رغبةً في زيادة إيراداتها من غير وجه حق، إلاَّ أنْ تبرِّر فعلها ذلك بأنها هي المالكة للشبكة، إذ أنَّ الشبكة الخارجية والداخلية، بل جميع المعدات الكهربائية تُعَدُّ ملكاً للهيئة بمجرد إكمال الزبون لإجراءات طلبه لمده بالكهرباء، ودفعه لمساهمته في تكلفة الشبكة، وبذلك يكون لها الحق في التصرف في ملكها كيف شاءتْ، وذلك ما نصت عليه المادة 12-(1)، التي تقرِّر ملكية الهيئة لجميع المعدات الخاصة بالتوصيل، حيث نصَّت على أنه “…تعتبر جميع المعدات الخاصة بالتوصيل ملكاً للهيئة على أنْ تتولى الهيئة مستقبلاً تشغيل وصيانة وتجديد تلك المعدات متى ما استدعى الأمر”.
هذا الحق الذي منحته الهيئة لنفسها اقتضاه الواقع العملي، وذلك أنَّ إدارة هذه المعدات، والإشراف عليها، لا يستطيع أنْ يتولاه الزبون، بل يحتاج لجهة تقوم عليه. ولكنه لا يعطيها الحق في بيع المعدات، وبالقيمة نفسها لأكثر من شخص، ولو بأقلَّ من القيمة النهائية لتلك المعدات، باستثناء تكلفة الشبكة الداخلية للتوصيلات، فهذه لا غبار على أنْ تتحصل الهيئة قيمتها من كل زبون على حده.
وهناك ممارسة أخرى على قدر كبير من الخطورة، وهي تصنيع أعمدة الكهرباء بوساطة الزبائن، وفق أمر تشغيل يصدر عن الهيئة، ويتم التصنيع تحت إشراف مهندسيها. آمل أنْ أتناوله في دراسة لاحقة ـ بإذن الله ـ.
هذه بعض الممارسات المصاحبة لعقد الإذعان، لذا لَزِمَ تناول المعالجات المقترحة لمثل هذه الممارسات التي تصاحب عقود الإذعان.

المبحث الثاني: المعالجات المقترحة للممارسات المعيبة المصاحبة لعقود الإمداد الكهربائي

[أ] مشروعية ملكية الهيئة للشبكة الكهربائية:
إنَّ من أهم مميزات عقود الإذعان أنها عقود تَرِدُ على سلع وخدمات مُحْتَكرة للجهة المنتجة لها غالباً، وأنها عقود تكاد تنعدم بشأنها المنافسة، وأنَّ الطرف القوي في العقد “المُحتكِر” هو الذي يملي شروطه، وأنَّ الطرف الضعيف لا يحق له مناقشة تلك الشروط، أو الاعتراض عليها. فعقود الإذعان عبارة عن استجابة واقعية للاحتكار.
أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية على منع احتكار أقوات الناس، واختلفوا فيما وراء ذلك، ولكنهم اتفقوا على أنَّ “الحكمة في تحريم الاحتكار [هي] دفع الضرر عن عامة الناس”( ).
ومستند العلماء في تحريم الاحتكار هو قوله : (مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ)( )، وهذا الحديث “صريحٌ في تحريم الاحتكار”( ). ويلاحظ أنَّ لفظ الحديث جاء عاماً لجميع أوجه الاحتكار، لا لاحتكار الأقوات وحده.
وأنَّ من باع بيعاً لرجلين فهو للأول منهما، وذلك لقوله : (أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَمَنْ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا)( ).
فالهيئة القومية للكهرباء ـ في بعض الحالات ـ تبيع الشبكة أكثر من مرة ـ كما سبق ـ فملكية أصل الشبكة لمن دفع قيمتها من الزبائن، وإنْ نصت اللائحة على خلاف ذلك.
وملكية الهيئة للشبكة اقتضتها المصلحة العامة، وهي دليل شرعي واقتضاها واقع الحال، إذ أنَّ الشبكة تحتاج إلى جهة تقوم على شؤونها حتى لا تضار مصلحة المجتمع ولكنها لا تبرِّر تصرفها في بيع الشبكة ذاتها أكثر من مرة، لأن ذلك يخالف ما ذهب إليه قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م من أنَّ القاضي يستصحب: “أنَّ المشرِّع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية، تعطيلاً لواجب قطعي، أو إباحة لمحرَّم بيِّن، وأنه يراعي توجيهات الشريعة في الندب والكراهة”( ).
ومراعاة توجيهات الشريعة تقتضي ألاَّ يُظلم أحد من أفراد المجتمع قط، وإعمالاً لمبدأ أنَّ المشرِّع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية، تفسر اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء على هذا الأساس. فحيث ما وُجِدَتْ مخالفة تشريعية تخالف قواعد الشريعة الإسلامية، أو تخالف مقتضى تلك القواعد، يصار إلى أنَّ المشرِّع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية.

[ب] مقترح معالجة الممارسات المعيبة المصاحبة لعقود الإمداد الكهربائي:
إنَّ قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م هو المرجع في شأن المعاملات المدنية عند تنازع القوانين، وعلى ذلك نصت المادة (10) منه: “يكون هذا القانون هو المرجع في تكييف العلاقات المدنية عندما يطلب تحديد نوع هذه العلاقات في قضية تتنازع فيها القوانين لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها”.
وهذا لا يتعارض مع ما ذهب إليه القانون في مسألة مراعاة القوانين الخاصة، إذ نص على الآتي: “تراعى القوانين الخاصة، وتُقدَّم عليها المبادئ الأساسية، وأحكام هذا القانون حيث ينص على ذلك)”. وقد نص قانون المعاملات المدنية ذاته على الآتي: “تُطبَّق أحكام هذا القانون على جميع الالتزامات والحقوق الناشئة عن المصادر الآتية:
[أ] العقد.
[ب] الملكية بوجهٍ عام.
[ج] الإثراء بلا سبب مشروع”( ).
وهذه كلها واضحة في قانون الكهرباء لسنة 2001م.
ونص القانون على القواعد الأساسية لتطبيق أحكامه والتي منها الفقرات الآتية:
[ي] “على اليد ما أخذت حتى تؤديه”. وبيع الشبكة لأكثر من زبون يخالف هذا المبدأ.
[ن] “الأمر بالتصرُّف بملك الغير باطل إلاَّ بإذنه”. فأين إذْنُ الزبون؟
[ق] “يُضاف الفعل إلى الفاعل ما لم يكن مجبراً”. والهيئة غير مجبرة في تصرفها بالبيع.
[ر] “المباشر ضامن وإنْ لم يتعمَّد”. والهيئة باشرت البيع.
[ث] “العقد شريعة المتعاقدين”. وعقد البيع يقتضي ملكية المشتري للمبيع.
[خ] “يجب الضمان على من استعمل حقه استعمالاً غير مشروع”. فيلزم الهيئة ردّ الأموال التي أخذتها بغير وجه حق من الزبائن.
[ز] “الضرورات تبيح المحظورات، على أنَّ الاضطرار لا يبطل حق الغير”. فملكية الشبكة حق للزبون.
[ض] “ما ثبت خلاف القياس فغيره لا يُقاس عليه”. وبيع الشبكة أكثر من مرة يخالف القياس.
[ط] “لا اجتهاد مع النص”( ). والهيئة خالفتْ جميع المبادئ الشرعية الواردة في هذا الشأن.
كما أنَّ القانون نص على أنَّ منافع الشيء لا تكون إلاَّ لمالكه، وهذا ما نصت عليه المادة 516-(2): “لمالك الشيء وحده أنْ ينتفع بالعين المملوكة، وبغلتها، وثمارها، ونتاجها، ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائزة شرعاً”.
وقد منع قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م نزع ملكية الأشخاص، وحدَّد الحالات التي يمكن فيها نزع ملكية الأشخاص، وعالج طرق نزع الملكية. وهذا ما نص عليه القانون إذ قال:
1- لا يُنزع ملك أحد إلاَّ بسبب شرعي.
2- لا يُنزع ملك أحد إلاَّ للمنفعة العامة، وفي مقابل تعويض عادل، ووفقاً لأحكام القانون)( ). فأين تعويض الهيئة للزبون؟
في ضوء هذه النصوص الواردة في قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م، وقانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م. وهما قانونان حاكمان على قانون الكهرباء لسنة 2001م، ولائحته التجارية لسنة 1993م. وبناءً عليه أقترح المعالجات الآتية بغرض رَدّ العقد إلى طبيعته:
[1] مراجعة وزارة الكهرباء، وإدارة المبيعات التابعة للهيئة القومية للكهرباء، موقف الهيئة القومية للكهرباء من بيع شبكة توصيلات الكهرباء لأكثر من زبون ـ في بعض الحالات ـ وذلك للأسباب الآتية، والتي تقتضيها سيادة قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م، على جميع القوانين الأخرى في مسألة تكييف العلاقات المدنية:
[أ] إنَّ الهيئة القومية للكهرباء تتصرف بملك الغير دون إذنه، وقد باعته الشبكة الكهربائية، والتصرُّف بملك الغير باطل بنص القانون، وبمقتضى العقد.
[ب] إنَّ الزبون يوقِّع عقد الإمداد بالكهرباء وهو مضطر إليه، والاضطرار لا يبطل حق المضطر في ملكه.
وقد نص قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م على أنَّ: “الضرورات تبيح المحظورات، وعلى أنَّ الاضطرار لا يبطل حق الغير”( ). فلا يكون الاضطرار حُجة يُتمسَّك بها في وجه الآخرين.
[ج] إنَّ نزع ملك الغير لا يجوز إلاَّ بسبب شرعي تقتضيه مصلحة عامة، وإذا نُزع ملك الغير للمصلحة العامة، وجب تعويضه تعويضاً عادلاً. وقد نص على ذلك القانون، فقد ورد فيه:
1- لا يُنزع ملك الغير إلاَّ بسبب شرعي.
2- لا يُنزع ملك أحد إلاَّ للمنفعة العامة، وفي مقابل تعويض عادل، ووفقاً لأحكام القانون( ).
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل عَدَلَتْ الهيئة القومية للكهرباء في معاملة طالبي الإمداد بالكهرباء ـ في مسألة بيع الشبكة لأكثر من زبون ـ؟
إنَّ الإجابة التي يقول بها الواقع: اللهم لا. ولكن هل نتعشَّم في عدل إدارة الهيئة؟ الإجابة: اللهم نعم. وذلك لِمَا يتوقعه المرء، ويظنه من وجود قدر كبير من العدالة في نفوس القائمين على إدارة شؤون الهيئة.
[2] تؤول ملكية الشبكة الكهربائية التي يقوم بدفع تكلفتها الزبائن، بكامل معداتها للهيئة القومية للكهرباء. وهذا الأمر تقتضيه مراعاة المصلحة العامة، والمصلحة العامة دليل من أدلة الشرع. وهذا ما نصت عليه المادة 517-(2): “لا يُنزع ملك أحد إلاَّ للمنفعة العامة..”.
[3] تقوم الهيئة القومية للكهرباء بإضافة المبلغ الذي دفعه الزبون مساهمةً منه دون رضاه، وإنْ كان قد اختار الدخول معها في تعاقد لحساب الزبون ما لم يتنازل عنه، وهذا مراعاةً للآتي:
[أ] إنَّ الزبون قد ساهم أصلاً في إنشاء الشبكة الكهربائية عند دفعه للضرائب.
[ب] وأنه ساهم في بناء الشبكة من خلال التزامه بدفع قيمة استهلاكه الشهري للهيئة القومية للكهرباء، لأن تكاليف الإنشاء والتسيير المختلفة تكون الهيئة قد ضمَّنتها موازنتها السنوية ضمن بنود ميزانيتها.
[ج] تطبيقاً لأحكام المادة 517-(2) والتي تنص على الآتي: “لا يُنزع ملك أحد إلاَّ للمنفعة العامة، وفي مقابل تعويض عادل، ووفقاً لأحكام القانون”. ومراعاةً للعدالة التي تقتضيها مبادئ الشريعة الإسلامية التي انبنى عليها قانون الكهرباء، تلتزم الهيئة بتطبيق هذا النص.
[4] تضيف الهيئة القومية للكهرباء فقرة إلى المادة (12) من لائحتها التجارية تبيِّن فيها أنَّ مساهمة الزبون في تكلفة إنشاء الشبكة، تُضاف لصالحه وتُخصم من حساب استهلاكه الشهري. وذلك بغرض رَدّ العقد إلى طبيعته التي تقتضي التعادل في التبادل، وتطبيقاً لأحكام قانون المعاملات المدنية آنفة الذكر، خاصةً المادة (118) منه، والتي نصها: “إذا تَمَّ العقد بطريق الإذعان، وتضمَّن شروطاً تعسُّفية، جاز للمحكمة أنْ تُعدِّل هذه الشروط، أو أنْ تعفي الطرف المُذْعِن منها، وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك”.
ويلاحظ أنَّ العقد الذي يوقعه الزبون مع الهيئة القومية للكهرباء، خالٍ تماماً من أيّ إشارة لِمَا دفعه الزبون من مساهمة في بناء الشبكة الكهربائية( ).
كما يُلاحظ أنَّ الإيصالات المالية لدفع المساهمة ليس بها فقرة تبيِّن الغرض من المبلغ المدفوع، فلا يعرف الزبون لأي غرض دفع المبلغ( ).

الخـاتمــة

إنَّ عقود الإذعان تقوم على الاحتكار، ولهذا لا يَعْجَب المرء إنْ وَجَدَ فيها ممارسات معيبة، لا تقتضيها القواعد العامة للعقود.
وبما أنَّ قانون الكهرباء لسنة 2001م ولائحته لسنة 1993م مقيدان بقانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م، وهو قانون مأخوذ من الشريعة الإسلامية، فقد وضع قانون المعاملات المدنية من المبادئ والضوابط ما يكفل تصحيح الشروط التعسُّفية الواردة في العقد، وكذلك الممارسات المصاحبة للعقد.
وخلاصة الأمر؛ فإنَّ عقود الإذعان من حيث إنها عقود، لا يأباها النظر الشرعي الإسلامي، لأنَّ الأصل في الشريعة الإسلامية إجراء العقود وإبرامها برضا المتعاقدين، ولأن الشريعة قد أباحتْ زمرةً من العقود والتصرفات التي تُجرى على خلاف القياس، وعلى خلاف مقتضى القواعد العامة للعقود، وذلك مراعاةً للمصلحة العامة التي تقتضيها الضرورة، أو عموم البلوى، أو الحاجة الماسَّة، أو يقتضيها رفع الحرج والمشقة( ).
أمّا مسألة أيلولة معدات الشبكة ـ التي يدفع قيمتها الزبون إلى الهيئة القومية للكهرباء ـ فإنَّ المصلحة العامة تقتضيها. والمصلحة أصلٌ من أصول التشريع الإسلامي( ).
ومصالح المجتمع لا تتحقق إلاَّ إذا آلت ملكية الشبكة الكهربائية إلى جهة لها القدرة على تصريف أمور الشبكة وحسن إدارتها ورعايتها.

.. وبالله التوفيق ..

الـمـــلاحــق

الملحق رقم (1) صور إيصالات دفع قيم معدات كهربائية

الملحق رقم (2) عقد إمداد بالكهرباء

المصادر والمراجع

[أ] القرآن الكريم وعلومه:
[1] القرآن الكريم.
[2] ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله (ت: 547هـ): أحكام القرآن، دار الفكر، بيروت ـ لبنان.
[3] القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت: 671هـ ـ 1273م): الجامع لأحكام القرآن، مؤسسة مناهل العرفان، بيروت ـ لبنان، ط/1384هـ ـ 1965م.
[ب] كتب السُّنة وعلومها:
[1] البخاري الجعفي، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن بردزبة: صحيح الإمام البخاري، كتاب الشعب، دار مطابع الشعب، مؤسسة مناهل العرفان، بيروت، لبنان.
[2] الشوكاني اليماني، الإمام محمد بن علي بن محمد (ت 1255هـ): نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، دار الجيل ـ بيروت ـ لبنان، 1973م.
[3] عبد الباقي، محمد فؤاد: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان.
[4] مسلم القشيري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري
(ت 261هـ): صحيح مسلم، مؤسسة مناهل العرفان، بيروت.
[5] النووي، أبو زكريا محي الدين بن شرف (ت 676هـ): شرح النووي على صحيح مسلم، مؤسسة مناهل العرفان، بيروت.
[ج] كتب الفقه الإسلامي وأصوله:
[1] ابن تيمية: مجموع فتاوى شيخ الإسلام، أحمد بن عبد الحليم الحرَّاني، جمع/ عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم العاصمي، النجدي، الحنبلي، وابنه محمد، مطابع دار العربية، بيروت، لبنان، ط/1، 1398هـ.
[2] ابن جزئ، محمد بن أحمد، القرناطي، المالكي: قوانين الأحكام الشرعية، ومسائل الفروع الفقهية (القوانين الفقهية)، تحقيق الشيخ عبد الرحمن حسن محمود، عالم الفكر مصر، ط/1، 1405 ـ 1406هـ، 1985م.
[3] ابن حزم الظاهري، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد
(ت 456هـ): الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق/ لجنة من العلماء، دار الحديث، ط/1، 1404هـ ـ 1984م.
[4] ابن حزم: المحلى بالآثار، تحقيق/ عبد الغفار سليمان البنداري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
[5] ابن رشد (الحفيد)، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد، القرطبي، الأندلسي (ت 595هـ): بداية المجتهد ونهاية المقتصد، طبعة جديدة كاملة في مجلد واحد، تحقيق الشيخين/ علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط/1،
1422هـ ـ 2002م.
[6] الزحيلي، أ.د. وهبة: الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر، ط/4 معدَّلة، 1414هـ ـ 1997م.
[7] الزحيلي: نظرية الضرورة الشرعية، مقارنة مع القانون الوضعي، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ودار الفكر، دمشق، سوريا، ط/4، 1418هـ ـ 1997م.
[8] الزرقاء، مصطفى أحمد: المدخل الفقهي العام، دار الفكر، مطبعة طربين، دمشق، 1387هـ ـ 1968م.
[9] السمرقندي، علاء الدين (ت: 539هـ): تحفة الفقهاء، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط/1، 1405هـ، 1984م.
[10] السيوطي، الإمام جلال الدين عبد الرحمن (ت: 911هـ): الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط/1، 1403هـ ـ 1983م.
[11] الشاطبي، أبو إسحاق، إبراهيم بن موسى، اللخمي، القرناطي، المالكي (ت: 790هـ): الموافقات في أصول الشريعة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط/1411هـ ـ 1991م.
[12] الشافعي، الإمام محمد بن إدريس: الأم، دار المعارف للطباعة والنشر، ط/2.
[13] الصابوني، د. عبد الرحمن: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مطبعة جامعة دمشق، ط/4، 1410ـ 1411هـ، 1990 ـ 1991م.
[14] الضرير، د. الصديق محمد الأمين: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي “دراسة مقارنة”، دار الجيل، بيروت، لبنان، ط/2،
1410هـ ـ 1990م.
[15] عبد الكبير، د. عبد الباقي (مايار): المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، تقديم د. سليمان محمد كرم، دون مكان طبع، ط/2،
سبتمبر 2003م.
[15] العز بن عبد السلام (ت: 660هـ): الفوائد في اختصار القواعد (القواعد الصغرى)، تحقيق/ أيَّاد خالد الطَّباع، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط/1، 1416هـ ـ 1991م.
[16] العيني الحنفي، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى، بدر الدين: البناية في شرح الهداية، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط/2،
1411هـ، 1990م.
[17] القرافي، الإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس
(684هـ ـ 1285م): الذخيرة، تحقيق الأستاذ/ محمد أبو خيزة، دار الغرب الإسلامي، ط/1، 1994م.
[18] بوكروشة، حليمة: معالم تجديد المنهج الفقهي، أنموذج الشوكاني، كتاب الأمة، العددان (90 ـ 91)، السنة الثانية والعشرون، ط/1، رجب ـ رمضان 1423هـ ـ سبتمبر 2002م.
[19] أبو زهرة، محمد، الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية، دون مكان طباعة، ودون تاريخ طبع.
[د] كتب القانون وشروحه:
[1] دستور جمهورية السُّـودان لسنة 1998م.
[2] بشير، د. أبو ذر الغفاري: العقد والإرادة المنفردة في القانون السُّـوداني، دار جامعة أم درمان الإسلامية للطباعة والنشر، ط/4، 2001م.
[3] حبيب، د. ثروت: المصادر الإرادية للالتزام في القانون المدني الليبي، منشورات جامعة قاريونس، 1398هـ ـ 1987م.
[4] السنهوري، د. عبد الرزاق أحمد: نظرية العقد، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزامات، دار الفكر، بيروت، لبنان، دار الكتب المصرية، 28/رجب/1353هـ ـ 6/نوفمبر/1934م.
[5] الصدَّة، د. عبد المنعم فرج: نظرية العقد في قوانين البلاد العربية.
[6] علي (المحامي)، محمد صالح: شرح قانون المعاملات المدنية السُّوداني لسنة 1984م، دار جامعة أم درمان الإسلامية للطباعة والنشر.
[7] قانون أصول الأحكام القضائية السُّـوداني لسنة 1983م، ط/6، مايو 1993م، المجلد الثامن.
[8] قانون الكهرباء السُّـوداني لسنة 2001م.
[9] قانون المعاملات المدنية السُّـوداني لسنة 1984م.
[10] اللائحة التجارية للهيئة القومية للكهرباء لسنة 1993م.
[11] د. همام محمد محمود، ود. محمد حسين منصور: مبادئ القانون، منشأة المعارف، الإسكندرية.
[هـ] كتب معاجم اللُّغة:
[1] المقرى الفيومي، العلامة أحمد بن محمد بن علي: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان.
[2] ابن منظور الإفريقي، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم: لسان العرب، دار صادر، بيروت.
[و] كتب سير الرجال والتراجم:
[1] ابن خلكان، أحمد بن محمد بن أبي بكر (608 ـ 681هـ): وفيَّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق/ د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت ـ لبنان.
[2] الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (ت: 748هـ ـ 1374م) العِبَر في خبر من غبر، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد ابن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1405هـ ـ 1985م.
[3] الذهبي، تذكرة الحُفَّاظ، وضع حواشيه زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1419هـ ـ 1998م.
[4] الزركلي، خير الدين: الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، دار الملايين، بيروت ـ لبنان، ط/6، تشرين الثاني (نوفمبر) 1984م.
[5] أبو زهرة، الإمام محمد: ابن حنبل: حياته وعصره ـ آراؤه وفقهه، دار الفكر العربي، صفر 1367هـ ـ ديسمبر 1947م.
[6] السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد (849 ـ 911هـ) (1445 ـ 1505م): طبقات الحُفَّاظ، تحقيق/ علي محمد عمر، مكتبة النهضة، القاهرة ـ مصر، ط/1، رجب 1393هـ، أغسطس 1973م.
[7] كحالة، عمر رضا: معجم المؤلفين، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان.
[ز] الرسائل الجامعية:
[1] صالح، محمود حمودة: النجاسة وأثرها في عقد البيع في الفقه الإسلامي “دراسة مقارنة”، إشراف/ د. سليمان محمد كرم، رسالة ماجستير أُجيزت في رجب 1423هـ ـ سبتمبر 2002م، من جامعة أم درمان الإسلامية، كلية الشريعة والقانون، بحث غير مطبوع.
[ح] المقابلات:
[1] مقابلة مع: أ.د. وهبة الزحيلي عام 2001م.
[2] مقابلة مع: مدير إدارة التعريفة بالهيئة القومية للكهرباء ـ الرئاسة.
[3] مقابلة مع: مدير إدارة التشغيل بالهيئة القومية للكهرباء ـ الرئاسة.
[ط] الملاحق:
[1] الملحق رقم (1): إيصالات دفع قيم معدات كهربائية.
[2] الملحق رقم (2): عقد إمداد كهرباء.